كتب عباس سرحان : أصحاب البسطات الطارئة او الباعة المؤقتون يبيعون أنواعاً من الهدايا الخفيفة التي يحرص زوار المدينة على شرائها لأطفالهم وذويهم قبل عودتهم الى ديارهم بعد مشاركتهم بمراسيم الزيارة وبعضهم يبيع أموراً يحتاجها الزوار السائرون لمسافات طويلة تصل الى عشرات الكيلومترات مثل الأحذية والأعلام التي يرفعونها في المناسبة وغيرها.
لا توجد أماكن محددة لأصحاب البسطات، فهم يفترشون الأرصفة على طرق خروج الزوار لكنهم غالبا ما يتواجدون وبكثرة في تقاطعي المركزية وسيد جودة وفلكة التربية وقريبا من جسر الضريبة كما ينتشرون على الطرق الخارجية التي تربط كربلاء بمحافظة النجف مسافة (80 كلم) وبين كربلاء وأقضيتها مثل طويريج.
عند تقاطع الإبراهيمية على الطريق الذي يربط مدينة كربلاء بقضاء طويريج انتشر مجموعة من الباعة وهم يعرضون بضائع مختلفة يتجمهر حولها الزوار السائرون إلى كربلاء ويقلبون فيها.
ميثم كاظم احد الباعة يقول لـ”نقاش” إن موسم الأربعينية في كربلاء يزيد دخله بشكل كبير فهو يحقق أرباحاً تصل الى مليون ونصف المليون دينار (ما يعادل 1200 دولار) في أسبوعين او ثلاثة وهو مبلغ يساوي رواتبي لشهرين ونصف.
ويضيف “لست وحدي فزوج شقيقتي يبيع في الطرف الآخر من الشارع وهو يكسب أربعة أضعاف راتبه الذي يتقاضاه من وظيفته الإدارية في جامعة كربلاء في أربعين يوما فقط يبيع فيها هذه الأشياء بعد مغادرته الدوام الرسمي”.
كل الارصفة التي يمكن ان تشهد زحاما يمكن ان تكون “سوقا” لأصحاب البسطات، يبيعون فيها لعب الاطفال الملونة والترب والمسبحات والألبسة والرايات التي تطبع عليها صور وشعارات دينية والحلويات وخصوصا ان الدهين يمكن ان تباع أيضا من قبل أصحاب البسطات.
والى جانب اصوات النعي والاناشيد الدينية التي تطلقها مكبرات الصوت من المواكب والهيئات التي تنتشر بكثرة في شوارع كربلاء، تبث مكبرات الصوت المبرمجة العائدة لأصحاب البسطات عبارات تحث المارة على شراء المعروض من بضائعهم.
“الحاجة بألف، كل شيء معروض بألف، فرّح أحبابك بألف دينار يا زاير” بمثل هذه العبارات السريعة يحاول اصحاب البسطات اجتذاب الزبائن.
ويعمل في هذا النشاط التجاري المناسباتي نوعان من الشباب والرجال، بعضهم عاطلون عن العمل فيجدون في هذه المناسبات فرصة جيدة لكسب المال دون جهد كبير، والصنف الآخر موظفون يعملون في بعض دوائر الدولة يقولون ان “مرتباتهم لا تكفيهم فيستغلون المناسبات الدينية لتحقيق واردات مالية اضافية لأسرهم”.
مختار حميد (23 سنة) احد الشباب العاطلين ممن وجدوا في المناسبات الدينية فرصة جيدة لتحقيق بعض الربح، وقد استعد مختار مبكرا لمناسبة عاشوراء الحالية، فاشترى كميات من الهدايا الخفيفة بنحو (300) ألف دينار وخزنها في بيته المتواضع في منطقة الحي العسكري، وهو أحد الأحياء الشعبية الى الغرب من المدينة، ومن اللافت ان جل أصحاب البسطات تقريبا هم من الأحياء الشعبية التي تتسم بالفقر عادة.
يقول مختار انه “اقترض المبلغ من والده قبل أسبوعين من شهر محرم، على أمل أن يعيد القرض بعد انتهاء مناسبة عاشوراء” ويكون قد حصل من هذه العملية على بعض الربح. انه لا يدري كم سيربح ولكن مقارنة بالمرات السابقة التي زاول فيها هذا النشاط التجاري البسيط، ربما سيحصل على ضعفي المبلغ الذي اقترضه من والده، أو أكثر من ذلك.
حجز مختار مكانا له قريبا من مدخل المدينة القديمة، وتحديدا في شارع الإمام الحسين المزدحم بالزوار، وهو لا يغادر المكان حتى في ساعات الليل المتأخرة، إنما يبيت قريبا من بضاعته، فإخلاؤه المكان قد يؤدي إلى خسارته طالما هناك آخرون يبحثون باستمرار عن أمكنة لبيع بضاعتهم.
وليس بعيدا عن مختار، يعرض زكي جاسم بضاعته وهي لا تختلف عن بضاعة صديقه، جوارب نسائية ورجالية وملابس سوداء للصغار ولعب أطفال وغير ذلك.
يعمل زكي موظفا في احدى دوائر الدولة بكربلاء، ويتقاضى مرتبا شهريا قدره (450) ألف دينار، يقول إن “مرتبه يكاد لا يكفي نفقاته الشهرية” لذلك هو يستثمر تعطيل العمل بدائرته خلال مناسبة عاشوراء فيعمل على زيادة دخله ببيع الهدايا والـ”صوغات”.
يقول زكي إنه “تبضّع قبل اسابيع من بدء الزيارة بـ(500) الف دينار من الشورجة في بغداد ويعمل هو وابنه، عمّار(17 سنة) على استعادة هذا المبلغ وتحقيق الربح”.
ليس كل اصحاب البسطات يتسوقون بضائعهم من سوق الشورجة في بغداد، فبعضهم يشتري من محلات الجملة في كربلاء، ويبيع بضاعته في المدينة نفسها.
ويتجنب زكي الإفصاح عن الأرباح التي يمكن أن يجنيها من مهنته الموسمية هذه كي لا يصاب بالحسد. لكنه أكد انه سيربح ولن يمنى بالخسارة، طالما انه قد ربح في المرات السابقة أيضاً، لاسيما وانه يبيع الحاجات التي يعرضها في بسطته بأكثر من ضعف سعرها الحقيقي، فمثلا بعض لعب الاطفال التي تكلفه 250 دينارا بسعر الجملة يبيعها بـ (1000) دينار، وبهذا فهو متأكد انه سيربح.
يمكن ان يكسب زكي مليون دينار وأكثر لكن مقدار ربحه يعتمد على أعداد الزائرين ممن يشاركون في إحياء المناسبات الدينية وعدد أيامها، ففي زيارة الأربعين مثلا يكون الربح أكبر لان الحشود البشرية تكون كبيرة وعدد أيام المناسبة يزيد على عشرة أيام.
ويقبل الزوار على شراء الهدايا او المصوغات بكثرة خصوصا من يقدم منهم من محافظات بعيدة او من دول أخرى، وعدد غير قليل منهم يشتري بعضها لجلب البركة، او للذكرى، فمهدي صيّاحي من مدينة سوسنكرد في اقليم خوزستان بجنوب إيران، اشترى كمية من المسبحات والترب الطينية والحلويات الكربلائية التي قال إنها “مما يحب ذووه وأصدقاؤه اقتناءها بهدف التبرّك”.
فيما اعتاد مرتضى جواد وهو زائر من الديوانية على شراء الهدايا من كربلاء بعد كل زيارة يقوم بها الى المدينة. هو لا يزور كربلاء باستمرار لكنه يزورها مرة في العام، وفي زيارته هذه “يشتري بعض الهدايا للصغار من اسرته ولزوجته ويشتري ايضا كمية من حلوى الدهين التي تشتهر بها المدينة” خصوصا وهو يعتقد ان اسعار هذه الهدايا مناسبة اذا ما قورنت بأسعارها في مدينته.
يقدر مرتضى نفقات ما اشتراه من هدايا بحدود (25) الف دينار عراقي، ويعتقد انه مبلغ زهيد اذا ما تمت مقارنته بحجم السرور الذي ستدخله الهدايا في نفوس ذويه.
اللافت ان بعض باعة البسطات ليسوا من أبناء المدينة، بل هم من مدن مجاورة مثل بابل والنجف ويقصدون كربلاء خلال المناسبات الدينية التي تقام في المدينة بهدف كسب الربح، وتمدهم المراسيم التي ترافق هذه المناسبات بالنشاط والحيوية، فالغذاء يقدم باستمرار بشكل مجاني وكذلك المياه والسوائل الاخرى، فيما توفر مئات المواكب والهيئات مأوى للزائرين من حولهم.