خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خضم التوترات المشتعلة بالمنطقة بين “إيران” ودول العالم، وهو الأمر الذي جعل جبهتها الخارجية مفتوحة على مصراعيها، بات الأمر أكثر صعوبة على النظام الإيراني داخليًا، فمنذ أسبوع أعلنت السلطات الإيرانية، عن إحباطها “مؤامرة جديدة مناهضة للثورة” في ثاني أكبر مدن البلاد، “مشهد”.
وذكرت مديرية أمن محافظة “خراسان الرضوية”، شمال شرقي البلاد، في بيان أصدرته الجمعة الماضية، أن أجهزة الأمن اعتقلت مؤخرًا، في “مشهد”، “عناصر مناهضين لإيران”؛ حاولوا “تخطيط وتنفيذ مؤامرة وفتنة جديدة”، وذلك بتكليف ودعم وتمويل من “مجموعات مناهضة للثورة” خارج “الجمهورية الإسلامية” و”أجهزة استخبارات (غربية-عربية)”.
وأوضح البيان؛ أن هؤلاء العناصر حاولوا تنظيم تجمعات احتجاجية بالتعاون مع وسائل الإعلام “المناهضة للثورة” خارج البلاد وتوتير أجواء المجتمع، من خلال “إثارة مشاعر مختلف شرائح المجتمع، خاصة المضحين ومعاقي الحرب، وتحريض القوميات والمذاهب”.
كما ورد في البيان؛ أن هؤلاء العناصر “أوكلت إليهم مهمة الإرتباط الممنهج مع المرشحين المنتقدين في أعقاب انتخابات مجلس الشورى، لحثهم على تشديد مواقفهم بغية استغلال الأجواء السياسية المفتوحة لخلق الفوضى والنزاعات الداخلية، وبالتالي إثارة فتنة جديدة تهدف للمضي قدمًا بالمخططات الموحاة من قِبل أعداء الشعب الإيراني”.
ولم يكشف البيان عن عدد المعتقلين في القضية وهوياتهم.
ناشطات يطالبن بتنحي المرشد..
وفي الثامن من آب/أغسطس 2019، طالبت ناشطات نسويات إيرانيات، للمرة الأولى في تاريخ البلاد، بتنحي المرشد الإيراني، آية الله “علي خامنئي”، عن منصبه، والبدء في التمهيد لمرحلة سياسية جديدة تتجاوز نظام الحكم القائم، منذ عام 1979.
ويُعتبر هجوم 14 ناشطة إيرانية مدنية ومدافعة عن حقوق الإنسان في بيان لهن على السياسات الحالية لنظام “خامنئي” تجاه النساء، خطوة غير مسبوقة في الحركة النسوية الإيرانية، حيث اعتبرن النظام الحاكم، منذ 40 عامًا، معاديًا للمرأة.
نظام غير إنساني..
وأضاف البيان؛ أن حكم نظام “ولاية الفقيه”، الممتد على مدار 4 عقود، أدى لإلغاء غير إنساني لنصف المجتمع داخل البلاد، لافتًا إلى المضي قدمًا بإتجاه التخلي عن الدستور الإيراني المعمول به والبدء في وضع دستور جديد.
واعتبرت الناشطات الإيرانيات أن نضالهن يعتمد على أساليب مدنية وسلمية بهدف التوصل إلى إقرار تشريعات جديدة تصون كرامة النساء وتضمن هويتهن وتمكينهن بكافة المجالات داخل “إيران”.
ورفع البيان شعار: (لا للجمهورية الإسلامية)، في إشارة إلى رفض الناشطات المحتجات سلميًا النظام الثيوقراطي، مشيرًا إلى بيان لنشطاء إيرانيين، في حزيران/يونيو الماضي، انتقد الاستبداد الممنهج كونه عقبة أمام الإصلاحات داخل البلاد.
ودعت الناشطات الإيرانيات إلى ضرورة وجود تكاتف وطني مع مطالبهن باعتبارها تندرج ضمن إطار حقوق الإنسان؛ فيما طالبن بتحول المطالب نفسها إلى حركة تشمل كافة أنحاء “إيران”.
ولفت البيان إلى إسقاط الحقوق الأساسية للنساء في “إيران” بعد سيطرة رجال الدين على حكم البلاد، قبل 40 عامًا، إلى جانب إهانة، وتعذيب، وسجن، وإعدام المناهضين للتمييز بين الجنسين.
وأكدت الناشطات النسويات الإيرانيات، حسبما نقلت محطة (إيران إينترناشونال)، (ناطقة بالفارسية ومقرها بريطانيا)، ضرورة قيام نظام حكم ديموقراطي يضمن وحدة أراضي “إيران”، إضافة إلى ضمان حقوق النساء في المجتمع، طبقًا لبنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وتطرق البيان، في الختام، إلى التقدم الذي تحظى به المرأة عالميًا بمجالات سياسية، أو علمية، أو اقتصادية، أو رياضية، أو فنية وغيرها، في حين تكافح المرأة الإيرانية لنيل حقوقها الأساسية.
يشار إلى أن الناشطات الموقعات على البيان يُقِمْن جميعًا في “إيران”، وأبرزهن؛ “شهلا انتصاري”، (ناشطة سياسية)، و”نصرت بهشتي”، (ناشطة مدنية)، و”فرنغيس مظلوم”، (ناشطة حقوقية).
وطالب 14 معارضًا إيرانيًا، في 12 حزيران/يونيو الماضي، بتنحي المرشد “خامنئي” عن السلطة أيضًا، وتغيير الدستور المعمول به في البلاد، أملًا في بدء مرحلة سياسية جديدة تقوم على حكم الشعب.
الشعب يكره النظام ويجب تغيير نهجه..
في السياق ذاته؛ أعترف “هاشم هاشم زاده هريسي”، رجل الدين الإيراني المعتدل وعضو مجلس خبراء القيادة في “إيران”، (أحد أهم مؤسسات الحكم في البلاد المكون من رجال الدين)، بأن الشعب الإيراني أصبح يكره النظام الحالي، الذي يقوده، آية الله “علي خامنئي”، ذات الصلاحيات الواسعة.
وقال “هريسي”، وهو ممثل أهالي محافظة “آذربيغان” الشرقية في “مجلس خبراء القيادة”، في حديث لصحيفة (إيران) الحكومية، أمس الأول، أن: “الشعب غير راضٍ عنّا ويكرهنا؛ وعلى النظام تغيير نهجه في إدارة البلد”.
وأضاف: “إن النظام الحالي، بمسؤوليه، لم يُعد يلتزم بالخطاب الإسلامي الإنساني الذي رسمه مؤسس النظام الراحل، روح الله الخميني، عام 1979، ونسينا وصاياه.. وخطابنا اليوم خطابٌ تكفيري”.
فقد الإتزان بين معسكري الإصلاحيين والمحافظين..
بالتوازي مع ذلك؛ كشف تقرير لمجلة (فورين بوليسي) الأميركية، أن “طهران” تفتقر للمواءمات بين المرشد ومؤسسة الرئاسة، كما لم تستطع إلى الآن الموازنة بين معسكري الإصلاحيين والمحافظين، في استمرار لشرخ تعرفه البلاد، منذ قيام الثورة عام 1979.
إزدواجية الدولة وضعتها في حالة عدم استقرار دائمة..
وحسب آراء مراقبون؛ فإن إزدواجية الدولة التي كرسها الدستور الإيراني، جعلت البلاد في حالة دائمة من عدم الاستقرار.
ومع تزايد حدة الأزمات داخل وخارج “إيران”، بات السؤال الذي يغلي في أذهان صناع القرار: “من الأجدر بقيادة البلاد ؟”.
وحسب (فورين بوليسي)؛ فإن التنافس السياسي بين وزارة الاستخبارات الإيرانية التابعة للرئاسة، و”الحرس الثوري”، المقرب من المرشد، “علي خامنئي”، والتنازع في الصلاحيات الأمنية بين الجهتين، حولا البلاد إلى بؤرة فساد، وأسفرا عن خروقات واغتيالات واعتقالات بحق أبرياء.
وتدار “إيران” بنظام سياسي معقد، على قمة هرمه، “خامنئي”، فهو بصفته أعلى رجال الدين؛ صاحب القول الفصل في كل شؤون الحكومة، بما في ذلك كل الملفات الساخنة والعلاقات الخارجية، وحتى رسم السياسة التي يسير عليها الرئيس، “حسن روحاني”.
ومع إقتران هذا التمزق السياسي بعجز الدولة عن تأمين حاجات السكان وتفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية المتردية، إضافة إلى المكونات الدينية للنظام الهجين، فإن تعقيد الأزمة التي تعيشها “إيران” قد تسارع.
النظام يعاني من حرب ضد نفسه..
وحسب تقرير المجلة الأميركية، أصبح النظام الإيراني اليوم في حرب ضد نفسه؛ فهو يخوض صراعات داخلية على خلفيات إيديولوجية تارة، وشخصية تارة أخرى، تحدد مدى انفتاحه على العالم الخارجي والخطوط الحمراء التي لا ينبغي تجاوزها.
واستشهدت (فورين بوليسي) بحالات لسجناء في “إيران” أجبروا، تحت التعذيب، على الإعتراف بتهم خطيرة، مثل التورط في التجسس وعمليات الاغتيال، ثم أفرج عنهم بسبب تضارب الرؤى بين الاستخبارات التابعة للرئاسة والأخرى الموالية للمرشد.
وباتت كل هذه العوامل تؤثر بشكل كبير في رسم ملامح السياسة الخارجية التي تنهجها “إيران”، وخير مثال على ذلك تضارب المواقف الداخلية بشأن الملف النووي وأزمة الملاحة في “الخليج العربي”.
وبَين رجل الدين الإيراني المُقرب من الراحل، “علي أكبر هاشمي رفسنغاني”، أن: “نصنّف البعض في خانة أنصار النظام والبعض الآخر في خانة أعداء الإسلام، وهذا نهج تكفيري، الشعب يحب ثورته الإسلامية؛ لكنه لا يحبنا نحن، ويكره النظام القائم”.
ويعتبر “مجلس خبراء القيادة الإيرانية”، الهيئة الأساسية في النظام الإيراني، الذي عهد إليه الدستور مهمة تعيين وعزل قائد “الثورة الإسلامية” في “إيران”، ويتألف هذا المجلس حاليًا من 86 عضوًا يتم انتخابهم عن طريق إقتراع شعبي مباشر لدورة واحدة مدتها ثماني سنوات، ورئيس الدورة الحالية للجمعية هو رجل الدين المتشدد، “أحمد غنتي”، الذي انتخب في 24 آيار/مايو 2016.
ويتولى تعيين المرشد الأعلى للبلاد وعزله؛ حسب المادة 111 من الدستور الإيراني، إذا ثبت عجزه عن أداء واجباته أو فقد مؤهلًا من مؤهلات اختياره.