من إستراتيجية الموازنة إلى موزانة الصراع .. نظرة إيرانية على السياسات الإماراتية تجاه إيران (2) !

من إستراتيجية الموازنة إلى موزانة الصراع .. نظرة إيرانية على السياسات الإماراتية تجاه إيران (2) !

خاص : ترجمة – د. محمد بناية :

تحدثنا في الجزء الأول عن تأثير الانتفاضات العربية على سياسات “الإمارات” الخارجية تجاه “إيران”، وأسباب السياسات العدائية الإماراتية تجاه “إيران”؛ من مثل الدعم الأميركي، وسيطرة “محمد بن زايد”، ولي العهد، على القوات المسلحة الإماراتية. بحسب ما استهل “محمد رضا محمدي”؛ مقاله الجزء الثاني من مقاله التحليلي الذي نشر على موقع (مؤسسة الدراسات المستقبلية بالعالم الإسلامي).

تغييرات داخلية..

علاوة على أننا لا ننسى إن ميزانية الدولة تناهز: 3.1 تريليون دولار. ولطالما كان “بن زايد” متشائمًا من “إيران” و”الإخوان المسلمين”. وهو يعتقد أن الموازنة مع “إيران” هي أنسب وسيلة للتعامل مع السياسات الإقليمية الإيرانية، (التوسعية)، كما يتصور؛ لاسيما بعد أحداث “الربيع العربي”.

على المستوى الداخلي، تغير توزيع السلطة في “الكونفيدرالية الإماراتية” باتجاه المزيد من سيطرة “أبوظبي”. بعبارة أخرى، انفصلت “الإمارات العربية المتحدة”، في عهد “بن زايد”، عن المؤسسية واتخذت المزيد من الخطوات على صعيد المركزية.

وقد بدأ هذا المسار، بعد العام 2009م، حين تولت “أبوظبي” توفير الدعم المالي لديون “دبي” نتيجة الأزمة المالية، في العام 2008م. وحتى ذلك الحين؛ كانت “دبي” تُعارض باستمرار تركيز السلطة في “أبوظبي” وتناهض سياساتها، وبخاصة تجاه “الجمهورية الإيرانية”.

لكن تراجعت مؤشرات الاختلاف السياسي بين الإمارتين في أعقاب مساعدات “أبوظبي” المالية إلى “دبي”، عام 2009م. ويعتقد الكثيرون أن تكلفة هذه المساعدات المالية كان قبول “دبي” بسياسات “أبوظبي” الإقليمية ونظرتها السلبية تجاه “إيران”.

مع اعصار “الربيع العربي”..

على المستوى الخارجي، ضرب “الربيع العربي”، شمال إفريقيا؛ وتسلل إلى دول “مجلس التعاون الخليجي” وبرز بالأخص في “البحرين” و”اليمن”.

وفي آتون فوضى الصحوة العربية، دخلت “الإمارات” و”السعودية” في صدام مع هذه الثورات؛ من خلال المداخلات في شؤون هذه البلدان الداخلية؛ سعيًا للمحافظة على الوضع القائم.

والسبب الرئيس للمداخلات الإماراتية المكلفة في الدول العربية، بعد 2011م، هو في الحقيقة المحافظة على الاستقرار الاقتصادي والداخلي في منطقة الشرق الأوسط المضطربة.

آنذاك؛ انتشرت شكوك جادة بشأن اتساع دائرة الاضطرابات داخل “الإمارات”. وقد تسبب تغير الأوضاع الإقليمية نتيجة “الربيع العربي” في تغير السياسات الإماراتية على نحو يهدف إلى مواجهة الانتفاضات. وقيل إن صعود إثنين من القيادات السياسية السلطوية؛ التي تحظى بثقة “الإمارات” في دول: “مصر” و”ليبيا”؛ ساهم في فشل مسار الانتقال الديمقراطي في الشرق الأوسط.

بزوغها كطرف فاعل في الشرق الأوسط..

والواقع أن هذه الإستراتيجية هيأت لـ”الإمارات” فرصة تحقيق الحد الأعلى من المكاسب، إلا أن ديناميات المنطقة، بعد “الربيع العربي”، حال دون تحقيق كامل توقعات “أبوظبي”.

وبغض النظر عن الأزمة الأمنية التي يتعين على “الإمارات” التعامل معها في “اليمن” وبعض المناطق الأخرى، إلا أن الاعتراف بدولة “الإمارات”؛ كطرف محتمل في الشرق الأوسط؛ كان يُهدد بإمكانية بناء نظم إقليمية عبر الاستفادة من القوة الناعمة ودون دخول في مواجهات عسكرية مباشرة.

العودة لدولة صغيرة في نظام عالمي متعدد القطبية..

لكن الأهم هو قناعة القيادة الإماراتية بتقيد قدرتها حاليًا على التأثير في مصالح وسياسات الأطراف الإقليمية والدولية، ومن ثم فإن استثارة “إيران” سوف يفرض على “الإمارات” تكلفة باهظة. لذلك هناك احتمال أن يتغير شكل العلاقات الإماراتية المستقبلية مع “إيران”.

وقد شهد العام الماضي؛ عدد من المؤشرات التي تعكس عودة “أبوظبي” إلى إستراتيجية الموازنة مع “إيران”، باعتبارها الخيار الأنسب لدولة صغيرة في نظام عالمي متعدد الأقطاب.

بعبارة أخرى، يبدو أن محدودية الفرصة الإماراتية للنفوذ في الشرق الأوسط، والخوف من استثارة “إيران”، دفع “أبوظبي” للعودة إلى سياسة: “موازنة الصراع”.

وتعكس بعض الشواهد إلى إمكانية عودة “الإمارات” إلى سياساتها طويلة الأمد تجاه “إيران”. ففي العام 2018م؛ أعادت “الإمارات” ترميم علاقاتها مع “سوريا”، وبلغ حجم التجارة بين البلدين في العام نفسه؛ حوالي: 19 مليار دولار. وفي آيار/مايو وحزيران/يونيو من العام 2019م؛ تعرضت بعض السفن التجارية لأعمال تخريبية في مياه الخليج، ولم تنسب “الإمارات” هذه الجرائم إلى “إيران” على غرار بعض الدول.

في الوقت نفسه قد تكون تهديدات (أنصار الله) المتزايدة وتنفيذ عمليات انتقامية ضد “الإمارات”، وهجوم المُسيرات على المنشآت النفطية السعودية، من العوامل الهامة في تغيير السياسات الإماراتية تجاه “إيران”. وهو ما قد يوضح أسباب زيارة المسؤولين الإماراتيين إلى “إيران” عقب الهجوم على ناقلات “النفط”، في سابقة هي الأولى من نوعها للحديث عن التأمين الملاحي في الخليج.

ولا ننسى أن “الإمارات” لطالما سعت إلى تثبيت مكانتها كدولة آمنة للاستثمارات الأجنبية. ولذلك سحبت، في تموز/يوليو 2019م، الجزء الرئيس من قواتها في اليمني، كمؤشر على قلق القيادة الإماراتية وتغير الإستراتيجية العسكرية والعودة إلى التوجهات الدبلوماسية.

يقول دبلوماسي أميركي سابق: “التراجع الإماراتي؛ هو عين البراغماتية ويعكس عدم قدرة الإمارات من المنظور العسكري، والمالي والأهم السياسي على الصمود في المستنقع اليمني الدامي”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة