خاص: كتبت- نشوى الحفني:
قبل أشهرٍ فقط؛ كانت “كييف” تشعر بالرعب من أن رئاسة؛ “دونالد ترمب”، الثانية ستُجبرها على الاستسلام لـ”فلاديمير بوتين”، لكن المِزَاج تغيّر.
إلا أن “أوكرانيا” الآن تُعلق آمالها على أن ينُهي “ترمب”، ثلاث سنوات من الحرب والمآسي الصعبة، وفق مجلة (بوليتيكو) الأميركية.
إذ يرى الأوكرانيون وداعموهم؛ المجتمعون في (دافوس) هذا الأسبوع لحضور “المنتدى الاقتصادي العالمي”، أن الرئيس الأميركي الجديد: “بمثابة قاطع طريق؛ يُمكن أن يُجبر الرئيس الروسي؛ فلاديمير بوتين، على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ويُقدم للرئيس الأوكراني؛ فولوديمير زيلينسكي، مخرجًا من الحرب”.
وقال “كورت فولكر”؛ الذي عمل خلال فترة ولاية “ترمب” الأولى كممثل خاص لـ”الولايات المتحدة” في “أوكرانيا”، لـ (بوليتيكو): “إنه تفاؤل حقيقي.. شعرت بأن عام 2024 هو عام الانتظار. (كان) لدينا انتخابات، و(كان) لدينا إلهاءات، لكن يبدو عام 2025 وكأنه عام العمل. نحن نتحرك أخيرًا”.
ووفق (بوليتيكو)؛ عندما يُقارن الأوكرانيون جمود عهد “بايدن” في مقابل اضطراب عهد “ترمب”، يبدو أنهم مستعدون لرؤية إلى أين ستأخذهم هذه الجولة الجامحة.
بل اعترف “زيلينسكي” نفسه، بأن “ترمب” قد يدفع “موسكو” و”كييف” أخيرًا إلى طاولة المفاوضات، قائلًا: ”ترمب رجل أعمال. فهو يعرف كيف يُمارس الضغط”، مضيفًا أنه: “متفائل” بشأن الإدارة الجديدة.
تقديم تنازلات غير واردة..
فيما قال “ماكسيم تيمتشينكو”؛ الرئيس التنفيذي لشركة (DTEK)، أكبر مستثمر خاص في صناعة الطاقة الأوكرانية: “ما نحتاجه الآن هو اليقين، وأعتقد أن إدارة ترمب يُمكن أن تجلب المزيد من اليقين. وبالتأكيد”.
وتابع: “لا ينبغي أن يؤثر هذا اليقين على السلام العادل في أوكرانيا. ولكن يجب أن تكون هذه سنة العمل”.
لكن العمل المنتظر في الملف الأوكراني، قد يكون صعبًا، إذ سيضطر “زيلينسكي” إلى تقديم تنازلات كانت حتى وقتٍ قريب تبدو غير واردة، بينها على الأرجح القبول بأن “أوكرانيا” لن تتمكن من العودة إلى حدودها قبل الحرب، وأن مسّعاها للانضمام إلى “حلف شمال الأطلسي”؛ الـ (ناتو)، قد انتهى.
الفرق بين “بايدن” و”ترمب”..
ومع ذلك؛ وفي حديثه إلى (بوليتيكو) على هامش حفل تنصيب “ترمب”، مساء الإثنين، كان رئيس كلية الاقتصاد في كييف؛ “تيموفي ميلوفانوفان”، متشوقًا بشدة لبدء عصر “ترمب”.
وقال “مايلوفانوف”؛ وهو وزير أوكراني سابق، في إشارة إلى مصير بلاده في عهد “ترمب”: “قد لا يكون الأمر جيدًا – لكنه سيكون أفضل بكثير مما كان عليه في عهد بايدن”.
وتابع: “لقد أدار بايدن الحرب كأزمة؛ كان يعتقد أنه إذا صّمد لفترة كافية، ستَّمر العاصفة. لكنها لم تمُر. أما ترمب فيرى أن علينا إيقاف العاصفة”.
خطاب “ترمب” يُساعد “زيلينسكي”..
ووفق مجلة (بوليتيكو)؛ فإن عدم القدرة على التنبؤ بـ”ترمب” وميله للخطاب القوي، قد يمنح “زيلينسكي” ما يحتاجه لإقناع الأوكرانيين المَّنهكين باتفاق سلام يعترف بالواقع على الأرض، إذ لا تملك قوات “كييف” القوة البشرية اللازمة لاستعادة “شبه جزيرة القرم” المحتلة أو منطقة “دونباس”.
هنا، عاد “كورت فولكر”؛ وقال: “لقد لعب الرئيس؛ زيلينسكي، أوراقه بشكلٍ جيد للغاية، ومن خلال الإنحياز إلى ما يُريده الرئيس؛ ترمب، أوضح الرئيس الأوكراني، أن المشكلة ليست أوكرانيا. المشكلة هي بوتين”.
لذلك؛ ستكون الأسابيع المقبلة حاسمة بالنسبة لـ”كييف” و”موسكو”، وفق “فولكر”، موضحًا: “أعتقد أن ترمب سيتصل ببوتين ويطلب منه إنهاء الحرب، وأعتقد أن بوتين لن يوافق”، مضيفًا: “أعتقد أن فريق ترمب سيفهم أن عليهم إظهار القوة، وإظهار المزيد من العزم، ووضع كل شيء على الطاولة”.
فرض عقوبات أقسّى..
ماذا يعني ذلك ؟ أجابت (بوليتيكو): “يعني ذلك فرض عقوبات أقسّى، وزيادة صادرات الطاقة الأميركية بشكلٍ كبير للضغط على ميزانية بوتين، واستمرار الدعم العسكري لأوكرانيا”.
وقال “فولكر”: “ليس من أموال دافعي الضرائب، ولكن هناك طرقًا مختلفة للقيام بذلك، بما في ذلك برنامج الإقراض، بما في ذلك استيلاء أوروبا على (300) مليار يورو من الأصول الروسية واستخدام تلك الأموال لشراء معدات دفاعية أميركية، وإرسالها لكييف”.
إحياء القنوات الدبلوماسية..
وتُشير التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب”، ومستشاره للأمن القومي؛ “مايك والتز”، إلى أن اجتماعًا بين “ترمب”، والرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، لإنهاء الحرب “الروسية-الأوكرانية”، قيّد الإعداد.
ويُرجّح الباحث المساعد في معهد (يوركتاون أكسيل)؛ “دو فيرنو”، أن تنجح إرادة “ترمب” في إحياء القنوات الدبلوماسية مع “روسيا”، وتسّريع التوصل إلى اتفاق سلام، لكن سيتّعين على الرئيس الأميركي أن يأخذ في الاعتبار الجدول الزمني الأطول لـ”موسكو” عند التفاوض على تسّوية.
عناصر الاتفاق بين “أوكرانيا” و”روسيا”..
كتب “دو فيرنو”؛ في موقع (1945)، أن وزير الخارجية الروسي؛ “سيرغي لافروف”، أكد خلال مقابلته مع “تاكر كارلسون”، الشهر الماضي، أن شروط اتفاق السلام المَّوقع مع “أوكرانيا” يجب أن تشَّبه تلك التي صيغت في “إسطنبول”، في نيسان/إبريل 2022.
وكما لخص “لافروف”؛ تتضمن هذه الشروط: “عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي؛ (ناتو)، وإنما ضمانات أمنية لكييف، يتم توفيرها بشكلٍ جماعي بمشاركة روسيا”، والتي: “لن تُغطي شبه جزيرة القرم أو شرق أوكرانيا”، كما استشهد “بوتين” برفض الغرب لـ”اتفاقات إسطنبول” بصفتها جزءًا من خطة لإلحاق هزيمة استراتيجية بـ”روسيا”.
وتُقدم رؤية نائب الرئيس؛ “جيه. دي. فانس”، لـ”أوكرانيا” فرصًا للحوار مع “موسكو”. برأيه، سوف تُجمد الأطراف المتحاربة الصراع في حالته الحالية – مما يُعزّز سيطرة “روسيا” على “شبه جزيرة القرم” والأراضي الشرقية لـ”أوكرانيا” – مع إنشاء منطقة منزوعة السلاح لردع “موسكو” عن الهجوم مرة أخرى في المستقبل. وقد يُقرن “ترمب” هذه الخطة باستمرار المساعدات العسكرية لـ”أوكرانيا”، إذا وافقت على التفاوض.
عضوية الـ”ناتو”..
يبدو أن هناك نقاطًا عدة يتفق فيها “ترمب” ومستشاروه مع “بوتين”، وهو ما يبُشر بنهاية أسرع للصراع. ربما يتعلق التوافق الأكثر أهمية بانتفاء عملانية عضوية “أوكرانيا” في الـ (ناتو). كانت “الولايات المتحدة” تُرسل المساعدات إلى “أوكرانيا” لعقود من الزمن، مع زيادة كبيرة بعد ضم “روسيا”؛ لـ”شبه جزيرة القرم”، مما يُشير إلى أن التمويل العسكري الأميركي لـ”أوكرانيا” ليس العامل الأساس، الذي استفز “روسيا” لغزوها.
لكن على النقيض من ذلك؛ وكما تؤكد التصريحات الروسية مرارًا، أن التلميحات العلنية إلى أن عضوية “أوكرانيا” الأطلسية كانت قيّد النظر مثّلت السبب الرئيس للصراع. وبما أن “ترمب” أعرب عن معارضته لعضوية “أوكرانيا” في الـ (ناتو)، من شأن هذا أن يسَّهل المفاوضات مع “موسكو”.
رؤية “بوتين”..
مع استمرار “كييف” في تحمل الخسائر الفادحة في منطقة “دونيتسك”، ومعاناتها لحشد الجنود الخبراء لمواجهة الهجمات الروسية، من غير المُرجّح أن يرغب “بوتين” بالتسّرع في التوصل إلى اتفاق سلام.
يدعم هذا موافقة (الكرملين) على زيادة تاريخية في الإنفاق الدفاعي، حيث من المتوقع أن تستمر حتى عام 2027. ويشمل هذا الإنفاق أكثر من مجرد تدفق مباشر للأسلحة إلى الخطوط الأمامية. سيُغطي أيضًا رواتب أفراد الدفاع والتي لم يتم دفعها بشكل كافٍ دائمًا منذ بداية الحرب.
في نهاية المطاف؛ إذا قدر “بوتين” أن موقفه في ساحة المعركة يصَّب لمصلحته، وأن الموازنة العسكرية لعام 2025 ستسمح له بتعزيز مكاسّبه، فقد يُحاول الانتظار قبل التوقيع على اتفاق سلام. ولن يتمتع الرئيس الأوكراني؛ “فولوديمير زيلينسكي”، بنفس المرونة التي يتمتع بها نظيره الروسي؛ عندما يتعلق الأمر بفرض جدول زمني خاص به للتسّوية. مع ذلك، إن تداعيات أي حالة من عدم الاستقرار في “أوكرانيا”، عقب اتفاق سلام، يُغضب حاشية “زيلينسكي” ستكون ذات صلة بالنسبة إلى “واشنطن”.
فرص إدارة “ترمب” لتحقيق السلام..
أضاف الكاتب أنه بعدما شنّت “روسيا” غزوها ضد “أوكرانيا”، أصبحت الاتصالات الرسمية بين “موسكو” و”واشنطن” محدّودة للغاية، مع استثناءات للمسائل العسكرية الطارئة، مثل الاستخدام الروسي الأخير لصاروخ (أوريشنيك) وتبادل الأسرى.
من المُرجّح أن يُفسّر (الكرملين) استعداد “ترمب” و”فانس” للتعامل مع “روسيا” بصفته علامة على إمكانية التوصل إلى نهاية مستَّدامة للصراع، تأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف. ويظل من غير الواضح ما إذا كانت حسابات “بوتين” هي أن الخسائر التي تكبدها في ساحة المعركة كافية لمواصلة التسوية، بدلًا من إطالة أمد الحرب.
وبما أن تعيّينات “ترمب” تُشير إلى سياسة خارجية أكثر تشدَّدًا تجاه “الصين”، من مصلحته أن يُرسّخ علاقة أكثر استقرارًا مع “روسيا”. ساهمت العقوبات الغربية الشاملة ومحاولات عزل “روسيا” عن المسرح الدبلوماسي في التقارب بين “روسيا” و”الصين”. منح هذا “بكين” مصدرًا موثوقًا للنفط والغاز، وهو عازم على تسريع التخلص من “الدولرة”، وجذب الجنوب العالمي بعيدًا عن المؤسسات الغربية.
قد لا تتغيّر طموحات “موسكو” الطويلة الأجل لتقويض النفوذ الأميركي في الخارج بشكلٍ كبير نتيجة براغماتية “ترمب”، لكن يمكن تخفيفها. إذا نجحت إدارة “ترمب” بإيجاد حل للصراع “الروسي-الأوكراني” يظهر استعدادها لإعادة فتح القنوات الدبلوماسية مع “روسيا” مع حماية أمن “أوكرانيا” عقب وقف إطلاق النار، فقد يسَّاهم هذا بشكلٍ كبير في التحول، الذي طال انتظاره من جانب “واشنطن” نحو “آسيا”.