خاص : كتبت – نشوى الحفني :
خوفًا على نفوذهم الذي تم تأسيسه بإستماتة، خلال السنوات الماضية، في “لبنان” و”العراق”، اتهم مرشد الجمهورية الإيرانية، آية الله “علي خامنئي”، أمس، “الولايات المتحدة الأميركية” ودولًا عربية بتأجيج الاضطرابات في “لبنان” و”العراق”.
واعتبر “خامنئي” أنّ للمتظاهرين، في “العراق” و”لبنان”، مطالب “محقة”، ولكنّه دعا اللبنانيين والعراقيين إلى التحرك “ضمن الهيكليات والأطر القانونية”، وإلى الحفاظ على الاستقرار.
وقال “خامنئي” إنّه: “عندما تنهار الأطر القانونية في بلد ما، لا يمكن القيام بأي عمل”.
كما اتهمت “إيران” في الوقت ذاته، على لسان، “محمود واعظي”، مدير مكتب الرئيس، “حسن روحاني”، “الولايات المتحدة” و”السعودية” و”إسرائيل”؛ بإثارة الاضطرابات في “لبنان” و”العراق” ودعت إلى الهدوء في البلدين.
ونقلت وسائل إعلام رسمية عن “محمود واعظي”؛ قوله: “نصيحتنا كانت دائمًا الدعوة إلى السلام و(وقف) تدخل القوى الأجنبية في البلدين”.
وأضاف أن “الولايات المتحدة” و”السعودية” و”إسرائيل” تركب موجة المطالب الشعبية وتقدم لهذه القوى الدعم المالي.
تناقض النظام الإيراني بين ما يفعل وما يقول..
التصريحات السابقة، من كلا الطرفين، تثبت التناقض الكبير الذي يعيشه النظام الإيراني في تعامله مع الأزمة، حيث يحاول توجيه ما يحدث في إطار الأجندات الخارجية، رغم أنهم أساس اندلاع الثورات في تلك الدول بسبب تدخلهم السافر في شؤونهم وسيطرتهم على مقدرات تلك الدول بشكل أدى في نهاية المطاف إلى انفجار شعبي الدولتين، وهو ما أثبته المتظاهرون في جنوب “العراق”، عندما هاجموا مكاتب الأحزاب السياسية والمليشيات التي تدعمها “إيران” وأحرقوها، هذا بالإضافة إلى تداول المتظاهرين لشعار “إيران برة برة”.
تحركات إيرانية ضد متظاهري لبنان..
تلك التصريحات تأتي بعد يوم من إعتداء عناصر من مليشيات “حزب الله” الموالية لـ”إيران”، على متظاهرين سلميين في وسط العاصمة اللبنانية، “بيروت”، حيث أحرقوا خيامهم وأصابوا عددًا منهم بجروح، ولم تكن هذه المرة الأولى التي يعتدي فيها أنصار هذه المليشيات على المتظاهرين، إذ سبق أن هاجموهم قبل أيام.
كما أن أسلوب مهاجمة المظاهرات في “لبنان” بواسطة الدراجات النارية؛ وكذلك بعناصر مدنية تحمل عصيًا وهراوات، هو أسلوب معتاد للحرس في قمع احتجاجات “إيران”.
كما قامت “إيران” بتحريك عناصر “حركة أمل” ومليشيات “حزب الله” وأوعزت لزعيمها، “حسن نصرالله”، بتهديد المحتجين والتحذير من وقوع حرب أهلية.
ومنذ خطاب “نصرالله”، حاول أنصار الحزب تعطيل الاحتجاجات، وكانت المحاولة الأخيرة لهم، الثلاثاء الماضي، عندما هاجموا الساحة الرئيسة للاحتجاجات في وسط “بيروت”؛ وقبيل ساعات من استقالة رئيس الوزراء، “سعد الحريري”.
قمع وقتل المتظاهرين في العراق..
ومع اندلاع الاحتجاجات في “بغداد”، وسقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى، ذكرت (رويترز)، في تقرير لها؛ أن قناصة تابعين لمليشيات مدعومة من “إيران”، كانوا وراء قتل عشرات المحتجين في شوارع “بغداد”، قبل أيام.
وتشكل الاحتجاجات، التي خرجت أساسًا ضد الفساد وفشل النخبة الحاكمة في “العراق” و”لبنان”، تحديًا لـ”إيران” التي تدعم عن كثب كلتا الحكومتين والمليشيات المسلحة.
حيث أنها تعتبر أن أي تغيير في هذين البلدين استجابة لإستحقاقات الجماهير سيكون بمثابة فقدان ولاء الحكومتين المواليتين لـ”طهران”، في كل من “بغداد” و”بيروت”، واللذين يحفظان نفوذها التي تعزز كثيرًا خلال السنوات الأخيرة.
وبحسب وكالة (أسوشيتد برس)؛ فقد لعبت “إيران” دورًا محوريًا في قمع الاحتجاجات في “العراق”، التي راح ضحيتها العشرات من العراقيين.
ومن مظاهر التدخل السافر من قِبل “إيران” في شؤون “العراق”؛ ما حدث بعد يوم على اندلاع الاحتجاجات المناهضة للحكومة في “العراق”، مطلع تشرين أول/أكتوبر الجاري، توجه الجنرال الإيراني، “قاسم سليماني”، جوًا إلى “بغداد” في وقت متأخر من الليل.
واستقل “سليماني” طائرة مروحية من أجل الوصول إلى “المنطقة الخضراء”، شديدة التحصين وسط العاصمة العراقية، حيث فاجأ مجموعة من كبار مسؤولي الأمن بترأسه اجتماعًا ليحل محل رئيس الوزراء، بحسب (أسوشيتد برس).
وقال “سليماني”، لمسؤولين عراقيين: “نحن في إيران نعرف كيفية التعامل مع الاحتجاجات”، وفقًا لمسؤولين إثنين كبار مطلعين على الاجتماع تحدثا شريطة عدم الكشف عن هويتهما؛ كونهما يتحدثان عن فحوى اجتماع سري.
وأضاف “سليماني”: “لقد حدث هذا في إيران وسيطرنا عليه”.
يُذكر أن قوات “الحرس الثوري” والمليشيات الداخلية التابعة للمرشد “خامنئي”؛ كانت قد أعتمدت أساليب قمعية شديدة وعنيفة خلال قمع احتجاجات الطلبة، عام 1999، مرورًا بالقمع الدموي لـ”الانتفاضة الخضراء”، عام 2009، إلى مهاجمة الاحتجاجات الشعبية في “إيران” التي اندلعت، أواخر 2017، وإمتدت لمدة أسبوعين في كانون ثان/يناير 2018.
مخاوف من إمتداد لهيب الاحتجاجات..
وأشار بعض المراقبون إلى إن محاولة ربط قادة “إيران”، الاحتجاجات في “العراق” و”لبنان”، بـ”المؤامرة الخارجية”؛ تنبع من خشية النظام المتزايدة من أن يمتد لهيب الاحتجاجات إلى داخل “إيران”.
ويعتقد البعض الآخر من أن “إيران” تحاول تصدير دعوة “حسين شريعتمداري”، ممثل المرشد الإيراني، “علي خامنئي”، في صحيفة (كيهان) الحكومية ورئيس تحريرها، إلى: “احتلال” السفارات الأجنبية، مركزًا على السفارتين الأميركية والسعودية.
مخاوف من فقد مكاسبها..
المحلل الأمني العراقي، “هشام الهاشمي”، قال تعليقًا على ذلك: “إن إيران تخشى هذه المظاهرات لأنها حققت أكبر المكاسب في الحكومة والبرلمان من خلال الأحزاب القريبة منها”، منذ الغزو الذي قادته “الولايات المتحدة” لـ”العراق”، عام 2003.
وأضاف: “إيران لا تريد أن تفقد هذه المكاسب، لذا فقد حاولت العمل من خلال أحزابها لإحتواء الاحتجاجات بطريقة إيرانية للغاية”.
خسارة العراق ولبنان تعني خسارة سوريا..
وقال “هشام البقلي”، باحث في الشأن الإيراني، إن “إيران” تعيش حالة من الاضطراب الشديد، نظرًا لما تشهده أعمدتها الخارجية – مليشيات – من تظاهرات رافضة لـ”إيران” ولأذرعها في تلك الدول.
وأضاف أن “إيران” تعي جيدًا أهمية “العراق” و”لبنان” لاستمرار سياسات نظامها؛ بل والأهم من ذلك في استمرار النظام الإيراني نفسه، حيث إن تلك الدول هي الرابط بين “إيران” ودول العالم، خسارة “لبنان” و”العراق” يعني خسارة “سوريا” أيضًا، لذلك تفعل “إيران” كل ما تستطيع لإخماد تلك الثورات؛ وأن لا تتأثر أذرع “إيران” في تلك الدول بأي تغيير قد يحدث في الشكل الحكومي.
وأكد أن “إيران” تحاول قمع تظاهرات “العراق” بقوة؛ وهو ما قد تفعله في “لبنان” أيضًا إذا شعرت أن “حزب الله” قد يخسر المكاسب التي حصل عليها، خلال الفترة الماضية، أو تقليل صلاحياته خاصة العسكرية والاقتصادية.