مع اقتراب الموعد المحدد .. هل تُغير محاولة اغتيال “الكاظمي” المعادلة وتمنع انسحاب القوات الأميركية من العراق ؟

مع اقتراب الموعد المحدد .. هل تُغير محاولة اغتيال “الكاظمي” المعادلة وتمنع انسحاب القوات الأميركية من العراق ؟

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

مع اقتراب موعد انسحاب القوات الأميركية القتالية من “العراق” بعد شهر واحد من الآن، جاءت محاولة اغتيال رئيس الوزراء، “مصطفى الكاظمي”، وهو ما فتح الباب للتساؤل حول مدى تنفيذ ذلك الانسحاب في وقته؛ وذلك بسبب ما حدث من حرج كبير أمني لـ”المنطقة الخضراء”، التي توصف بأنها الأكثر تحصينًا في البلاد.

وكان الرئيس، “جو بايدن”؛ قد أعلن، في تموز/يوليو الماضي، أنه بحلول نهاية عام 2021، ستنتقل القوات الأميركية في “العراق” رسميًا لتقوم بدور غير قتالي، وقال للصحافيين إن: “العلاقة الأمنية سوف تنتقل بالكامل إلى دور خاص بالتدريب وتقديم المشورة والمساعدة وتبادل المعلومات الاستخبارية”.

والسبت، أكد قائد القوات الجوية الأميركية في الشرق الأوسط، “جريغوري إم جويلوت”، في تصريحات صحافية أن الطيارين الأميركيين سيستمرون في التمركز بالمنطقة، رغم الاهتمام الذي توليه “واشنطن” لملفاتها مع “الصين” و”روسيا”.

وقبل أيام، أعلن المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة بالعراق، “تحسين الخفاجي”، اتخاذ بلاده خطوات لإنهاء تواجد القوات القتالية لـ”التحالف الدولي”، في نهاية كانون أول/ديسمبر، مشيرًا إلى إجلاء أكثر من: 2100 شحنة من المعدات العسكرية للتحالف.

بينما قال المسؤول السابق بالخارجية الأميركية، “ديفيد بولوك”، الأربعاء، إن: “الانتخابات العراقية، وما أعقبها من محاولة اغتيال رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، ستجعل من الأسهل والأكثر ضرورة بالنسبة للولايات المتحدة الإبقاء على بعض القوات غير القتالية في العراق”.

وأضاف “بولوك”، في تصريحات لقناة (الجزيرة) القطرية؛ أن: “الأحزاب المتطرفة الموالية لإيران – والتي تُريد انسحابًا أميركيًا كاملاً – قد خسرت الكثير من المقاعد والنفوذ في الانتخابات الأخيرة، والأهم من ذلك أن محاولة الاغتيال تُظهر أن تلك الأطراف وميليشياتها لا تزال خطيرة جدًا”.

وتابع المسؤول الأميركي السابق، قائلاً: “لذلك لا يزال معظم العراقيين يؤمنون بالحاجة إلى بعض الوجود والحماية الأميركية ويريدونها. حتى مقتدى الصدر؛ يقول الآن إن المستشارين والمدربين العسكريين الأميركيين يمكنهم البقاء في العراق !”، على حد قوله.

يُعطي انطباع حول عدم أهلية العراق بإدارة شؤونه..

حول تزامن الحادث مع اقتراب الانسحاب، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة “النهرين”، الدكتور “أسامة السعيدي”؛ إن: “توقيت استهداف الكاظمي لا يتعلق بالعملية السياسية والانتخابية في البلد، وإنما موضوع الانسحاب الأميركي بالتأكيد مرتبط بما حصل من محاولة للاغتيال”.

موضحًا أن: “سحب القوات الأميركية من العراق يجب أن لا يرافقه أي فوضى سياسية يمكن أن تبعث برسالة للعالم على أن العراق غير مؤهل لإدارة شؤونه من دون وجود أميركي أو دولي على أراضيه”.

ورأى “السعيدي” أن: “الحدث الذي حصل يبعث برسالة سلبية قبيل انسحاب القوات الأميركية؛ مفادها بأن العراق قد يكون بلدًا غير مستقر وربما يحصل ما لا يُحمد عقباه بسبب الانسحاب بصيغته النهائية”.

لافتًا إلى أن ما جرى: “تتحمله جميع الأطراف السياسية الأمنية العسكرية، لأن عليها أن تتحلى بالمسؤولية ويكون لديها تقدير موقف دولي وإقليمي، لأنه لا يمكن أن يبقى العراق هو الخبر الأول على وسائل الإعلام بسبب التصعيد الأمني”.

وشدد على أن: “محاولة الاغتيال أهميتها تتعلق بالشخص المستهدف، فرئيس الوزراء لا يُمثل نفسه، وإنما الصفة الرسمية والسيادية للبلد، لذلك فالظرف حرج والتوقيت حساس، ولو نجحت العملية، (الاغتيال)، لدخلنا في متاهة جديدة لا يُعلم متى الخروج منها، وقد تكون شبيهة بما حصل للبنان على إثر اغتيال رئيس الوزراء، رفيق الحريري”.

سياسات واشنطن تتبع مصالحها..

ونوه “السعيدي” إلى أن: “الإستراتيجية الأميركية مقرة وتسير وفق توقيتاتها، بصرف النظر عن المعطيات على الأرض، ولا سيما أن واشنطن هي من وقعت الاتفاق مع حركة (طالبان) وسلمت لهم البلاد، وهذه مفارقة أن تُعطي الولايات المتحدة صفة الرسمية لجماعة تصنفها: “إرهابية”، ثم توقع معها اتفاقية تسلم لها البلاد والنظام السياسي في أفغانستان كان لا يزال قائمًا”.

واستطرد قائلاً: “لذلك فالولايات المتحدة تتبع مصالحها أينما توجهت، وأن الكثير من المفارقات حصلت في سياساتها سواء الخارجية أو حتى على مستوى سياسيات البلد الداخلية”.

إضفاء الفوضى على الواقع السياسي..

من جانبه؛ رأى الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي العراقي، الدكتور “حيدر البرزنجي”، أن: “ما حدث فيه لغط كبير وتوقيت خطير ومحاولة لخلط الأوراق وإضفاء نوع من الفوضى على الواقع السياسي العراقي؛ خصوصًا في هذا التوقيت، لأن البلد أكمل عملية انتخابية وهناك اعتراضات ومظاهرات ضدها”.

ولفت إلى أن: “هذه المظاهرات استغلت لكي تأخذ الحكومة جانب العنف في مواجهة موجة الاحتجاجات هذه، بدلاً من أن تتعاطى وتتعامل معها بصورة شفافة، إضافة إلى التصعيد الخطير باستهداف منزل رئيس الوزراء”.

واتهم “البرزنجي”: “الولايات المتحدة؛ بالوقوف وراء حادثة محاولة اغتيال الكاظمي، ورمي الاستهداف على الإطار التنسيقي (الشيعي)، لذلك عُقد اجتماع بين رئيس الوزراء وقوى (الإطار)؛ أكدوا خلاله أنهم ليسوا طرفًا في استهدافه ولا يمكن أن يقوموا بذلك”.

تدعيم سيناريو بقاء القوات الأميركية..

ورأى أن: “محاولات عدم الانسحاب الأميركي من العراق؛ هي التي تطفو على السطح اليوم، حيث صرحت واشنطن في أكثر من مرة بعدم الانسحاب على اعتبار أن العراق يُمثل قاعدة أساسية في حماية أمن الكيان الصهيوني، وبالتالي لا يمكن لها أن تنسحب تحت مسميات وظروف عدة”، موضحًا أن: “هذا الظرف، هو عودة نشاط تنظيم الدولة في مدن عراقية، الذي يعطي مساحة لإبقاء القوات الأميركية بحجة أن العراق غير مستقر والوضع الأمني يستدعي بقاء القوات، لذلك جرى الاتفاق على الانسحاب في نهاية العام الجاري. وأنا أشك في تنفيذه”.

واستبعد “البرزنجي” تطبيق التجربة الأفغانية في “العراق”، بالقول: إن “الوضع الأفغاني مختلف تمامًا عن العراق، فالأخير أكثر أهمية سواء سياسيًا أو جغرافيًا وحتى اجتماعيًا، وأن احتمال عدم الانسحاب العسكري الأميركي أمر واقع وفقًا للظروف التي ذكرتها آنفًا”.

معتبرًا أن: “كل هذه الظروف في العراق تأتي ضمن سيناريو بقاء هذه القوات الأميركية ومحاولة للتدخل في الشأن السياسي للبلد، والدليل هو التصريحات التي صدرت من المسؤولين الأميركيين، حيث سبق أن قال المتحدث باسم الكونغرس إنهم سيتدخلون بطريقة مباشرة لحماية سيادة العراق”.

بالدعم اللوجيستي والاستخباري يستمر الوجود الأميركي..

ويؤكد أستاذ الإعلام الدولي بالجامعة العراقية، “فاضل البدراني”، إن تلميحات مسؤولين أميركيين بوقوف القوى الخاسرة في الانتخابات التشريعية، (أكثرها تابع لإيران)، وراء محاولة اغتيال “الكاظمي”، تعني نية أميركية للبقاء تحت أي مسمى، لكون هذه القوى هي المتحكم في الكثير من شؤون “العراق”.

ولذا، يُقدِّر “البدراني” أن البقاء الأميركي سيستمر ممثلاً في الدعم اللوجيستي والاستخباراتي والتدريبي.

بقاء القوات بتكتيك جديد..

ويلفت العميد “سمير راغب”، الخبير الإستراتيجي، إلى أمر آخر يدفع “واشنطن” للتأني، وهو “مفاوضات فيينا”؛ المُنتظر أن تستأنفها مع “إيران” الشهر الجاري، وإمكانية أن تستغل الأخيرة ضرب استقرار “العراق” كورقة ضغط على المائدة.

أما عن شكل الوجود الأميركي في “العراق” مستقبلاً؛ فيُشير إلى: “تغير مهام القوات من دون خفض عددها عن: 2500 جندي، وانتقال التدريب من الميدان إلى القواعد العسكرية، مع تحول العناصر القتالية إلى مدربين ومستشارين، واعتماد أميركا على المتقاعدين العسكريين لتقليل خسائر جيشها، مع توزيع القوات في مناطق متفرقة منعًا للاستهداف بالطائرات المُسيرة”.

وضمن المهام الأميركية سيكون رفع كفاءة القوات العراقية، وتزويدها بمقاتلات (إف-16)، والتعاون الاستخباراتي في تأمين الحدود، وفقًا لـ”راغب”.

منع سقوط “العراق” في فراغ جديد وانفراد الميليشيات بالمشهد..

وتعود فكرة الانسحاب إلى عهد الرئيس الأميركي الأسبق، “باراك أوباما”، على أن يكون تدريجيًا، حتى عام 2009، غير أن حرب (داعش) دفعها للبقاء.

وعقب إعلان هزيمة (داعش)، 2017، أعلن الرئيس الأميركي السابق، “دونالد ترامب”، خفض العدد إلى: 2500 جندي داخل القواعد العسكرية.

ويستمر الدعم الأميركي لـ”الكاظمي”، فقد أعلن “بايدن” إصدار تعليمات لفريق الأمن القومي الخاص به بتقديم المساعدة لـ”العراق” في تحقيقات محاولة الاغتيال.

ويصف “راغب” الموقف الأميركي: بـ”النضوج السياسي”؛ لدعم المكونات الوطنية العراقية من دون الإنحياز لمكون على حساب آخر، تجنبًا لسقوط “العراق” في فراغ جديد ومنعًا لانفراد الميليشيات بالمشهد.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة