مكافحة “رأسمالية المراقبة” .. بحث ميداني يكشف كيفية تحجيم مواقع التواصل الاجتماعي !

مكافحة “رأسمالية المراقبة” .. بحث ميداني يكشف كيفية تحجيم مواقع التواصل الاجتماعي !

وكالات – كتابات :

نشر موقع (ذا كونفرزيشن) الأسترالي؛ تقريرًا أعدَّه عدد من الباحثات وهن: “كايتلين مينديز”، أستاذة علم الاجتماع والإعلام بجامعة “ويسترن”، و”جاكلين بوركيل”، أستاذة مساعدة في الدراسات الإعلامية بجامعة “ويسترن”، و”جين بيلي”، أستاذة القانون في جامعة “أوتاوا”، و”فاليري ستيفيس”، أستاذة علم الجريمة في جامعة “أوتاوا”، سلَّطن فيه الضوء على الضرر البالغ الذي يُشكله محتوى وسائل التواصل الاجتماعي على المستخدمين من أجل تحقيق الأرباح، مع تأكيد ضرورة وضع مباديء توجيهية لحماية الحقوق.

معلومات فيما سربته “هوغن”..

في مستهل التقرير، تُشير الباحثات إلى ما أصدرته صحيفة (وول ستريت جورنال)، في أيلول/سبتمبر الماضي؛ وأطلقت عليه اسم: “ملفات فيس بوك”، والتي اعتمدت على آلاف الوثائق التي سربتها، “فرانسيس هوغن”، كاشفة الحقائق ومهندسة برمجيات أميركية وموظفة سابقة في (فيس بوك)، وتكشف “ملفات فيس بوك” عن أن منصة التواصل الاجتماعي تعلم أن ممارساتها المتبعة تُضر بالشباب، لكنها أخفقت في أداء واجبها في هذا الصدد، وفضَّلت دائمًا الربح على حساب المصلحة العامة لمستخدميها.

ويُؤكد التقرير أن؛ “ملفات فيس بوك” أدانت بشدة الشركة، التي تمتلك تطبيقات: (واتس آب) و(إنستغرام) أيضًا، وألحقت بها الأضرار. ومع ذلك، فإن منصة (فيس بوك) ليست المؤسسة الوحيدة التي تُعرِّض حقوق الشباب المحمية دوليًّا ورفاهيتهم للخطر؛ من خلال إعطاء الأولوية لتحقيق لأرباح، بل يفعل ذلك أيضًا معظم المؤسسات المالكة لوسائل التواصل الاجتماعي.

وبصفتنا باحثات وخبيرات في مجال حقوق الأطفال والخصوصية والمساواة عبر الإنترنت والمخاطر والأضرار والجوائز التي يتعرض لها الشباب عبر الإنترنت، لم نتفاجأ من الأخبار المنتشرة على مدار الأسابيع القليلة الماضية.

البيانات الشخصية التي جُمعت..

يُوضح التقرير أن تجميع البيانات الشخصية وتحويلها إلى سلع، (ومنها بعض البيانات الخاصة بالأطفال)، تُشكل الأساس للنموذج المالي عبر الإنترنت، وهو نموذج أطلقت عليه الفيلسوفة، “شوشانا زوبوف”، عالمة النفس الاجتماعي، اسم: “رأسمالية المراقبة”، التي تُحوِّل الحياة إلى مادة أوليَّة طَوْعَ مصالحها. وتُجني منصات التواصل الاجتماعي أموالًا طائلة بموجب هذا النموذج من خلال جمع المعلومات الشخصية للمستخدمين وتحليلها وبيعها. ولزيادة تدفق هذه البيانات القيمة، تسعى هذه الشركات إلى زيادة مشاركة الأشخاص في منصاتها من خلال تفاعلات أكثر وإتاحة مزيد من الوقت.

وفي نهاية المطاف، تكمن قيمة البيانات الشخصية، التي جُمِّعت في الملفات الشخصية التفصيلية؛ التي تدعمها البيانات، وملفات التعريف المستخدمة لتغذية الخوارزميات التي تُشكل مصادر الأخبار، وتخصيص نتائج البحث والمساعدة في الحصول على وظيفة، (أو المنع)، وتحديد الإعلانات التي نُشاهدها. وفي تحول يُعزز نفسه بنفسه، تُستخدم هذه البيانات ذاتها لتشكيل بيئاتنا عبر الإنترنت لتشجيع الكشف عن مزيد من البيانات، وتتكرر العملية.

رأسمالية المراقبة !

تؤكد الأبحاث التي أجريت حديثًا؛ أن المخطط المتعمَّد، والخوارزمية، وخيارات السياسة العامة التي تنتهجها شركات وسائل التواصل الاجتماعي، (التي تتمركز في قلب رأسمالية المراقبة)، تُعرِّض الشباب لمحتويات ضارة بصورة مباشرة. ومع ذلك، تمتد أضرار “رأسمالية المراقبة” إلى أبعد من ذلك. وكشف بحثنا الذي أُجري في “كندا” و”المملكة المتحدة”؛ عن شعور الشباب بالقلق وخيبة الأمل في شركات وسائل التواصل الاجتماعي وصانعي السياسات.

لقد حرصت شركات وسائل التواصل الاجتماعي على مراقبة الشباب لكي تعرض عليهم محتوى غير مرغوب فيه لخدمة أرباح بعض الشركات، بدلًا من أن تحترم حقوق الشباب في التعبير عن آرائهم، والتحرر من التمييز والقدرة على المشاركة في القرارات التي تُؤثر فيهم.

وأفاد التقرير بأنه نتيجةً لذلك، أعرب بعض الشباب عن شعورهم بالضغط والحرج للتأقلم مع هذه الصور النمطية المقولبة المُستخدَمة لتوجيه سلوكياتهم وتشكيل بيئتهم والأجواء المحيطة بهم من أجل تحقيق الربح. على سبيل المثال، أكدَّت بعض الفتيات المراهقات أنه على الرغم من أن استخدامهن لمنصات: (إنستغرام) و(سناب شات)؛ أدَّى إلى شعورهن بالانزعاج وعدم الأمان بشأن أجسادهن، فقد وجدن أنه من المستحيل: “إغلاق” هذه المنصات.

نتائج بالغة الخطورة !

وأوضحت الفتيات كيف أن الحماية المحدودة التي توفرها إعدادات الخصوصية الافتراضية تعرضهن: لـ”صور العضو الذكري”، غير المرغوب فيها، والرسائل التي تطلب منهن إرسال صور حميمة إلى رجال لا يعرفنهم.

وتُلفت الباحثات إلى أن عددًا من الفتيات وأولياء أمورهن تحدثن إليهن وأخبروهن بأن هذا الأمر يُمكن أن يُؤدي في بعض الأحيان إلى نتائج شديدة الخطورة، ومنها رفض الذهاب إلى المدرسة وإيذاء أنفسهن، ومحاولة الانتحار في بعض الحالات القليلة. ويضمن النموذج المالي لـ”رأسمالية المراقبة”، الذي تعتمد عليه وسائل التواصل الاجتماعي، أن تبذل الشركات كل ما في وسعها للحفاظ على انضمام الشباب إليها.

وتضيف الباحثات أن الشباب أخبروهن بأنهم يريدون مزيدًا من الحرية والتحكم عند استخدام هذه المنصات، بمعنى أن تُتاح لهم إمكانية اختيار أن تكون عامة أو خاصة كما يحلو لهم، من دون الشعور بالخوف من المراقبة أو الإقصاء، أو الخشية من أن تُنقل بياناتهم إلى الشركات المستفيدة.

وأفاد الشباب أيضًا بأنهم لا يُكلفون أنفسهم عناء إبلاغ المنصات عن أي محتوى ضار إلا قليلًا. والسبب في ذلك ليس لأنهم لا يعرفون كيفية فعل ذلك، لكن بسبب أن التجارب السابقة علمتهم أن هذه البلاغات لا تُجدي كثيرًا. وقد كانت بعض الأنظمة الأساسية لهذه المنصات بطيئة جدًّا في الاستجابة، بينما لم تستجب بعضها على الإطلاق، وقالت بعض الأنظمة الأساسية في حالات أخرى إن بعض ما أُبلغ عنه لا يُخالف معايير المجتمع، ولذلك فهي غير مستعدة لتقديم المساعدة.

حذف المحتوى السام يُضر بالمحصلة النهائية للشركة..

تُشير الباحثات إلى أن هذه الاستجابات لم تكن مفاجئة لهن، إذ نما إلى عِلمهن، على مدار سنوات، أن هناك نقصًا في الموارد اللازمة للإشراف على المحتوى والتعامل مع المضايقات عبر الإنترنت. وتُسلط شهادة “هوغن” الأخيرة، في جلسة استماع أمام “لجنة مجلس الشيوخ”، الخاصة بالتجارة والعلوم والنقل، بالإضافة إلى بعض التقارير السابقة عن منصات التواصل الاجتماعي الأخرى، الضوء على وجود دافع أكبر لتحقيق الربح. ويعتمد الربح على المشاركة المجتمعية المفيدة، ويُستخدم المحتوى الضار والسام والمُثير للانقسام لزيادة المشاركة.

ويُؤدي حذف المحتوى السام بصورة أساسية إلى إلحاق الضرر ببيت القصيد؛ الذي تُريد الشركة أن تصل إليه.

مباديء توجيهية تُركز على حقوق الطفل..

تتساءل الباحثات عن الذي ينبغي فعله في ضوء الاكتشافات الأخيرة، وإن لم تكن غير مسبوقة، في “ملفات فيس بوك” ؟.. بالتأكيد المسألة معقدة جدًّا، لكن يُمكننا التوصل إلى قائمة من المباديء التوجيهية التي تُركز على حقوق الأطفال، والتي تُعطي الأولوية للنقاط التي أخبرنا بها الشباب بشأن ما يحتاجون إليه :

01 – لا بد أن يُشارك الشباب مشاركة مباشرة في تطوير السياسة ذات الصلة لهذه المنصات الاجتماعية.

02 – ينبغي تقييم جميع مبادرات السياسة ذات الصلة باستمرار؛ من خلال استخدام إطار لتقييم حقوق الأطفال.

03 – توقف شركات التواصل الاجتماعي عن إطلاق منتجات للأطفال وجمع بياناتهم لأغراض التصنيف.

04 – يجب على الحكومات استثمار مزيد من الموارد في توفير استجابات غير رسمية وسريعة ومجانية يمكن الوصول إليها بسهولة، ودعم هؤلاء المُستَهدَفين بالأذى عبر الإنترنت، (الاستفادة من النماذج المتاحة حاليًا مثل مفوض السلامة الإلكترونية الأسترالي ووحدة سايبر سكان في مقاطعة نوفا سكوتيا).

05 – ضرورة سن قوانين تضمن شفافية شركات وسائل التواصل الاجتماعي وخضوعها للمساءلة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالإشراف على المحتوى.

06 – يجب على الهيئات الحكومية، (والتي تشمل الشرطة)، تنفيذ القوانين الحالية ضد مَنْ ينشرون المحتوى الذي يُحض على الكراهية والعنف الجنسي والتحرش. وينبغي التفكير في توسيع نطاق مسؤولية المنصة لإثارة هذا المحتوى وإدامته.

07 – ينبغي أن تُعطي المبادرات التعليمية الأولوية لتثقيف الشباب والبالغين والشركات بحقوق الأطفال، بدلًا من التركيز على خطاب “الأمان”؛ الذي يُحمِّل الشباب مسؤولية حماية أنفسهم. وبهذه الطريقة، يمكننا العمل معًا لتعطيل نموذج “رأسمالية المراقبة”؛ الذي يُعرضهم للخطر أساسًا، بحسب ما يُختم به التقرير.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة