خاص : كتبت – نشوى الحفني :
احتجاجًا على السلطات التي يتهمونها بالفساد والتسبب بأزمة معيشية خانقة، تظاهر المئات أمام مبنى محافظة “السليمانية”، في “إقليم كُردستان العراق”، الجمعة.
وبدأت الاحتجاجات ضد سلطات الإقليم وأحزابه الكبرى، الأسبوع الماضي، على خلفية تأخر دفع رواتب موظفي القطاع العام وإقتطاعها لأشهر.
وبعد خروج تظاهرات في بلدات وقرى في “السليمانية” لأيام متتالية، تجمع المئات، الجمعة، أمام مبنى المحافظة.
ونادى المحتجون بشعارات ضد السلطات المحلية التي اتهموها بالفساد.
وحاول المشاركون غلق الطريق أمام مبنى المحافظة، لكن سرعان ما تدخلت شرطة مكافحة الشغب واستخدمت قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقهم، وفق مراسل (فرانس برس) في المكان.
وتتمتع المنطقة الكُردية في العراق بحكم ذاتي يحظى بدعم غربي، تأسس قبل غزو البلد وإطاحة نظام الرئيس، “صدام حسين”، عام 2003.
وعقب الغزو الذي قادته “الولايات المتحدة”، واصلت سلطات “كُردستان العراق” زيادة عدد موظفي القطاع العام؛ بالتوازي مع مساعي لجذب استثمارات خارجية.
ويعيش 36 بالمئة من الأسر في الإقليم، الذي يسكنه ستة ملايين شخص، على أقل من 400 دولار شهريًا، وفق “الأمم المتحدة”.
ويتصاعد الغضب الشعبي، منذ أعوام، ضد النخبة الحاكمة، وتوجه اتهامات بالفساد واختلاس الأموال العامة لعائلة “بارزاني”، التي يتحدر منها رئيس الإقليم ورئيس وزرائه.
وتتشابه التظاهرات العفوية في الإقليم مع الاحتجاجات التي إنطلقت في “بغداد”؛ والمناطق ذات الأغلبية الشيعية، في تشرين أول/أكتوبر 2019.
وقوبلت التظاهرات الأخيرة في “كُردستان العراق” بعنف، لا سيما في البلدات والقرى في ضواحي محافظة “السليمانية”.
وقُتل حتى الآن سبعة أشخاص على الأقل على خلفية الاحتجاجات، وفق مسؤولين محليين و”الهيئة العليا لحقوق الإنسان” في بغداد.
وسقط آخر الضحايا، الخميس، في بلدة “كِفري”، وفق ما أكد مصدر محلي و”الهيئة”، لـ (فرانس برس).
توقعات بدخول الإقليم في أزمات أمنية كبيرة..
وفي محاولة لتوضيح ما يحدث، قال “هاشم الشماع”، عضو مركز “العراق” للتنمية القانونية، لـ (كتابات)؛ أن ما يحصل في “السليمانية” لا يختلف عما حصل في الوسط والجنوب من مظاهرات مطلبية، ما يحصل في “السليمانية” ممكن أن ينتقل إلى “أربيل ودهوك” بسبب الفساد المستشري وسيطرة الأحزاب على مفاصل الدولة، والتأخير في تسليم الرواتب؛ على الرغم من تسليم “بغداد” الرواتب لـ”أربيل”، وعلى الرغم من عدم تسليم الإقليم المتفق عليه ما في ذمته من واردات المنافذ الحدودية، ولهذا لم يتحمل الشعب هناك الضغوط المعيشية وعدم إلتزام المسؤولين هناك بما يتطلب منهم، معتقدًا أن ما انطلق في “السليمانية” لا يمكن أن يتوقف وسيدخل الإقليم في أزمات أمنية كبيرة؛ إذا لم يتدارك أهل الحل والعقد هناك الأزمة من خلال تسليم رواتب موظفي الإقليم من جهة وتصفير الأزمات مع “بغداد” من جهة أخرى .
نفس الأسباب والدوافع والنتائج..
وفي (العرب) اللندنية؛ يقول “إبراهيم الزبيدي”، إن: “ما جرى ويجري في السليمانية؛ لا يختلف عما حدث ويحدث كل يوم في بغداد والناصرية والبصرة وغيرها. نفس الأسباب والدوافع ونفس النتائج. أجل، إنه نفس الغضب الذي يدفع الجماهير إلى الانتقام من الأحزاب الحاكمة، ونفس القسوة التي تستخدم لقمع المتظاهرين بالهراوات وقنابل الغاز وبالرصاص الحي أخيرًا”.
موضحًا أن: “الأموال الطائلة التي هبطت، بالحق أو بالباطل، على حكومة الإقليم لم تستطع أن تُقيم مشروعًا واحدًا إنتاجيًا إستراتيجيًا صناعيًّا أو زراعيًّا يؤمّن حياة الأجيال القادمة من غوائل الزمان … الفارق الوحيد بين أحزاب السلطة في بغداد وبين حكام الإقليم وأخلاقهم؛ هو أن في بغداد شلل حاكمة فاسدة كثيرة تتناطح فيما بينها، على المناصب والمكاسب والرواتب، وفي كُردستان شلّتان فقط لا غير”.
ويضيف: “ما يحدث هو استفتاء شعبي عفوي شجاع وجريء، تقول فيه جماهير كُردستان، بعد صبر طويل، إن الطاقم السياسي الحاكم في السليمانية وأربيل وبغداد، قد بلغ أرذل العمر، وأصبح غير صالح للاستخدام، وإن عليه أن يرحل بالتي هي أحسن، أو بألسنة اللهيب وقناني الغاز”.
حصيلة أولية لنظام فاسد..
كما يرى “جبار ياسين”، في موقع (إيلاف) الإماراتي؛ إن: “ما يدور اليوم في كُردستان العراق هو الحصيلة الأولية لنظام يحمل بذور فنائه منذ زمن طويل. إقطاع متخلّف ببدلة رأسمالية رثّة لن يستطيع أن يفي بشؤون قرية”.
مضيفًا أنه: “إذا كان وسط وجنوب العراق رثًا بسبب الفساد المستشري منذ سبعة عشر عامًا، فإن كُردستان فيه نظام أكثر رثاثة؛ رغم أنه سبق بقية أجزاء العراق بالتحرر من الصدامية بإثني عشر عامًا، لكنها في عمقها ظلت تقلد ذلك النظام بكل أخطائه الفادحة: ثراء للحكام وقمع للمحكومين، فأصبحت جمهورية (أسايش)، وليست فيدرالية كُردية في العراق”.
“نقمة” النفط !
فيما يدعو “صالح لفتة”، في مقال بعنوان: “تطبيق المادة 111″، في (الصباح) العراقية؛ إلى تطبيق تلك المادة من الدستور التي تنص على أن: “النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات”.
ويرى “لفتة” أنه: “منذ اكتشاف النفط في العراق، والعراقيون ينتظرون أن تشملهم نعمة، لكنه أصبح نقمة على العراقيين، سالت دماء من أبناء الوطن بقدر تدفق ذلك السائل من باطن الأرض”.
ويتابع: “الحكومات الدكتاتورية المتعاقبة المتسلطة على البلاد والعباد؛ صادرت أموال النفط وقسمتها بشكل مزاجي وعبثي، هبات على المتنفذين والأقارب والأجهزة القمعية، أما المواطن العادي فلم يحصل على شيء … الآن هو الوقت المناسب لتطبيق المادة (111)، التي انتظرها العراقيون كثيرًا وانتفت كل الحجج والموانع بعدم تطبيقها، فليس هناك خلاف عليها بين مكونات الشعب العراقي، ولا توجد تعقيدات لتطبيقها”.
ويقول الكاتب: “نعم هناك أزمة مالية وأسعار النفط متدنية، لكن هذا يعني أن الأموال المرصودة لحصة المواطن ستكون قليلة ولا تؤثر كثيرًا في الموازنة العامة … لنبدأ بالقليل ولو دولار واحد عن كل برميل مصدر. سيحصل المواطن العراقي على مبلغ لا بأس به ويشعر بالإمتنان”.
لصالح من “إثارة الفوضى” ؟
أما “سامان سوراني”؛ فيتساءل في موقع (شفق) الكُردي العراقي، قائلاً: “بعد أسبوع من احتجاجات دامية شهدتها محافظة السليمانية والمدن المحيطة بها شارك فيها، إلی جانب أصحاب حقوق مشروعة على خلفية تأخر مرتباتهم، مجاميع فوضوية … من هي الجهات المستفيدة من هذه الفوضى العارمة لتتدخل بالنتيجة في أمور الإقليم ؟”.
ويضيف أن: “حكومة الإقليم إيمانًا منها بمبدأ المواطنة والشراكة تؤمن بالحق الشرعي للمواطن في المشاركة في تظاهرات سلمية مدنية لإبراز مطالبها … بالتأكيد سوف تدعم شعب كُردستان توجهات هذه الحکومة الفاعلة وتساندها في سبيل المحافظة على تجربتها اليانعة، لأنهم غير مستعدين لخسارتها أو السماح لأي شخص أو جهة بأن تعمل على إحداث ضرر بهذا الكيان الشبه مستقل”.
لافتًا إلى: “أن إثارة الفوضى وتأجيج الأحقاد لا تخدم الوطن ولا تبنيه … نقوله بكل صراحة، لا مكان في كُردستان لأصحاب المشاريع التدميرية والتخريبية، فكُردستان اليوم بأشد الحاجة إلى أناس يقدمون مشاريع تصنع الحياة والاستقرار والرفاهية والتعايش السلمي”.
وفي السياق ذاته؛ يقول “معد فياض”، في موقع شبكة (رووداو) الإعلامية الكُردية إن: “الاحتجاجات السلمية التي تطالب بحقوق المواطنين حق، بل من أساسيات العملية الديمقراطية في أي نظام حكم ديمقراطي … لكن عندما تتحول هذه الاحتجاجات إلى تظاهرة تخريبية بفعل تسرب المندسين أصحاب الأجندات السياسية والخارجية، تتحول إلى عمل غوغائي يستهدف أمن البلد أو الأقليم”.
ويتابع: “لقد تعمدت الكتل السياسية الشيعية والسُنية، التي تشعر بعقد النقص من منجزات القيادة الكُردية الحضارية، بإختلاق المشاكل الاقتصادية ووضعها كعراقيل أمام استقرار الشعب الكُردي في إقليمهم شبه المستقل، وضغطت هذه الكتل بقسوة على الحقوق الاقتصادية، ومن ثم الحياتية، للمواطن الكُردي وذلك بحرمانه من استحقاقاته المادية المشروعة مما أدى إلى غضب الشعب الكُردي”.
ويحذر الكاتب، قائلاً: “على المحتجين أن ينتبهوا إلى أن أعداء الإقليم من داخل وخارج العراق يتربصون بأية فرصة لتخريب المنجزات الوطنية لكُردستان التي قامت بدماء وأموال وجهود الكُرد وتضحياتهم الجسيمة منذ ما يقرب من قرن من الزمان”.