خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
تتعامل إدارة الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، مع القضايا الدولية بنفس منظور الرئيس السابق؛ “دونالد ترامب”، حيث المنافسة الجيوسياسية كالتنافس بين القوى الكبرى، والمنافسة الإيديولوجية مثل الديمقراطية في مواجهة الاستبداد.
ولقد تعرض “الشرق الأوسط”؛ على مدى التاريخ، للمنافسات الجيوسياسية وكذلك الحروب الإيديولوجية. مع هذا يرفض “الشرق الأوسط” المعاصر بشكلٍ متعصب سياسات “واشنطن” الحالية؛ بحسب تحليل نشره موقع (ریسپانسیبل استیت کرافت) الأميركي؛ وأعاد نشره مركز (رئاسة الجمهورية) للبحوث الإستراتيجية الإيراني نقلًا عنه.
“واشنطن” أصبحت غريبة في الشرق الأوسط..
ولقد فقدت القوى الكبرى؛ وبخاصة “الولايات المتحدة” سيطرتها على هذه المنطقة، ولم يُعد أي طرف يسعى إلى فرض أساليب حكم جديدة على هذه المنطقة. وقد أصبحت “واشنطن” غريبة نسبيًا عن جميع الأطراف الرئيسة بـ”الشرق الوسط”، باستثناء عدد محدود.
في المقابل؛ تتخذ دول المنطقة قراراتها دون النظر إلى الرؤى الأميركية. وهذه المسألة نابعة عن خسارة “الولايات المتحدة” نفوذها في “تركيا”، والصدام مع “إيران”، وتوتر العلاقات مع “السعودية”.
كذلك تفتقر “واشنطن” للتواصل البناء مع “السلطة الفلسطينية”، بل إن علاقاتها مع “إسرائيل” تزداد تعقيدًا بسبب اختلاف الاهتمامات، والحسابات المختلفة للمصالح الوطنية للتعامل مع “روسيا” و”الصين”، والاستقطاب السياسي الأميركي وغيرها.
علاوة على ذلك؛ لم تُعد “مصر” حاليًا تحترم الرؤى الأميركية مقارنة بأربع عقود مضت. “الإمارات” بدورها تؤكد على الطابع التجاري الكامل لعلاقاتها مع “الولايات المتحدة”.
مع هذا؛ تجُدر الإشارة إلى أن “الولايات المتحدة” ليست القوى الكبرى الوحيدة التي فقدت نفوذها في “الشرق الأوسط”، وإنما تسعى “بريطانيا” و”فرنسا”؛ (باعتبارها قوى إمبريالية أوربية سابقًا)، إلى بيع الأسلحة والذخائر بالقدر الكافي إلى دول المنطقة، بحيث تُحافظ على استمرار حياة خطوط إنتاجها من الصناعات العسكرية، لكن مساعيها وغيرها من الأطراف الأخرى ساق دول المنطقة إلى تنوع مصادر الشراء والشروع في تطوير صناعاتها العسكرية.
دور “الصين” المتصاعد في الشرق الأوسط..
في ضوء ما سبق تعاظم دور “الصين” في “الشرق الأوسط”. ولطالما كانت العلاقات مع دول المنطقة تُثير مخاوف “بكين” نسبيًا؛ فكانت تولي أهمية منخفضة للعلاقات مع الدول الخليجية و”إيران”، لكن الوضاع تغيرت في العقود الأخيرة؛ حيث تستورد “الصين” ثُلث احتياجاتها النفطية من دول الخليج و”إيران”.
كما تحولت “الصين” إلى أكبر شريك تجاري للمنطقة. وتميل دول المنطقة إلى مضاعفة معاملاتها مع “الصين”. كذلك تحولت “الصين”؛ بعد تحقيق طفرة هائلة في التكنولوجيا العالمية، إلى شريك هام لشركات التكنولوجيا الإسرائيلية، وتسعى في الوقت نفسه إلى تطوير صناعات السلاح السعودية الداخلية.
وقد انضمت عدد: 17 دولة عربية إلى “مبادرة الحزام والطريق” الصينية. وقد أجبرت “العقوبات الأميركية”؛ الحكومة الإيرانية، على الانعطاف نحو “الصين” و”روسيا”.
في الوقت نفسه؛ تسعى معظم دول المنطقة: كـ”السعودية”، إلى خفض الاعتماد الزائد عن الحد على “الولايات المتحدة”، لذلك تتواصل مع دول أخرى: كـ”الصين والهند وروسيا”. وهذه الدول لا تسعى إلى استبدال علاقاتها مع “واشنطن” بأطراف أخرى، وإنما موازنة علاقاتها الدولية حفاظًا على مصالحها الوطنية.
لا تُريد هذه الدول الاختيار بين: “أميركا” و”الصين”، التي لا تطلب إلى دول المنطقة تغيير أنظمتها السياسية، أو التعرض للعقاب نتيجة التقصير، أو احتكار علاقة هذه الدول.
وحتى هذه المرحلة كانت “الصين” تحرص بقوة على تركيز سياساتها في منطقة “غرب آسيا” على التجارة والاستثمار دون الاهتمام بالاختلافات السياسية، وبالتالي تمكنت من المحافظة على علاقاتها القوية مع كل دول “الشرق الأوسط”، في حين كانت تتركز السياسات الأميركية على حجب النفوذ الصيني التي لم تُعلن حتى الآن مخالفتها استمرار التدخلات الأميركية بالمنطقة.
في المقابل اقترح الجانب الصيني إجراء مباحثات متعددة الأطراف حول القضايا الأمنية، وأن الوقت قد حان لبناء “آلية أمنية جمعية للخليج” بشكلٍ إقليمي. وعليه تقدمت “الصين” باقتراح رأب الصدع بين دول الخليج و”إيران”؛ بدلًا من فرض آراءها أو اتخاذ جانب معين.
في حين ترى دول الخليج في “الصين” شريك محتمل في تنفيذ (رؤية 2030) وغيرها من المشروعات التنموية الاقتصادية.
كذلك يبدو أن “الصين” لم تبدي؛ حتى الآن، أي اهتمام بخلافة “الولايات المتحدة” باعتبارها ضامن الاستقرار والأمن بالمنطقة، لكن تطوير علاقاتها العسكرية مع دول الخليج، كان سببًا في قرار “الولايات المتحدة” بإلغاء مبيعات الطائرات متعددة الوظائف لـ”الإمارات” لقاء تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”.
وماتزال “الولايات المتحدة” تسعى إلى تقييد التعاون التكنولوجي الإسرائيلي مع “الصين”، وكذلك وقف مشروعات البنية التحتية الصينية في “إسرائيل” وسائر دول المنطقة.