خاص : كتبت – نشوى الحفني :
فيما يبدو أنه إنذارا بحرب شاملة قادمة؛ اتسّعت رقعة القتال الذي يشهده “السودان”، فبالإضافة إلى “الخرطوم” وما حولها وولايات “دارفور” الخمس، دخلت مناطق جديدة في “كردفان” و”النيل الأزرق” و”الجزيرة”؛ دائرة المعارك خلال اليومين الماضيين.
وأسّفر القتال حتى الآن؛ عن مقتل أكثر من: 04 آلاف شخص، وتشّريد: 04 ملايين في “السودان”، منهم نحو: 700 ألف عبروا الحدود إلى دول مجاورة.
وأوقعت الحرب خسّائر اقتصادية قُدرت بأكثر من: 50 مليار دولار، وتسّببت في دمار هائل في البُنية التحتية والممتلكات العامة والخاصة.
فتح جبهات جديدة لتخفيف الضغط..
فيرى الخبير الاستراتيجي العسكري؛ “أمين مجذوب”، إن توسّع رقعة الحرب الحالية في مناطق مختلفة من البلاد: “استراتيجية ربما تهدف من خلالها قوات الدعم السّريع لتخفيف الضغط على قواتها في الخرطوم، وإشغال قوات الجيش عبر فتح جبهات جديدة، وربما محاولة لشّد أطراف أخرى إلى الحرب”.
وقال “مجذوب”؛ لموقع (سكاي نيوز عربية)، إن: “محاولة فتح جبهات جديدة سيُكلف الدعم السّريع كثيرًا من الناحية الميدانية، ويؤثر على قوتها الموجودة في الخرطوم”.
تدهور الأوضاع الإنسانية..
وتتدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية بشكلٍ خطير في معظم مناطق الإقليم، وسّط تقارير تُشير إلى ارتفاع عدد القتلى خلال الأشهر الأربع الماضية لأكثر من ألفي قتيل، من بينهم عدد كبير من الأطفال، فضلاً عن نزوح نحو: 500 ألف شخص إلى “تشاد” المجاورة وعدد من المناطق الداخلية في الإقليم.
وتزداد الأوضاع الأمنية في الإقليم؛ سوءًا مع استمرار الاقتتال وعمليات الاغتصاب والسّلب والنهب والحرق، التي طالت أكثر من: 50 منطقة سكنية.
ويواجه الآلاف من السكان العالقين خطر الموت جوعًا وسّط مخاوف من نفاد المخزون الغذائي، وفي ظل صعوبات كبيرة تواجه المنظمات الإنسانية، حيث تُعيق الأوضاع الأمنية المتدهورة وصول الغذاء والدواء للجوعى والمرضى.
ويعيش الفارون من مناطق القتال في “دارفور” أوضاعًا إنسانية خطيرة، فقد أفضى تزايد أعداد الذين يعبرون الحدود إلى دولة “تشاد”؛ والمقدر عددهم بأكثر من: 05 آلاف شخص يوميًا إلى تكدس عشرات الآلاف في المناطق المحيطة بمدينة “أدري” التشادية القريبة من الحدود السودانية، في ظل ظروف بالغة التعقيد؛ حيث يعيشون في العراء ويُعانون شحًا كبيرًا في المواد الغذائية والمعينات الطبية.
ويواجه الملايين الذين بقوا في “الخرطوم” ومدن بمنطقتي: “دارفور” و”كردفان” عمليات نهب على نطاقٍ واسّع، وانقطاعات طويلة الأمد للكهرباء والاتصالات والمياه، وتُشير تقديرات “الأمم المتحدة” إلى مقتل ما يزيد على أربعة آلاف شخص.
كما تُشير إلى أن الأمطار الموسّمية؛ التي تزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض المنقولة عن طريق المياه، دمرت منازل ما يصل إلى: 13500 شخص أو ألحقت أضرارًا بها.
كارثة بيئية..
في اتصال مع موقع (24) الإماراتي؛ يقول الناشط في المجال الإنساني والحقوقي؛ “بكر عثمان”، إن: “هناك أرقامًا كارثية عن انتشار الملاريا والتيفوئيد والحصبة والإسهال المائي واليرقان”، مشيرًا إلى أن هذه الكوارث لم تتسّبب بها الحرب وحدها، بل انعدام البُنية التحتية الصحية والبيئية وغياب والإرادة الحكومية القوية لمواجهة هذه الأزمات منذ عشرات السنين.
وأضاف أن: “صحة البيئة مهددة بسبب القمامة التي لا يتم جمعها في القرى والمدن الكبيرة، وأن الذباب والبعوض والناقلات لهذه الأمراض، قد تجعل حصيلة المصابين بهذه الأمراض كارثية”.
وقال “عثمان” إن: “الحرب مندلعة في سبع ولايات أساسية، خمس منها في دارفور؛ (جنوب وغرب وشرق ووسط وشمال)، وولاية شمال كردفان والعاصمة الخرطوم، والمرشح أن تكون هناك كارثة بيئية فيها بشكلٍ أكبر، حتى أن الأجهزة الحكومية العاملة في المجال البيئي معطلة بسبب النزاع المسّلح”.
ويُشير الناشط الحقوقي؛ إلى أن: “الجثامين الملقاة في الشوارع منذ منتصف نيسان/إبريل الماضي، والتي لم يتسّن جمعها تحللت ونتج عنها أمراض ستُفاقم من هذه الكارثة البيئية، والأمراض المنقولة”.
وأوضح “عثمان” أن: “العاصمة الخرطوم؛ التي يسّكنها: 11 مليون سوداني يُمثلون نحو ربع سكان الدولة، تحولت إلى مكب نفايات ضخم جدًا”، مشيرًا إلى أن: “المنظمات الدولية تُحاول جاهدة تلافي هذا الخطر؛ لكن جهدها ليس كافيًا، لأن الانتشار الأفقي والجغرافي كبير وهذا سيُمهد لانتشار الأوبئة، إضافة إلى أن كل المؤسسات المعنية بالصحة لا تعمل بطاقتها القصوى، ما يُفاقم الوضع سوءًا”.
مجاعة هي الأخطر في “السودان”..
وبحسّب منظمة (أنقذوا الأطفال)؛ فإن الصراع في “السودان” يُهدد بجعل: 1.5 مليون طفل فريسّة للجوع بحلول أيلول/سبتمبر 2023، كما أن هناك ثمانية ملايين طفل يُعانون من الجوع حاليًا في البلاد.
ويُشير الناشط “عثمان”؛ إلى أن: “أكثر من: 34% من مجمل السكان بالسودان مهددون بالمجاعة”، لافتًا إلى أن هناك نُذر مجاعة بادية.
ويقول لـ (24): “منظمة الزراعة التابعة للأمم المتحدة تتحرك لمحاولة إنقاذ الموسّم الزراعي بعد أن بدأ بداية متخبطة، ولم يسّتعد المزارعون والحكومة للاستفادة من الأمطار باعتبار أن معظم الزراعة في السودان زراعة مطرية”.
وأضاف الناشط الحقوقي: “الأمن الغذائي في السودان سيكون في خطر بالغ، والسيناريو الحتمي هو وقوع مجاعة ستكون الأخطر في تاريخ السودان الحديث”، مشيرًا إلى أن: “السودان شهد مجاعة عام 1988؛ وأخرى في التسعينيات”.
وتابع: “البنك الزراعي لا يعمل بالطاقة القصوى لدعم المزارعين، والأسعار أصبحت مرتفعة للوقود والماكينات الزراعية، وهذه تُسبب مشكلة كبيرة، وأتوقع أن الحكومة السودانية ستوجه نداءً لجميع المنظمات والدول لمحاولة دعمها في توفير الغذاء للسودانيين، لكن لا أتوقع أن تستطيع المنظمات الدولية والإغاثية أن تُغطي الفجوة الكبيرة في الأمن الغذائي”.
تركز المجاعة في ولايات “دارفور”..
وأوضح أن: “المجاعة جغرافيًا ستكون مركزة في ولايات دارفور الخمسة، وفي ولاية جنوب وغرب كردفان وولاية الخرطوم، والقضارف وهي 08 ولايات من أصل: 18 ولاية سودانية”.
ولفت “عثمان” إلى أن: “الغضارف؛ منطقة زراعية كبيرة، وكذلك دارفور”، مشيرًا إلى أن: “النزاع في دارفور تعقد وتوسّع، والموسّم الزراعي هناك سيكون ضئيلاً بسبب انعدام الأمن بشكلٍ تام”.
لا حل قريب للصراع..
من جهته؛ وفي حديث لـ (24)، يرى الخبير بالشؤون الإفريقية؛ “رمضان قرني”، أن: “جميع المؤشرات والدلائل تُشير إلى أن الصراع لن ينتهي قريبًا، على الرغم من جميع المعطيات الكارثية بشأن الأوضاع الصحية والإنسانية والاقتصادية للسودانيين”.
وقال “قرني” إن: “تحليل مجريات العملية السياسية في السودان يكشف عن اتجاه الصراع للمعادلة الصفرية، ومن يتابع الخطاب السياسي للطرفين يجد تمسّك كل طرف بمواقفه، وحرص كل طرف على الحصول على أعلى درجة من المكاسّب السياسية والأمنية والاقتصادية”.
وأضاف: “ذهبت الأمور نحو حالة التأزيم التي نحن بصددها حاليًا، وأخطر ما في الأمر الوضع الإنساني والصحي والاقتصادي والمعيشي، بل إن الأخطر الحديث عن جرائم الاغتصاب والعنف الجنسي بدرجة كبيرة، إذ أوصلت الأزمة المجتمع السوداني ليُصبح مجتمعًا من المهاجرين واللاجئين والنازحين”.
03 مسّارات دبلوماسية..
وحول مستقبل المبادرات التي انطلقت بشأن إنهاء الأزمة؛ قال الخبير في الشؤون الإفريقية، إن: “لدينا ثلاثة مسّارات دبلوماسية للتعامل مع الأزمة، مسّار جدة ومسّار القاهرة ومسّار إيغاد”، مشيرًا إلى أن: “كل مسّار منها يشمل نقاطًا إيجابية، لكنه يصطدم بتعنت الجانبين من جهة، وبعض الإجراءات التنفيذية المتعلقة بمقترحات ومخرجات كل مسّار”.
وأشار “قرني” إلى أن: “هذه المسّارات انضم إليها مسّار أوروبي”، وقال إنه: “تضمن نصوصًا مهمة، مثل الوقف الفوري للقتال والحديث عن الفصل بين القوات بوسّاطة مراقبة دولية إقليمية، وتحدث عن إرسّال قوات إقليمية ودمج قوات الدعم السريع في القوات المسّلحة للدولة، والدعوة للدخول في عملية سياسية شاملة”.
ويختم “قرني” حديثه؛ بالقول إنه: “على الرغم من وجاهة بعض ما جاء في هذه المبادرة، إلا أنها أيضًا قوبلت برفض من الجيش وقوات الدعم السّريع، وبالتالي نحن أمام تعدد في المسّارات والواقع يقول إن القضية الأهم على الأرض وقف العمليات العسكرية ودخول المساعدات الإنسانية، وضمان السلامة للمواطنين في ظل العنف المستمر”.