مغامرة الخروج من الموصل .. قد تنتهي برصاصة!

مغامرة الخروج من الموصل .. قد تنتهي برصاصة!

قبل خمسة أشهر قرر موظف جامعي اسمه حسن حفوظي (40 عاما) مغادرة الموصل مع زوجته وأطفاله الثلاثة لكن الشروط التعجيزية أجبرته على تأجيل تنفيذ قراره مرات عدة، لأنه لم يرد المجازفة بحياته وحياة أفراد عائلته.
 شروط “داعش” للسفر حرمت الآلاف من مغادرة الموصل، لكن محاولات الفرار ظلت مستمرة وأخطرها طريق التهريب الذي قد ينتهي بسالكيه الى الموت، وهذا ما اختاره حفوظي مؤخرا، فإما النجاة من جحيم الحياة بالموصل او العقاب الذي يصل الى القتل بالنسبة للهاربين كما حدث للحاجة ام اشرف وابنها.
“اتفقت مع سائق عراقي جدير بالثقة، وكانت نقطة الانطلاق حسب طلبه من قضاء الحضر (80 كم جنوب الموصل).  ذهبت وعائلتي الى هناك بسيارة شقيقي ورافقنا الخوف طوال الرحلة خاصة عند سيطرة الفتح المبين سيئة الصيت” يتحدث حفوظي لـ”نقاش” من مدينة اسطنبول التركية التي وصلها قبل يومين فقط.
ويضيف “صرت شديد الارتباك عندما أوقفونا، فتذكرت الحاجة ام اشرف وابنها اللذين اعتقلهما عناصر هذه السيطرة لدى محاولتهما الفرار دون موافقة، ثم عثر ذووهما على جثتيهما في الطب العدلي بعد يومين.
“نحن ذاهبون الى قريتنا في الحضر،هكذا أجبتهم عندما سألوا عن سبب مغادرتنا المدينة” يستطرد.
في اذار الماضي قرر تنظيم داعش منع الخروج من المدينة الا بموافقته ولحالات محددة منها العلاج بموجب تقرير اللجنة الطبية التي تضم اعضاء داعشيين، او اداء فريضة الحج او انجاز معاملة رسمية في الوزارات العراقية ببغداد كرواتب المتقاعدين، او للتجارة ضمن حدود “الدولة الإسلامية”.
وتفرض الشروط على المسافر علنا رهن عقار او سيارة لا تقل قيمتها عن 20 ألف دولار عند المسؤول المعني في التنظيم، وحضور شخص يقيم بالموصل يكفل المسافر بالعودة خلال شهر، وخلافه تصادر الأموال والممتلكات ويعاقب الكفيل بالسجن.
ويكمل الموظف القصة “اجتزنا خمس نقاط تفتيش حتى وصلنا الحضر ووجدنا السائق بالمكان المحدد سلفا، ركبنا سيارته نوع بيك اب التي يستعملها المزارعون ومربو المواشي عادة، تفحصنا السائق ليتأكد اننا نلتزم بتعليماته في عدم حمل حقائب كثيرة او ارتداء ملابس توحي الى السفر، ثم قال: لننطلق”.
ويتابع “لحسن الحظ كان سائقنا على دراية تامة بالطريق اذ تجنب الكثير من السيطرات المعروفة بعدم تهاونها مع المسافرين، حتى بلغنا قضاء البعاج (110 كم غرب الموصل) احد معاقل داعش وقد قضينا عشر ساعات في طريق وعر ومتعرج، بينما تستغرق الرحلة الطبيعية ساعتين فقط”.
“كما فاجأتني مدينة تلعفر (65 كم غرب الموصل) التي مررنا بها، اذ وجدتها تمثل أوج قوة وعظمة “الدولة الاسلامية” بنحو يفوق ما لها في الموصل” يردف حفوظي.
ثمة دوافع كثيرة تجبر العشرات على سلوك طريق التهريب لمغادرة الموصل شهريا، هربا من ضيق العيش او خوفا من مستقبل المدينة المجهول، وبالنسبة للضباط والمنتسبين السابقين في الشرطة والجيش، ومرشحي الانتخابات والإعلاميين والكادر الطبي وغيرهم، فأنهم يهربون من القتل لان داعش لا يوفر فرصة لقطف رؤوسهم، واذا ما قبض على احدهم متلبسا بالفرار فعقوبته الإعدام، والأمثلة كثيرة أبرزها ام اشرف وابنها اللذان اعدما لان الأم كانت موظفة في مفوضية الانتخابات، وابنها شرطي سابق.
نعود الى رحلة حفوظي وعائلته اذ سلمهم السائق الى شريكه السوري، وتولى الأخير إيصالهم الى الرقة، وعندما وطأت أقدامهم المدينة كانوا منهكين تمام وقد أجابوا مرات عدة على أسئلة عناصر داعش التي ألفوها وتدور جميعها عن مقصدهم.
اوصلهم المهرب الى منزل تشاركوه مع ثلاث عائلات هربت من الموصل ايضا، ودفع حفوظي لصاحبه (100) دولار عن ليلتين قضوها في إحدى الغرف قبل ان يأتيهم المهرب الثالث.
تفاصيل المحطة الاخيرة يحكيها حفوظي قائلا: انطلقنا ليلا بحافلتين صغيرتين (كيا) قاصدين الحدود التركية، كنا 25 شخصا وكان علينا اجتياز مناطق خطرة جدا تشهد اشتباكات مستمرة بين عناصر داعش وأفواج حماية الشعب الكردية (PYG).
المهرب طمأننا بانه قادر على تدبير مرور آمن لنا اذا أعطته كل عائلة (100) دولار إضافية، ففعلنا مرغمين.
 دخلنا المنطقة الخطرة خائفين، حيث شاهدنا على ضوء السيارات بنايات مهدمة ومحترقة وآثار قذائف وانفجارات، ترجلنا عند اقرب نقطة من الحدود التركية وانطلقنا مسرعين سيرا على الأقدام لأكثر من ساعة وسط عتمة شديدة حاملين الأطفال على أكتافنا، لنصل أخيرا الأراضي التركية الآمنة.
حفوظي محظوظ لانه كما يصف “خرج وعائلته من الموت الى الحياة عبر طريق الموت الذي يستاهل ان تؤلف عليه روايات” بينما لم يفلح احد اصدقائه وهو طبيب بالفرار، فلقد اعتقله عناصر داعش في سيطرة “الفتح المبين” سيئة الصيت وسجنوه وزوجته لأسبوع ولم يخلوا سبيلهما الا بعد مصادرة أمواله المنقولة كلها.
اذا كان حفوظي يرضى بالعيش في تركيا املا بالعودة الى الموصل بعد تحريرها، ثمة اخرون وغالبيتهم شباب، صاروا يطمحون بالعيش في اوربا خاصة بعد التسهيلات التي تقدمها ألمانيا وغيرها من دول الاتحاد الاوربي للاجئين.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة