23 ديسمبر، 2024 11:46 ص

مناظرة “هاريس-ترامب” .. اعتمدت على تشويه المنافس دون تقديم رؤية المرشحين وسياستهم .. فمن الفائز ؟

مناظرة “هاريس-ترامب” .. اعتمدت على تشويه المنافس دون تقديم رؤية المرشحين وسياستهم .. فمن الفائز ؟

خاص: كتبت- نشوى الحفني:

لم تحظ المناظرة الرئاسية الأولى بين المرشح الجمهوري الرئيس السابق؛ “دونالد ترامب”، والمرشحة الديمقراطية؛ “كامالا هاريس”، باهتمام الناخب الأميركي فقط، ولكن أيضًا باهتمام عالمي من وسائل الإعلام العالمية والدولية لما للمناظرات الرئاسية الأميركية من أهمية بالغة وتاريخ طويل بدأ منذ سيتينات القرن الماضي، حيث أنه على مدار تاريخ الانتخابات الأميركية أدت نتائج المناظرات لتغيير آراء جمهور الناخبين تجاه المرشحين؛ وكان آخرها الأداء الكارثي في المناظرة السابقة في تموز/يونيو الماضي، بين “دونالد ترامب” و”جو بايدن”، الذي أدى لإنسحاب الأخير من السباق الانتخابي.

وواجه المرشح الجهوري؛ “ترامب”، المرشحة الديمقراطية؛ “هاريس”، بعضهما في أول مناظرة بينهما قبل أقل من شهرين على إدلاء الأميركيين بأصواتهم لاختيار رئيسهم، وتُعتبر هذه المناظرة الرئاسية السابعة لـ”دونالد ترامب” منذ ترشحه لأول مرة في عام 2016، والأولى لـ”كامالا هاريس”.

الأكثر إزعاجًا..

وبحسّب تحليل لمجلة (ناشونال إنتريست) الأميركية؛ أظهرت “هاريس” شجاعتها منذ البداية من خلال التقدم نحو “ترامب” وهزت رأسه بالحديث عن محاكمته بلا هوادة، ويبدو أن المدعية العامة السابقة حققت الشيء الوحيد الذي كان يسعى “ترامب” دائمًا إلى تأسيسه؛ ألا وهو: “الهيمنة” ليس لدقائق بل لبقية عمر المناظرة.

وتقول المجلة؛ كشفت “هاريس” عن “ترامب” الحقيقي تحت: “الإضاءة القاسية” في التسّليط على الدستور الوطني، وكان “ترامب” في وجهها وبذلك كانت “هاريس” أكثر إزعاجًا له طوال المناظرة.

وكانت “هاريس” أكثر تدريبًا، وهو نتاج جزئي لتحضيرها المكثف للمناظرة، إذ كانت لديها إجابات سلسة معدة على النقيض من ذلك، كان “ترامب” غريزيًا وعفويًا. لكنه كان محبطًا بتصويره “أميركا” على أنها: “دولة فاشلة” طوال حديثه خلال المناظرة.

وأشارت المجلة الأميركية؛ أن الفشل الوحيد كان فشل “ترامب” عندما سئل عن خطته للرعاية الصحية، وقع بخطأ أنه تعامل مع المناظرة كما لو كانت تجمعًا أمام تابعيه المخلصين بدلاً من سعيه للوصول إلى الناخبين المتأرجحين وتقويض تفوق “هاريس” من خلال ربطها بسجل الرئيس؛ “جو بايدن”.

بدلاً من ذلك؛ أعرب علنًا عن شوقه لـ”بايدن”، مما دفع “هاريس” للهجوم ولفت انتباه “ترامب” إلى أنها من تترشح للرئاسة ما جعل “ترامب” يبدو عجوزًا ومنفصلاً عن الواقع.

مستنقع انتخابات 2020..

وتقول المجلة: “إن غضب ترامب كان ملموسًا، مما ضمن أن تُركز المناظرة عليه، إذ انغمس في مستنقع انتخابات 2020، مدعيًا مرة أخرى أنها سُرقت منه، وانتقد بشدة عدم عدالة قضاياه أمام المحكمة، وأثار مرة أخرى الشكوك حول هوية هاريس العرقية كما زعم أنها نشأت في بيئة ماركسية على يد والدها، الأستاذ الماركسي في الاقتصاد”.

ولم تكن هذه هي ادعاءاته الغريبة الوحيدة، فقد زعم عن المهاجرين الهايتيين في “سبرينغفيلد” يأكلون الكلاب قائلاً: “الناس الذين جاءوا (المهاجرين) يأكلون القطط”.

اللحظة الأكثر جنونًا..

وربما كانت اللحظة الأكثر جنونًا بالنسبة لـ”ترامب” عندما رد على إعلان “هاريس” أن زعماء العالم يعتبرونه: “عارًا”، عبر تشبّيهه بالرئيس المجري؛ “فيكتور أوربان”، الذي أسس ديمقراطية غير ليبرالية على ضفاف نهر “الدانوب”، والذي يُعد دليلاً على الشخصية الترامبية، رد “ترامب” بقوله إن “أوربان” كان: “رجلاً صارمًا، لقد قال أوربان إن الشخص الأكثر خوفًا واحترامًا هو دونالد ترامب”، عبر مدحه لـ”أوربان”، صادق “ترامب” على قول “هاريس” إنه يتم استغلاله بانتظام من قبل المستبدين الأجانب.

انقلاب الأدوار..

وأوضحت المجلة الأميركية؛ أن نتيجة المناظرة كانت: “انقلابًا في الأدوار”، ففي الشؤون الخارجية كانت “هاريس” المهيمنة على المناظرة بكل تفاصيلها و”ترامب” كان رهينًا للردود والهجمات.

وفي الشأن الأوكراني تمنع “ترامب” ورفض بشدة أن يبدي رغبته في رؤية “أوكرانيا” تفوز وبدلاً من ذلك، تحدث عن كيفية حل الصراع في يوم واحد على الأرجح بالتخلي عن كييف بعد كل شيء.

وأعلن زميله في الترشح لمنصب نائب الرئيس؛ “جيه. دي. فانس”، بالفعل أنه لا يُهمه: “ما يحدث لأوكرانيا بطريقة أو بأخرى”، وهنا كانت الفرصة لـ”هاريس” للانقضاض سريعًا والإشارة إلى أن هناك أكثر من: (800) ألف ناخب بولندي يعيشون في ولاية “بنسلفانيا”؛ والذين من المفترض أنهم يحملون وجهة نظر أقل تسامحًا تجاه “روسيا” من “ترامب” ومرشحه لمنصب نائب الرئيس؛ “فانس”.

واختتمت المجلة قائلة؛ إن: “المناظرة قد تكون لها تأثير كبير على (قواعد اللعبة)، إذ ساعدت في ترسيّخ مصداقية هاريس، فهي لم ترتكب أي زلة بل وضعت ترامب في موقف دفاعي، ومع اقتراب خط النهاية، قد يثير أداء ترامب قلقًا متزايدًا في الحزب (الجمهوري)، الذي كان يحتضنه بسبب اقتناعه بأنه وحده القادر على قيادة الحزب إلى النصر في تشرين الثاني/نوفمبر، والآن، يبدو أن هذا الاقتناع قد تغير كليًا”.

مهارة سياسية عالية..

ويرى “تشارلز ليبسون”؛ أستاذ العلوم السياسية الفخري بجامعة (شيكاغو)، أنه في حال انتخاب “كامالا هاريس”؛ رئيسة، فإن فوزها سيعود إلى أدائها في المناظرة التي جرت في “فيلادلفيا”، ليلة الثلاثاء.

ويُشير “ليبسون” إلى أن إجابات “هاريس”، رغم غموضها في بعض الأحيان، كانت ملهمة وموجهة نحو المستقبل. وقد تمكنت من تجنب الأخطاء التي غالبًا ما شابت تصريحاتها السابقة. وفي المناظرة، كانت واضحة وفصيحة، مما أعطاها أفضلية كبيرة.

وذكر “تشارلز ليبسون”؛ في مقال نشره في مجلة (سبكتيتور)، أن “كامالا هاريس” أظهرت مستوى عالٍ من المهارة السياسية خلال المناظرة، حيث نجحت في تجنب التورط في التصريحات الأكثر تطرفًا التي أدلت بها في الفترة ما بين 2019 و2020، والتي غالبًا ما تنكرها الآن.

وأضاف “ليبسون” أنه كان بإمكان “ترامب” استغلال هذه التصريحات ضدها، لكنه نادرًا ما فعل ذلك، مما أتاح لـ”هاريس” فرصة للتألق دون ضغط كبير.

القدرة على القيادة والسيطرة..

في مقالته؛ أشار “تشارلز ليبسون” إلى أن “كامالا هاريس” نجحت بشكلٍ فعال في ترسيخ موقفها المؤيد لحقوق المرأة في الاختيار، ووجهت انتقادات حادة لـ”دونالد ترامب” على موقفه من هذه القضية.

ورغم أنها أخطأت في التعبير عن آرائه بشأن التلقيح الصناعي، إلا أن “ترامب” سارع إلى تصحيحها.

كما أشادت “هاريس” بقانون الرعاية الصحية؛ الذي أقره “باراك أوباما”؛ (أوباما كير)، وهو موقف شعبي على المستوى الوطني، وربطته بتصويت السناتور “جون ماكين”، مما يُعد حركة ذكية في ولاية “آريزونا” المتأرجحة.

والأهم من ذلك؛ أظهرت “هاريس” قدراتها القيادية والسيطرة التي يتوقعها الناخبون من الرئيس، وأثبتت من خلال أدائها أنها مستعدة لتولي منصب القائد الأعلى، وهو الهدف الأساس الذي سعت لتحقيقه في المناظرة.

غضب ودفاعية “ترامب”..

على النقيض من أداء “كامالا هاريس”، أضر “دونالد ترامب” بنفسه خلال المناظرة من خلال إظهاره الغضب والدفاعية، وهي صفات قد تجذب أنصاره، لكنها تنفر الديمقراطيين والمستقلين، خاصة النساء.

ورغم ذلك؛ تمكن “ترامب” من التركيز على بعض القضايا الأساسية التي تُكسّبه تأييدًا، مثل الهجرة والجريمة والحروب الطويلة.

كما قدم حجة قوية بأنه سيُعزز التكسّير الهيدروليكي، وهو موضوع مهم في ولاية “بنسلفانيا”، زاعمًا أن إدارة “هاريس” ستوقف هذه العملية، رغم نفيها لذلك.

مع ذلك؛ كانت نقاط “ترامب” كثيرًا ما تضيع بسبب المبالغات والانفعالات، مما أفقده فرصة استغلال حجة مركزية: “هل أنت أفضل حالاً الآن مما كنت عليه قبل أربع سنوات ؟”.

وبدلاً من أن تكون هذه النقطة محور نقاشه، ضاعت في التفاصيل الصغيرة. من جهتها، قلبت “هاريس” المعنى لتشير إلى أن خصمها كان يُدير حملة تركز على الماضي.

أقوى لحظات “ترامب”..

كانت أقوى لحظات “دونالد ترامب”؛ خلال المناظرة، عندما طرح سؤالاً موجهًا لنائبة الرئيس؛ “كامالا هاريس”، في بيانه الختامي، قائلاً: “إذا كانت لديكِ كل هذه الأفكار الرائعة، فلماذا لم تنُفذيها خلال السنوات الثلاث والنصف التي شغلتِ فيها أنتِ وبايدن منصبيكما ؟”، كانت هذه نقطة قوية، لكنها لم تستغل بشكل كامل. بدلاً من التأكيد عليها وتقديم أدلة قوية تتعلق بالهجرة والتضخم والدخل الحقيقي وإعادة بناء الجيش، ترك “ترامب” الحجة تتلاشى.

بدلاً من التركيز على هذه النقاط؛ عاد إلى نوبات الاستنكار والمبالغات التي تمكنت “هاريس” من وصفها بالفعل بأنها أفعال متكررة ومتعبة، مما أفقد “ترامب” الفرصة لتقديم حجج أكثر إقناعًا.

ليست استراتيجية رابحة..

وإذا كان الموضوع الرئيس لـ”هاريس” هو أن رئاسة “ترامب” الثانية ستنحصر في النظر إلى الماضي، فإن الرئيس السابق قدم لها الكثير من المواد لتستخدمها. عندما سُئل عما إذا كان قد فاز في انتخابات 2020، كان ينبغي له أن يقول شيئًا مثل: “لدي بعض الآراء حول ذلك، ولكن ما أريد التركيز عليه، مثل الناخبين في جميع أنحاء أميركا، هو الانتخابات المقبلة. أريد أن أشرح كيف سأجعل أميركا أكثر ازدهارًا وسلامًا ولماذا منافستي لن تتمكن من تحقيق ذلك”.

بدلاً من ذلك، ظل “ترامب” متمسكًا بسّردية الماضي، مما عزز حجة “هاريس” بأن حملته تُركز بشكل أساس على الماضي، وليس على القضايا الحالية أو المستقبلية التي تهم الناخبين.

بدلاً من هذا؛ قرر “ترامب” إعادة التنازع بشأن انتخابات 2020. كان يبشر جوقته من الجمهوريين، وينفر الناخبين المترددين ويستسلم لشعوره بالضحية. إنها ليست استراتيجية مناظرة رابحة.

أضاع أفضل فرصه..

وفقًا للأستاذ الجامعي؛ لم تكن مشكلة “ترامب” الرئيسة هي المديران المتحيزان للمناظرة، ولا حتى أداء “هاريس” السلس والقوي. كانت مشكلته الأكبر هي نفسه. فقد كانت إجاباته غاضبة ودفاعية وطويلة وغير منضبطة، وكأنه يُخاطب تجمعًا من أنصاره المخلصين، وليس ملايين الناخبين الذين لم يحسّموا قرارهم بعد.

وهذا الأداء المتهور سيكلف “ترامب” كثيرًا، حيث أضاع أفضل فرصة له خلال الحملة الانتخابية وسيضطر لبذل جهود مضاعفة للتعافي.

في المقابل؛ قامت “كامالا هاريس” بما هو عكس ذلك تمامًا، حيث استغلت الفرصة في “فيلادلفيا” وفازت بالمناظرة بسهولة، مما عزز فرصها في الحصول على الفوز الأكبر في الانتخابات المقبلة.

هيستريا قومية..

ويقول الكاتب “ديفيد فايرستون”؛ في مقاله في صحيفة (نيويورك تايمز)، إن “ترامب” ظل صامتًا، بينما كانت “كامالا هاريس” تُفند خطته الاقتصادية، التي أشارت بشكلٍ صحيح إلى أنها تستند إلى خفض الضرائب للأثرياء وضريبة المبيعات على جميع السلع المستوردة. وعندما جاء دوره للرد، أشار بدقة إلى أن إدارة “بايدن” لم تبذل أي محاولة لإنهاء التعريفات الجمركية التي فرضها على “الصين”.

لكن هذا لم يدم؛ ولم يعتقد أحد ممن شاهدوا “ترامب” على مدى العقد الماضي أن ذلك قد يحصل. في غضون دقائق، انزلق من مناقشة التعريفات الجمركية إلى مهاجمة المهاجرين – وهو وصف عاد إليه مرارًا – بشكل لا يمكن وصفه، إلا بأنه شكّل من أشكال الهستيريا القومية.

قال “ترامب”: “إنهم يستولون على المدن. إنهم يستولون على المباني. إنهم يقتحمون بعنف”. “هؤلاء هم الأشخاص الذين سمحت لهم هي وبايدن بالدخول إلى بلدنا. وهم يدمرون بلدنا. إنهم خطرون. إنهم في أعلى مستويات الإجرام، وعلينا إخراجهم. علينا إخراجهم بسرعة”.

تقويض العملية الديمقراطية..

طوال المساء؛ وفي لحظات مثل تلك، تمكنت “هاريس” من القيام بشيء، فشل “بايدن” في القيام به، عندما كان يخوض حملة إعادة انتخابه، وهو دفع “ترامب” بطرق كشفت عن أكاذيبه وخيالاته الجامحة.

وكان هذا صحيحًا حتى بشأن المحاولة المخيفة لاغتيال “ترامب”. لم يكن هناك دليل على أنها كانت ذات دوافع سياسية، لكن هذا لم يمنع “ترامب” من ادعاء ذلك. وقال: “ربما تلقيت رصاصة في الرأس بسبب الأشياء التي يقولونها عني”، في إشارة إلى ادعائه الكاذب بأن الاتهامات الموجهة إليه كانت دليلاً على “تسليح” نظام العدالة.

وسُئل عن دوره في تقويض العملية الديمقراطية، فقال إن “هاريس” هي التي فعلت ذلك بالفعل، من خلال اغتصاب دور “بايدن” على رأس القائمة. وأضاف: “أنت تتحدث عن تهديد للديمقراطية – حصل على (14) مليون صوت، وأخرجوه من منصبه. وتعلم ماذا ؟ سأخبرك بسر صغير. إنه يكرهها. لا يستطيع تحملها. لكنه حصل على: (14) مليون صوت. لقد طردوه. ولم تحصل على أي أصوات”.

كانت المناظرة نجاحًا حاسمًا لـ”هاريس” ليس فقط لأنها تمكنت من تعريف نفسها وخططها، ولكن أيضًا لأنها تمكنت من الضغط على بعض الأزرار والسماح لـ”ترامب” بإظهار ذاته الحقيقية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة