خاص : ترجمة – لميس السيد :
“مكتب خرب هنا وأخر هناك، عدد كبير من الملصقات، وشعارات متناثرة، حراسة مسلحة في المطارات، وسائق سيارة أجرة مغتبط فرحاً بالتغيير في بلاده – هذه هي العلامات التي سوف تراها في مدينة بغداد التي أطيح بنظام حكمها القديم وطرد من قصورها الهاشميين.. على الرغم من المظهر الهاديء للمدينة، إلا أنها كانت ترقد على رماد النار التي اضرمت منذ ليلة الإنقلاب الدامي الذي أطاح بأفراد العائلة المالكة وقتل معظمهم، فنجد رجل يروي كيف تمت عملية اغتيال رئيس الوزراء العراقي “نوري السعيد” وسط فوضى الإنقلاب، فيما كان يمكث السفير البريطاني في غرفته بفندق “ذا غراند أوتيل” ببغداد في توتر وقلق بعدما فقدت بريطانيا هيمنتها على العراق بعد حركة الانقلاب”.
هكذا استهلت صحيفة “الغارديان” البريطانية مقالها التحليلي, الذي نشر في عام 1958 بالطبعة الورقية للجريدة يوم 26 تموز/يوليو مقالاً بعنوان: “شخصية ملتبسة لحكومة عراقية جديدة”, قالت فيه أن النظام العراقي قد تم محوه تماماً ليحل نظام ثوري جديد، واعادت الصحيفة نشره على موقعها الإليكتروني في نفس التاريخ من عام 2017, كي نتعرف على رؤية الصحافة البريطانية للإنقلاب العسكري الذي وقع في 14 يوليو/تموز بالعراق منذ أكثر من نصف قرن.
قالت الصحيفة البريطانية: أن “عالم جديد أصبح موجود في بغداد منذ هذا اليوم, وبالرغم من أن العراق اصبح يعيش على صفيح ساخن إلا إن القلق لا يبدو كبيراً إذ إن البلد كان يستعد للإستقرار في قالبه الثوري الجديد”.
رأت الصحيفة البريطانية أن مصير العراق لم يكن معلوماً، ولا لأي عالم يتطلع قادة العراق تشكيله من اجل شعبهم، هل سيتركون العراق يتمتع بإستقلاليته أم سيقدمون موارده الهائلة لدولة عربية متحدة تقوده مثل “مصر”.. هل سيبقون على صلاته مع دول الغرب أم انهم سيتبعون خطى الحياد لجمال عبد الناصر.. أم سيميلون لكتلة الاتحاد السوفياتي كقوة بارزة ؟
أوضحت “الغارديان” أن هناك احتمالات تؤيد بشدة الصلات الوثيقة بين العراق والقائد “جمال عبد الناصر”، ولكن إلى أي مدى سيتم ظهور تلك الصلات في مستقبل العراق، أمراً غير معلوم.
لقد طور قائد الحكومة الجديدة، العميد “عبد الكريم قاسم”، الكثير من الأشياء في وقت قصير وظهرت ابتكارات جديدة من الصعب تحديد مدى تأثيرها على سياسات العراق، على سبيل المثال أن حكومة “قاسم” قدمت الاعتذار للحكومة البريطانية عن الهجوم على سفارتها في بغداد، معتبرة أن “البريطانيين اصدقاء” !.
العلاقات مع الغرب..
لقد أبدت الحكومة العراقية إعجابها بـ”جمال عبد الناصر”، ولكنها اعتزمت الحفاظ على الاستقلال الوطنى للعراق، حيث حلت الاتحاد العربي الهاشمي مع الأردن. كانت الحكومة الجديدة تعلم أن علاقتها مع قوى الغرب غريبة وغير مستقرة، ليس فقط لأن الغرب غير معترف بها بل لأن شركة “أنجلو أميركان” للتعدين بدأت في الميل نحو التعامل مع الغرب, وهو ما يمثل في حد ذاته ثورة مضادة لبغداد، ولكن خلال هذا التوقيت لم يظهر أي تغير في معدل صادرات شركة البترول العراقية لأوروبا.
على جانب آخر، أشارت الصحيفة البريطانية إلى أن الحكومة الجديدة – آنذاك – تحكم سيطرتها على البلاد وتعتقل خصومها من اعضاء العائلة المالكة “الذين مكنوا الإمبرياليين من اختلاس ثروات الشعب العراقي”.
المزاج المحتمل..
قالت “الغارديان” انه من الصعب التعرف على نوايا الحكومة الجديدة, لكن من الممكن توقع مزاجها المحتمل، حيث يتكون القوام الأساسي للحكومة من ضباط وعسكريين ومعارضين يساريين والقوميين اليمينيين، تم تهميشهم تحت قيادة “النوري”.
شبهت الصحيفة البريطانية الوجوه الجديدة التي ظهرت في حكومة “القاسم” بالأشباح, وقالت انهم كانوا اشخاص عامة بالكاد معروفين، ظهروا مجدداً في الصفوف الأمامية للحكومة نتيجة العجز السياسي، ولكن لا يجب أن نتوقع منهم “لين العريكة وضعف المواقف السياسية”.
ولهذا، تعتبر حكومة بغداد متشابكة القوام وغير محددة المهام ولا يبدو أن هناك اتجاه لسياسة حزبية متكاملة مثلما كان الوضع السعيد في عهد “نوري السعيد”، ما يؤكد على أن الفلسفة السياسية لدى بغداد لم تتضح معالمها بعد, وستتحدد بمرور الوقت وربما يتجه النظام الجديد لسياسات تنويرية.
واختتمت الصحيفة البريطانية بأن: “يجب العلم أن قلقنا حيال مستقبل العراق، جدير بأن يجعلنا ندرك مدى خسة هذا الفصل من التاريخ، الذي قدمته لنا المباديء العظيمة لبلاد الرافدين”.