6 أبريل، 2024 9:45 م
Search
Close this search box.

معارك “الشيخ جراح” تفضح الإعلام الغربي .. تغطية بحسب المقاييس “الصهيونية” !

Facebook
Twitter
LinkedIn

وكالات : إعداد – محمد البسفي :

دعنا نتخيل تقريرًا إعلاميًا، من زمن الحرب؛ مكتوبًا كما يلي: “في 26 نيسان/أبريل 1937، اشتبك سكان بلدة غرنيكا في إقليم الباسك الإسباني مع طائرات حربية ألمانية؛ ألقت ذخائر شديدة الانفجار وقنابل حارقة. دُمرت البلدة في سياق (الصراع) وقُتل أكثر من 1600 شخص”. من الواضح أن هذه السطور لن يكتبها شخص عاقل، لأن علاقة القوة بين أجساد البشر والقنابل المحمولة جوًا غير متكافئة بالمرّة.

مع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالنزاع “الإسرائيلي-الفلسطيني” – وهو في حد ذاته تعبير ملطف عن حرب “إسرائيل” المستمرة على الفلسطينيين -، لا تفوت وسائل الإعلام الغربية أي فرصة لوصف الحرب الوحشية من جانب واحد على أنها: “اشتباكات” و”تبادل عنف”. بحسب “بيلين فيرنانديز”، مؤلفة كتاب (رسول الإمبريالية: توماس فريدمان أثناء عمله)، والكاتبة الصحافية.

خذ على سبيل المثال مسيرة العودة الكبرى، المظاهرات السلمية التي انطلقت في “قطاع غزة”، في آذار/مارس 2018. موضحة “فيرنانديز”، في مقالها التحليلي في صحيفة (ميدل إيست آي)، أنه وفقًا لـ”الأمم المتحدة”، قتل الجيش الإسرائيلي: 214 فلسطينيًا – بينهم 46 طفلاً -، وأصاب أكثر من: 36100 شخص. و”خلال الفترة ذاتها، قُتل جندي إسرائيلي واحد وجُرح سبعة آخرون”. ملخص كل تلك الأحداث في الإعلام الغربي: كانت هناك: “اشتباكات” بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

مصطلحات “القوالب الجاهزة” !

حاليًا، أتاحت عمليات التطهير العرقي الإسرائيلية، في “القدس الشرقية” المحتلة، لوسائل الإعلام الغربية؛ فرصة أخرى لاستعمال مفرداتها المفضلة في تغطية الأحداث على الإطلاق. يواجه 40 فلسطينيًا، بينهم: 10 أطفال، حاليًا عمليات إخلاء قسري من منازلهم في: “حي الشيخ جراح”، بـ”القدس الشرقية”، لفسح المجال لقدوم مزيد من المستوطنين اليمينيين، في حملة جديدة من حملات التهجير القسري للعائلات الفلسطينيين، والمستمرة، منذ سنة 1948.

ولم تكتف الشرطة الإسرائيلية بذلك، بل ردت على المتظاهرين في “الشيخ جراح” بعدة طرق، من بينها مهاجمتهم على ظهور الخيل وإلقاء الغاز المُسيل للدموع ورشهم بـ”مياه الظربان”، وهو إبتكار إسرائيلي وُصف بأنه: “أسوأ من مياه الصرف الصحي”. علاوة على ذلك، اعتدت قوات الأمن الإسرائيلية على المصلين في “المسجد الأقصى”، وأطلقت الأعيرة المطاطية والقنابل الصوتية، مما أدى إلى إصابة المئات بجروح.

لكن بالنسبة لوسائل الإعلام، كانت تلك مجرد اشتباكات. نقرأ في تقارير بصحيفة (واشنطن بوست) وعلى موقع (أي. بي. سي. نيوز)؛ وفي صحيفة (الغارديان)، وفي (فوكس نيوز)، ومرة ​​أخرى في (واشنطن بوست)، أن ما يحدث هو صدامات وتبادل عنف. من جانبها، تتحدث (بي. بي. سي)؛ عن: “اشتباكات” و”مواجهات”، مع الإصرار على أن الشرطة الإسرائيلية كانت: “ترد” على الاستفزازات الفلسطينية؛ بإطلاق القنابل الصوتية وما شابهها، (تمامًا مثلما تردّ “إسرائيل” أحيانًا وتقتل آلاف المدنيين في غزة مثلاً).

في غضون ذلك، أشار مقال نشرته صحيفة (نيويورك تايمز)، في 7 أيار/مايو 2021، إلى: “مواجهات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين فلسطينيين”، ونقلت عن “وزارة الخارجية” الإسرائيلية قولها إن: “السلطة الفلسطينية والإرهابيين الفلسطينيين يحوّلون نزاعًا عقاريًا خاصًا إلى قضية قومية من أجل التحريض على العنف في القدس”.

في الواقع، تعكس أحداث “الشيخ جراح” طبيعة: “الصراع” (الإسرائيلي-الفلسطيني) برمته: “نزاع عقاري” يقوم فيه الطرف، الذي اغتصب بالقوة الجزء الأكبر من الأراضي الفلسطينية سنة 1948 ـ والذي يواصل احتلال بقية الأراضي بشكل غير قانوني ـ، بتصنيف الفلسطينيين على أنهم إرهابيون، بهدف تبرير ما يمارسه ضدهم من إرهاب وقتل وتهجير (عفوًا، “الاشتباك” معهم).

نشر الروايات الإسرائيلية..

منذ البداية، كان نجاح المشروع الإسرائيلي مبنيًا على سياسة التطهير العرقي، وهي السياسة نفسها المتبعة في الوقت الحالي، في “الشيخ جراح”. لكن ليس من وظيفة (نيويورك تايمز) والمنابر الإعلامية المشابهة، اختزال الحقائق التاريخية وسياسة التهجير الممنهجة التي تُمارسها “إسرائيل”، وتصوير ما يحدث على أنه مجرد اشتباكات محلية.

من خلال الاستشهاد بتصريحات “وزارة الخارجية” الإسرائيلية، دون توضيح مدى سخافتها، تساعد صحيفة (نيويورك تايمز) على نشر الرواية الإسرائيلية وتبرير سياسات الاحتلال. على سبيل المثال، تخيل للحظة أن “وزارة خارجية غواتيمالا” أصدرت بيانًا تدعي فيه أن فيروس (كورونا) انتقل عن طريق وحيد القرن، ثم تخيل أن هذا البيان نُشر في إحدى الصحف الأميركية الأكثر مبيعًا، دون الإشارة إلى مدى سخافة ذلك الإدعاء. إذا استطعت فهم هذه المقاربة، ستُدرك ما يواجهه الفلسطينيون فيما يتعلق بالتغطية الإعلامية العالمية للأحداث.

إذا كانت وسائل الإعلام مهتمة فعلاً بقول الحقيقة، فإن قضية “الشيخ جراح” تكشف بشكل كامل عن حجم النفاق والخداع الذي يمارسه الإسرائيليين. من بين التبريرات المزعومة لطرد العائلات الفلسطينية، التي أقامت في الحي منذ خمسينيات القرن الماضي، هو أنه في القرن التاسع عشر، ورد أن مؤسستين يهوديتين اشترتا جزءًا من المنطقة من ملاك عرب، وذلك حسب إدعاءات الصهاينة.

اقترح نائب رئيس بلدية الاحتلال في “القدس” المحتلة، “أرييه كينغ” – وهو الذي ظهر مؤخرًا في مقطع فيديو معربًا عن استيائه من أنه لم يُطلق النار على رأس ناشط فلسطيني – نظرية تقول: “إذا كنت مالك العقار، وكان أحدهم يعيش بشكل غير قانوني في ممتلكاتك، أليس لك الحق في إخراجه منها ؟”.

التغطية الأكثر تطرفًا..

إذا نظرنا إلى مئات الآلاف من الفلسطينيين، الذين طردتهم “إسرائيل” من ممتلكاتهم، سنة 1948، وملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين يُحرمون حاليًا من حق العودة، فإن هناك الكثير من الأشياء التي يجب على وسائل الإعلام أن تنقلها بعيدًا عن الصدامات والاشتباكات، لكن ذلك لن يحدث إلا عندما تكون إرادة حقيقية لنقل الصورة الكاملة.

في الواقع، هناك بعض المتابعات الإعلامية الأكثر تطرفًا، والتي تبدو التغطية الغربية متوازنة بالمقارنة معها. وقد وصف التقرير الأخير الذي نشرته صحيفة (إسرائيل هايوم)، بقلم “كارولين بي غليك”، ما يحدث في “حي الشيخ جراح”؛ بأنه: “برميل بارود بإذن من واشنطن”.

ووفقًا لـ”غليك”، فإن الرئيس الأميركي، “جو بايدن”، والديمقراطيين؛ لا يدعمون الإرهابيين في أنحاء الشرق الأوسط فحسب، بل هناك: “هجوم فلسطيني غربي منسق مناهض لسيطرة إسرائيل على القدس”.

وترى “غليك” أن النشطاء الفلسطينيين ارتكبوا: “عملاً شيطانيًا”، عندما أضافوا ترجمة باللغة الإنكليزية إلى مقطع فيديو يُصور شرطيًا إسرائيليًا، في “الشيخ جراح”، وهو يُثبت فلسطينيًا على الأرض، وهو يقول: “أنت تخنقني”. وحسب “غليك”، فإن: “الغرض من الفيديو واضح، حيث يسعى الفلسطينيون إلى أن يقارنوا بين مقتل، جورج فلويد، في مينيابوليس، وممارسات سلطات إنفاذ القانون الإسرائيلية في القدس. وقد نجحوا في ذلك”.

لذلك، لم تُعد الجريمة؛ هي التهجير والتطهير العرقي، أو وابل الرصاص المطاطي، أو الاعتداء على المتظاهرين، بل إضافة الترجمة الإنكليزية إلى مقطع الفيديو. وبما أن وسائل الإعلام الأميركية، التي تتبنى رواية “تل أبيب”، عن الأحداث، لم تُظهر أي مؤشرات على تغيير خطها التحريري، فإن أي وسيلة لا تلتزم بهذا الخط ستحدث الفرق بكل تأكيد.

إشكالية اللغة الإعلامية..

أما “آليكس ماكدونالد” فيرى أن؛ هناك القليل من المواضيع التي يمكن أن تُثير المشاعر مثلما يفعل الصراع “الإسرائيلي-الفلسطيني”، وهناك انقسام حاد بشأن المصطلحات المستخدمة في وصف ما يحدث على الأرض.

فمنذ بداية التصعيد الأخير في المنطقة، لجأ العديد من النشطاء الفلسطينيين إلى منصات التواصل الاجتماعي؛ لانتقاد اللغة التي تستخدمها بعض وسائل الإعلام، وعدد من السياسيين، لوصف الوضع في “إسرائيل” والأراضي الفلسطينية المحتلة.

ويرصد الكاتب الصحافي، “آليكس ماكدونالد”، في مقال له بعنوان: “النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني.. إشكاليات المعجم المستخدم في الإعلام”، الذي نشر على موقع صحيفة (ميدل إيست آي)، أن الفلسطينيون ينتقدون اللغة التي يبدو أنها تساوي بين الأطراف غير المتكافئة، لا سيما استخدام مصطلحات مثل: “الاشتباكات”، أو الإشارة إلى: “العنف”، دون تحديد الفاعل أو الأسباب أو الأهداف.

مصطلحات غير عادلة..

في قضايا أخرى، يمكن للغة وسائل الإعلام أن تنحرف إلى استخدام مصطلحات تُروج لنظريات المؤامرة أو عبارات لا إنسانية.

ويلخص ناشط فلسطيني مخاوف بعض المراقبين من المصطلحات المستخدمة في وصف أحداث “القدس”، من خلال: “تصحيح” عنوان رئيس في صحيفة (نيويورك تايمز). وفيما يلي بعض المصطلحات والمفاهيم التي أثارت الجدل :

اشتباكات” !

من أكثر المصطلحات التي ظهرت في التقارير الإعلامية، حول أحداث العنف في “القدس”، والأحداث السابقة في: “إسرائيل” و”فلسطين”، مصطلح: “الاشتباكات”.

ما يعنيه هذا المصطلح؛ هو اندلاع نزاع بين طرفين. ويصف (قاموس أوكسفورد) الإنكليزي، هذا الفعل؛ بأنه: “دخول طرفين في صدام عنيف”.

انتقد العديد من النشطاء، المؤيدين لـ”القضية الفلسطينية” المصطلح؛ لأنه يُشير ضمنًا إلى درجة من المساواة في استخدام العنف، وأن المسؤولية تقع على كلا الجانبين بشكل متساو. ورغم وجود بعض الحالات التي قام فيها النشطاء الفلسطينيون بإلقاء الحجارة على الشرطة الإسرائيلية، إلا أن أجهزة الأمن الإسرائيلية كانت مدججة بالسلاح ومدرعة، وارتكبت جميع أعمال العنف تقريبًا، خلال الأحداث الأخيرة.

إن استخدام مصطلح: “الاشتباكات”، بالمعنى السلبي، يعني عدم إلقاء المسؤولية على طرف واحد، وإلقاء اللوم ضمنيًا بالتساوي على كل المتورطين. وحتى إذا تجاهلنا عدم وجود عنف في كثير من الحالات، من جانب الناشطين الفلسطينيين، فإن استخدام مصطلح: “الاشتباكات”؛ يحجب طبيعة العنف المُسلط من جانب واحد، ويُكرس ما يُشار إليه: بـ”كلا الجانبين”. ويمكن طرح انتقادات مماثلة بشأن مصطلحات أخرى مثل: “الاضطرابات” و”أعمال الشغب”.

الصراع“..

بمعنى مشابه لمصطلح: “الاشتباكات”، يمكن أن يُشير استخدام مصطلح: “الصراع”، مرة أخرى، إلى التكافؤ في استخدام العنف بين الفلسطينيين وأجهزة الأمن الإسرائيلية.

بشكل عام، فإن استخدام مصطلح: “الصراع”؛ له تاريخ طويل في المنطقة، فعلى امتداد عقود، كان يُشار إلى ما يحدث في الشرق الأوسط بمصطلح: “الصراع: (العربي-الإسرائيلي)”.

لا يزال هذا المصطلح شائعًا بين الإسرائيليين اليمينيين، والذي يعني أن العالم العربي، بالكامل، في حالة حرب مع دولة “إسرائيل” الصغيرة، ويحجب ذلك محنة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، فضلاً عن تجاهل العلاقات الدبلوماسية بين “إسرائيل” وعدد من الدول العربية.

على الرغم من أن مصطلح: “الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني”؛ يُعتبر أقل غموضًا، إلا أنه يساوي بدوره بين الجانبين في المسؤولية؛ عما يحدث وطبيعة العنف المستخدم.

نزاع على الملكية”..

اعتبر عدد من السياسيين ووسائل الإعلام؛ أن ما يحدث، في “حي الشيخ جراح”؛ هو: “نزاع على الملكية”. وعلى الرغم من أن هذا الأمر قد يكون صحيحًا، بالمعنى الحرفي، إلا أنه يُقلص بشكل كبير من أهمية السياق العام للأحداث، كقضية سياسية وإنسانية ملحّة، ويصوّرها بأنها مجرد نزاع قد يحدث بين مالك ومستأجر في “باريس” أو “لندن” أو “إسطنبول”.

يستند قرار إخلاء 40 فلسطينيًا، من الحي، إلى حقيقة أن العائلات استقرت هناك، سنة 1956، بعد طردها مما يُعرف الآن دوليًا باسم: “إسرائيل”. تم بناء المنازل التي يعيشون فيها حاليًا بمساعدة وكالة “الأمم المتحدة”، لتشغيل اللاجئين، (الأونروا)، في الوقت الذي كانت فيه “القدس الشرقية” تحت إشراف السلطات الأردنية.

خلال الستينيات، وافقت العائلات على إبرام صفقة مع الحكومة الأردنية؛ تُخوّل لهم امتلاك الأراضي والمنازل، وكان الاتفاق يُنص على أنهم سيحصلون على صكوك ملكية رسمية للأراضي، موقعة بأسمائهم، بعد ثلاث سنوات.

لكن الصفقة أُلغيت، سنة 1967، عندما احتلت “إسرائيل”، “القدس الشرقية”. ويُحابي القانون الإسرائيلي، المستوطنين، من خلال السماح لليهود فقط بالمطالبة بالممتلكات التي يقولون إنهم يمتلكونها، قبل سنة 1948، بينما يحرمون الفلسطينيين من الحق نفسه.

بالتالي، هناك فعلاً: “نزاع” حول الملكية، لكن مناقشته باستخدام مثل هذه المصطلحات يعني أنه ليس أكثر من مجرد مسألة قانونية عادية، وليس قضية فريدة من نوعها لها سياق تاريخي محدد. كما أن استخدام مصطلح: “عمليات الإخلاء”؛ له تأثير مماثل، حتى لو كان دقيقًا بالمعنى الحرفي للكلمة.

متطرف” و”إرهابي”..

غالبًا ما يتم استخدام مصطلحي: “إرهابي” و”متطرف”، في وصف ما يحدث بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حيث تُشير وسائل الإعلام الإسرائيلية، باستمرار، إلى أعمال العنف المزعومة من طرف الفلسطينيين؛ على أنها أعمال: “إرهابية”. على الرغم من أن المصطلح أقل شيوعًا في وسائل الإعلام الغربية، إلا أنه يُستخدم في بعض وسائل الإعلام اليمينية.

السبب الذي يجعل استخدام مصطلح: “إرهابي”؛ مثيرًا للجدل في وسائل الإعلام الغربية، هو موضوع أكبر من ذلك بكثير. تتجنب وكالات الأنباء الكبرى مثل: (رويترز)، استخدام المصطلح، قائلة إنه ينتهك مبدأ: “الحيادية”. وفي سياق أحداث “القدس”، يُساهم هذا المصطلح في ترويج رواية أجهزة الأمن الإسرائيلية.

بالنسبة لمعظم دول العالم، “الإرهابي”؛ هو الشخص الذي ينخرط في أعمال عنف عشوائية ضد المدنيين، وتقفز للذهن مباشرة العمليات التي يشنّها “تنظيم الدولة” وتنظيم (القاعدة). يعمل مثل هذا الخلط بين النشطاء الفلسطينيين، أثناء احتجاجاتهم السلمية أو إلقاء الحجارة على أقصى تقدير، وهجمات 11 أيلول/سبتمبر أو عمليات “تنظيم الدولة”، على نزع الشرعية عن “القضية الفلسطينية” وينطوي على تعطش إسرائيلي لإراقة الدماء.

ربما يكون مصطلح: “متطرف” أكثر خطورة، ففي معظم الأوقات يكون معنى هذا المصطلح غير واضح. على سبيل المثال، تعتبر العديد من الإيديولوجيات السياسية متطرفة، لأنها تختلف عما يُمثّل السياسة السائدة، لكن يبقى المصطلح ذاتيًا في نهاية المطاف.

“الصهيونية”..

أعرب العديد من المعلقين اليهود؛ عن عدم إرتياحهم لاستخدام مصطلح: “الصهيونية” أو “الصهيوني”، عند الحديث عن الممارسات الإسرائيلية. يُشير هذا المصطلح، الذي ظهر خلال القرن التاسع عشر، إلى الحركة السياسية من أجل إنشاء وطن لليهود. ظهرت تجسيدات مختلفة للصهيونية، منها الفكرة اليسارية التي تتبنى إقامة دولة اشتراكية ثنائية القومية في “فلسطين” التاريخية، والأصولية الدينية اليمينية التي تدعو إلى بناء دولة قائمة على قوانين “الهالاخاه” اليهودية، التي تستبعد غير اليهود من حقّ الحصول على المواطنة.

لكن خلال القرن الماضي، استخدمت الجماعات اليمينية المتطرفة، المعادية للسامية، مصطلح الصهيونية كجزء من نظريات المؤامرة المعادية لليهود، إذ افترض هؤلاء أن “الصهيونية” ليست مجرد حركة سياسية لاحتلال “فلسطين” التاريخية، بل هي جزء من خطة أوسع للسيطرة على العالم. وتُشير أسطورة النازيين الجدد الشهيرة؛ إلى: “حكومة الاحتلال الصهيوني”، وهو مصطلح يستخدم لوصف عصابة يهودية سرية يُزعم أنها تدير معظم الحكومات الغربية.

يوّضح التعريف السطحي الذي يقدّمه محرك بحث (غوغل)؛ لمصطلح: “معاداة الصهيونية”، سبب هذه المشكلة، إذ شملت النتائج موقع “الشبكة اليهودية المناهضة للصهيونية”، وهي مجموعة من اليهود اليساريين المؤيدين لـ”القضية الفلسطينية”، على الرغم من أن النتائج قد شملت أيضًا، “رابطة مكافحة الصهيونية”، وهي من منظمات النازيين الجدد. وقد أدى ذلك إلى شعور الكثيرين بعدم الإرتياح عند استخدام مصطلح: “الصهيوني”، لا سيما عندما يكون ذلك في سياق نظرية المؤامرة.

“الإسلام”..

رغم أن الأحداث وقعت في “القدس”، خلال شهر رمضان، وطالت المصلين في “المسجد الأقصى”، لكن الصراع في حقيقته ليس دينيًا بالأساس. يبذل عديد المسيحيين والعلمانيين الفلسطينيين قصارى جهدهم في الدفاع عن “المسجد الأقصى” ومعارضة الإجراءات المفروضة ضد عائلات “الشيخ جراح”.

تحتل “القدس الشرقية” و”المسجد الأقصى”؛ مكانة دينية كبرى، ولهما في الوقت ذاته قيمة وطنية محورية لدى الفلسطينيين من جميع الأديان والإيديولوجيات السياسية. ورد الحديث عن “القدس الشرقية”، كعاصمة مستقبلية لـ”الدولة الفلسطينية”، من القادة السياسيين العلمانيين والمسيحيين واليساريين، على مدى القرن الماضي؛ بقدر ما ورد عن الإسلاميين.

عملت بعض وسائل الإعلام، بالإضافة إلى عدد من المؤيدين والمعارضين لـ”القضية الفلسطينية”؛ على حد سواء، على تصوير الوضع في “القدس” على أنه صراع بين “الإسلام” و”اليهودية”، وبين المسلمين واليهود. لكن هذا الوصف غير دقيق، ويمكن أن يساهم في انتشار “معاداة السامية” و”الإسلاموفوبيا”.

“عربي”..

منذ القرن التاسع عشر، ناقش المفكرون والسياسيون والناشطون، العلاقة بين الهوية الفلسطينية والهوية العربية. وتُعتبر الهوية والعرق من البنى الاجتماعية التي تتغير باستمرار.

في ذروة “الحركة القومية العربية”، التي امتدت من الخمسينيات إلى السبعينيات، دعم العديد من القادة السياسيين الفلسطينيين، على غرار “ياسر عرفات” و”جورج حبش”، “الحركة القومية العربية”، وجعلوا من الكفاح ضد “إسرائيل” جزءًا من النضال الأوسع من أجل الوحدة العربية والاستقلال.

في العقود الأخيرة، ومع انحسار “القومية العربية”، تبوّأت “حركة التحرير الفلسطينية” مكانة محورية، وأصبح فلسطينيو الشتات والأراضي المحتلة وفلسطينيو الداخل؛ يرون أنهم أولاً وقبل كل شيء: “فلسطينيون”.

لذلك؛ فإن استخدام مصطلح: “عربي”، لوصف الفلسطينيين يحمل دلالات عدّة. يبدو هذا جليًا في وسائل الإعلام الإسرائيلية، وخاصة وسائل الإعلام اليمينية، التي تُشير إلى جميع الفلسطينيين الذين يعيشون بين “نهر الأردن” و”البحر الأبيض المتوسط”، على أنهم: “عرب”، مما يُشير ضمنيًا إلى زيف الهوية الفلسطينية، وأن إرتباطهم بالأرض ظرفي.

كما ينطوي ذلك – على نحو مُثير للسخرية – على معنى مفاده أن الفلسطينيين هم مجرد امتداد للعالم العربي، وبالتالي فإن: “إسرائيل”، هي الضحية بحكم تفاوت التعداد السكاني والموقف العربي الموحد ضدهم.

غالبًا ما يتم التمييز أيضًا بين: عرب “إسرائيل” والفلسطينيين، أي الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، وأولئك الذين يعيشون في الأراضي المحتلة. في ظل الاختلافات من حيث الحقوق ومستويات المعيشة، يتباهى بعض الفلسطينيين، في “إسرائيل”، بهويتهم الإسرائيلية، لكنّ غالبية المواطنين الفلسطينيين، في “إسرائيل”، يعرّفون أنفسهم، أولاً وقبل كل شيء، على أنهم “فلسطينيون”. على سبيل المثال، تتضامن أكبر مدينة فلسطينية في “إسرائيل”، “الناصرة”، مع متظاهري “الشيخ جراح” و”الأقصى”، في الأيام الأخيرة.

هيكل سليمان والمسجد الأقصى والحرم الشريف”..

لا يعتبر النزاع “الإسرائيلي-الفلسطيني”، دينيًا بالأساس، لكن الدين يلعب دورًا رئيسيًا في جزء واحد من “القدس”، أي البلدة القديمة التي تضم “المسجد الأقصى” و”قبة الصخرة” و”حائط المبكى”.

يصطلح اليهود على تسميته، بـ”البيت المقدس”، للدلالة على موقع معبدين توراتيين قديمين، والموقع الذي يتجلى فيه: “الوجود الإلهي” الأقوى على وجه الأرض. يقال إن “حائط المبكى”، الذي يُصلي فيه اليهود، هو أحد الأجزاء الأخيرة المتبقية من الهيكل الثاني.

يصطلح المسلمون على تسمية المكان: بـ”الحرم الشريف”، ويضم: “المسجد الأقصى”، الذي يُعدّ أحد أقدس ثلاثة مساجد في الإسلام، ويضم: “قبة الصخرة” ومواقع إسلامية الأخرى.

تحاول العديد من وسائل الإعلام تجنب أي استفزاز عند اعتماد تسمية دون أخرى، من خلال توضيح الفروق بين المسمى اليهودي والمسمى الإسلامي، ولكن من الوارد جدًا أن تنحرف الأمور عن المسار الطبيعي.

منذ احتلال “إسرائيل”، لـ”القدس الشرقية”، سنة 1967، يُطالب نشطاء إسرائيليون متدينون ببناء الهيكل الثالث في الموقع، وهم يدعون أنّ ذلك يُمهد لقدوم “المسيح” ويتطلب هدم “المسجد الأقصى”. ومع ذلك، لم يؤيد أي من القادة الإسرائيليين هذه الفكرة علنًا، وسط مخاوف من رد فعل عنيف من العالم الإسلامي.

لكن في العقود الأخيرة، شنت مجموعات من المستوطنين اليهود، حملات لرفع الحظر المفروض على صلاة اليهود في المكان. في ظل: “الوضع الراهن”، كما يُطلق عليه، هناك اتفاق بين: “إسرائيل” والسلطات الأردنية، التي تُشرف على “المسجد الأقصى”. يسمح الاتفاق، لليهود، بزيارة الموقع، لكن دون الصلاة فيه. هذا الموقف مدعوم، حتى يومنا، من قبل الحاخامية الرئيسة في “القدس”.

يطالب بعض النشطاء؛ بالسماح لليهود بالصلاة في المكان على أساس المساواة الدينية.

من السهل هنا اتهام المسلمين بالشوفينية، فهم يمنعون اليهود من الوصول إلى أقدس مواقعهم، لكن في ذلك تجاهل لحقيقة استيلاء “إسرائيل”، على “القدس الشرقية” واستمرار احتلال الأراضي الفلسطينية. ويُنظر إلى “الحرم الشريف” باعتباره أهم رمز للسيادة الفلسطينية، وأنه خط أحمر لا يمكن تجاوزه.

لو تخيلنا دولة يعيش فيها الإسرائيليون والفلسطينيون، كمواطنين متساوين تمامًا، يمكن عندئذٍ مناقشة هذه النقطة في صلب الحقوق الدينية واللاهوت، ولكن في السياق الحالي، تُملي الظروف ما يحدث على الأرض.

الترجمة: (نون بوست).

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب