كتبت نهى سليم: يعود إلى الواجهة من جديد، الحديث عن وجود أعداد غير معلومة من الأسرى والمعتقلين العراقيين في إيران، حيث أطلقت لجنة المجلس الشعبي العراقي الكلداني السرياني الآشوري، وهي منظمة مجتمع مدني مقرها الدانمارك، حملة للبحث عن 600 أسير ومفقود في الحرب العراقية الإيرانية تعتقد اللجنة أنهم ما زالوا في سجون إيران.
وهناك من يتحدث عن طيارين عراقيين لجأوا إلى إيران عقب غزو الكويت عام 1990، ثم اعتقلوا وبقوا في السجن حتى اليوم.
ويقول الإيرانيون من جانبهم إنهم سلموا كل الأسرى للعراق، ويتساءلون “ماذا عساها أن تفعل إيران بالأسرى في هذا الوقت؟”.
وبقي نزار السامرائي، الباحث في المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، إن “مئات من الأسرى المعاقبين قضوا فترات طويلة في السجون الإيرانية”، وأضاف “لست وحدي من بقي في المعسكرات الإيرانية، فقد توقف التبادل يوم 1 أيلول 1990، وجرى خلال هذا الشهر تبادل نحو 36 ألف أسير من كل جانب”.
وكشف السامرائي، أن العدد المذكور مثّل كل الأسرى الذين كان العراق يحتجزهم فيما” احتفظت إيران بألوف من الأسرى العراقيين “المعاقبين” بتهم مختلفة والمحتجزين في معسكرات متباعدة لم يزرها الصليب الأحمر في الغالب، مصرة على أنّ العراق يحتفظ بأسرى إيرانيين ولا يعترف بوجودهم، وأنهم يجب أن يعودوا” .
ونقل السامرائي تقديرات إيرانية عن عدد الأسرى العراقيين لديها بأنه ( 75- 85 ألف أسير) وهذا يعني أن بين أربعين إلى 50 ألف أسير، بقوا في أقفاص الأسر بعد إنهاء التبادل الرسمي عام 1991، لكنه استدرك بالقول “إن اللجنة الدولية للصليب الأحمر لا تعطي هذه الأرقام نفس المصداقية”.
واطلقت تيريزا ايشو رئيس لجنة المجلس الشعبي العراقي الكلداني السرياني الآشوري مبادرة تتوخى إعادة أسرى مسيحيين مفقودين إلى ذويهم، ثم غيرت فحوى المبادرة وجعلتها مبادرة عراقية للبحث عن كل أسرى الحرب العراقية الإيرانية ومن تبقى منهم في إيران. وأكدت ايشو أنها “اتصلت بالسفارة الإيرانية في كوبنهاغن، ثم نظّمت رحلة إلى طهران في شهر آب 2013 في مسعى للبحث عن أسرى قيد الاعتقال”.
ومضت إلى القول، “زرنا مكتب منظمة الصليب الأحمر الدولي بطهران ، البرلمان الإيراني، وزارة حقوق الإنسان، وزارة الخارجية، رئاسة الجمهورية الإسلامية ، ومكتب المجلس الإسلامي الأعلى ولكن كل الجهات أكدت عدم وجود اسري عراقيين، فيما طلب مكتب الصليب الأحمر الدولي تخويلا من ذوي الأسرى يجيز لنا البحث عنهم والحصول على معلومات بشأنهم”.
واستندت المبادرة الجديدة إلى كتب صادرة عن الوحدات العسكرية للمفقودين تعلم ذويهم بأن المشار إليهم قد فقدوا في المعارك وتشير إلى تاريخ الحدث ومكانه، إضافة إلى ما نقل شفهيا عنهم من خلال أسرى عائدين التقوا بالمشار إليهم في معسكرات الأسر” أو ربما كانوا قد تحدثوا في إذاعة إيرانية كانت تجري لقاءات مع الأسرى، ليبلغوا أهلهم بأنهم أحياء، وكانت هذه مجمل المعطيات التي استندنا عليها”.
لكن الحقوقي حسن شعبان رئيس منظمة حقوق الإنسان والديمقراطية ومقرها بغداد، شكك في فرضية وجود أسرى، متسائلا عن مصلحة إيران في احتجاز جنود عراقيين، وعن مبررات مثل هذا الافتراض، وقال، “ما الفائدة من ذلك، النظام السابق قد انتهى ويقوم في العراق نظام جديد، والأسرى هم أناس بسطاء أجبروا على الحرب مع إيران وذهبوا عنوة إلى القتال”.
وذهب الحقوقي شعبان إلى أنه لا يريد أن يدافع عن صدقية إيران، لكنه اعتبر أنه لا يجد مبررات موضوعية مقنعة تسمح للسلطات الإيرانية بإخفاء بعض الأسرى.
واستدرك بالقول” لكني لا استطيع أن أنفي بالكامل، لأن السلطات العراقية والسلطات الإيرانية إبان الحرب دأبت على الكذب على بعضها”، بمعنى أن النظامين لم يكشفا عن الحقائق كاملة كما ينبغي.
وأعرب شعبان عن اعتقاده أن اغلب هؤلاء المفقودين قد قتلوا في ساحات الحرب ولم يستطع الصليب الأحمر، مشيرا إلى أنّ هناك أزمة ثقة بين النظامين كما أنّ “هذين النظامين لم يكونا بمستوى الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان”، وخلص رئيس منظمة حقوق الإنسان والديمقراطية إلى القول” طبيعة الأوضاع في الوقت الحاضر لا تسمح بإسدال الستار على هؤلاء”.
وأكد الأسير السابق اوديشو ديكو المقيم في الدانمارك أن المسيحيين يتعرضون عموما إلى ضغوط لحملهم على تغيير ديانتهم إلى الإسلام في السجن، كما أنهم يتعرضون لإغراءات من نوع ” سيجري تزويجك بامرأتين، أحداهما عراقية من المهجّرات إلى إيران، والأخرى إيرانية تائبة “، على حد تعبير ديكو.
وأشار إلى أن “الأسرى ذوي الدرجات الحزبية العالية كانوا ينقلون من معسكرات الأسر العادية إلى معسكرات خاصة حيث يجري احتجازهم تحديدا في معسكر قزوين” ، مؤكدا أن أسرى عمليات بنجوين وحلبجة لم يسجلوا في الصليب الأحمر .
ومن مفارقات عمليات تبادل الأسرى بين البلدين، كشف الأسير السابق اوديشو ديكو، أن مجموعات كثيرة من الأسرى كانت تنقل إلى الحدود بحافلات لغرض إجراء التبادل مع الجانب العراقي، ثم يعاد هؤلاء إلى أقفاص الأسر بحجة أن الجانب العراقي قد اخلّ بالاتفاق” مع أننا كنا نرى من جانبنا في معبر خسروي بقصر شيرين الحافلات العراقية وهي تنتظر في معبر المنذرية”.