دانت منظمات حقوقية وناشطون مشروع قانون عراقي يقضي بالسجن مدى الحياة على مستخدمي شبكة الانترنت لجرائم غير محددة، منتقدين اللغة الفضفاضة المبهمة التي جاءت في المسودة والغرامات الباهظة المفروضة. وياتي مشروع القانون بعد مرور اكثر من عام على الثورات العربية التي نظم بعضها من خلال حملات على الانترنت، وهزت منطقة الشرق الاوسط واطاحت بعدد من الانظمة. وحذرت منظمة هيومن رايت ووتش من اقرار مشروع القانون الذي قالت انه ينطوي على نواقص دستورية خطيرة لحرية العراقيين، فيما شكك نشطاء بعدد من بنود القانون.
ومع ان العديد من النواب المشاركين في صياغة القانون المثير للجدل قالوا انهم سيعيدون النظر به وسيخففون العقوبات، الا ان مناهضي القانون اعلنوا انهم لن يصدقوا ما لم تقترن اقوالهم بالافعال.
وقال الناشط والمدون العراقي حيدر حمزوز “نحن لا نملك ثقافة حماية حرية المستخدمين، ولا حماية حرية المعلومات”.
بدوره، قال جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الاوسط في هيومن رايتس ووتش، في بيان ان “مشروع القانون هذا من شأنه ان يعطي السلطات العراقية وسيلة جديدة لقمع المعارضة، وخصوصا على الانترنت الذي بات عدد متزايد من الصحافيين والناشطين يستخدمونه للحصول على المعلومات ومناقشتها بصورة مفتوحة”.
ودافع بعض النواب عن المسودة الحالية لمشروع القانون قائلين انها اعدت في ذروة الحرب الطائفية في العراق.
ومع ان مشروع القانون يبدو وكانه اعد لردع المتمردين، الا ان احكامه الواسعة النطاق تنطبق على جميع مجالات المجتمع، في بلد كان معدل مستخدمي الانترنت فيه لا يتجاوز 1,1 في المئة في عام 2010، وفقا للاتحاد الدولي للاتصالات.
وينص مشروع القانون على عقوبة قد تصل الى السجن مدى الحياة بتهم “النيل من استقلال ووحدة، وسلامة البلاد ومصالحها العليا أو مصالح اقتصادية وسياسية وعسكرية، او امنية”.
وينص القانون على عقوبات مماثلة في حال ادانة مستخدمين الشبكة ب”المشاركة او التفاوض او تشجيع او التعاقد او التعامل مع كيان معاد باي شكل يهدف الى زعزعة الامن والنظام العام”.
كما يعاقب القانون بالسجن مدى الحياة من يدانون ب “تاجيج التوترات الطائفية او الصراع، او تشويه سمعة البلد” او “نشر او بث احداث خاطئة او مضللة بهدف إضعاف الثقة في النظام المالي الالكترونية والالكترونيات وثائق تجارية او مالية، او اشياء مماثلة، او إلحاق الضرر بالاقتصاد الوطني، والثقة المالية في الدولة”.
وهناك مادة واحدة تنص على عقوبة بالسجن لمدة سنة واحدة لاي “اي شخص يتعدى على القيم الدينية والاخلاقية، والاسرة، او القيم الاجتماعية او مبادئ او حرمة الحياة الخاصة باستخدام شبكة المعلومات او اجهزة الكمبيوتر في اي شكل من الاشكال”.
وتنص بنود اخرى على عقوبة مدتها ثلاث سنوات كحد أدنى لمن يقومون ب”تعطيل متعمد لاجهزة الكمبيوتر والانترنت التي تخدم المصلحة العامة، او اضرارها او عاقة مهامها”.
وقالت هيومن رايت ووتش في بيانها “نظرا للغموض واتساع هذه النصوص، فضلا عن شدة العقوبة عن الانتهاكات، فان السلطات قد تستخدم القانون لمعاقبة اي تعبير تدعي انه يشكل تهديدا لبعض المصالح الحكومية والدينية، أو الاجتماعية”.
من جانبها، حذرت هيومن رايتس ووتش من مقرها في نيويورك من امكان استخدام القانون ل”قمع الانتقادات المشروعة او التحدي السلمي للمسؤولين الحكوميين أو الدينيين او السياسات”.
وأضافت “نظرا للدور الأساسي لتكنولوجيا المعلومات والأجهزة والشبكات في مجال الصحافة ونشر المعلومات والآراء، فان القانون المقترح يشكل تهديدا خطيرا على وسائل الإعلام المستقلة ونشاطاتها السلمية”.
وحذرت هيومن رايتس ووتش ان “مشروع القانون هو “جزء من نمط أوسع نطاقا من القيود على الحريات الأساسية في العراق، ولا سيما حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع”.
ودعت المنظمة النواب العراقيين الى ارجاء التصويت على القانون إلى أن تم إصلاحه بحيث يتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
ونالت الدعوة قبول بعض أعضاء اللجان البرلمانية الثلاثة التي تعمل على المشروع.
وقال النائب علي شلاه عضو لجنة الثقافة والاعلام لفرانس برس ان “أشياء كثيرة تحتاج إلى تغيير، وخاصة العقوبات”. واضاف وهو نائب عن ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي “عندما كتب القانون، كان الكثير من الجماعات المسلحة يستخدم الانترنت في بث بياناتهم والأخبار، وقد اثر على امن الشعب”. وتابع “لكن الان الأمور تغيرت والحكومة احكمت السيطرة والوضع الأمني صار أفضل بكثير”. وقال شلاه انه يتوقع ان الامر سيستغرق ستة أسابيع إلى شهرين قبل اعادة تقديم مشروع القانون الى البرلمان.
لكن حتى مع هذه الضمانات، لايزال الناشطين العراقيين غير مقتنعين.
وقال حمزوز “هناك الكثير من القوانين قبل هذا القانون قال النواب انهم غير موافقين عليها، لكن عندما ذهبوا للتصويت، تم اقرارها”. ورد حمزوز بالايجاب على سؤال ما اذا كان سيقتنع في حال اجراء اصلاح فعلي على القانون.