خاص : كتبت – نشوى الحفني :
منذ أن بدأت الاحتجاجات العراقية الدامية والعيون تترقب ما يحدث وتتزايد التكهنات إلى ما يمكن أن تصل إليه، وماذا سيكون مصير حكومة رئيس الوزراء العراقي، “عادل عبدالمهدي” ؟، وما السيناريوهات المتوقعة وسُبل حل الأزمة في الوقت الحالي أو مستقبلًا ؟
المحلل السياسي العراقي، “إياد العناز”، قال إن الانتفاضة الشعبية التي إنطلقت في ميادين وساحات وأزقة ومحلات مدينة “بغداد” والمدن العراقية الأخرى تميزت بعدة صفات، أهمها أنها جاءت من رحم الشعب العراقي ومعبرة عن حقيقة الغضب من العملية السياسية والمواقف اليومية لحكومة “بغداد”.
لا تستطيع التعامل مع الأزمات..
وأضاف “العناز”: “الحكومة العراقية التي يقودها، عادل عبدالمهدي، أثبتت عدم قدرتها على التعامل مع الأزمات التي يعيشها ويكابدها المجتمع في كافة الميادين ومنها الفساد السياسي والاقتصادي الذي أصبح السمة الأساسية التي تتصف بها، بل هي إمتداد واضح لجميع حكومات الاحتلال الأميركي بعد التاسع من نيسان/إبريل 2003، أي أنها تشكل إمتدادًا واضحًا لمشروع كبير يستهدف أمن وسلامة ومستقبل العراق بالعمل على استنزاف ثرواته وضياع مستقبل شعبه وسرقة أمواله وجعله ضعيفًا بين الأمم والشعوب”.
وأشار المحلل السياسي إلى أن التظاهرات نادت بصورة صريحة وواقعية بإسقاط النظام السياسي والأحزاب والكتل السياسية الداعمة له واعتبار هذا الهدف من أهم الركائز الأساسية التي خرج من أجلها المنتفضون، وجاءت رسالة “عادل عبدالمهدي” التي ألقاها، فجر يوم الرابع من تشرين أول/أكتوبر الجاري، لتؤكد عدم فهم وإدراك لحقيقة المشهد السياسي ولتبين عمق الإبتعاد عن حقيقة مكابدة ومظلومية الشعب، وأحتوت على عبارات مستفزة وفضفاضة لا تحمل حلولًا جذرية بل سعت إلى مقترحات ترقيعية، لكنها لم تنطل على الجماهير المنتفضة التي رفضت الرسالة.
وأوضح “العناز” أن المحتجين لم تقنعهم رسالة “عبدالمهدي”، ما دفعهم مع شروق الشمس يوم 5 تشرين أول/أكتوبر 2019؛ إلى الإعلان عن استمرار التظاهرات ومواجهة إجراءات منع التجوال والثبات على الأهداف والمطالبات والمناداة بالحقوق والدعوة المستمرة لإسقاط حكومة “بغداد”، التي أثبتت هي وجميع الأحزاب السياسية؛ أنها لا تمثل روح إنتماء الشعب العراقي.
لن تتغير حكومة “عبدالمهدي”..
ولفت المحلل السياسي، إلى أن: “تصعيد التظاهرات والأحداث لن يعمل على تغيير الحكومة بقيادة، عادل عبدالمهدي، لأنها مدعومة من إيران والتي تحرص على بقائها لأنها سائرة ضمن فلك طهران وهذا ما نراه في جميع التصريحات التي أتت من الوسط الديني والسياسي الإيراني بعد اندلاع التظاهرات”.
مشروع الراية الخادعة..
ويرى الكاتب العراقي، “جهاد العيدان”، أنه يوجد في الواقع مخطط مكتمل الحلقات يجري العمل عليه بعد فشل “أميركا” في تطويع “إيران”، وهي تعمل الآن على الخطة البديلة المسماة بالتطويق؛ وذلك عبر مشروع ما يسمى بـ”الراية الخادعة” التي هي أشبه ما يكون بخطة المصاحف التي عمل بها “معاوية بن أبي سفيان”، في “حرب صفين”، والتي وجدنا انعكاساتها ومعطياتها في أحداث “ساحة التحرير” ومناطق أخرى، حيث أن “العراق” هو مرشح أميركيًا للتطويق، وهذا الأمر يمكن فهمه من خلال دعم الخطاب الإعلامي (الأميركي-البريطاني-السعودي) للمتظاهرين في “العراق” وسكوتهم عن التظاهرات المصيرية والمجازر التي إرتكبت هناك، وقد سربت بعض المصادر الدبلوماسية مشروع “الراية الخادعة” المتمثل باستغلال التظاهرات بشكل سياسي لمحاصرة حكومة “عادل عبدالمهدي”، حيث يتم اختراق مزدوج للمتظاهرين وللقوات الأمنية مما يؤدي إلى سقوط قتلى ومصابين بين الطرفين؛ مما يعطي المتربصين القدرة على فتح ما يسمى بسجل حقوق الإنسان ضد حكومة “عادل عبدالمهدي” انتقامًا لتصريحاته ضد “إسرائيل” أو دخول قوات أميركية بشكل مباشر إلى المدن والشوارع العراقية بحجة السيطرة على العنف وحماية المتظاهرين، وهي بالحقيقة زيادة في العنف وتأجيج التظاهر الدموي وحرق المؤسسات والسيطرة من جديد على الوطن بشكل مباشر، ضخ كمية كبيرة من الأسلحة التي بحوزة الجيش والشرطة وتسليمها إلى المتظاهرين باستخدام الفساد نفسه والتآمر والخيانة، وهذا ما حدث فعلًا في “ساحة التحرير”، حيث أن عددًا كبيرًا من قوات الطواريء سلموا أسلحتهم إلى المتظاهرين وهربوا وقام المتظاهرون باستخدامها ضد القوات الأمنية.
إتجاه للخطة المعدلة..
ويضيف “العيدان” أنه في حال فشلت هذه التظاهرات وسيطرت الدولة عليها، تبدأ المرحلة الأخرى المعدلة من المخطط، وهو القيام بعملية اغتيالات إما للمراجع أو علماء الدين أو القيادات الحشدية، وبذلك يقومون بضخ وقود لإحداث العنف الحقيقي الذي قد يفوق ما حدث، في عام 2006، من قِبل نفس مخططي ومهندسي هذه التظاهرات.
وبذلك تكون الخطة قد نجحت كما خطط لها؛ وبدأ “العراق” في مسار آخر من الدموية والإرهاب الذي سيطال جميع الوطنيين وتتبلور ميليشيات على غرار ما يجري في “ليبيا”، حيث أن “أميركا” تقوم هذه الأيام بإنعاش وإحياء ما يسمى، بـ”الصحوات”، في “الأنبار”، من أجل أن تكون رأس الرمح القادم في “العراق”، ويبقى القول من يتحمل مسؤوليةً هذه الدماء والخراب الذي حل بـ”العراق”؛ وإلى متى سيصمت الحاكمون تجاه هذه المخططات والتدخلات الأميركية والعبث بمقدرات البلاد ؟
فشل “عبدالمهدي”..
حول سبل “إنقاذ العراق” نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) مقال رأي في أعقاب خروج عشرات آلاف المواطنين في مظاهرات غير مسبوقة في “بغداد” ومدن جنوبية احتجاجًا على الفساد والبطالة وغياب الخدمات الأساسية، تصدت لها السلطات بحملة قمع غير مسبوقة؛ راح ضحيتها آلاف بين قتيل وجريح، فضلًا عن قطع الإنترنت وحجب مواقع للتواصل الاجتماعي ومهاجمة مقرات محطات إخبارية.
كاتب المقال، “رانغ علاء الدين”، من معهد “بروكنغز” للأبحاث في “الدوحة” والخبير في الشأن العراقي، قال إن رئيس الوزراء، “عادل عبدالمهدي”، فشل في الحيلولة دون وقوع أسوأ أزمة في البلاد منذ سيطرة (داعش) على “الموصل”، في 2014، وعليه أن يتحمل المسؤولية وضمان محاكمة المسؤولين المتورطين في مقتل أكثر من 100 متظاهر وإصابة آلاف آخرين بجروح متفاوتة.
الأسبوع الدامي يضع “عبدالمهدي” في موقع غير مستقر، وفق الكاتب الذي يرى أن السياسي الشيعي المستقل، الذي شغل منصب وزير المالية ونائب الرئيس في السابق، يستحق أن يُمنح فرصة لإخراج “العراق” من هذه الأزمة والمضي به إلى الأمام.
ويوضح “علاء الدين” أن الطريق إلى الأمام ليس بحكومة جديدة أو رئيس وزراء جديد، وكل ما يجلبه ذلك من عدم يقين سياسي خطير، بل إن المضي نحو المستقبل يحتاج إلى جهد متضافر لتحسين الحكم والعمل من أجل إحياء الاقتصاد العراقي.
تحديات مرعبة..
ووفق “علاء الدين”؛ التحديات أمام “عبدالمهدي” مرعبة، ويؤكد على أن البلد الذي تعرض للحروب والاضطرابات لسنوات طوال، بحاجة إلى مساعدة. وتحدث عن أن الحكومات الغربية تركز أكثر من اللازم على انفجار محتمل قد يؤدي إلى حرب بين “الولايات المتحدة” و”إيران” في “العراق”، من دون تقديم استراتيجية لتعزيز سيادته.
وأردف أن؛ “الحقيقة القاسية” لـ”الولايات المتحدة” هي أن “بغداد” تعتمد بشكل مفرط على “طهران”، ولا يمكنها العيش من دون “الغاز الطبيعي” الإيراني وغيره من المنتجات التي تلبي احتياجات “العراق” اليومية. وتبلغ المبادلات العراقية السنوية مع “إيران”، 12 مليار دولار، في حين لا تتجاوز الصادرات الأميركية إلى “العراق”، 1.3 مليار دولار.
ومع ذلك فإن “واشنطن” تستطيع، وفق الكاتب، المساعدة في تقليل ذلك الإعتماد وتعزيز السيادة العراقية من خلال تمكين “بغداد” من بناء علاقات أقوى مع البلدان التي يمكن أن توفر بدائل لـ”بغداد”.
وأردف؛ أن ذلك يمكن أن يأخذ شكل خارطة طريق لاستقلال في مجال الطاقة تشمل تسهيل الحوارات الاستراتيجية حول شبكات الطاقة المشتركة ووصلات خطوط أنابيب “نفط” جديدة مع دول الخليج و”الأردن”.
ويرى الكاتب كذلك؛ أن “الولايات المتحدة” تحتاج إلى زيادة استثماراتها المالية والتكنولوجية في “العراق” واستخدام ثقلها لتعبئة المستثمرين الدوليين، ما سيساعد في دفع الاقتصاد وتمويل مشاريع إعادة الإعمار فيه.
ويشدد الكاتب على ضرورة أن يتبنى عمالقة التكنولوجيا الأميركيون حركة الشركات الناشئة في “العراق” والجيل الجديد من القادة الذين لم يتم استيعابهم بعد في شبكات الرعاية.