خاص : ترجمة – لميس السيد :
أعتادت “الولايات المتحدة” أن تكون القوة المهيمنة في الشرق الأوسط. من “المغرب” إلى “الخليج الفارسي”، شكلت العضلات والتحالفات الأميركية المشهد السياسي والاقتصادي في المنطقة. ولكن لم يُعد الأمر كذلك بعد أن خلق الفراغ الناشيء عن فشل القيادة الأميركية الفرص التي استغلها خصوم “واشنطن”.
كما جاء انسحاب “أميركا” من “العراق” ممهدًا الطريق لوجود إيراني، أدى أيضًا عدم رغبة “الولايات المتحدة” في مواجهة “بشار الأسد”، وهجر المعارضة السورية لتمكين “إيران” و”روسيا” و”تركيا” بالسيطرة على تلك المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية. كما أن إزدواجية إدارة “ترامب” تجاه الجنرال الليبي، “خليفة حفتر”، قد فتحت المجال الشمال إفريقي للتدخل الروسي، وفقًا لما أوردته صحيفة (نيويورك تايمز) الأميركية.
في نيسان/أبريل الماضي، أطلق الجنرال، “خليفة حفتر”، حملة عسكرية للإطاحة بـ”حكومة الوفاق الوطني” الليبية، المعترف بها دوليًا، ووفق الصحيفة الأميركية أدى هجومه إلى إرباك عملية السلام.
وحتى وقت قريب، لم ترفض “الولايات المتحدة” هجوم “خليفة حفتر”؛ ولم تفرض ضده أي عقوبات، بل ذهبت إلى حد تقديم الدعم الضمني لـ”أمير الحرب”؛ عندما أشاد الرئيس، “ترامب”، بـ”دوره الهام في مكافحة الإرهاب”. وفي ظل غياب دور “الولايات المتحدة” الحاسم، أنتهزت “روسيا” فرصة أخرى لتحدي الأسبقية الأميركية من خلال إدراج نفسها كوسيط قوة إقليمية.
تردد وسيطرة..
في حين أن “أميركا” مترددة، استخدمت “روسيا” بهدوء تكتيكات الحرب الهجينة المستخدمة في “أوكرانيا” و”غورغيا” وفي أماكن أخرى؛ لتقلب التوازن لصالح “خليفة حفتر” وتوسع نفوذها في منطقة صراع أخرى. وفقًا لمصادر مطلعة، يقاتل حوالي 1400 مقاول عسكري روسي خاص في “ليبيا” نيابة عن “خليفة حفتر”.
تفيد تقارير المخابرات البريطانية بأن “روسيا” أنشأت قواعد في “بنيغازي” و”طبرق”؛ وطبعت مليارات الدنانير الليبية، كما استحوذت على النظام أكثر من خلال التواصل مع مجموعة من القادة الليبيين وتقديم المشورة لهم، بمن فيهم “سيف القذافي”، نجل الديكتاتور الليبي السابق.
ما يعنيه كل هذا بالنسبة للمصالح الأميركية؛ واضح وهو أن “روسيا” تحل محل النفوذ الأميركي في “شمال إفريقيا”، وذلك أعلى مستويات المخاطرة. وفقًا لـ”يوغين رومر”، مدير برنامج “روسيا وأوراسيا” في مؤسسة “كارنيغي”: “إن اكتساب موطيء قدم في ليبيا، وإمتلاك القرار في أي تسوية مستقبلية في ذلك البلد يُعد نقطة إنطلاق لبناء النفوذ الروسي في شمال إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط”.
كيف تتعامل أميركا مع الواقع الروسي ؟
تقول الصحيفة الأميركية أن “الولايات المتحدة” تستيقظ متأخرًة على الخطر الذي تتسبب فيه إنتهازية “روسيا”. في 25 تشرين ثان/نوفمبر المنصرم، التقى ممثلو “البيت الأبيض” و”وزارة الخارجية” و(البنتاغون)؛ مع “خليفة حفتر”، لإيصال رسالة محددة، “أكدوا على دعم الولايات المتحدة الكامل لسيادة ليبيا وسلامتها الإقليمية، وأعربوا عن قلقهم البالغ إزاء استغلال روسيا للصراع على حساب الشعب الليبي”.
ولكن هذا البيان غير كافٍ لدحر المغامرة الروسية، وفقًا لوجهة نظر الـ (نيويورك تايمز)، ويجب على “الولايات المتحدة” إتخاذ إجراء ذا مغزى من خلال فرض حظر “الأمم المتحدة” على إمداد “ليبيا” بالأسلحة، من خلال معاقبة جميع الجماعات المتورطة في تقديم الأسلحة إلى “ليبيا”، بما في ذلك “روسيا” أو تزويد الجيش الوطني الليبي بأسلحة دفاعية لحماية نفسه ومنع المزيد من التقدم من قِبل قوات “خليفة حفتر”.
وأشارت الصحيفة الأميركية لتصريحات وزير الداخلية الليبي، الذي حذر صناع السياسة الأميركية في زيارة لـ”واشنطن”، الشهر الماضي: “بالنسبة للروس، فإن ليبيا مهمة جدًا من الناحية الجغرافية السياسية، لأن ليبيا لديها احتياطي كبير من النفط والغاز؛ ولدينا خط ساحلي كبير جدًا، بالقرب من أوروبا، عبر قواعد (الناتو)، ولأن ليبيا هي بوابة إفريقيا”.
ولقاء ممثلون من “البيت الأبيض” و”الخارجية” و(البنتاغون)، بـ”حفتر”، يدل على أن “الولايات المتحدة”، تعترف بالواقع، حيث تسيطر قوات “حفتر” على 80 بالمئة من الأراضي الليبية.
كما أكد كبير الباحثين في “معهد الدراسات الخارجية” في جامعة “غونز هوبكنز”، “حافظ الغويل”، أن سر تراجع الولايات المتحدة في ليبيا يعود لأن “على مدى السنوات الماضية لم ترى مصلحة مباشرة لها في ليبيا بعد ما كان لها مصلحة واحدة وهي محاربة (داعش)”.
ولم يخف البيان الصادر عن “الخارجية الأميركية”، بعد لقاء الوفد بـ”حفتر”، القلق الأميركي إزاء هذا التواجد الروسي، حيث أكد المسؤولون الأميركيون لـ”حفتر”: “على دعم الولايات المتحدة الكامل لسيادة ليبيا وسلامتها الإقليمية؛ وأعربوا عن قلقهم البالغ إزاء استغلال روسيا للصراع على حساب الشعب الليبي”.
وفي هذا الصدد؛ أوضح “الغويل” أن: “هناك مصلحة أميركية جديدة ظهرت في ليبيا وهي الوجود الروسي”، لكنه أشار إلى أن “ليبيا” مهمة أكثر لـ”أوروبا”.
وقال إن: “الوجود الروسي في ليبيا سيكون ورقة ضغط روسية على أوروبا؛ ويشكل تهديدًا مباشرًا لها لقرب ليبيا من الشواطيء الأوروبية، وهذا ما ينبه واشنطن على أن ما يحصل في ليبيا قد يخرج عن السيطرة”.