وكالات – كتابات :
تسببت التسّريبات الأضخم منذ (ويكيليكس)؛ في فضح الكثير من أسرار “أميركا” وتصّنتها على حلفائها، لكن ربما تكون القنبلة الحقيقية في تلك القصة هي دور إدارة “بايدن”؛ في حرب “أوكرانيا”، فهل أخفى الرئيس الأميركي حقيقة تورط بلاده عن مواطنيه وعن العالم أجمع ؟
كانت عشرات الوثائق الأميركية؛ التي تحمل معلومات حسّاسة للغاية ومختومة بشعار: “سّري” و”سّري للغاية”، قد تم تسّريبها عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي؛ منذ الخميس 06 نيسان/إبريل 2023، مما أطلق تحقيقًا فوريًا في مصدر التسّريب، وقال مسؤولون أميركيون إن التحقيق في هذه التسّريبات لا يزال في مراحله الأولى، وقالت “وزارة العدل” إنها على اتصال بـ (البنتاغون) وبدأت تحقيقًا في تسّريب الوثائق.
اتهام “روسيا” ثم الاعتراف بالأمر الواقع !
في البداية كان الحديث عن وثائق تخص الحرب في “أوكرانيا”، فوجَّه مسؤولون أميركيون أصابع الاتهام إلى “روسيا”، حيث قال ثلاثة مسؤولين أميركيين لـ (رويترز)، الجمعة، إنه من المُرجّح أن تكون “روسيا” أو عناصر موالية لها وراء تسّريب الوثائق العسكرية الأميركية السّرية على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصًا أن تلك الوثائق تتضمن لمحة جزئية عن الحرب في “أوكرانيا” يعود تاريخها لشهرٍ مضى.
وزعم المسؤولون الأميركيون إن الوثائق جرى تعديلها على ما يبدو لتقليل عدد القتلى والمصابين في صفوف القوات الروسية، وأضافوا ف ادعاءاتهم أن تقييّماتهم غير رسّمية ولا ترتبط بالتحقيق الذي يجري في عملية التسّريب نفسها. وطلب المسؤولون الأميركيون عدم نشر هوياتهم؛ نظرًا لحسّاسية الأمر، وامتنعوا عن مناقشة تفاصيل الوثائق.
إذ ذكرت إحدى الوثائق المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ أن ما بين: 16 ألفًا و17500 جندي روسي قُتلوا منذ بدء الهجوم الروسي على “أوكرانيا”؛ في 24 شباط/فبراير 2022، وتصفه “موسكو” بأنه: “عملية عسكرية خاصة”؛ بينما يدعي الغرب بأنه: “غزو عدواني غير مبرر”.
ويزعم مسؤولون إن “الولايات المتحدة” تعتقد أن الرقم الفعلي أعلى بكثير؛ ويبلغ حوالي: 200 ألف روسي بين قتيل ومصاب. بينما نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) تقريرًا، الخميس، يُفيد بأن “وزارة الدفاع” الأميركية تُحقق في كيفية تسّريب الوثائق التي تحمل تفاصيل خطط لتعّزيز الجيش الأوكراني استعدادًا لهجوم مضاد تحضّر له “كييف” وداعموها خلال الربيع.
لكن سرعان ما تبيّن أن القصة لا ترتبط فقط بحرب “أوكرانيا”، فالأسرار المسّربة عبارة عن تقارير استخباراتية “سّرية للغاية” تتناول معلومات تخص أغلب دول العالم التي لها علاقات مع “أميركا”، بغض النظر عن طبيعة تلك العلاقات، تنافسّية أو خصومة أو حتى شراكة وتحالف.
فالتسّريبات هي الأكبر منذ تسّريبات (ويكيليكس)؛ عام 2013، ويُنظر إليها على أنها من أخطر الخروقات الأمنية، وبعد الكشف عن التسّريب، راجعت (رويترز) أكثر من: 50 وثيقة بعنوان: “سّري” و”سّري للغاية” ظهرت لأول مرة الشهر الماضي على مواقع التواصل الاجتماعي، بداية من منصتي (ديسكورد) و(فور تشان). ورغم أن بعض تلك الوثائق جرى نشرها قبل أسابيع، فقد كانت صحيفة (نيويورك تايمز) أول من أورد نبأ عنها.
تاريخ رؤساء “أميركا” مع إخفاء حقيقة التورط الأميركي..
لكن في الوقت الذي انشغل فيه العالم بتلك التسّريبات على طريقة: “كلٌّ يغني على ليلاه”، أي أن كل دولة بدأت تتعامل مع ما يخصها من أسرار مسّربة، يمكن القول إن القنبلة الحقيقية التي تكشف عنها هذه التسّريبات قد تم تجاهلها حتى الآن.
والمقصود هنا هو حجم التورط الأميركي الحقيقي في حرب “أوكرانيا”، إذ ترسّم الوثائق المسّربة عن تورط أميركي كامل في تلك الحرب، بداية من التخطيط العملياتي والتجسّس وجمع المعلومات عن العدو، مرورًا بتوفير السلاح الثقيل بأنواعه المتعددة، وصولاً إلى وجود قوات أميركية خاصة على الأرض في “أوكرانيا” تُشارك بفاعلية في تلك الحرب.
هذه الصورة بطبيعة الحال تختلف بصورة كاملة عن الصورة التي قّدمها الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، للعالم وللشعب الأميركي، إذ أكد الرئيس مرارًا وتكرارًا على أن “واشنطن” لا تشترك في الحرب بأي صورة من الصور، وإنما تُقدم مسّاعدات إنسانية وعسكرية لـ”كييف” كي يُدافع الشعب الأوكراني عن نفسه.
وهذا التباين الصارخ بين الصورتين عبَّر عنه أحد العسكريين الأميركيين المتقاعدين، وهو الليفتنانت كولونيل “روبرت ماغينيس”، في مقال رأي نشرته شبكة (فوكس نيوز) وعنوانه: “تسّريبات البنتاغون تفضح أكاذيب بايدن بشأن حرب أوكرانيا وما قد يحدث لاحقًا”.
وانتقد “ماغينيس” تركيز وسائل الإعلام الأميركية الرئيسة على مصدر التسّريب وليس على محتوى المسّتندات المسّربة نفسه: “لسوء الحظ قلبت وسائل الإعلام الرئيسة قصة التسّريبات لتركز على مزاعم أن أحد أفراد الحرس الوطني؛ البالغ من العمر: (21)، هو من قام بتسّريب منتجات استخباراتية جاهزة أي تقارير كاملة على مواقع ألعاب إلكترونية. إنهم يركزون على مصدر التسّريب وجريمته فقط؛ وليس على جوهر ومحتوى الوثائق المسّربة، والهدف هو حماية الرئيس؛ جو بايدن”.
ويرى الكولونيل المتقاعد أن “الكونغرس” والرأي العام الأميركي يجب عليهما أن يضغطا على “البيت الأبيض” كي يتم الكشف عن الحقيقة الكاملة بشأن الدور الأميركي في حرب “أوكرانيا”: “قبل أن نجد أنفسنا متورطين في حرب أخرى على غرار فيتنام أو كوريا”.
وحقيقة الأمر هنا هي؛ أنه من الناحية التاريخية لم تدخل “أميركا” في أي حرب إلا بعد أن كذب الرئيس على الشعب والعالم أولاً، يقول “ماغينيس”، فالرئيس “فرانكلين روزفلت”؛ كذب على الأميركيين عام 1940، قائلاً إنه: “لن يتم إرسال أولادكم للمشاركة في حروب أجنبية”، بينما كانت “أميركا” تُقدم مساعدات عسكرية قاتلة لـ”المملكة المتحدة”، ثم شاركت “واشنطن” في الحرب بعد أن هاجمت “اليابان”؛ الأسطول الأميركي في “بيرل هاربر”، في كانون أول/ديسمبر 1941.
الرئيس “ليندون جونسون”؛ هو الآخر أخفى الحقيقة عن الأميركيين والعالم وأقسّم خلال تجمع انتخابي عام 1964: “إننا لن نُرسّل أولادنا ليُحاربوا على بُعد: 09 أو 10 آلاف ميل بدلاً من شباب آسيويين يجب أن يقوموا هم بالقتال”. الحديث كان عن “فيتنام”، وبعد أن أصبح رئيسًا أرسل أكثر من نصف مليون أميركي للقتال هناك لتقع “أميركا” في المسّتنقع الذي لم تنسّحب منه إلا عام 1975، وكانت تجر أذيال الخيبة.
هل يكذب “بايدن” بشأن حقيقة دور بلاده في حرب “أوكرانيا” ؟
وبطبيعة الحال كذب الرئيس الأسبق؛ “جورج دبليو بوش”، وكبار مسؤوليه على الأميركيين والعالم بشأن امتلاك الرئيس العراقي الراحل؛ “صدام حسين”، ترسانة من أسلحة الدمار الشامل، وكان ذلك مبررهم الرئيس لغزو “العراق” عام 2003، بل إن “كولين باول”؛ وزير خارجية “بوش”، قدم تلك الأدلة المزيفة للعالم أجمع خلال جلسة في “مجلس الأمن” قبيل الغزو.
وبالتالي فإن “بايدن” يبدو وكأنه يسّير على خُطى سابقيه من رؤساء “أميركا”؛ ويكذب بشأن الحرب في “أوكرانيا” وطبيعة الدور الأميركي فيها، والمؤكد هنا هو أن بعضًا من الوثائق المسّربة تؤكد هذه الفرضية بصورة كبيرة. لكن لسوء الحظ يُركز الداعمون لـ”بايدن”؛ في الإعلام الرئيس، على هوية مصدر التسّريب وليس محتوى الوثائق على خطورة تداعياته.
كان “مكتب التحقيقات الفيدرالي” قد اعتقل، الخميس 13 نيسان/إبريل، “جاك تي”، وهو موظف في “الحرس الوطني”؛ التابع للقوات الجوية الأميركية، يبلغ من العمر: (21 عامًا)، على خلفية الاشتباه في تسّريبه لعشرات الوثائق الأميركية شديدة السّرية، التي يُقال إنها تكشف تفاصيل حسّاسة تتراوح بين كشف نقاط الضعف العسكرية لدى جيش “أوكرانيا” ومعلومات عن حلفاء “الولايات المتحدة”.
وعُرف “جاك تي”؛ لأول مرة من خلال صحيفة (نيويورك تايمز)، التي وصفته بأنه مدير لمجموعة دردشة عبر الإنترنت شارك عبرها الوثائق السّرية مع نحو: 20 إلى 30 معظمهم من الشبان الذين يتجاذبون أطراف الحديث بخصوص حبهم للأسلحة النارية ويتبادلون صورًا طريفة؛ (ميمز)، وألعاب فيديو عنصرية.
وقالت “وزارة الدفاع” الأميركية؛ (البنتاغون)، إنها تعمل على مراجعة قوائم توزيع الوثائق السّرية وتحديثها. “مايكل ألين”، وهو مسؤول كبير سابق في “مجلس الأمن القومي” و”الكونغرس”، قال: “فكرة أن بمقدور طيار يبلغ من العمر: (21 عامًا) الوصول إلى كل هذه (الوثائق)… تُظهر أننا أفرطنا في مشاركة المعلومات في ظل التركيز بعد 11 أيلول/سبتمبر على مشاركة المعلومات حتى نتمكن من ربط الأمور بعضها ببعض”.
وأضاف لشبكة (DW): “وستفرط (الحكومة الأميركية) في رد فعلها في هذه الحالة. وسيُقيّدون بشدة توزيع هذه الأنواع من الوثائق ولن يتمكن الأشخاص الذين يحتاجون إليها بالفعل من الوصول إليها بعد الآن. وأود أن أحثهم على اتباع نهج انتقائي بصورة أكبر”.
الخلاصة هنا هي؛ أنه لا يجب أن يقتصر التركيز على الشاب الذي قام بعملية التسّريب، وهي جريمة من يُثبّت أنه ارتكبها سينال عقابًا قاسيًا بطبيعة الحال، بل يجب أيضًا التوقف عن محتوى تلك الوثائق؛ وبخاصة وجود قوات أميركية على الأرض في “أوكرانيا”، لأن ذلك قد يؤدي إلى تحول الحرب إلى مواجهة مباشرة بين “روسيا” و”أميركا”.