من الأزمات الدبلوماسية إلى عقبات مع الصين وروسيا .. “غرينلاند” تضع ترمب في مأزق !

من الأزمات الدبلوماسية إلى عقبات مع الصين وروسيا .. “غرينلاند” تضع ترمب في مأزق !

خاص: كتبت- نشوى الحفني:

عقبات كثيرة سيواجهها الرئيس الأميركي المنتخب؛ “دونالد ترمب”، إذا استمر في دعواته لشراء “غرينلاند”، مع احتمالات تسببَّه في أزمة دبلوماسية، حسّبما يقول الخبراء.

فقد صعّد “ترمب” دعواته لـ”الولايات المتحدة” لشراء “غرينلاند”، حتى أنه رفض استبعاد التدخل العسكري هناك؛ خلال مؤتمر صحافي، إذ يبدو أن أجندة “أميركا أولًا” قد اتخذت منعطفًا توسعيًا، قبل تنصيبه في 20 كانون ثان/يناير الجاري.

وأعاد “ترمب” إشعال طموحه لشراء “غرينلاند”، وهي منطقة تتمتع بالحكم الذاتي في “الدنمارك”، ووصفها بأنها: “ضرورة مطلقة” للأمن القومي الأميركي؛ في كانون أول/ديسمبر المنصرم.

وقال “ترمب”؛ إن “الولايات المتحدة” بحاجة إلى “غرينلاند” و”قناة بنما” من أجل: “الأمن الاقتصادي”؛ خلال مؤتمر صحافي يوم الثلاثاء، في منتجعه في (مار لاغو) في “فلوريدا”.

وقد يواجه الاقتراح عقبات كبيرة، سياسيًا وعمليًا، ويمكن أن يكون له آثار بعيدة المدى.

معارضة قوية من “غرينلاند” و”الدنمارك”..

ورفض القادة السياسيون في “غرينلاند” و”الدنمارك” بشدة؛ فكرة نقل “غرينلاند” إلى “الولايات المتحدة”.

وقالت رئيسة الوزراء الدنماركية؛ “ميت فريدريكسن”، لمحطة التلفزيون الدنماركية؛ (تي. في 2)، يوم الثلاثاء، إنها تتفق مع بيان رئيس وزراء غرينلاند؛ “إم. أورتي بوروب إيغيد”، السابق؛ بأن: “غرينلاند ليست للبيع”.

وعندما أثار “ترمب” الفكرة لأول مرة في عام 2019، رفضها “فريدريكسن”؛ ووصفها بأنها: “سخيفة”.

عرض دنماركي..

في محاولة لتفادي التصادم؛ قدمت “الدنمارك” عرضًا لفريق الرئيس الأميركي المنتخب؛ “دونالد ترمب”، على أمل أن يتراجع عن رغبته في الاستيلاء على جزيرة “غرينلاند”.

ونقل موقع (أكسيوس) الإخباري الأميركي عن مصدرين؛ قولهما إن “الدنمارك” بعثت برسائل خاصة إلى فريق “ترمب” عبّرت فيها عن استعدادها لمناقشة تعزيز الأمن في “غرينلاند” أو زيادة الوجود العسكري الأميركي هناك دون المطالبة بالجزيرة.

محاولة لإزالة المخاوف الأمنية..

وذكر (أكسيوس) أن الحكومة الدنماركية أرادت إقناع “ترمب” بأن مخاوفه الأمنية يمكن معالجتها دون بسّط السيّطرة على “غرينلاند”.

ولم يرد متحدث باسم فريق “ترمب” الانتقالي على طلب للتعليق على تقرير (أكسيوس).

وكانت رئيسة وزراء الدنمارك؛ “مته فريدريكسن”، قد قالت؛ قبل أيام، إنها طلبت عقد اجتماع مع “ترمب”، دون الإشارة إلى إمكانية عقد مثل هذا الاجتماع قبل تنصيبه.

كما قال رئيس وزراء غرينلاند؛ “موتي إيغيد”، أمس الجمعة، إنه مستعد للتحدث مع “ترمب”، لكنه طالب باحترام تطلعات الجزيرة للاستقلال.

يُلحق الضرر بحلف الـ”ناتو”..

والجزيرة الأكبر في العالم والواقعة بين المحيط المتجمّد الشمالي و”المحيط الأطلسي”؛ لها أهمية استراتيجية في الصراع المحتمل على “القطب الشمالي”.

و”الدنمارك”؛ دولة عضو في “حلف شمال الأطلسي”، ما يعني أن أي خطوة عسكرية أميركية تجاه أراضيها من شأنه إلحاق ضرر بالغ بالحلف.

وتُعارض عواصم أوروبية رئيسة؛ التصريحات الأميركية، وتعتبر سيّادة الدول خطًا أحمر بغض النظر عن مصدر التهديد.

وتُقيم “الولايات المتحدة”؛ منذ خمسينيات القرن المنصرم، قاعدة (بيتوفيك) على أراضي “غرينلاند”، حيث تستضيف سِرب التحذير الفضائي (12)، وسِرب العمليات الفضائية (23).

أقصر حرب في العالم..

ودفعت تصريحات “ترمب” إلى مقارنة بين القوة العسكرية للبلدين. فـ”الولايات المتحدة”، بميزانية دفاع بلغت: (948) مليار دولار العام الماضي، تمتلك أكبر قوة عسكرية في العالم، تضم: (1.3) مليون جندي، بينهم بعض الجنود المتمركزين بالفعل في “غرينلاند”.

أما “الدنمارك”، فتنُفق (9.9) مليار دولار فقط على الدفاع؛ وقوام جيشها: (17.000) جندي، إضافة إلى أن جزءًا كبيرًا من معداتها العسكرية الثقيلة تم التبرع به لـ”أوكرانيا”.

وبحسّب “أولريك برام غاد”؛ الباحث في “المعهد الدنماركي للدراسات الدولية”، فإن غزو “ترمب”؛ لـ”غرينلاند”: “سيكون أقصر حرب في العالم”، مشيرًا إلى أن الجزيرة لا تملك قدرات دفاعية تُذكر؛ وأن “الولايات المتحدة” لديها بالفعل وجود عسكري هناك.

ضعف القُدرات الدفاعية لـ”غرينلاند”..

تقتصر القدرات الدفاعية الدنماركية في “غرينلاند” على عدد قليل من سفن خفر السواحل، وبعضها يفتقر إلى البرامج اللازمة لتوجيه القذائف نحو الأهداف.

وعلى الرُغم من إعلان “الدنمارك”، في كانون أول/ديسمبر الماضي، عن حزمة إنفاق دفاعي جديدة تشمل شراء طائرات مُسيّرة بعيدة المدى، وزيادة دوريات الزلاجات التي تجرها الكلاب، وسفن تفتيش، فإن هذه الجهود تبدو رمزية أكثر منها فعالة في مواجهة أي قوة عظمى.

وقد تسعى “كوبنهاغن” إلى تفعيل المادة 42 (7) من معاهدة “الاتحاد الأوروبي”؛ التي تنص على المساعدة المتبادلة، رُغم أن هذه المادة تُعتبر رمزية في ظل غياب قوة عسكرية حقيقية لـ”الاتحاد الأوروبي”.

كما أن الوضع يزداد تعقيدًا لكون “الولايات المتحدة” و”الدنمارك” أعضاء في حلف الـ (ناتو)، ما يُثير تساؤلات حول إمكانية تطبيق المادة (5)؛ الخاصة بالدفاع المشترك في حال غزو عضو لأراضي عضو آخر.

وترى “أغاثي ديماري”؛ الزميلة في “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية”، أن غزو “الولايات المتحدة”؛ لـ”غرينلاند”، سيضع الـ (ناتو) في موقف غير مسّبوق. وتساءلت: “كيف يمكن للحلف التعامل مع عضو يُهاجم عضوًا آخر ؟”.

تعزيز قدراتها العسكرية..

ورُغم أن الدفاع عن “غرينلاند” يبدو مهمة شبّه مستحيلة في مواجهة قوة “أميركا” العسكرية، فقد أعلنت “الدنمارك” اتجاهها لتعزيز الإنفاق العسكري على “غرينلاند”.

وذكرت وسائل إعلام محلية في “الدنمارك”؛ أن: “الحكومة اقترحت شراء سفينتين جديدتين لإجراء مهام تفتيشية في القطب الشمالي وزيادة دوريات الزلاجات التي تجرها الكلاب؛ من أجل تعزيز وجودها العسكري في غرينلاند”.

وذكرت “هيئة البث العامة” في “الدنمارك”؛ أن الحكومة الدنماركية اقترحت أيضًا تطوير “مطار كانغرلوسواك”، وهو قاعدة عسكرية أميركية سابقة في غرب “غرينلاند”، لاستيعاب طائرات مقاتلة من طراز (إف-35).

وخصصت “الدنمارك” بالفعل: (400) مليون دولار لنشر طائرات مُسيّرة بعيدة المدى في “القطب الشمالي” و”شمال الأطلسي”.

“غرينلاند”؛ هي منطقة شبّه مستقلة في “القطب الشمالي”، تابعة لـ”الدنمارك”، لكن الرئيس المنتخب يعتبرها مهمة للأمن الأميركي.

ورُغم أن “الدنمارك” مسؤولة عن أمن “غرينلاند” والدفاع عنها، فإن لديها قدُرات عسكرية محدودة في الجزيرة.

وتشمل هذه القُدرات؛ في الوقت الراهن، أربع سفن قديمة لأغراض التفتيش وطائرة استطلاع من طراز (تشالنغر) و(12) زلاجة تجرها كلاب.

رفض الانتقال من استعمار لآخر..

وقد وجد استطلاع للرأي صدَّر في عام 2019؛ أجرته جامعة (كوبنهاغن) و”إيليسيماتوسارفيك”، بجامعة (غرينلاند)، أن (67) في المئة من سكان “غرينلاند” يؤيدون الاستقلال.

وقالت “سمر ماريون”؛ الأستاذة المساعدة للدراسات العالمية في جامعة (بنتلي) في “ماساتشوستس”، لـ (نيوزويك)، إنه سيكون من: “التناقض أن تُعلن غرينلاند استقلالها عن الدنمارك فقط؛ من أجل أن تكون تحت سيّادة للولايات المتحدة”.

وقال “شين بارتر”؛ وهو عالم سياسي دولي في جامعة (سوكا) الأميركية في “كاليفورنيا”، إن سكان “غرينلاند” سيرفضون: “الانتقال من قوة استعمارية إلى أخرى”.

خطر التداعيات الدولية..

وتقول (نيوزويك) أن استمرار الضغط من أجل الاستحواذ على “غرينلاند” قد يُضّر “ترمب” بعلاقات “الولايات المتحدة” مع “أوروبا”.

“الدنمارك”؛ عضو في “الاتحاد الأوروبي” و”حلف شمال الأطلسي”. والإصرار على الاقتراح، ناهيك عن التهديد بالتدخل العسكري، للادعاء بأن “غرينلاند” ستّوتر العلاقات مع “الدنمارك” وحلفاء أوروبيين آخرين، بالإضافة إلى تعريض الـ (ناتو) للخطر، قد يوّرط إدارة “ترمب” المقبلة.

وحذر وزير الخارجية الفرنسي؛ “جان نوفيكل بارو”، من أن “الاتحاد الأوروبي” لن يقف مكتوف الأيدي إذا تعرضت: “حدوده السيّادية” للتهديد.

قيمة استراتيجية بين “روسيا” و”الصين”..

من ناحيةٍ أخرى؛ فإن موقع “غرينلاند” بين المحيط المتجمدَّ الشمالي و”المحيط الأطلسي”، فضلًا عن موارد “النفط والغاز”، يجعلها ذات قيمة استراتيجية كبيرة.

“الولايات المتحدة” لديها بالفعل وجود عسكري دائم في قاعدة (بيتوفيك) الفضائية في شمال غرب “غرينلاند”. وقد تؤدي عملية الشراء إلى زيادة التوترات مع “روسيا”؛ كما تؤدي إلى منافسة مباشرة مع “الصين”، التي زادت من وجودها في مجال التعدين في “القطب الشمالي”؛ في السنوات الأخيرة.

وقال “زيكون تشو”؛ أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة (باكنيل)، لمجلة (نيوزويك)، إن الاستحواذ على “غرينلاند” يمُكن أن ينشر التنافس بين “الولايات المتحدة” و”الصين” في “القطب الشمالي”.

تكاليف غير واضحة..

ولا تزال التكلفة المحتملة لشراء “غرينلاند” غير معروفة، لا سيّما بالنظر إلى عدم وجود سابقة تاريخية حديثة لمثل هذا الاستحواذ.

وانتقدت “ماريون” الفكرة ووصفتها بأنها: “نهج استعماري عفا عليه الزمن في السياسة الخارجية”، مضيفة أنه من الأفضل إنفاق الأموال لمعالجة القضايا الداخلية والخارجية الأكثر إلحاحًا.

وبحسّب “ماريون”؛ فإنه: “من المؤكد أن اقتراح ترمب؛ بشراء غرينلاند، سيوّاجه عقبات كبيرة. الأول هو السؤال الذي ستتفاوض معه إدارة ترمب بشأن مثل هذا الاستحواذ. غرينلاند هي منطقة تتمتع بالحكم الذاتي في الدنمارك، مما يعني أن قضايا السياسة الخارجية هذه يجب التفاوض عليها حاليًا من خلال الحكومة الدنماركية”.

ومع ذلك؛ تم وضع “غرينلاند” لإعلان الاستقلال عن “الدنمارك” عن طريق الاستفتاء منذ عام 2009. وإذا أعلنت “غرينلاند” استقلالها، فإنها ستكون حرة في بيع أراضيها إلى “الولايات المتحدة”. سيكون من التناقض إعلان الاستقلال عن مستَّعمرها السابق، فقط للتخلي عن سيّادتها المكتشفة حديثًا لـ”الولايات المتحدة”.

وقال “شين بارتر”؛ عالم السياسة الدولي في جامعة (سوكا) الأميركية، للمجلة الأميركية: “شراء الأراضي لا يشَّبه ما تعمل به السياسة الإقليمية في القرن الـ (21). فغرينلاند هي منطقة شبه سيّادية للسكان الأصليين ترفض الارتباط بالولايات المتحدة. وهذا من شأنه أن ينطوي على الانتقال من قوة استعمارية إلى أخرى، تمامًا كما تكتسّب غرينلاند سيّادة أكبر”.

استمرار الترويج لخططه..

وبحسّب المجلة؛ فقد يواصل “ترمب” الترويج لخططه لتوسيع الأراضي الأميركية، بما في ذلك “غرينلاند” و”قناة بنما وكندا” باعتبارها: “الولاية رقم (51)”، بمجرد توليه منصبه في 20 كانون ثان/يناير 2025.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة