من تصاريح العمل حتى كافة البيانات الشخصية .. قصة الوحدة الإسرائيلية التي تتحكم في الفلسطينيين !

من تصاريح العمل حتى كافة البيانات الشخصية .. قصة الوحدة الإسرائيلية التي تتحكم في الفلسطينيين !

وكالات – كتابات :

تُسلط شهادات عسكرية نُشرَت حديثًا الضوء على القوة البيروقراطية التي يتمتع بها نظام “إصدار التصاريح”؛ التابع لوحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق؛ (كوجات)، على الفلسطينيين.

في هذا الصدد، نشرت صحيفة (الغارديان) البريطانية تقريرًا لمراسلتها في تل أبيب؛ “بيثان مكيرنان”، تتحدث بالإشارة إلى أن “غويل كارمل”، بعد انضمامه إلى ما أسمته الكاتبة: “جيش الدفاع الإسرائيلي” لأداء خدمته العسكرية، لم يتوقَّع جلوسه أمام جهاز حاسوب لإصدار تصاريح، وإدخال أرقام هوية خاصة بفلسطينيين.

بيروقراطية شديدة..

تنقل الكاتبة عن “كارمل”، الذي يبلغ من العمر: (29 عامًا): “قبل استدعائي إلى صفوف الجيش، كنتُ أُعِد نفسي واحدًا من المنتمين إلى تيار الوسط السياسي. وتكوَّنت لديَّ صورة شاملة عن الاحتلال والقتال الحربي؛ من بين أمور أخرى. لكن الخدمة العسكرية مُمِلة للغاية وشديدة البيروقراطية، لدرجة أنها تستنزف قواك”. وأضاف: “لا يملك الواحد منَّا وقتًا أو طاقة حتى يُفكر في الفلسطينيين بوصفهم بشرًا، ولكنهم مجرَّد أرقام تُكتَب على جهاز الحاسوب، ويقتصر دورك على الضغط على زِر: (موافق) أو (غير موافق) على الطلبات التي يُقدِّمونها للحصول على تصاريح سفر”.

ويؤكد التقرير أن نظام الحكم العسكري الشامل الذي أنشأه الاحتلال الإسرائيلي في “الضفة الغربية” و”قطاع غزة”، هو أحد الأشياء التي يسمع عنها كثير من الإسرائيليين لأول مرة، بعد أن نُشرَت شهادات بعض المحاربين القدماء الذين كشفوا زيغ “نظام التصاريح” الذي يتحكَّم في الفلسطينيين والأراضي الفلسطينية على حدٍّ سواء. ومع أن هذا الاحتلال الذي بدأ منذ 55 عامًا قد يُمثِّل أكثر الصراعات الموثَّقَة توثيقًا جيدًا في التاريخ الحديث، فإنه لا يمكن إدراك حجم القوة البيروقراطية ومدى عمقها، تلك التي تتمتع بها الهيئات العسكرية الإسرائيلية إدراكًا وافيًا.

وحدة “كوجات”..

يُشير التقرير البريطاني؛ إلى أن وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق التابعة لما أسمته الكاتبة: “وزارة الدفاع الإسرائيلية” تُعنى إلى حدٍ كبير بإصدار المستندات الورقية وتجهيزها، واعتماد التصاريح الطبية، وتصاريح العمل، بهدف دخول “تل أبيب” أو السفر إلى خارج البلاد والتحكُّم في تدفُّق الواردات والصادرات وتخطيط البنية التحتية وتوزيع الموارد الطبيعية.

ونادرًا ما تُجرى دراسات متعمِّقَة للنظر في نشاطات “وحدة كوجات”، فضلًا عن عدم خضوعها لآليات التحقيق. وإلى جانب أن هذه الهيئة الإدارية العسكرية تلجأ إلى العنف، يرى بعض الفلسطينيين وقدامى المقاتلين الإسرائيليين أنها تُمثِّل جزءًا لا يتجزَّأ من نظامٍ قمعي.

وأضاف “كارمل”؛ الذي خدم أولًا في “مكتب التنسيق العسكري” بين “إسرائيل” و”فلسطين”؛ الذي يقع مقره في “غزة”: “أخبرونا في التدريبات أن كل الخدمات التي نُقدمها للفلسطينيين تأتي بالأساس بدافع السخاء أو صُنع المعروف. ولكننا لم نسأل عن الصورة الأشمل، كالسؤال عن سبب عدم وجود مستشفيات لائقة في هذه المناطق، وهو ما يُجبر السكان على السفر إلى الخارج”.

وتابع: “يَشُن الجيش الإسرائيلي غارة على منزلك في الثانية صباحًا ثم تقف في طوابير لمدة ساعات في الثامنة صباحًا من أجل الحصول على تصريح يسمح لك بأبسط الإجراءات الإدارية. وأظن أن كثيرًا من الإسرائيليين لا يعلمون شيئًا عن هذه الإجراءات. ولا تتَّبِع السلطات الإسرائيلية منهج: (العصا والجزرة)؛ (أي الترهيب والترغيب)، بل تستخدم العصا فقط؛ (في إشارة إلى ممارسة القوة الغاشمة)”.

جمعت منظمة (بريكنغ ذا سايلنس-Breaking The Silence)، وهي منظمة غير حكومية أسَّسها قدامى المقاتلين في جيش الدفاع الإسرائيلي من أجل سرد تجاربهم في إطار من السرية وإعطاء الشعب الإسرائيلي صورة واضحة لما ينطوي عليه الاحتلال المفروض على الأراضي الفلسطينية، لأول مرة هذه الشهادات التي أدلى بها جنود عسكريون خدموا في المكاتب التابعة لـ”وحدة كوجات”؛ خلال العقد المنصرم.

حكمٌ عسكري..

ووفقًا للتقرير، جُمِعَت الشهادات التي جرى التحقُّق منها وأدلى بها عشرات الأشخاص؛ الذين أجرت معهم (بريكنغ ذا سايلنس) مقابلات، بما فيهم “كارمل”، الذي يعمل الآن لدى المنظمة، في كُتيِّب متوفر مجانًا بعنوان: (الحكم العسكري-Military Rule). ويتضمَّن الكتاب شهادات أدلى بها مُقّيمون في “قطاع غزة” المُحَاصَر وجمعتها منظمة (غيشا-Gisha)، وهي منظمة غير حكومية تُركز على حرية حركة الفلسطينيين.

وإذا جمعنا هذا المشروع، فسنجد أن الأشخاص الذين أجروا المقابلات لصالح منظمة (بريكنغ ذا سايلنس) خلُصوا إلى وجود ممارسات متكررة؛ على غرار استخدام العقاب الجماعي، مثل إلغاء تصاريح سفر عائلة بأكملها، ووجود شبكة كبيرة من العملاء الفلسطينيين الذين يتعاونون مع مكتب الإدارة المدنية التابع لـ”وحدة كوجات”، والذي يحكم بعض أنحاء منطقة “الضفة الغربية”، والنفوذ الكبير الذي تتمتع به حركة الاستيطان غير الشرعي الإسرائيلية على عمليات صُنع القرار في مكتب الإدارة المدنية، والمنع التعسُّفي الذي لا أساس له للبضائع المسموح بدخولها وخروجها من “قطاع غزة”.

ويؤكد شاب يبلغ من العمر: (25 عامًا)؛ وخدم لمدة عام واحد من: 2020 إلى 2021، في المقر الرئيس لـ”وحدة كوجات”؛ بالقرب من مستوطنة “بيت إيل”، شمال مدينة “رام الله”، أن: “حجم القوة والسيطرة اللذين كنَّا نتمتع بهما يُثير الدهشة”.

وأضاف: “اكتشفتُ أننا مسؤولون عن اعتماد تراخيص حيازة قوات الأمن الفلسطينية للأسلحة، وهذه إحدى المعلومات التفصيلية التي لا يمكن أن تخطر على البال؛ حتى تجد مجموعة أوراق تخص هذه التراخيص أمامك على المكتب. ومثل هذه الحقائق القليلة التي تُدركها كل يوم توضح لك في حقيقة الأمر مدى ضخامة هذا الاحتلال”.

وتابع: “وقد تمكَّنا من الوصول إلى كمِّ كبير من المعلومات. ولم أكن أعلم مدى عمق نطاق جمع البيانات وشموليته. وفي بعض الأحيان، عندما أشعر بالملل، كنتُ أُدخِل أرقام هوية خاصة بأشخاص فلسطينيين بصورة عشوائية حتى ألاحظ معلومات عنهم. وقد تمكَّنت من معرفة كل شيء عن حياتهم: أعني عائلاتهم وتفاصيل سفرهم وأحيانًا المؤسسات التي يعملون لديها”.

وعرَّج قائلًا: “أتذكرُ ذات مرة أن قائد الوحدة فتح شاشة جهاز الحاسوب ليريني ملف أحد كبار المسؤولين الفلسطينيين فقط من أجل المرح. ولكنَّي كدتُ أفقِد عقلي بسبب المعلومات التي لاحظتها”.

وهناك موضوع شائع في جميع الشهادات التي قدَّمها الجنود العسكريون حول التأثير النفسي للتخلي عن الحكم الذاتي لصالح القوات المسلحة الإسرائيلية، حتى في الأوساط البيروقراطية.

النظام أكبر من الأفراد !

وينتقل التقرير إلى رواية فتاة تبلغ من العمر: (24 عامًا) خدمت في المقر الرئيس لـ”وحدة كوجات”؛ من عام 2017 حتى عام 2018، تقول الفتاة: “عندما التحقتُ بالجيش كنتُ أفكر في أنني سأؤدي خدمتي العسكرية، وأساعد في تغيير الأوضاع إلى الأفضل من الداخل، ولكنني أصبحتُ جزءًا من هذا النظام بمجرد وصولي إلى الوحدة”.

وأضافت: “في بعض الأحيان كان بإمكاني إنهاء أعمالي في وقتٍ مبكر قبل عطلة نهاية الأسبوع؛ (بمعنى أنها لا تذهب إلى العمل في بعض الأيام قبل العطلة الأسبوعية، مما يُعطل مصالح الفلسطينيين)، ولم يكن الضابط المسؤول عني يُمانع إذا فعلتُ ذلك. أو العمل حتى الساعة الخامسة مساءً والاستمرار في تقديم المساعدة للفلسطينيين الذين كانوا ينتظرونني حتى أتسلَّم منهم أوراقهم. ولكنَّ رغباتي تعارضت مع احتياجاتهم. ولا يمكنني تحديد الوقت الذي بدأ فيه سلوكي يتغير، فضلًا عن سبب هذا التغيُّر. كنت أظن أن منظمة (بريكنغ ذا سايلنس) مُخصَّصَة للمقاتلين فحسب، ولكن عندما ذهبت إلى لقائهم والحديث معهم لاحظت أن هناك شهادة أدلت بها فتاة خدمت أيضًا في وحدتي”.

ويختم الكاتب تقريره مستشهدًا بما تقوله الفتاة: “في الجيش لا تفعل إلا ما يُطلَب منك، ولكنك لا تُلاحظ سوى تفاصيل صغيرة من الوضع العام. وقد قضيتُ رحلة طويلة حتى أفهم ما فعلته خلال أداء خدمتي العسكرية وماذا يعني ذلك”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة