وكالات – كتابات :
حاول الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، تحقيق بعض المكاسب خلال زيارته لـ”السعودية”، فأعلن عن مجموعة من الاتفاقيات مع المملكة، بدءًا من طرح شبكة الجيل الخامس وحتى خطط تعزيز إنتاج “النفط”، لكنَّ إحدى أكثر الاتفاقيات الأكثر إثارة للاهتمام كانت تتركَّز على نقل السيادة على جزيرتي “تيران” و”صنافير”؛ في “البحر الأحمر”، من “مصر” لـ”السعودية”.
أُشيع طوال أشهرٍ أنَّ “الولايات المتحدة” تتوسط في اتفاق لنقل جزيرتي: “تيران” و”صنافير”؛ بـ”البحر الأحمر”، من “مصر” إلى “السعودية”، وقال “بايدن”؛ يوم الجمعة 15 تموز/يوليو، إنَّ قوات حفظ السلام الدولية، وضمنها القوات الأميركية، ستُغادر جزيرة “تيران” بحلول نهاية العام.
أزال الإعلان عقبة أمام الاتفاق، الذي يقول محللون إنَّه قد يُمهِّد الطريق أمام تأسيس علاقات رسمية في نهاية المطاف بين: “السعودية” و”إسرائيل”، والأخيرة يُلزم الحصول على إذنها لأي تغيير في وضعية القوات الدولية بالمنطقة، حسبما ورد في تقرير لموقع (ميدل إيست آي) البريطاني.
وفي مقابل موافقة “إسرائيل” على نقل قوات حفظ السلام متعددة الجنسيات، فتحت “السعودية” أجواءها أمام كافة رحلات الطيران الإسرائيلية.
قال “عادل حميزية”، الزميل المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمعهد “تشاثام هاوس”؛ في “لندن”، لموقع (ميدل إيست آي) البريطاني: “سنرى كيف يكون وضع الفلسطينيين في المفاوضات المستقبلية، لكن سيتم النظر إلى الخطوات المتبادلة على أنَّها خطوات ومساعٍ إضافية لبناء الثقة بخارطة طريق التطبيع”.
“بايدن” يعتبره إنجازًا !
وخلال كلمته أمام الصحافيين؛ يوم الجمعة، أشاد “بايدن” بالاتفاق باعتباره: “اختراقًا”، قائلاً إنَّ “الولايات المتحدة” و”السعودية”: “أبرمتا اتفاقًا تاريخيًا لتحويل بؤرة توتر في قلب حروب الشرق الأوسط إلى منطقة سلام”.
لكنَّ تاريخ الجزيرتين مؤخرًا كان أكثر هدوءًا بقليل مما توحي به هذه الكلمات، حسب الموقع البريطاني.
ففي حين احتلتهما “إسرائيل”؛ خلال حرب الأيام الستة عام 1967، أصبحتا منزوعتي السلاح عام 1979؛ بعدما وقَّعت “مصر” و”إسرائيل” معاهدة سلام “كامب ديفيد”؛ لعام 1979. ومنذ ذلك الحين، كان التوتر بشأن الجزيرتين محدودًا.
“إسرائيل” لم تكن لديها مشكلة في نقل السيادة لـ”السعودية”..
يقول محللون إنَّ “إسرائيل” تجاوزت منذ فترة طويلة، النظر إلى السيطرة السعودية المحتملة على جزيرتي: “تيران” و”صنافير” باعتبارها تهديدًا، خصوصًا في السنوات الأخيرة؛ بعدما اصطف البلدانِ ضد “إيران”، وضمن ذلك في “البحر الأحمر”، حيث يُشاركان في مناورات بحرية مشتركة مع “الولايات المتحدة”.
وقال “غيرالد فيرستين”، السفير الأميركي المتقاعد ونائب مساعد أول سابق لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط: “لا أتذكر أبدًا أنَّ الإسرائيليين كانت لديهم مشكلة بخصوص عملية النقل”.
وأضاف: “حين يكون لديك (البيت الأبيض)؛ زيارة كهذه، ستود تلميع صحيفتك ووضع أكبر عدد ممكن من الإنجازات الصغيرة فيها. وأظن أنَّ هذا إنجاز صغير”.
تاريخ جزيرتي “تيران” و”صنافير” المُّركب..
كانت “تيران” و”صنافير” خاضعتين تاريخيًا لسيطرة “السعودية” حتى الخمسينيات، حين نقلت “الرياض” الإشراف عليهما لـ”القاهرة”؛ (بحسب التقرير البريطاني). كانت “مصر” آنذاك؛ القوة العسكرية والاقتصادية المهيمنة في العالم العربي، وكان يُنظَر إليها على أنَّها حامٍ أفضل لهاتين الجزيرتين الإستراتيجيتين في مواجهة “إسرائيل”.
وقد جعل موقع الجزيرتين الجغرافي؛ عند مدخل “خليج العقبة”، منهما نقطة اختناق إستراتيجية حين خاضت الدول العربية الحرب مع الدولة الصهيونية. أغلق الرئيس المصري؛ “جمال عبدالناصر”؛ “مضيق تيران”؛ عام 1967، قاطعًا الطريق البحري إلى “ميناء إيلات” الإسرائيلي.
لكنَّ السلام بين “مصر” و”إسرائيل”، فضلاً عن التطبيع الأحدث الناشيء في العلاقات مع “الرياض”، يضعان الجزيرتين في منطقة ودية.
قال “ديفيد شينكر”، وهو دبلوماسي سابق كان معنيًّا بالشرق الأوسط خلال عهد إدارة “ترامب”، لموقع (ميدل إيست آي) البريطاني: “لا أعتقد أنَّ تيران وصنافير مهمتان إستراتيجيًا بحد ذاتهما اليوم”، مشيرًا إلى أنَّه في ظل التكنولوجيا الجديدة، يمكن لقوة حفظ السلام مراقبة المضائق من البر الرئيس.
وافقت “مصر”؛ عام 2017، على التنازل عن الجزيرتين لـ”السعودية”. كانت العلاقات؛ آنذاك، متوترة بسبب رفض الرئيس المصري؛ “عبدالفتاح السيسي”، الموافقة على خطط الحرب السعودية في “اليمن” ودعم المعارضة التي تُقاتل لإزاحة الرئيس السوري؛ “بشار الأسد”.
وعلى الرغم من احتجاجات كثير من المصريين الذين اعتبروا الجزيرتين رمزًا للكبرياء الوطنية، مضى الاتفاق قدمًا.
ضخَّت “السعودية” مليارات الدولارات في الاقتصاد المصري المتعثر، وجاءت عملية النقل مصحوبة بوعد بسخاء أكبر، وضمن ذلك جسر بقيمة: 04 مليارات دولار مصمم لربط “شبه جزيرة سيناء” بمراكز التنمية السعودية في “البحر الأحمر”.
قال “روبرت موغيلنيكي”، كبير الباحثين المقيمين بمعهد “دول الخليج العربية” في “واشنطن”، للموقع البريطاني: “كانت هناك وعود، بشأن التكامل الإقليمي وربط المراكز السياحية للسعودية ومصر. اليوم، تتطلَّع السعودية نحو الداخل لتنميتها هي، وقد اختفى هذا الحديث”.
هل تُحفز الجزيرتان عملية التنمية في شمال غربي السعودية ؟
سيجري بموجب اتفاق إبعاد قوات حفظ السلام تطوير الجزيرتين من أجل السياحة والمشروعات الاقتصادية الأخرى، وفقًا لـ”البيت الأبيض”.
وتدفع “السعودية”، بالفعل بخطط لتطوير ساحلها على “البحر الأحمر” سياحيًا من أجل تنويع اقتصادها بعيدًا عن “البترودولار”، لكنَّ المحللين متشككون بشأن التأثير الذي قد يُحدثه الحصول على الجزيرتين الصغيرتين غير المأهولتين في الواقع.
قال “موغيلنيكي”: “هذا ليس شيئًا ذا فوائد اقتصادية واضحة للمملكة”.
رمز لقوة “الرياض” بالمنطقة..
قال “حميزية” من معهد “تشاثام هاوس”: “الجزيرتان تُمثلان جزئيًا مسألة هيبة للرياض. إنَّهما مؤشر آخر يؤكد ضمنيًا وضعية السعودية باعتبارها اللاعب الرئيس في العالم العربي”.
بهذا المعنى، تتلاءم الجزيرتان مع زيارة رئاسية كان الجانب الرمزي فيها كبيرًا. إذ زار “بايدن”؛ “السعودية”، على الرغم من تعهُّده سابقًا بجعل البلد منبوذًا بسبب مشكلات حقوق الإنسان. وأدى ارتفاع أسعار الطاقة في الداخل والتوغل الأخير من جانب “الصين” و”روسيا” داخل المملكة، بـ”بايدن” إلى إعادة حساباته.
كانت إشارات الشحناء بين “بايدن” والحاكم الفعلي ولي العهد؛ “محمد بن سلمان”، بادية في الإحاطة الصحافية يوم الجمعة، حين قال “بايدن” إنَّه ليس نادمًا على تعهُّده بعزل المملكة وكرَّر قوله بأنَّه لا يزور “السعودية” بهدف مقابلة ولي العهد.
في الوقت نفسه، تعرَّض “بايدن” للانتقادات من التقدميين في حزبه بسبب الزيارة، وهاجم ديمقراطيون مثل عضو الكونغرس؛ “آدم شيف”، الرئيس بسبب قراره القيام بمصافحة بالقبضة مع ولي العهد عند وصوله.
وإن كانت الزيارة غير مُريحة لـ”بايدن”، فإنَّها مثَّلت نقطة تحول بالنسبة للقائد السعودي صاحب: الـ (36 عامًا)، لأنَّها تعني تجاوز الجهود الرامية لعزله فيما يستهدف تعزيز قوة المملكة على الساحة الدولية.
قال الدبلوماسي السابق “شينكر”: “هذه نقطة تُماس أخرى لإسرائيل والسعودية تُقرِّبهما أكثر من إقامة علاقات رسمية”.