خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة انتظرها الكثيرون؛ إلا أنها كانت بالنسبة له ضربًا من الخيال لثقته العمياء بفوزه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، إلا أن ما حدث قلب كافة الموازين، حيث ستؤثر على كافة قراراته وصفقاته السابقة بل وقد تصل إلى حد إيقافها وتجميدها، فقد أعلنت رئيسة مجلس النواب الأميركي، “نانسي بيلوسي”، بدء تحقيقات رسمية قد تنتهي بعزل الرئيس، “دونالد ترامب”، لتجعله رابع رئيس في تاريخ “الولايات المتحدة الأميركية” يواجه مثل تلك التحقيقات الاستثنائية.
التحقيقات جاءت على خلفية اتصال هاتفي دار بين “ترامب” ونظيره الأوكراني.
“بيلوسي” اعتبرت أن نص مكالمة رئيسي الولايات المتحدة، “دونالد ترامب”، وأوكرانيا، “فلاديمير زيلينسكي”، تؤكد ضرورة دراسة عزل سيد “البيت الأبيض”.
وقالت “بيلوسي”، في بيان أصدرته أمس الأربعاء: “يؤكد نشر تسجيلات الاتصال الهاتفي من قِبل البيت الأبيض أن الرئيس متورط في تصرفات تقوض نزاهة انتخاباتنا وكرامة المنصب الذي يتولاه وأمننا القومي. حاول الرئيس أن يحول إنعدام القانون إلى خير في أميركا والآن يصدره إلى الخارج”.
وأضافت “بيلوسي” أن: “استغلال أموال دافعي الضرائب لهز الدول الأخرى في مصلحة حملته الانتخابية ليس جزءًا من عمله”، معتبرًة أن: “الرئيس إما لا يعرف وزن كلامه أو لا يهتم بالأخلاقيات أو مسؤوليته الدستورية”.
وشددت رئيسة مجلس النواب على أن: “نص المكالمة والتصرفات الإحتيالية لوزارة العدل وتورطها في الأعمال غير القانونية للرئيس، تؤكد ضرورة دراسة العزل”، معتبرًة أنه: “من الواضح أن الكونغرس عليه التحرك”، وهو الإجراء الذي كانت دائمًا ترفضه.
من جانبه؛ قال رئيس لجنة الاستخبارات في “مجلس النواب” الأميركي، “آدام شيف”، إن فحوى الاتصال بين “ترامب” و”زيلينسكي” تبين أنها مرعبة بشكل أكثر مما كان يتوقع، مشيرًا إلى أن تصريحات الرئيس الأميركي في المكالمة تشبه تهديدات موجهة من قِبل مافيا.
أمر مستبعد تمامًا..
وعلى الصعيد العملي، طلبت “بيلوسي”، من اللجان النيابية الستّ؛ التي تجري أصلاً تحقيقات بشأن الرئيس الجمهوري، أن تضع نفسها في إطار هذا الإجراء.
ويعني هذا الأمر أنّه في حال جمعت هذه اللجان أدلّة كافية، فسيكون بإمكانهم توجيه لائحة اتّهام إلى الرئيس يصار إلى طرحها في جلسة عامة للتصويت عليها من قِبل “مجلس النواب” مجتمعًا.
وبما أنّ الديموقراطيون يتمتّعون بالأغلبية في “مجلس النواب”، فإن توجيه اتّهام إلى “ترامب” بهدف عزله، هو خطر يحدق بقوة بالرئيس الجمهوري، ذلك أنّ هذا الأمر لم يحدث في تاريخ “الولايات المتحدة” سوى لرئيسين فقط.
ولكن إذا كان “مجلس النواب” هو الذي يوجّه الاتّهام للرئيس بهدف عزله؛ فإنّ “مجلس الشيوخ” هو الذي “يحاكمه”، ولا بدّ لأي تصويت على عزل الرئيس أن يحصل على أغلبية الثلثين في “مجلس الشيوخ” كي يتم بالفعل عزل الرئيس، وهو أمر لم يسبق حصوله في تاريخ “الولايات المتحدة”.
ونظرًا إلى أنّ الديموقراطيون ليسوا سوى أقلية في “مجلس الشيوخ”، فإن احتمال تصويت أغلبية الثلثين لصالح عزل “ترامب” هو أمر مستبعد تمامًا.
نص المكالمة الهاتفية..
ونشرت “وزارة العدل”، في وقت سابق من أمس، نص المكالمة الهاتفية بين الرئيسين، الأميركي والأوكراني، التي جرت يوم 25 تموز/يوليو 2019، واستفاد منها الديمقراطيون في “مجلس النواب” بـ”الكونغرس” لإطلاق دراسة إمكانية عزل سيد “البيت الأبيض”.
وتعود القضية إلى نشر بعض وسائل الإعلام الأميركية تقارير تحدثت عن سعي “ترامب” لإقناع “زيلينسكي” بفتح تحقيق مع، “هانتر بايدن”، نجل نائب الرئيس الأميركي السابق، “جو بايدن”.
وزعمت هذه التقارير أن الرئيس الأميركي هدد بوقف مساعدات “واشنطن” لـ”كييف”، وذلك في الوقت الذي يُعتبر فيه “بايدن” الأب منافسًا أساسيًا له في انتخابات الرئاسة عام 2020.
ردود “ترامب”..
وسعيًا للتصدي لاحتمالات إجراءات العزل، أعلن “ترامب” أنه سيكشف عن فحوى المكالمة. مغردًا على حسابه بـ (تويتر): “سترون أنه كان اتصالًا وديًا جدًا ولائقًا تمامًا. ما من ضغط، وخلافًا لجو بايدن وابنه، لا مقايضة !”.
ونفى “ترامب” القيام بأي تصرف غير لائق، وتهكم على قرار “بيولسي” قائلًا؛ أنّ إطلاق خصومه الديموقراطيون في “الكونغرس” إجراءات لعزله سينعكس “إيجابيًا” على فرصه في إعادة انتخابه لولاية ثانية.
وقال “ترامب”، المرشّح لولاية ثانية في الانتخابات المقررة في، تشرين ثان/نوفمبر 2020، إنّ: “الجميع يقولون إنّ هذا الأمر سيكون إيجابيًا لي في الانتخابات”.
وتسائل “ترامب”، في تغريدة أخرى: “هل سيعتذر الديمقراطيون بعد رؤية ما قيل في المكالمة مع الرئيس الأوكراني ؟.. يجب أن يفعلوا ذلك إنها مكالمة مثالية وقد وقعت عليهم وقع المفاجأة”.
وأضاف في تغريدة أخرى: “لم يُعامل رئيس في تاريخ بلادنا بطريقة سيئة للغاية مثلي. إن الكراهية والخوف يسيطران على الديمقراطيين ولا يفعلون شيئًا.. يجب ألا يتم السماح بحدوث هذا لرئيس آخر. إنها حملة مطاردة !”.
وأضاف الرئيس الأميركي، خلال مؤتمر صحافي بـ”نيويورك”، إنه يدعم تحقيقًا شفافًا، وأن: “جو بايدن مارس تهديدًا سياسيًا كبيرًا على الرئيس الأوكراني، لإغلاق التحقيقات في تلك القضية”.
وتابع: “أطالب الديمقراطيين بتوخي الشفافية، فنحن ملتزمون بحرية نقل المعلومات والشفافية في قضية بايدن وابنه”.
وأردف: “جو بايدن حصل على ملايين الدولارات من الصين وأوكرانيا، عندما كان نائبًا للرئيس السابق، باراك أوباما، كما أن الرئيس الأوكراني نفى تعرضه لأي ضغط مني”.
واستمر قائلًا: “الصحافة لا تغطي ما أقوم به بشفافية، فالولايات المتحدة هي الأقوى اقتصاديًا في العالم، ونحن في موقع ممتاز”.
وقال “ترامب”: “الديمقراطيون والصحافة لا يزال يريدون مطاردة الساحرات، فهم دبروا الأمر برمته، من أجل التخطيط لعزلي عن الحكم”.
وتابع: “لماذا يركزون فقط على تلك المكالمة، بينما أنا أجري العديد من المكالمات، لأن الديمقراطيون يرغبون في أن يشيع الانقسام في دولتنا”
واستمر: “الناس في الخارج يضحكون على هذا الغباء الذي يحدث عندنا”.
واستطرد: “حملة مطاردة الساحرات تلك، تحاول أن تشوش على الإنجازات التي نحققها في الولايات المتحدة الأميركية، فرئيس أوكرانيا يريد محاربة الفساد، ونحن نريد أن نساعده فقط في تلك الحملة”.
وأردف: “أعلم أن الشعب الأميركي يدعمني ويؤيدني، فدعونا ندع الناس يختارون مرشحهم بحرية ولا تجعلوا تلك الحملات هي سلاحكم الوحيد”.
وتابع: “من الغريب أن نسمع أعضاء مجلس النواب والشيوخ يتهموني بأمور وإنتهاكات وفساد يرتكبونها هم”.
واستمر قائلًا: “الديمقراطيون يعرفون أنهم في وضع سيء، لذلك يحاولون عزلي، فهم لا يستطيعون أن يهزموني فيخططون لعزلي”.
وقال الرئيس الأميركي: “أعتقد أن المحادثات بين رؤساء الدول ليس بها يمكن إخفائه، لذلك لا يمكنني إخفاء أي من تلك المحادثات”.
دمر فرص تقدم العملية التشريعية..
من جهته؛ دافع “البيت الأبيض” عن “ترامب”، وقال إن قرار “مجلس النواب” بفتح تحقيق رسمي بشأن عزل الرئيس الأميركي؛ “دمر أي فرصة لتقدم العملية التشريعية لشعب هذا البلد، من خلال تركيز كل طاقته على الهجمات السياسية الحزبية”.
وأوضحت المتحدثة باسم البيت الأبيض، “ستيفاني غريشام”، في بيان نقلت عنه وكالة (بلومبرغ) للأنباء؛ أن: “هجماتهم (الديمقراطيون) على الرئيس وجدول أعماله؛ ليست حزبية فقط، بل أيضًا مثيرة للشفقة وتنم عن إهمال في واجبهم الدستوري”.
كارثة من صنع يده..
أما “بايدن” فقد أعلن بعد إمتناعه لأسابيع تأييده لإجراء تحقيق بهدف عزل الرئيس.
وقال “بايدن”، في مؤتمر صحافي: “إذا استمر دونالد ترامب في عرقلة الكونغرس والتكبر على القانون، فإنه لن يترك برأيي، أي خيار سوى أن يفتح إجراءات عزل”. وأضاف: “ذلك سيكون كارثة، كارثة من صنعه”.
يجعلون من بلدهم أضحوكة !
ونشرت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، “ماريا زاخاروفا”، تعليقًا قالت فيه إن النص المنشور “يدحض القضية التي يسعى بها الديمقراطيون لعزل ترامب”.
وأضافت، عبر صفحتها بموقع (فيس بوك)؛ إن الديمقراطيون “يجعلون من بلدهم أضحوكة. هذا ما فعلته، (رئيسة مجلس النواب نانسي) بيلوسي للكونغرس، وللبيت الأبيض، ولمؤسسات الدولة الأخرى”.
سيترتب عليها نتائج سلبية لسنوات طويلة..
وتقول شبكة (سي. إن. إن) الإخبارية الأميركية، في تحليل نشرته أمس، إنه بغض النظر عن النتيجة التي سوف تؤول إليها مطالب الإقالة، فإن “ترامب” سيجد نفسه وسط مواجهة نادرة وتاريخية، باعتباره الرئيس الرابع في تاريخ “الولايات المتحدة الأميركية” الذي يواجه تهديدات بالإقالة.
أشارت الشبكة الأميركية إلى أن إجراءات الإقالة ستكون المواجهة النهائية بين الديمقراطيين في “مجلس النواب” والرئيس الأميركي؛ بعد أن حصلوا على الأغلبية، وتسلموا “مجلس النواب” بعد انتخابات التجديد النصفي التي اُجريت، في تشرين ثان/نوفمبر الماضي.
حسب (سي. إن. إن)، فإن الموقف السياسي في “واشنطن” قد ساهم في تغيير موقف “بيلوسي” من مسألة الإقالة، خاصة وأن العديد من الديمقراطيين المُعتدلين في “واشنطن” الذين كانوا يستبعدون مساءلة الرئيس بغرض الإطاحة به، غيروا مواقفهم كذلك.
وأوضحت الشبكة الأميركية أن الاتهامات الموجهة إلى “ترامب” الآن واضحة، وربما يكون هذا ما غير المعادلة السياسية في “واشنطن”.
وتُعتبر إجراءات الإقالة أكثر المناورات السياسية خطورة وجدّية في “الولايات المتحدة”. وتشير (سي. إن. إن) إلى أن هذه الإجراءات من شأنها الإضرار بوضع الديمقراطيين في الانتخابات المُقبلة، كما أنها قد تمزق نسيج الأمة، وسوف يترتب عليها نتائج سياسية لا يُحمد عقباها لسنوات طويلة.
وفي حالة إتخذ “مجلس الشيوخ” خطوة إدانة “ترامب”، فإن نائبه، “مايك بنس”، سيصبح رئيسًا في الفترة المتبقية من ولاية “ترامب”، والتي تنتهي في 20 كانون ثان/يناير 2021.
رؤساء أميركيون سبق عزلهم..
كانت إجراءات العزل قد تمت مع رئيسان أميركيان، وهما: “أندرو غونسون”؛ وثانيهما “بيل كلينتون”، لكنهما نجيا بتصويت “مجلس الشيوخ”.
وفي حالة، “غونسون”، فقد كانت إطاحته بوزير الحرب الجمهوري، “إدوين ستانون”، دون موافقة “الكونغرس” سببًا في عزله، حيث اُعتبر ذلك إنتهاكًا للقانون الفيدرالي، أما “كلينتون”، فقد كان قرار العزل لكذبه في فضيحة، “مونيكا لوينسكي”، لكنه نجى بفضل تصويت الديمقراطيون لصالحه.
أما الرئيس الأسبق، “ريتشارد نيكسون”، فقد استقال طواعية بعد فضيحة “ووترغيت”، وبعد أن أقال، “أرشيبالد كوكس”، المحقق في القضية، ما أدى لردة فعل عكسية، فأستبق عملية العزل بإعلان استقالته.