خاص : كتبت – نشوى الحفني :
يبدو أن الملف التركي بات مطروحًا أمام الرئيس الأميركي المنتخب، “جو بايدن”، بقوة؛ فبعدما صرح مستشار الأمن القومي الأميركي، “جيك سولفان”، بأن “تركيا” مصدر قلق لـ”أميركا” ودول “أوروبا”، وهو الهجوم الأول من الإدارة الجديدة على النظام التركي، إلا أنه يبدو أول حلقات السلسلة التي تُظهر سياسات الرئيس الجديد تجاه النظام التركي، فالجديد ما أكدت عليه “وزارة الخزانة” الأميركية، أن “تركيا” لا تزال “مركزًا لوجيستيًا” لتمويل (داعش)، فغالبًا ما يجمع التنظيم الأموال، ويرسلها إلى وسطاء في “تركيا”، وبدورهم يهربون الأموال إلى “سوريا” أو يرسلونها للمخيمات، حسبما أفادت قناة (العربية).
وأوضحت “وزارة الخزانة” الأميركية، أن علاقات “أنقرة” مع تنظيم (داعش) مثيرة للجدل منذ فترة طويلة، فالمراقبون لا يوافقون على زعم مسؤولي “تركيا” بأنها الدولة الوحيدة التي حاربت التنظيم بشراسة، فعندما اغتالت “الولايات المتحدة”، زعيم (داعش)، “أبوبكر البغدادي”، في تشرين أول/أكتوبر 2019، كان مخبأه قرب موقع عسكري تركي كبير.
وأضافت، أن (داعش) لديه ما يصل إلى 100 مليون دولار من الاحتياطيات النقدية المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة، وأن معظم موارد (داعش) مرّت عبر الحدود التركية.
يريد فتح صفحة تعترف بالواقع الجديد !
وبدأت التقارير والتحليلات تنطلق الآن مع إنطلاق التصريحات الأميركية تجاه “تركيا”، فقالت صحيفة (واشنطن بوست) الأميركية، في مقال للباحثة التركية، “أسلي أيدنطشباش”؛ إن: “تركيا ستكون واحدة من أكثر ملفات إدارة الرئيس، جو بايدن، في أثناء صياغة أهداف السياسة الخارجية”.
وبحسب الصحيفة، فإن “تركيا” أبتعدت تحت حكم الرئيس، “رجب طيب إردوغان”، عن الغرب، وغازلت “روسيا”، لكنها لا تزال شريكًا في (الناتو) وقوة إقليمية، لافتة إلى أنها أثارت غضب “واشنطن” من خلال شرائها نظام صواريخ، (إس-400) الروسي، ومطاردة القوات الكُردية المتحالفة مع “أميركا”، في “سوريا”.
وأضافت الكاتبة: “ملأت تركيا بمهارة، الفراغ الناتج عن التراجع الأميركي في المنطقة، من خلال توسيع نطاق وجودها العسكري في القوقاز والشرق الأوسط”، مشيرة إلى أنه مع تنامي القدرات التركية الدفاعية المحلية، لم يُعد “إردوغان” مهتمًا بأن يكون عضوًا مخلصًا في الغرب، ويؤكد سعي بلاده وراء مصالحها.
وذكرت أن: “إردوغان؛ يبحث عن فتح صفحة جديدة مع إدارة بايدن، تعترف من خلالها بواقع تركيا الجديد”.
وتطرقت إلى تصريحات أحد كبار مستشاري “إردوغان”، بشأن فرض إدارة “ترامب”، عقوبات في أيامها الأخيرة؛ على وكالة المشتريات العسكرية التركية، بسبب شرائها معدات روسية، حيث قال؛ إن: “ترامب قدم خدمة بشكل ما من خلال هذه العقوبات (..)، ويمكننا الآن فتح صفحة نظيفة مع بايدن”.
تستعد لإجراء صفقة صعبة..
وبحسب رأي الكاتبة التركية، فإن: “العلاقة بين أنقرة وواشنطن؛ كانت توصف بأنها شراكة إستراتيجية، لكن هذا يبدو الآن أجوف، نظرًا لإنعدام الثقة المتبادلة والعميقة بين الطرفين”.
وتحدثت الكاتبة في الأيام الأخيرة، مع العديد من كبار مساعدي “إردوغان” والمستشارين السابقين وهم يستعدون لعصر “بايدن”، مؤكدين أن “ترامب” كان يمتلك طريقة خاصة في التعامل مع “إردوغان”، ويتجاوز من خلالها مؤسسته، لعقد صفقات شخصية مع الزعيم التركي.
موضحة: “لكنه فشل في حل أي من القضايا الرئيسة في التحالف”، معتقدة أنه من الناحية المثالية، يود، إردوغان، أن يتصرف، بايدن مثل ترامب، ولكن في غياب ذلك، فإنه يأمل في الحصول على صفقة كبيرة، تتضمن تنازلات أميركية بشأن، (إس-400)، وسوريا، وقضية كبيرة ضد بنك تركي تديره الدولة في نيويورك”.
ونقلت الكاتبة عن مستشار “إردوغان”؛ بقوله: “نحن الدولة الوحيدة التي تقاوم التوسع الروسي في سوريا وأماكن أخرى (..)، لذلك يجب أن تنظر إدارة بايدن إلى هذا على أنه ميزة”.
مشيرة إلى أن “بايدن” نفسه يعلم، من أيامه كنائب للرئيس، أن “إردوغان” مفاوض صعب “المراس”، حتى لو كانت أوراقه ضعيفة، مؤكدة أن “أنقرة” تستعد لإجراء: “صفقة صعبة”، ولكن تصريحات وزير الخارجية الأميركي تشير إلى أن “واشنطن” ليست في حالة مزاجية تسمح لها بالتهاون.
حل النزاعات سيفيد “أنقرة”..
ورأت الكاتبة “أيدنطشباش”؛ أن: “العودة إلى سابق العهد بشكل كبير أمر بعيد المنال، لكن المساحة الوحيدة التي يوجد فيها زخم إيجابي في العلاقات بين تركيا وأميركا، يمكن أن تكون في المحيط، وتحديدًا في الصراعات القديمة، مثل قبرص وأرمينيا”.
وقالت الكاتبة التركية؛ إن مستشار “إردوغان” أخبرها؛ بأن “أنقرة” مستعدة: “لتطبيع العلاقات مع خصمهم التاريخي، أرمينيا، وحتى فتح المعبر الحدودي معها”، مستدركة: “قد لا تكون قبرص وأرمينيا في صميم العلاقات (التركية-الأميركية)، لكن حل هذه النزاعات سيفيد بشكل كبير علاقات أنقرة مع الغرب”.
وختمت الكاتبة مقالها بالقول؛ إن: “الأميركيين لم يفهموا أبدًا كيف يتعاملون مع، إردوغان، وربما يكون مفتاح إصلاح العلاقة هذه المرة، هو القليل من التباعد الاجتماعي (..)، وبدلاً من التركيز على إعادة المياه إلى مجاريها من الأعلى، قد يكون من الأفضل لتركيا وأميركا اتخاذ خطوات صغيرة، ما يبقي الباب مفتوحًا لمستقبل أفضل”، على حد قولها.
العلاقات ستزداد سوءًا..
ووفقًا لتقرير آخر، أعده “معهد بروكينغز” الأميركي، أوضح أن العلاقة بين “الولايات المتحدة” و”تركيا”، بها تاريخ طويل من التعقيدات، وقد كانت السنوات الأخيرة سيئة للغاية بالنسبة لها، حيث شهدت سلسلة متراكمة من الأزمات وسط تصورات متباينة بين الطرفين للتهديدات. ومن المرجح أن تزداد هذه العلاقة سوءًا في الفترة المقبلة.
ورأى التقرير أنه؛ من المرجح أن تبقى الأزمات الخمس التي تعكّر العلاقات “الأميركية-التركية” على أجندة إدارة “جو بايدن”، وهي: شراء “تركيا” لأنظمة الدفاع الصاروخي الروسية الصنع، ( S-400)، و”العقوبات الأميركية” على “تركيا” بسبب حملتها على الأكراد، وأزمة “شرق البحر المتوسط”، والدعوى القضائية في “أميركا” ضد “بنك خلق”، المملوك للدولة التركية، والمتعلقة بالعقوبات على “إيران”، وتراجع مستوى الديمقراطية في “تركيا”.
وبحسب التقرير، وعلى الرغم من هذه القائمة الطويلة من الخلافات، فقد حمى الرئيس السابق، “دونالد ترمب”، تركيا، من العديد من الإجراءات العقابية المحتملة. لذا فإن رحيله يُنذر بالسوء لـ”أنقرة”.
تسعى لتقليل اعتمادها على الغرب..
وفي جلسة “الكونغرس” الخاصة بتثبيته، في 19 كانون ثان/يناير 2021، أشار وزير الخارجية الأميركي الجديد، “آنطوني بلينكن”، إلى “تركيا” باعتبارها: “شريكنا الإستراتيجي المزعوم”، ردًا على سؤال حول شراء أنقرة لأنظمة ( S-400)، مما يؤشر على موقف الإدارة الجديدة تجاه “تركيا”.
في المقابل، تظهر معظم استطلاعات الرأي، التي تجرى في “تركيا”؛ أن “الولايات المتحدة” تتصدر قائمة البلدان التي يرى الأتراك أنها تهدد الأمن القومي لبلادهم.
وعلى الرغم من الرسائل الإيجابية الأخيرة من “أنقرة”، من المرجح أن تزداد علاقات “تركيا” مع الغرب سوءًا. ولـ”تركيا” والدول الغربية قراءات متباينة حول الشؤون الدولية، بينما تسعى “أنقرة” لتقليل اعتمادها على الغرب.
تتمركز حول الشراكة الأمنية..
وعلى عكس علاقات “أنقرة” مع “أوروبا”، فإن العلاقات بين “الولايات المتحدة” و”تركيا” تتركز على ملف واحد هو الشراكة الأمنية التي تم إنشاؤها في سياق الحرب الباردة. لكن في الوقت الحاضر، أصبح الاختلاف في تصور التهديدات السمة المهيمنة على العلاقات “الأميركية-التركية”. وهذا الأمر يظهر جليًا في الخلاف طويل الأمد بين “تركيا” والقيادة المركزية الأميركية بشأن الأزمة السورية.
وإحدى القضايا الخلافية الرئيسة بين البلدين؛ هي شراء “تركيا” لأنظمة الدفاع الجوي الروسية ( S-400)، وهو أمر يرى العديد من المسؤولين في البلدان الغربية؛ أنه يؤشر لإبتعاد “أنقرة” عن حلف (الناتو) و”الولايات المتحدة”. وتؤكد “تركيا” أن شراءها لصواريخ، (إس-400)، ليس مدفوعًا باعتبارات دفاعية فقط، بل له دافع جيوسياسي أيضًا.
ويرى الائتلاف الحاكم في “تركيا” أن النظام الدولي اليوم ليس متمحورًا حول الغرب؛ كما كان في السابق، وبالتالي يجب على “تركيا” أن تسعى لمصلحتها من خلال عمل توازن جيوسياسي أكثر تنوعًا، يشمل “الصين” و”روسيا”.
وبالنسبة لإدارة “بايدن” الجديدة – التي تؤكد على تعزيز التحالفات والمؤسسات الدولية والنظام الدولي الليبرالي – يبدو أن إعادة ترميم العلاقات مع “أنقرة” يفترض أن تعكس “تركيا” مسار علاقاتها مع “روسيا” و”الصين”، لا سيما من خلال التخلي عن أنظمة (S-400).
الموازنة بين القوى المختلفة..
في المقابل، ترى حكومة، “رجب طيب إردوغان”، أن على “الولايات المتحدة”، أن تتعامل مع الواقع الجيوسياسي الجديد في جوار “تركيا”؛ ودور “تركيا” فيه والتغييرات الأوسع في الشؤون الدولية. سيعني ذلك أن “أنقرة” لن تعكس مسارها تجاه “روسيا” و”الصين” بأي طريقة مؤثرة. بعبارة أخرى، مع استمرار احتدام المنافسة بين القوى العظمى، تتوقع “الولايات المتحدة” مزيدًا من التماسك والتضامن داخل الكتلة الغربية، في حين تعتقد “تركيا” أن أفضل رهان لها يكمن في الإنخراط في شكل من أشكال الموازنة بين القوى المختلفة.
تقرير “معهد بروكينغز الأميركي”؛ يرى أنه: “في هذه المرحلة، هناك مجال محدود لإحراز تقدم في مجالات الخلاف الرئيسة الخمسة المذكورة أعلاه في العلاقات”، بين “تركيا” و”الولايات المتحدة”.
ما يمكن أن تصل إليه الملفات العالقة..
ومن غير المرجح العثور على صيغة مقبولة للطرفين بشأن أنظمة، (S-400)، في أي وقت قريب، ومن المتوقع أن تصبح هذه المشكلة مصدر إزعاج طويل الأمد في العلاقات الثنائية.
أما في “شرق البحر الأبيض المتوسط”: “فيمكن في أحسن الأحوال، إعادة تجميد الأزمة، مما يعني بدء محادثات ثنائية بين تركيا واليونان وإمتناع كلا الجانبين عن إرسال سفن إلى المياه المتنازع عليها”، بحسب التقرير، الذي أضاف أنه من المحتمل أن يكون هناك المزيد من التنسيق بين “الولايات المتحدة” و”أوروبا” في هذا الملف.
وأضاف التقرير: “يرتبط مستقبل سياسة تركيا، تجاه الأكراد السوريين، إرتباطًا وثيقًا بمستقبل الائتلاف الحاكم في تركيا والتطورات السياسية داخل البلاد. طالما ظل تحالف إردوغان مع حزب الحركة القومية اليميني المتطرف قائمًا، فإن احتمالية إعادة تقويم هذه السياسة محدودة”.
وتوقّع التقرير أن تكون إدارة “بايدن”: “أكثر صراحة”، مع “تركيا”، في القضايا البارزة، مثل قضية سجن الرئيس السابق لحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد، “صلاح الدين دميرداش”، ورجل الأعمال، “عثمان كافالا”، والروائي، “أحمد ألتان”.
وبالمثل، ستستمر قضية “بنك خلق” تلقي بظلالها على العلاقات الثنائية بين “تركيا” و”الولايات المتحدة”.
وختم التقرير: “كل هذه الخلافات ستجعل الأزمات والتوتر عناصر ثابتة في العلاقات (الأميركية-التركية)”.