وكالات – كتابات :
حدد تقرير أميركي؛ المسّائل التي ما تزال تحتاج إلى مفاوضات وتسّوية بين “إقليم كُردستان العراق” والحكومة الاتحادية؛ في “بغداد”، فيما يتعلق بموازنة 2023، معتبرًا أن موافقة الحكومة على مشروع الموازنة الحالي لا تُجيب عن العديد من الأسئلة بشكلٍ قاطع.
وبعد عملية حافلة بالمشاحنات لتشكيل الحكومة؛ والتي استمرت عامًا كاملاً بعد الانتخابات النيابية لعام 2021، ظلت البلاد من دون ميزانية في العام 2022، واقتصرت النفقات على دفع الرواتب والمعاشات التقاعدية.
وجاء في تقرير لمعهد (واشنطن) الأميركي للأبحاث، أن خلال السنوات الماضية، اختلطت الجدالات بشأن المخصّصات والاقتطاعات بأسئلة أوسع نطاقًا ارتبطت بمبدأ الاتحادية: هل يتمتع الإقليم بالصلاحية القانونية للتنقيب عن النفط وتسّويقه ؟.. وماذا يجب أن تكون حصة الفرد الواحد من الإنفاق غير السّيادي؛ في ظل عدم وجود إحصاء رسمي للسكان ؟.. وما هي النسّبة التي يجب تخصيصها للنفقات غير السّيادية من الميزانية ؟
واعتبر التقرير الأميركي؛ أن: “لدى كل فصيل من فصائل العراق دوافعه الخاصة والقوية لتمرير ميزانية العام الحالي في أقرب وقتٍ ممكن”، مشيرًا إلى أن: “الاستثمارات ماتزال مجّمدة في وقتٍ كانت فيه أسعار النفط مرتفعة، وتراكمت الاحتياطيات الاتحادية لتُسّجل حاليًا مسّتوى ضخمًا يبلغ: 115 مليار دولار، نظرًا لعدم إقرار موازنة 2022”.
براغماتية “بغداد”..
وأوضح التقرير، أن: “الفصائل كافة تتوق الآن للاستفادة من الميزانية الناتجة التي ستكون أكبر من المعتاد، والتي من المتوقع أن تشمل: 152 مليار دولار من الإنفاق، أي بنسّبة: 50% كاملة من ميزانية 2021”. وبالتالي، فإن تخصيص حصة للكُرد يكون في متناول الجميع هذا العام، ويمكن تلبية احتياجات الإنفاق في “إقليم كُردستان”؛ (وإن كان ذلك بالكاد)، دون التركيز على الجهات المستفيدة الأخرى.
ولفت تقرير المعهد الأميركي إلى أن هناك مسّائل ما تزال تتطلب التفاوض حولها، ومن الناحية التطبيقية، ما يزال يتعيّن اتخاذ الكثير من القرارات، حيث أنه من أهم المسّائل العالقة هي التسّويق لكميات النفط التي يُنتجها الإقليم؛ البالغة: 400 ألف برميل يوميًا وطريقة إدارة الإيرادات المحققة.
ورأى أن “بغداد” كانت وضعت في الماضي مخططات مفرطة التعقيد للإقليم كي تُرغمه على تسّليم كامل صادراته النفطية أو جزءٍ منها إلى السلطات الاتحادية في “ميناء جيهان” على الساحل التركي، حيث ينتهي مسّار خط الأنابيب بين “العراق” و”تركيا”.
ولفت التقرير الأميركي؛ إلى أن: “هذه المرة يبدو أن بغداد ستكتفي بانتهاج مقاربة أكثر براغماتية، حيث أنه وفقًا لبنود مشروع الميزانية الحالي، سيسّوق الإقليم نفطه ويودع الإيرادات في حساب مصرفي يمكن للمسؤولين الاتحاديين مراقبته، وبعد ذلك؛ ستقوم بغداد بخصم ذلك المبلغ من مخصّصاتها الشهرية للإقليم، مع تحويل أي فائض من الأموال المسّتحقة للكُرد”.
إلا أن مفعول هذا الترتيب سيّسري لعامٍ واحد فقط، وربما نصف عام فقط من الناحية العملية بالنظر إلى أن وضع اللمسّات الأخيرة على الميزانية قد يسّتغرق بضعة أشهر أخرى، بالتالي لا يمكن فرض نظام أكثر استدامة قبل أن يُقر “العراق” قانونًا اتحاديًا للنفط والغاز، وربما قانون تقاسّم العائدات أيضًا”، وفق التقرير الأميركي.
اتفاق النفط..
ورأى التقرير أن من خلال تسّوية قانونية فقط على هذا المسّتوى قد تكون كافية لإعادة النظر في قرار “المحكمة الاتحادية العُليا”؛ الصادر في شباط/فبراير 2022، والقاضي بعدم دستورية صادرات نفط الإقليم، وإلا سيبقى “قانون النفط والغاز”؛ الذي أقرته حكومة الإقليم العام 2007؛ والعقود الاستثمارية ذات الصلة غير شرعية.
وبالإضافة إلى ذلك؛ اعتبر التقرير أنه يتحتم على “بغداد” وحكومة الإقليم والمحافظات الأخرى المنتجة للنفط، الاتفاق على بضعة أمور أخرى إذا كانوا يأملون في تسّهيل مزيد من التقدم في هذه القضايا بعد اتفاق ميزانية العام 2023، من بينها: “تَشارك الإيرادات وفق معادلة ثابتة”.
تأسيس “سكومو”..
وإلى جانب تحديد حصة الفرد في الإقليم من النفقات غير السّيادية، فإن على “بغداد” أن تحسّم الجدل بشأن النفقات السّيادية وغير السّيادية، وبالتالي عليها تحديد حجم: “قالب الحلوى”؛ الذي سيحصل منه الإقليم على قطعة، بحسّب تقرير معهد (واشنطن).
ورأى التقرير الأميركي، أن هذا الإجراء يجب أن يتم حتى لا يُثير اتفاق مماثل الاستياء في أوساط قواعد الناخبين غير الكُرد، فمن الأفضل أن تضم الحكومة محفزات تعويضية إلى مشاريع الوزارة التنفيذية في جنوب “العراق”؛ الغني بالنفط لعامي: 2023 و2024.
وحثّ معهد (واشنطن)؛ بحسّب تقريره، على: “إدخال تغييّرات تدريجية على تسّويق النفط”، مردفًا بالقول: “يتحتم على الإقليم تسّويق نفطه لتسّديد ديونه المسّتحقة إلى التجار التي تصل قيمتها إلى: 3.5 مليارات دولار، حيث يبدو أن بغداد غير راغبة في تحمل هذه المتأخرات”.
وذكر أن: “بعد تسّديد هذه الديون، يمكن التوصل إلى ترتيب لتسّويق النفط بشكلٍ مشترك على غرار تطبيق الاقتراح الذي يُطرح مرارًا بشأن إنشاء شركة تسويق النفط العراقية والكُردية (سكومو)”.
وحذر التقرير الأميركي؛ من أن: “أي تغييّر في العقود الدولية و(جميعها تقريبًا مدوّنة في القانون الإنكليزي للتحكيم في المحاكم الأجنبية)، قد يؤدي إلى الكثير من الدعاوى القضائية التي من شأنها الإضرار بمستوى صداقة العراق مع المستثمرين”.
ولهذا؛ شدّد التقرير، على ضرورة: “أن يُستثّني أي قانون نفط وغاز جديد، بنود العقود الحالية الموقّعة بموجب (قانون النفط والغاز الكُردستاني لعام 2007)”.
وزاد: “إذا تم تأسيّس شركة النفط الإقليمية الكُردية المقترحة كشركة مشتركة بين وزارتي النفط الاتحادية والكُردية، فيجب أن تُمنح السلطة المحلية الكاملة للموافقة على الخطط والميزانيات السنوية لتطوير الحقول”.
إصلاحات “كُردستان”..
وإلى جانب ذلك؛ شدّد التقرير الأميركي، على ضرورة: “إجراء إصلاحات اقتصادية في الإقليم، فعلى الرغم من الحصة الكبيرة المخصصة لكُردستان من الميزانية الوطنية الضخمة، بالكاد سيتمكن الإقليم من إرساء التوازن في ميزانيته الإقليمية لهذا العام”.
ورأى أن: “من المحتمل أن يكون الوضع أفضل في السنوات المقبلة، لذلك على حكومة الإقليم الاستعداد من خلال إجراء إصلاحات اقتصادية على غرار تقليص الإعانات، وزيادة أوجه الكفاءة، ونقل موظفي القطاع العام إلى القطاع الخاص”.
وعلى الصعيد السياسي، قال التقرير إن: “الفضل يعود للجهات الفاعلة الدولية، بقيادة الولايات المتحدة، في حلحّلة المسّألة بعد حثّها الأحزاب الرئيسة في إقليم كُردستان على إظهار قدرٍ أكبر من المرونة بشأن القضايا الكُردية المحلية ووحدة أكبر في تعاملاتها مع بغداد”.
وختم المعهد الأميركي التقرير؛ بالتشّديد على ضرورة مواصلة هذه المسّاعي بالحدّة ذاتها إلى أن يتم التصديق على “قانون النفط والغاز”؛ فالتراخي الآن قد يؤدي بسرعة إلى تجدّد الخلاف بين الكُرد الذي قد يقضي على احتمال توقيع اتفاق تاريخي.