وكالات – كتابات :
لطالما كانت عبارة: “أطال الله عمره”؛ منطوقًا يجري على ألسّنة العرب ويجتمع فيه الدعاء للكبار والوجهاء مع إبداء التوقير لهم. لكن هذا الدعاء صار ذكرًا مشوبًا بالقلق الذي لا يكاد يُفارق الشيعة في “النجف” العراقية وخارجها خلال الآونة الأخيرة؛ لأن “علي السيستاني”، “آية الله العظمى” والمرجعية الدينية العُليا: لـ 200 مليون شيعي في العالم قد تجاوز العقد العاشر من عمره؛ وأصبحت صحته في تراجعٍ كبير، كما يقول تقرير لمجلة الـ (إيكونوميست) البريطانية.
ما هي المرجعية الشيعية في “النجف” ؟
رغم عدم تدخلها في السياسة العراقية بشكلٍ مباشر؛ فإنه منذ عام 2003؛ (عام الغزو الأميركي)، وما بعده، أصبحت المرجعية الشيعية في “النجف” اسمًا له وزنه وتأثيره في الشارع العراقي والعملية السياسية، إن لم تكن هي صاحبة التأثير الاجتماعي والسياسي الأكبر في “العراق”.
لكن؛ لم يكن هذا حالها دائمًا، لأنها مرّت بفتراتٍ محدودة من فقدان مركزيتها؛ بسبب انتقال الزعامة الشيعية منها إلى مدنٍ عراقية أُخرى أو إيرانية أو لبنانية.
مرَّ أتباع المذهب الشيعي “الإثنا عشري”؛ بعدة تغيّرات على مر العصور. وهذا المذهب يؤمن أتباعه بوجود: 12 شخصية معصومة بعد النبي “محمد” عليه الصلاة والسلام، وهم: “الإمام عليّ بن أبي طالب” و11 من ذريته وصولاً إلى شخصية “المهدي المنتظر”؛ الإمام الغائب، بحسّب عقيدة الشيعة.
لكنّ الأساس الذي ربط عوام الشيعة برجال الدين الشيعة؛ هو مبدأ فقهي شيعي يُسّمى: “التقليد”، وهو رجوع عامة الشيعة إلى الفقيه في مسّائلهم الشرعية، بوصفه المتخصص في الشأن الديني والمتولّي للفتوى الشرعية.
ويُطلق على هذا الفقيه: “المَرجِع”، وليست هناك هرميّة لدى المّراجع الدينية الشيعية، إذ يمكن أن يكون هناك أكثر من مرجع في وقتٍ واحد، وتعظم مكانة المّرجع أو تصغر بحسّب عدد أتباعه، وبحسّب إنجازاته العلمية في: “الحوزة العلمية” الشيعية.
وبالطبع؛ غالبًا ما يكون المّرجع أحد المتخرجين في “الحوزة العلمية”، بحوزة “النجف” العراقية أو حوزة “قم” الإيرانية، ومضى على دراسته فيها سنواتٌ طويلة. وبما أن “النجف” تعتبر مركز المذهب الشيعي؛ حيث يوجد مرقد “الإمام عليّ”، وحيث ظهرت أول حوزة شيعية، لذا كانت المرجعية الشيعية في حوزة “النجف” ذات الثّقل الأكبر.
من هو “علي السيستاني” ؟
وُلد “علي السيستاني”؛ يوم 04 آب/أغسطس 1930؛ في مدينة “مشهد”؛ بـ”إيران”، وبدأ تعليمه وهو في الخامسة من العمر بمدرسة “دار التعليم الديني” لتعلُّم القراءة والكتابة، وفي عام 1941 وبتوجيهٍ من والده هاجر إلى مدينة “قُم” لإكمال دراسته.
وفي عام 1951؛ هاجر من مدينة “قم”” إلى “النجف”؛ بـ”العراق”، فسّكن مدرسة “البخارائي العلمية”، ثم عزم على السفر عام 1961؛ إلى موطنه “مشهد” بعد أن حصل على درجة الاجتهاد، ثم رجع إلى “النجف” وبدأ إلقاء محاضراته التي تناولت عددًا من القضايا الفقهية.
بعد مقتل “محمد الصدر”؛ أصبح “السيستاني”، هو الاسم الأبرز في زعامة الحوزة والمرجعية الشيعية في “النجف”، واكتسّبت المرجعية الشيعية قوة أكبر بعد سقوط “صدام حسين”، وعادت لتتصدر المشهد السياسي والاجتماعي من جديد.
ولا يكاد أحد يباري “السيستاني” فيما فعله على مر السنين من الوقوف حائلاً أمام انهيار “العراق”؛ ومنع تحوله إلى نظام ديني على النمط الإيراني، لكن هذا السّبيل خالطه استخدام واسّع لنفوذه في الاعتراض على أي زعيم لـ”العراق” لا يوافق عليه، بحسّب الـ (إيكونوميست).
وعلى الرغم من تواضع أسلوب معيشته، فإنه يرأس شبكة متعددة الجنسيات تدور فيها أموال بمليارات الدولارات؛ ويشرف على أقدس المزارات الشيعية التي يزورها ملايين الناس كل عام. ولما كان كثير من الشيعة لا يرون خليفة واضحًا له، فإنهم يخشون أن يشتعل من بعده صراع قد يكون: “وعرًا، وجالبًا للاضطراب، ومشحونًا بالانقسام”.
من سيكون خليفة “السيستاني” الطاعن في السّن ؟
نظريًا؛ تقول مجلة الـ (إيكونوميست)، إنه يقع على العلماء من طبقة “السيستاني” أن يختاروا خليفته، وهم المكلفون بهذا الأمر. ويتصدر قائمة المرشحين عالمان من آيات الله العظمى، أحدهما من أصول باكستانية، والآخر من أصول أفغانية، لكنهما من كبار السّن، فالأول في الثمانينيات من عمره، والثاني بلغ الثالثة والتسعين.
وقد يتقدم لخلافته ثلاثة علماء أصغر سّنًا، أحدهم من “البحرين”؛ بحسّب الـ (إيكونوميست)، لكن يُقال إنه قد سقط من عين “السيستاني” لأنه استعجل التصرف وأراد أن يحل محله قبل الأوان. ومع ذلك، ربما ينتقص من المرشحين الخمسة خمول نسّبهم.
وهذه المرة قد يذهب التكليف إلى شخص لم يولد في “إيران”، وهو أمر يكاد يكون نادر الحدوث منذ أكثر من قرن. ويُتوقع أن يُثير ذلك قلق علماء الدين من أصحاب النفوذ في البلاد، فهم يرغبون في فرض واحد منهم ليحل محل “السيستاني”، الذي ولد في “إيران”.
وقد حاول آية الله “علي خامنئي”، المرشد الأعلى لـ”إيران”، أن يفعل ذلك بإرسّال مُعّلمه القديم إلى “النجف” لحشد الطلاب والأتباع من حوله هناك. وشوهد كثير من المتحدثين بالفارسية ينتقلون إلى منازل قريبة من زقاق بيت “السيستاني”.
ويمكن لغير هؤلاء ممن هم أقل ترقيًا في المناصب العلمية أن يتقدموا للمنصب، مثلما فعل “محمد صادق الصدر”، العالم والمرجع الشيعي، الذي تحدى زعامة “السيستاني”؛ قبل أن يغتاله “صدام حسين”؛ عام 1999؛ بحسّب التقرير.
وقد ورث نجله؛ “مقتدى الصدر”، شعبيته، وهو وإن لم يبلغ نصيب أبيه من العلم، إلا أنه يمكنه التعويل على كثرة أنصاره بين فقراء “العراق”. وقد بلغ تأييده بين الناس أن وصفه بعض المعجبين به: بـ”المهدي المنتظر”، الذي يقول الشيعة إنه سيظهر في آخر الزمان.
وربما يُخطط شخص آخر من أبناء مدينة “الصدر” للاسّتحواذ على المنصب، والمقصود: “قيس الخزعلي”، مؤسس (عصائب أهل الحق) والقائد السياسي البارز. فقد انتقل “الخزعلي” مؤخرًا من “بغداد” إلى “النجف”، وشّرع في بناء مسجد كبير هناك.