خاص : كتبت – نشوى الحفني :
مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية في “العراق”، في 12 أيار/مايو المقبل، تتولى التصريحات والتحليلات السياسة التي تبرز مدى تخوف الكثيرون من إتساع النفوذ الإيراني من خلال صناديق الاقتراع، وخصوصًا بعدما ساعد المستشارون العسكريون الإيرانيون، الحكومة العراقية، على القضاء على تنظيم (داعش)، مما زاد من نفوذ “طهران” في البلاد.
ويثير هذا النفوذ الخوف لدى “السٌنة” العراقيون؛ الذين تحملوا وطأة الدمار الذي خلفته الحرب، وقلق “واشنطن” على السواء. وعلى الرغم من التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، يظل كلاهما حليفًا رئيسًا لحكومة رئيس الوزراء العراقي، “حيدر العبادي”.
تدفع الأموال لمحاولة التأثير على الأصوات..
كان وزير الدفاع الأميركي، “جيمس ماتيس”، قد اتهم، في آذار/مارس الماضي، إيران بدفع الأموال لمحاولة التأثير على الأصوات الانتخابية، لكن هذه الاتهامات واجهت رفضاً من الحكومة العراقية، مؤكدًا الناطق باسم الحكومة العراقية، “سعد الحديثي”، على أن استخدام الأموال الأجنبية في السياسة الداخلية أمر غير قانوني وغير دستوري، مضيفًا أن الحكومة تبذل جهوداً كبيرة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة ولمنع التلاعب بنتائجها.
تصاعد النفوذ الإيراني بسقوط “الموصل” في يد “داعش”..
النفوذ الإيراني توسع في العراق بعد الغزو؛ الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، والذي أطاح بحكم الرئيس العراقي السابق، “صدام حسين”، ودشن فترة طويلة من الانقسام الطائفي والعنف المتطرف والنزاع السياسي.
وعقب سقوط مدينة “الموصل” في قبضة (داعش)، في صيف عام 2014، تصاعد النفوذ الإيراني في البلاد، ودعم المستشارون الإيرانيون الميليشيات الشيعية العراقية التي أصبحت تعرف باسم، “الحشد الشعبي”، في وقف تقدم التنظيم الجهادي الذي اقترب من “بغداد”. ومنذ ذلك الحين أصبح دور الميليشيات فعالاً في المعركة ضد (داعش).
تريد هندسة الانتخابات لصالح ميليشياتها..
من جهته؛ أكد، “زلماي خليل زاد”، السفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة، أن إيران تريد التأثير على الانتخابات العراقية وهندستها لصالح ميليشياتها.
وقال “خليل زاد”، في مقال له في صحيفة (وول ستريت غورنال)؛ بعنوان: (حدّوا من نفوذ إيران في العراق)، الإثنين الماضي، إن إيران تعمل بجد للتأثير على النتيجة، حيث تسعى إلى تعزيز نفوذ ميليشياتها داخل الحكومة العراقية، كما هو الحال مع “حزب الله” اللبناني.
وأضاف: “كما تريد إيران الحفاظ على الانقسامات الطائفية والعرقية والسياسية لمنع عودة العراق من جديد كقوة مستقلة ومستقرة”.
ورأى “خليل زاد”؛ أن إيران ترى أن الولايات المتحدة هي العقبة الرئيسة أمام مخططها، وتتطلع إلى إنسحاب القوات الأميركية من العراق.
مقترحات لإبطال التأثير الإيراني..
قدم “خليل زاد” 4 مقترحات لحكومة “ترمب” لإبطال التأثير الإيراني على مستقبل العملية السياسية في العراق..
أولاً: دعم الأحزاب والأطراف العراقية التي تعارض إيران، والتي لها هدف مشترك مع الولايات المتحدة في منع النفوذ الإيراني.
ثانياً: تعلم الدروس من قيام إدارة، “أوباما”، بسحب القوات الأميركية من العراق؛ والعمل على استمرار الوجود العسكري هناك.
ثالثًا: بغض النظر عن نتيجة الانتخابات العراقية؛ يجب أن تدعم أميركا على الفور تشكيل حكومة عراقية جديدة، وعدم السماح لإيران بالتأثير على تشكيل هذه الحكومة.
رابعاً: دعم الأحزاب والحلفاء والشركاء الموالين لأميركا في العراق بشكل رسمي.
وكانت تصريحات “علي أكبر ولايتي”، مستشار المرشد الإيراني، “علي خامنئي”، للشؤون الدولية، خلال زيارته إلى بغداد، في 17 شباط/فبراير الماضي، قد أثارت جدلًا عندما قال إن بلاده “لن تسمح لليبراليين والشيوعيين بالحكم في العراق”، مما أثار إستياء الكثير من القوى العراقية.
سيكون نصر إستراتيجي رئيس لإيران..
تقول مجلة (فورين بوليسي) الأميركية في تقرير لها؛ أن هذا سيكون أمراً كارثياً، فهو ليس فقط إهانة للولايات المتحدة، بل إنه نصر إستراتيجي رئيس لإيران، فبدون وجود موطيء قدم عسكري آمن يمكن من خلاله العمل في العراق، فإن قدرة أميركا على مواجهة طموحات “الحرس الثوري” الإيراني لفرض الهيمنة عبر الشرق الأوسط ستتعرض لخطر شديد، كما أن موقف القوات الأميركية، البالغ عددها 2000، في “سوريا” المجاورة، والمهتز أصلاً في ظل تصاعد التوترات مع “تركيا”، (وبسبب غريزة “ترامب” الخاصة بالتخلي)، سيصبح شديد الضعف، كما أن احتمال قيام إيران بإنشاء جسر بري يرسخ تهديد “الحرس الثوري” الإسلامي مباشرة على كل من الحدود الإسرائيلية والأردنية مع سوريا، سيزداد بشكل كبير، وستواجه الولايات المتحدة إنهياراً إستراتيجياً صريحاً في جزء من العالم طالما اعتبر حيوياً لمصالحها، وكل ذلك على يد إيران، ودون إطلاق رصاصة واحدة، ولاشك أن الأخيرة، وحلفاءها في “موسكو، ودمشق”، سيبتهجون من الأمر، أما أصدقاء الولايات المتحدة الإقليميون، في المقابل، فسيشعرون بالفزع مما هو مقبل.
يعملون على عدم بقاء القوات الأميركية بالعراق..
أضافت المجلة الأميركية: “لقد عمل الإيرانيون، ووكلاؤهم العراقيون، جاهدين، منذ شهور، لتهيئة الأوضاع لهذا السيناريو، فقد حذر المرشد الإيراني الأعلى، “علي خامنئي”، “العبادي”، في مناسبتين على الأقل، بعدم السماح للقوات الأميركية بالبقاء فىيالعراق بعد هزيمة (داعش)، كما أعلن قائد ميليشيا الحشد الشعبي، “قيس الخزعلي”، في أواخر شباط/فبراير 2018، من أن الميليشيات المدعومة من إيران ستشكل الحكومة العراقية المقبلة، وستكون أولويتها “طرد القوات الأميركية من العراق، وإنهاء اتفاقية التعاون الإستراتيجي بين البلدين”، وقد ردد قادة الميليشيات هذه الدعوة بإنتظام، ما جعل طرد القوات الأميركية من أهم مواضيع حملتهم، وفي الأول من آذار/مارس 2018، وبحضور أكثر من نصف أعضاء البرلمان، قام وكلاء إيران بتوجيه قرار، غير ملزم، يطالب بأن يضع “العبادي” جدولاً زمنياً لإنسحاب القوات الأجنبية من البلاد”.
أميركا لديها قنوات دبلوماسية لمواجهة المخططات الإيرانية..
في ظل وجود قنوات دبلوماسية كافية، فإنه لدى الولايات المتحدة بالتأكيد أدوات لمواجهة المخططات الإيرانية في الانتخابات العراقية، فيجب أن يتخلص “العبادي”، وغيره من القادة السياسيين العراقيين، من أي أوهام لديهم، فإذا نجحت إيران، ووكلاؤها، في التلاعب ببيئة ما بعد الانتخابات لطرد القوات الأميركية، فإنه سيكون من المستحيل على واشنطن الحفاظ على الدعم العسكري، والمخابراتي، الذي مكن العراق من التغلب على تجربتها المميتة مع (داعش).
والشىيء نفسه بالنسبة لدعم الولايات المتحدة لإحتياجات العراق الاقتصادية المتصاعدة في فترة ما بعد الحرب، ففي مؤتمر عُقد مؤخراً في “الكويت”، تعهدت الولايات المتحدة، وغيرها من الجهات الدولية المانحة، بتقديم 30 مليون دولار من الاستثمارات، والقروض، والمساعدات، لجهود إعادة بناء العراق، ومن الصعب تخيل أن العديد منهم سيكونون مستعدين للمتابعة، ناهيك عن تقديم المزيد، إذا تم استبدال الدعم الأمني الذي توفره القوات الأميركية حالياً بهيمنة “الحرس الثوري” الإيراني، ومن المؤكد أنه لا إيران، ولا روسيا، قد تتمكنان من ملء الفراغ.
وترى (فورين بوليسي)؛ أن هذه العواقب الوخيمة تحتاج إلى التواصل مراراً وتكراراً مع السياسيين العراقيين، وذلك ليس فقط من قبل موظفي السفارة الأميركية في بغداد، بل من خلال الاتصالات المباشرة من أعلى المستويات في إدارة “ترامب”، وأعضاء الكونغرس، وحلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، وآسيا، والشرق الأوسط، وفي هذا الصدد قد يكون التنسيق الوثيق مع المملكة العربية السعودية مفيداً بشكل خاص في ضوء الإنفتاح غير المسبوق الذي أظهرته قيادتها الجديدة مؤخراً في الإنخراط السياسي والاقتصادي مع بغداد، والتقدم الذي حققه السعوديون، ليس فقط مع السنّة والأكراد، ولكن مع “العبادي” وغيره من السياسيين الشيعة الغاضبين من الهيمنة الإيرانية.
تشجيع “الأكراد” على المشاركة..
من المهم أيضاً أن تستخدم الولايات المتحدة قدرتها الفريدة، إذا اختارت ذلك، على تيسير إقامة التحالفات السياسية البراغماتية عبر الطوائف العراقية، والتي يمكنها أن تواجه، بفاعلية، أسوأ المكائد في مرحلة ما بعد الانتخابات، من قبل إيران ووكلائها، وعلى الرغم من مظالمهم المستمرة ضد “بغداد”؛ فإنه يجب تشجيع كل من “الأكراد”، و”السُنة”، على تعظيم مشاركتهم في الانتخابات، وتأثيرهم المحتمل على الحكومة العراقية المقبلة، وقد عمل “العبادي”، بفضل تشجيع الولايات المتحدة، في الأسابيع الأخيرة، على التغلب على التدهور الخطير في العلاقات مع “الأكراد”، والذي حدث بعد استفتاء، الخريف الماضي، على الاستقلال الكردي، وذلك لأنه يدرك الدور الهائل الذي لعبته “الكتلة الكردية” في البرلمانات السابقة، وعلى واشنطن أن تضاعف جهودها لدفع هذه المصالحة إلى الأمام، حتى تتجلى بعد الانتخابات في صورة أجندة مشتركة بين الحكومة فى “بغداد” و”الأكراد”، وذلك لحماية شراكة العراق الإستراتيجية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة، أما بالنسبة للسُنة، فالحاجة الفورية هي أن تساعد الولايات المتحدة، والمجتمع الدولي، في ضمان إيجاد طريقة لملايين “السُنة”، الذين شردهم (داعش)، للإدلاء بصوتهم من أماكنهم في المنفى.
وأضافت المجلة الأميركية أنه؛ وبعد قيام القوات الأميركية بدور أساس في القضاء على تنظيم (داعش)، فإنها باتت تواجه الآن السؤال الدائم مرة أخرى: “بعدما كسبت الحرب، هل ستبدد الولايات المتحدة فرصة السلام مرة أخرى بسبب قلة الاهتمام، وإنعدام الرؤية الإستراتيجية ؟”.. وفي ظل وجود 6 أسابيع فقط على موعد إجراء الانتخابات العراقية، فإنه لاشك في أن إيران ترى أن الإجابة على هذا السؤال هي “نعم”، ولكن يحدونا الأمل في أن تتحلى إدارة “ترامب”، حتى في الوقت الذي تواجه فيه تحديات الأمن القومي الهائلة الأخرى، بالقدرة على إثبات أن جواب أعداء أميركا كان خاطئاً.