وكالات- كتابات:
وافقت الإدارة الأميركية على خطة للحكومة السورية تقضي بضم آلاف المقاتلين الأجانب الذين شاركوا في القتال ضد نظام الرئيس السابق؛ “بشار الأسد”، إلى الجيش الجديد، وذلك بعدما كان إبعاد هؤلاء المقاتلين أحد الشروط الرئيسة لـ”واشنطن” مقابل الانفتاح ورفع العقوبات عن “دمشق”.
وبحسّب ما نقلت وكالة (رويترز) عن مبعوث الرئيس الأميركي إلى سورية؛ “توماس باراك”، فإن هناك: “تفاهما وشفافية” بين “الولايات المتحدة” و”سورية” حول خطة للسماح لحوالي: (3500) من المقاتلين الأجانب، معظمهم من (الإيغور) ودول الجوار، بالانضمام إلى الفرقة (84) من الجيش السوري.
واعتبر “باراك” أيضًا أنه من الأفضل ضم هؤلاء المقاتلين ضمن مشروع للدولة بدلًا من إقصائهم، في عدول واضح عن شرط أميركي سابق في هذا الصدّد، فما أبرز ملامح هذه الخطة ؟.. وكيف أقنعت “دمشق”؛ “واشنطن”، باحتواء المقاتلين الأجانب بدلًا من إبعادهم ؟
الموقف الأميركي من الاشتراط إلى الموافقة !
لا توجد أرقام رسمية حول عدد المقاتلين الأجانب الذين لا يزالون في “سورية”، وقد قاتل معظمهم تحت لواء (هيئة تحرير الشام) التي قادت معركة إسقاط النظام السابق في “دمشق”.
وسبق أن صرح الرئيس السوري؛ “أحمد الشرع”، أن معظم هؤلاء اندمجوا في المجتمعات المحلية؛ وخاصة في شمال غرب البلاد وتزوجوا من سوريات وأنجبوا أطفالًا، وأعلن مرارًا بأنهم ينظرون في تجنيس هؤلاء أو من تنطبق عليهم شروط يفرضها القانون بعد إقرار دستور جديد للبلاد.
وللإشارة فإن تصريحات “الشرع” جاءت خلال زيارته الأخيرة إلى “باريس”؛ وأثناء المؤتمر الصحافي مع الرئيس الفرنسي؛ “إيمانويل ماكرون”، الذي لم يُطالب في المؤتمر نفسه بالمطلب الأميركي، وهو ما عدّه مراقبون تأكيدًا ضمنيًا لمطالبات أوروبية معاكسة تقضي بإبقاء المقاتلين الأجانب وعدم السماح لهم بالعودة إلى بلدانهم الأصلية.
وأوضح “الشرع” أن الحكومة السورية تضمن لجميع دول العالم، أن المقاتلين الأجانب الذين بقوا في “سورية” لن يُشّكلوا خطرًا على أي من الدول المجاورة، ولن يُلحقوا الضرر ببلدانهم التي جاؤوا منها.
وأثير هذا الملف الحساس لأول مرة بعد صدور قرار بترفيّع عدد من الضباط المشاركين في “غرفة إدارة العمليات العسكرية”؛ التي قادت معركة إسقاط النظام؛ في كانون أول/ديسمبر الماضي، ليُشّكلوا نواة لأركان الجيش الجديد، (06) من بينهم أجانب، وهذا أثار قلقًا داخليًا وخارجيًا حول هذه الخطوة تحديدًا.
وفي أول اتصال دبلوماسي مباشر بين إدارة “ترمب” والحكومة السورية، سلمت “ناتاشا فرانشيسكي”؛ نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون بلاد “الشام”، وزير الخارجية السوري؛ “أسعد الشيباني”، قائمة بشروط تُريد من “دمشق” الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات، منها ضمان عدم تولي أجانب مناصب قيادية في الحكومة والجيش.
وفي وقتٍ لاحق؛ من أواخر نيسان/إبريل الماضي، ردت “الخارجية السورية” كتابيًا على قائمة الشروط الأميركية، قائلة إنها طبقت معظمها؛ لكن البعض الآخر يتطلب: “تفاهمات متبادلة” ونقاشات أوسع مع “واشنطن”، بينها ملف المقاتلين الأجانب الذين تم تعليق إصدار الرتب العسكرية لهم، وفقًا لنَّسخة من الرسالة اطلعت عليها (رويترز).
ومنذ الكشف عن الرد السوري؛ لم تُعلق “واشنطن” على هذه القضية، لكن نهج “واشنطن” الحذر بشكلٍ عام تجاه “سورية” شهد تحولًا كبيرًا منذ زيارة “ترمب” إلى الشرق الأوسط؛ الشهر الماضي.
وقال مصدران مُقربان من “وزارة الدفاع” السورية؛ لـ (رويترز)، إن “الشرع” والمَّقربين منه حاولوا إقناع مفاوضين غربيين بأن ضم مقاتلين أجانب إلى الجيش سيكون أقل خطورة من التخلي عنهم، الأمر الذي قد يدفعهم إلى الانضمام مجددًا لتنظيم (القاعدة) أو “تنظيم الدولة الإسلامية”.
توازن حرج..
يقول “جيروم دريفون”؛ المحلل البارز في (مجموعة الأزمات الدولية)، إن الحكومة السورية حاولت عزل المقاتلين الأجانب، لكنها تواجه مشكلة حقيقية في تنفيذ المطلب الأميركي، وتحديدًا في تعريف من هم: “الإرهابيون”، وحتى إذا تم طردهم فإن بلدانهم لا تُريد عودتهم.
وأفادت (واشنطن بوست)؛ بأن الأكثر تشدَّدًا من بين المقاتلين الأجانب بدؤوا يصّبون جام غضبهم على: “رفيق سلاحهم السابق”، وذلك بسبب عدم فرضه الشريعة الإسلامية في “سورية” حتى الآن، ويزعمون أنه يتعاون مع “الولايات المتحدة” والقوات التركية لاستهداف الفصائل المتطرفة.
ونقلت عن أحد المقاتلين الأوروبيين – الذي تحدث في مقابلة أُجريت معه في مدينة “إدلب” الشمالية شريطة عدم الكشف عن هويته – قوله إن: “الجولاني يُهاجمنا من الأرض، وأميركا من السماء”، مستَّخدمًا الاسم الحركي؛ لـ”أحمد الشرع”، عندما كان عنصرًا بين صفوف (القاعدة) ثم (داعش).
ونسّبت الصحيفة إلى محللين سياسيين ومقاتلين؛ أن حكومة “دمشق” أمرت الأجانب بالتواري عن الأنظار وعدم التحدث علنًا، في حين يعمل “الشرع” جاهدًا لتحقيق توازن يبدو صعبًا.
وأشارت إلى أن مرَّاسليها التقوا – في (03) مناسبات منذ سقوط “الأسد” – مقاتلين أجانب في عدة مناطق من البلاد. ففي كانون أول/ديسمبر الماضي، كان مُقاتلون أتراك متمركزين في الطريق المؤدية إلى مدينة “حماة” وسط البلاد، حيث مقام “الإمام علي زين العابدين”، بينما كان مقاتلون عراقيون يجوبون المدينة على أنهم سياح.
وفي آذار/مارس الماضي؛ كان مقاتلون من “آسيا الوسطى” يُسيّطرون على نقطة تفتيش في الطريق إلى “جبل قاسيون” الشهير في “دمشق”، ثم في أوائل آيار/مايو الماضي، اختفى جُلّهم من نقاط التفتيش وشوارع وسط وجنوب “سورية” على الأقل.
ضم “الحزب التُركستاني” وتشكيل الفرقة “84”..
في 17 من آيار/مايو الماضي، أعلن وزير الدفاع السوري؛ “مرهف أبو قصرة”، مهلة (10) أيام للفصائل العسكرية التي لم تنضّوِ بعد ضمن هيكلية “وزارة الدفاع” الجديدة.
ومع اليوم الثالث من مهلة العشرة الأيام؛ قرر (الحزب الإسلامي التُركستاني)، المؤلف في غالبية أفراده من (الإيغور) الصينيين حل الحزب والانضمام إلى “وزارة الدفاع” وفق شروطها. وقال “عثمان بوغرا”؛ وهو مسؤول سياسي في (الحزب الإسلامي التُركستاني)، لـ (رويترز)، في بيان مكتوب، إن الجماعة حلّت نفسها رسميًا واندمجت في الجيش السوري.
وأضاف أن الجماعة تعمل حاليًا بالكامل تحت سلطة “وزارة الدفاع”، وتلتزم بالسياسات المتبعة في البلاد، وتُحافظ على عدم الارتباط بأي كيانات أو جماعات خارجية.
وأصدر وزير الدفاع؛ “أبو قصرة”، يوم الجمعة الفائت 30 آيار/مايو 2025، لائحة للعاملين في الجيش والقوات المسلحة خاصة بالسلوك والانضباط، وهي، بحسّب ما نقل موقع (الحل نت) المحلي عن مسؤول سوري، موجهة بالمقام الأول للعناصر الأجنبية في الجيش، لضمان تطويع هؤلاء المقاتلين والتزامهم بأوامر القيادة.
ووفقًا للمصدر نفسه؛ فقد تم تشكيل الفرقة (84) قوات خاصة؛ بقيادة كلٍ من: “عبدالعزيز داود خدابردي”، المعروف باسم: (أبو محمد تُركستان)، و”عمر محمد جفتشي”؛ المعروف باسم: (مختار التُركي)، و”ذو القرنين زنور البصر عبدالحميد”؛ الملقب: بـ (عبدالله الداغستاني)، وهو قائد (جيش المهاجرين والأنصار).
وحول تعدّادها؛ يقول المسؤول العسكري السوري إن: (الفرقة 84 قوات خاصة) سيكون تعدّادها: (30) ألف مقاتل، ومقرها الرئيس “الكلية البحرية”؛ في محافظة “اللاذقية”، وسيكون انتشارها في شمال غربي “سورية”. وتتألف من (06) ألوية عسكرية مختصة، لواء مدرعات ولواءي “قتال جبال” ولواء مداهمة ولواء مدفعية، إضافة إلى لواء “حرب شوارع”.
ردود فعل السوريين..
وتباينّت ردود أفعال السوريين من أنباء دمج آلاف المقاتلين الأجانب في الجيش ومنحهم في نهاية المطاف الجنسية السورية، فبينما أبدى البعض تخوفًا من تأثير ذلك على توجهات الجيش والواقع الديمغرافي في البلاد، لا سيّما في ظل حقيقة حول صلتهم بأحداث قرى “الساحل السوري”، برز من يُبدي تقبلًا واضحًا لخطط الحكومة حول هذه القضية.
الصحافي السوري المقيَّم في تركيا؛ “نضال معلوف”، وهو رئيس تحرير موقع (سيريا نيوز)، اعتبر أن الموافقة على ضم: (3500) مقاتل أجنبي إلى صفوف الجيش السوري: “أمر خطير وغير مقبول، إن كانت الولايات المتحدة وافقت أم لم توافق، هذا ليس شأنها”.
وأضاف؛ في منشور على صفحته في (فيس بوك): “أرى أنه تجاوز لصلاحيات الحكومة الانتقالية؛ لا يمكن السكوت عليه، لأن هذا سيؤثر على مستقبل كل السوريين ويُهدّد أمنهم في الداخل ويؤثر على علاقاتهم مع الخارج”.
وفي منشور آخر؛ كتب “معلوف”: “يمكن أن يتم تفهم القرار بأنه ضرورة تكيتيكية لدفع خطر استراتيجي.. ولكن يجب أن نحذر بأن الجرائم التي ارتكبتها بعض عناصر الفصائل الأجنبية في الماضي، كانت توجه التهم وقتها لفصائل منفلتة واليوم بعد الدمج (…) أي تجاوز وأي جريمة ستقوم بها عناصر أجنبية، سيوجه الاتهام مباشرة إلى وزارة الدفاع وإدارة الرئيس الشرع”.
في المقابل، اعتبر الباحث والسياسي السوري، ومدير موقع (الذاكرة السورية)؛ “عبدالرحمن الحاج”، أن قرار ضم المقاتلين “الإيغور” (التُركستان)، إلى الجيش طبيعي، اعترافًا بإسهاماتهم في عملية ردع العدوان، إضافة إلى أنه مبني على وجهة نظر سياسية منطقية.
ولفت إلى أن تعدّاد المقاتلين؛ وهو نحو: (3500) لا يُشكل أي تغييّر ديمغرافي، مؤكدًا أن المنتقدَّين لهذا القرار لم يطلعوا على الأرجح على التجارب العالمية مع المقاتلين الأجانب في حالات شبيّهة.
من جهته؛ اعتبر “ياسر العيتي”؛ رئيس تيار (سورية الجديدة)، أنه لا مبَّرر لتخوف البعض من الخطوة طالما كانت العقيدة القتالية للجيش الجديد مُلتزمة بالوطنية السورية والدفاع عن السوريين؛ بغض النظر عن انتماءاتهم وعدم التعدي على الحقوق والكرامات كما جاء في: “لائحة قواعد السلوك والانضباط العسكري” التي أصدرتها “وزارة الدفاع” مؤخرًا.
ويزعم الخبراء في الجماعات الإسلامية إن المقاتلين بشكلٍ عام أصبحوا أقل تطرفًا بمرور الوقت، ويدعي “العيتي” أن تجنيّس المقاتلين الأجانب وإلحاقهم بالجيش السوري الجديد هو: “الخيار الأفضل، وكان المعيق الأكبر رفض الدول ويبدو أنه زال بفضل جهود الحكومة”.