خاص : كتبت – نشوى الحفني :
فيما يبدو أنها رسائل يُراد إيصالها للغرب؛ تقوم “بيلاروسيا” بتدريبات عسكرية مفاجئة بالقرب من حدود “بولندا” و”ليتوانيا”، تزامنًا مع وصول الآلاف من مقاتلي (فاغنر) إلى “مينسك”، وفق اتفاق لإنهاء تمردهم المسّلح على الحكومة الروسية؛ في نهاية حزيران/يونيو الماضي.
وتسّتند مناورات “بيلاروسيا”؛ التي انطلقت منذ يومان، بحسّب “وزارة الدفاع” الروسية إلى تجارب من العملية العسكرية الخاصة، وتشمل استخدام طائرات دون طيار والتفاعل بين وحدات الدبابات؛ و(مختلف الأسلحة الخفيفة)، والبنادق الآلية مع وحدات الفروع العسكرية.
رسائل مبطنة..
تلك التحركات الأخيرة أثارة العديد من التساؤلات التي حاول بعض الخبراء الإجابة عليها؛ فيقول “نعومكن بورفات”، المتخصص بالسياسية الدولية بجامعة “تافريسكي” الأوكرانية، إن اتخاذ “بيلاروسيا” قرارًا بنقل قوات عسكرية تضم مقاتلي (فاغنر) قرب حدود “بولندا” يُعّزز مخاوف الدول الأوروبية جميعًا من تحرشات محتملة بدولة تتمتع بعضوية حلف الـ (ناتو)، لا سيما أن المنطقة التي تضم التدريبات ستشهد نشر فرق وتشكيلات قتالية والقيام بواجب قتالي على أعلى مستوى.
وتابع الباحث الأوكراني؛ خلال تصريحاته لموقع (سكاي نيوز عربية) الإماراتي، قائلاً إن هناك رسائل مبطنة من التدريبات العسكرية في “بيلاروسيا” تُريد أن تُرسّلها “روسيا” وحليفتها؛ “مينسك”، إلى “أوروبا” وحلف الـ (ناتو)، أهمها أن حدود الدول الأعضاء بالـ (ناتو) تظل مسّتباحة بمختلف الطرق ويمكن التحّرش بها عسكريًا بأي وقت، مع تزايد وصول أعداد من قوات (فاغنر)؛ في فرق صغيرة متتالية، يصعب تعّدادهم بشكلٍ فعلي ليُزيد مخاوف الغرب.
كما يمكن اتخاذ أراضي “بيلاروسيا” منصة للانطلاق والهجمات صوب “أوكرانيا”، فيمكن أن يتبدل باتجاه “بولندا” يومًا ما.
كما يُعّزيز المخاوف لدى الأوروبيين من حقيقة دور (فاغنر)؛ في “مينسك”، ووجودهم لمهام عسكرية لصالح “روسيا” غير تدريب الجيش البيلاروسي.
تعّزيز الأمن على الحدود المشتركة..
من جهته؛ يقول الباحث التركي في الشأن الدولي؛ “فراس رضوان أوغلو”، إن “بولندا” و”ليتوانيا”؛ الجارتان لـ”بيلاروسيا”، لم تقفا مكتوفة الأيدي إزاء التدريبات العسكرية البيلاروسية وعّززتا الأمن على الحدود المشتركة بينهم بعد وصول الآلاف من مقاتلي مجموعات (فاغنر) الخاصة، وقامت “بولندا”؛ في تموز/يوليو الماضي، بنشر قوات على حدودها الشرقية ما أثار غضب “موسكو”.
وأضاف “رضوان أوغلو”؛ أن “بولندا” و”ليتوانيا” لديهما قلق كبير من مناورات “مينسك”؛ بعد أن حّلقت طائرتان هليكوبتر بيلاروسيتان لفترة وجيزة؛ في وقتٍ سابق من شهر آب/أغسطس الجاري، على ارتفاع منخفض في المجال الجوي البولندي، وهو ما نفته سلطات “بيلاروسيا”، أيضًا إجراء التدريبات في “بيلاروسيا” ليس الأول ولن يكون الأخير، ففي نيسان/إبريل الماضي، أعلنت “مينسك” عن تدريبات تكتيكية في ساحة تدريب (بريست)؛ قرب حدود “بولندا”، ضمت وحدات فوج الصواريخ المضادة للطائرات والتابع للقوات الجوية وقوات من الدفاع الجوي، فضلًا عن تواجد عدد غير معلوم لأي جهة من قوات (فاغنر) في “بيلاروسيا”.
عوامل القلق الأوروبي..
واستعرض الباحث التركي عوامل القلق الأوروبي والبولندي من إجراء المناورات العسكرية البيلاروسية؛ ومنها أنها تُقّام بمنطقة استراتيجية تربط دول “البلطيق” الثلاث: (ليتوانيا، لاتفيا، وإستونيا)؛ مع دول الـ (ناتو).
كما تُجرى التدريبات في منطقة ذات كثافة سكانية منخفضة تمتد: لـ 96 كيلومترًا بطول الحدود “البولندية-الليتوانية”.
وتفصل “بيلاروسيا” عن منطقة “كالينينغراد” العسكرية الروسية؛ شّديدة التسّليح، المطلة على “بحر البلطيق”.
كذلك تسّتند المناورات إلى تجارب من: “العملية العسكرية الخاصة”؛ وهو مصطلح تستخدمه “روسيا” في حربها ضد “أوكرانيا”.
بالإضافة إلى تواجد نحو: 07 آلاف من مقاتلي (فاغنر) في معسكر قريب من بلدة “أسيبوفيتشي”؛ على مسافة: 230 كيلومترًا شمال الحدود الأوكرانية.
كما أن التدريبات تتزامن مع تزايد التوترات السياسية بين “بولندا” و”بيلاروسيا”؛ إثر قضية المهاجرين في 2022 على الحدود المشتركة.
وفي وقتٍ سابق؛ اتهمت “بولندا” والدول الغربية؛ “بيلاروسيا”، بتنفيذ: “حرب هجيّنة” ضدها عبر تشجيع وتنظيم تدفق المهاجرين عبر وعدهم بتسّهيل دخولهم إلى “الاتحاد الأوروبي”؛ أعلنت “بولندا”، مؤخرًا أنها ستنقل وحدات عسكرية من غرب البلاد إلى شرقها تحسّبًا لتهديدات محتملة من مجموعة (فاغنر)، التي باتت تتمركز في “بيلاروسيا”.
وسيلة لتصعيد الصراع مع دول الغرب..
ويقول الدبلوماسي السابق والأستاذ السياسي؛ “فلاديمير شوماكوف”: “منذ بداية الحرب؛ ونحن نُلاحظ أن بيلاروسيا هي حليفة لروسيا، حيث أن جيش روسيا هاجم أوكرانيا في بداية الحرب؛ في 24 شباط/فبراير، عبر الأراضي البيلاروسية”.
وأضاف “شوماكوف” أن: “هذه المناورات تحمل رسائل للغرب؛ إذ زودت موسكو؛ بيلاروسيا، بمعدات عسكرية كان آخرها نشر الأسلحة النووية التكتيكية على أراضيها، وتعهدت أيضًا بأن أي هجوم على بيلاروسيا من قبل الغرب يُعد بمثابة هجوم على روسيا”.
في حين أوضح مدير مركز (فيغن) للدراسات الاستراتيجية؛ في “كييف”؛ الدكتور “سعيد سلّام”، لموقع (24) الإماراتي؛ أن: “الرئيس الروسي؛ فلاديمير بوتين، يسّعى إلى إشراك بيلاروسيا بشكلٍ أكبر في الحرب مع أوكرانيا”، وقال: “لهذا؛ قررت موسكو إثارة صراع مباشر بين مينسك وكييف.. كذلك تُخطط روسيا لاستخدام بيلاروسيا لتصّعيد الصراع مع دول الغرب، وعلى رأسها بولندا وليتوانيا”.
خطة عسكرية خاطفة للسّيطرة على ممر “سوفالكي”..
بدوره؛ لفت مدير مركز (الرائد) للإعلام في “أوكرانيا”؛ الدكتور “وائل العلامي”، إلى أن: “هناك مخاوف لدى كل من بولندا وروسيا، بالنسّبة لوارسو، فإن السيناريو الأقرب الذي تطرحه بعض الاستخبارات العالمية؛ والتي تتحدث عن سيناريو فنلندا، بأن روسيا من خلال مجموعة (فاغنر) المتواجدة في مينسك يوجد لديها خطة عبارة عن عملية عسكرية خاطفة جدًا للسّيطرة على ممر سوفالكي”.
وأوضح “العلامي”؛ أن: “المّمر له أهمية استراتيجية كبيرة فيما إذا تمت السّيطرة عليه من قبل (فاغنر)، حيث سيؤدي إلى قطع الطريق بشكلٍ نهائي وكامل أمام حلف الـ (ناتو)”، وأضاف: “إذا كان هناك مخطط مستقبلي لمواجهة مباشرة مع الـ (ناتو) أو أي تدخل عسكري من قبل بولندا أو الحلف في غرب أوكرانيا، فإن ذلك الأمر سيكون مستحيلاً، نظرًا لسّيطرة (فاغنر) على ممر سوفالكي، وهو تكرار لما حدث مع فنلندا”.
وذكر مدير مركز (فيغن) للدراسات الاستراتيجية في “كييف”؛ الدكتور “سعيد سلّام”، أنه: “يمكن اعتبار مقاتلي (فاغنر)؛ كـ (حصان طروادة)، روسي في بيلاروسيا”، قائلاً: “لقد جاؤوا إلى بيلاروسيا من أجل إثارة القلاقل والتوترات داخل الدولة، وأيضًا مع الدول المجاورة، وليس للحفاظ على السلام”.
تخوف روسي من احتلال غرب “أوكرانيا”..
ومن جهة أخرى؛ قال الدكتور “وائل العلامي”: “السيناريو الثاني الذي من الممكن أن نشهده؛ هو أن هناك مخاوف لدى روسيا من إمكانية دخول بولندا أو الاحتلال والسّيطرة على غرب أوكرانيا”، مشيرًا إلى أن: “هذه المنطقة لها أهمية تاريخية بالنسبة لوارسو”.
وأوضح “العلامي”؛ أن هذه: “المنطقة كانت تابعة لبولندا سابقًا، وتم اقتطاعها منها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وإعطائها لأوكرانيا، حسّب الرواية البولندية”، وأضاف: “بولندا لديها مطامع باسترداد هذه الأراضي، وروسيا تخشى دخول وسّيطرة وارسو على غرب أوكرانيا، وبالتالي فهي تُرسل رسائلها عبر قوات (فاغنر) لمنع إقدام بولندا على هذه الخطوة”.
فيما اعتبر “شوماكوف”؛ أن: “روسيا تؤجج التوتر على حدود بيلاروسيا وبولندا”، وتابع: “أعتقد أننا سنشهد استفزازات على الحدود من قبل جماعة (فاغنر)”، معتبرًا أن: “التمرد الذي مارسّته الجماعة على الحكومة الروسية عبارة عن مسرحية”.
بمثابة تجربة لـ”الناتو”..
وفي سّياق متصل؛ قال الدكتور “سعيد سلام”، إن: “الأنظمة الدكتاتورية في موسكو ومينسك، يأخذون في الاعتبار حقيقة أن الشعب البيلاروسي لا يُريد الحرب، وبالتالي فهم يُحاولون تغييّر المزاج العام في بيلاروسيا”.
وأضاف: “بالنسّبة للجانب الأوكراني، فهو لا يُريد مسرح حرب آخر في الجبهة الشمالية، لكن القوات الأوكرانية مسّتعدة لصد محاولات غزو جديد في هذا الاتجاه”.
وكشف “شوماكوف”؛ إن: “الاستفزازات الأخيرة من قبل بيلاروسيا وروسيا، ستكون بمثابة تجربة بالنسبة لـ (الناتو)، متسائلاً كيف سيكون رد الحلف على مينسك ؟.. هل ستكون بولندا وحيدة في هذا الصراع ؟.. أم أن الـ (ناتو) سيظهر كمنظمة حقيقية ونرى توحيدًا داخليًا في الاتحاد الأوروبي ؟”.
واختتم حديثه بالقول؛ إن: “بوتين لا يرغب في السلام، وهو مسّتعد لتنفيذ استفزازات مختلفة، ما يُنذر بأننا سنُشاهد حربًا طويلة الأمد”.