– القضاء سمح للقوى السياسية بالتلاعب بالدستور من خلال التجاوز عليه والتحايل والإلتفاف على مواده !
خاص : حاورته – نشوى الحفني :
شهد “العراق”، في الآونة الأخيرة، خروقات دستورية واضحة وصريحة فيما يُخص التوقيتات الخاصة باختيار رئيسًا لمجلس الوزراء بديلًا عن السيد، “عادل عبدالمهدي”، الذي قدم استقالته على خلفية التظاهرات، التي شهدتها مدن الوسط والجنوب العراقي.
وفي هذا الضوء أجرت (كتابات)؛ حوارًا مع عضو مركز “العراق” للتنمية القانونية، “هاشم الشماع”..
(كتابات) : بعد أن قرر السيد، “عادل عبدالمهدي”، تقديم استقالته إلى “مجلس النواب”، هل يُعد ذلك مخالفة دستورية كونه لم يقدمها إلى رئيس الجمهورية الذي كلفه بهذا المنصب ؟
- لا توجد مادة دستورية تُشير إلى استقالة رئيس مجلس الوزراء صريحة، بل توجد مادة دستورية رقمها (75)؛ تتضمن صراحة استقالة رئيس الجمهورية، وبما أن رئاسة الجمهورية، ورئاسة مجلس الوزراء؛ تُعدان كلاهما سلطة تنفيذية، فما يجري على رئيس الجمهورية يجري على رئيس مجلس الوزراء، ورئيس الجمهورية يقدم استقالته تحريريًا إلى رئيس “مجلس النواب”، فلا ضير أن يقدمها رئيس مجلس الوزراء كذلك، لكن غاية ما في الأمر أن رئيس مجلس الوزراء خالف المادة (18) للنظام الداخلي، الخاص بمجلس الوزراء، التي تُنص تقديم استقالة رئيس مجلس الوزراء إلى رئيس الجمهورية.
(كتابات) : هل يستطيع “مجلس النواب” رفض استقالة رئيس مجلس الوزراء ؟
- لا.. ليس من حق “مجلس النواب” رفض الاستقالة؛ بل هي تُعد نافذة، لكن بخصوص رئيس الجمهورية، بعد مرور سبعة أيام، تُعد نافذة، هكذا صرحت المادة (75).
(كتابات) : لماذا إلى الآن لم يتم اختيار مرشحًا بديلًا عند رئيس الوزراء المستقيل ؟
- هذا سؤال فيه شيء من التعقيد، حيث أن هذه الجزئية جعلت الدستور وتوقيتاته الزمنية عُرضة للخرق، حيث أن المادة الدستورية (76)؛ تُنص على الكتلة الأكثر عددًا تقديم مرشحها إلى رئيس الجمهورية لغرض تكليفه خلال مدة 15 يومًا، لكن الإشكال وقع فعليًا، وهو: من هي الكتلة الأكثر عددًا ؟.. أرسل رئيس “مجلس النواب” كتابًا إلى “المحكمة الاتحادية العليا” حول تفسير المادة (76) أولًا، ومن هي الكتلة الأكثر عددًا، والكتاب وجه كون هذه المحكمة، وحسب المادة (93)، ثانيًا تُفسر المواد الدستورية، وفي المادة (94) تُعد قراراتها ملزمة للسلطات كافة.
وجاء الجواب: الكتلة الأكثر عددًا إما التي فازت بالانتخابات بأعلى الأصوات، أو القائمة داخل “مجلس النواب” أو المؤتلفة مع قائمة أخرى أو أكثر.
هذا التفسير زاد المشهد تعقيدًا، حيث أن الكتلة الأكثر عددًا، منذ الجلسة الأولى، لم تُعين، وتم اختيار السيد، “عادل عبدالمهدي”، بموافقة جميع الكُتل داخل “مجلس النواب”، فهذا المجلس فاقد للكتلة الأكثر عددًا.
(كتابات) : هل ممكن السماح بخرق الدستور.. والمدد الدستورية للضرورات ؟
- لا يجوز، ولا يسمح، ولا يمكن إطلاقًا التجاوز على الدستور من خلال خرق مواده، أو التجاوز على المدد الدستورية، لأن ذلك قد يؤدي إلى نتائج سلبية؛ مثل إلغاء الدستور، ولا يمكن الإلتزام به لكثرة الخروقات، وبالنتيجة يقع الضرر على مجمل العملية السياسية التي هي مظلة العمل الديمقراطي، لكن برأيي أن سبب هذه الخروقات المتكررة للدستور من قِبل القوى السياسية، هي حجم القضايا الكبرى والخلافية بين القوى الشيعية والسُنية والكُردية، وعندما لا يصلون إلى نتائج اتفاقية يتم خرق الدستور ومدده، والذهاب إلى خيار التوافقات السياسية بمعزل عن الدستور، ومع هذا السبب الجوهري، كما قلنا لا يمكن، ولا يسمح، ولا يجوز التجاوز على الدستور لأي سبب كان.
(كتابات) : بعد الفشل المتكرر من قِبل الكُتل السياسية، وغياب الكُتلة الأكثر عددًا، وبوجود حكومة مستقيلة، في مهام تصريف الأمور اليومية.. ما هو الحل ؟
- من الناحية الدستورية، والنظرية، إن الاستقالة لا تُعد خلوًا للمنصب، لأن الخلو هو بسبب الموت، أو المرض الشديد، أو السفر دون عودة، أو غياب بعدم الحضور إلى المكتب الوظيفي، والاستقالة غير ذلك، لكن المشكلة تقع في أن حكومة تصريف الأمور اليومية، من الناحية الفعلية والعملية مقيدة، ومحدودة الصلاحيات، وهي شبه مشلولة التصرف، ولهذا نجدها تطرق أبواب البرلمان تارة طلبًا لصلاحيات واسعة، وأخرى طلبًا للتخويل فيما يُخص إلزام الحكومة، بإخراج القوات الأجنبية، والأميركية من “العراق”، وعلية يجب تطبيق المادة (81) من دستور “العراق”، والمتضمنة قيام رئيس الجمهورية مُقام رئيس مجلس الوزراء تمهيدًا لتكليف شخصية أخرى لرئاسة مجلس الوزراء خلال مدة 15 يومًا؛ كما في المادة (76) أولًا، ولكي يتم الخروج من هذه الأزمة.
(كتابات) : هل لحكومة تصريف الأمور اليومية مدة محددة في الدستور ؟
- لم يُحدد الدستور مدة معينة لحكومة تصريف الأمور اليومية، وتستمر في العمل لحين تصويت “مجلس النواب” على رئيس مجلس وزراء جديدًا، لكن الدستور حدد في المادة (61) ثامنًا:- دال: مدة حكومة تصريف الأمور اليومية بمدة لا تزيد على الثلاثين يومًا، للحكومة التي يسحب مجلس النواب الثقة عنها، لا الحكومة المستقيلة.
(كتابات) : من يتحمل برأيك هذه الخروقات الدستورية ؟
- يتحملها “مجلس النواب”؛ كونه حام للدستور، حسب المادة (61)، وكذلك “رئيس الجمهورية”، حسب المادة (67)؛ كونه يسهر على ضمان تطبيق الدستور، وكذلك “القضاء العراقي”؛ حسب المادتين (93)، (94).
فرئيس الجمهورية يبدو مترددًا في تكليف شخصية لرئاسة مجلس الوزراء، لأنه ينظر إلى مطالب الشارع المنتفض، لكنه لم يُقدم على هذه الخطوة في تكليف شخصية خارج نطاق الكتل السياسية، و”مجلس النواب” لم يُحدد الكتلة الأكثر عددًا، ولم يُرشح شخصية لرئيس الجمهورية لغرض تكليفها خلال المدة الدستورية 15 يومًا، والقضاء لم يقوم بواجبه في تفسير المادة (76) أولًا؛ وحسب اختصاصه في المادة (93) ثانيًا، والقضاء أيضًا سمح للقوى السياسية بالتلاعب بالدستور من خلال التجاوز عليه، والتحايل والإلتفاف على مواده، دون محاسبتهم وإيقافهم عند الحدود التي رسمها لهم الدستور، فالمسؤولية يتحملها الجميع.