21 مارس، 2024 11:10 ص
Search
Close this search box.

معارك “أمراء الطوائف” تدخل مرحلة الجد .. “حزب الله” في مواجهة “السعودية” على أرض لبنان !

Facebook
Twitter
LinkedIn

وكالات – كتابات :

أربع سنوات مضت على آخر انتخابات برلمانية في “لبنان”، ومنذ ذلك الحين تغير الكثير في البلاد؛ فقد عصفت انتفاضة تشرين أول/أكتوبر عام 2019؛ بحكومة “سعد الحريري”؛ وذلك على خلفية التدهور الاقتصادي، وسوء الإدارة الحكومية للموارد، وتحديدًا لملفي الكهرباء والمياه.

خرجت المظاهرات مُطالبة بوضع حدٍ للفساد المستشري في البلاد، وبتطهير المشهد السياسي من الفاسدين، وإصلاح نظام الحكم، وعلى إثرها جرى تعيين؛ “حسان دياب”، رئيسًا للوزراء، والذي شهدت حكومته كارثة انفجار “مرفأ بيروت”؛ في آب/أغسطس 2020، وهي إحدى أكبر الكوارث في تاريخ “لبنان” الحديث؛ إذ أسفر عن مقتل أكثر من: 200 شخص، وإصابة حوالي: 07 آلاف آخرين، وخسائر بقيمة: 15 مليار دولار.

واستقالت حكومة “دياب” بعد الكارثة، ولكنها قبعت في المباني الرسمية باعتبارها حكومة تصريف أعمال، بعدما عجزت البلاد عن تشكيل حكومة جديدة طوال 13 شهرًا، انتهت بتولي الملياردير ورجل الأعمال؛ “نجيب ميقاتي”، رئاسة الوزراء، في أيلول/سبتمبر 2021.

وطوال فترة الشد والجذب السياسي تلك كانت أزمات الاقتصاد تتضخم بسرعة مخيفة؛ إذ تحول الانكماش الاقتصادي؛ الذي ظهر عام 2019؛ إلى إنهيار اقتصادي شبه كامل عام 2022؛ إذ تُعاني البلاد من نقص الغذاء، والوقود، والأدوية، بجانب تزايد معدلات الجرائم وانعدام الأمن، فقد أدى نقص الوقود إلى مشاهد فوضوية في جميع أنحاء البلاد.

وحذرت (اليونيسف) من أن ملايين اللبنانيين يواجهون نقصًا حادًا في المياه، ودفعت الأزمة الاقتصادية أكثر من نصف السكان إلى الفقر، بينما انخفضت قيمة العُملة اللبنانية؛ بنسبة: 90%، وانخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في “لبنان” بنسبة: 40% من ناحية القيمة الدولارية بين عامي: 2018 و2020. وفي عام 2021، واصلت “الليرة اللبنانية” انخفاضها، حتى هوت إلى مستوى منخفض جديد قدّره: 15 ألف منها مقابل “الدولار الأميركي” في السوق السوداء.

مصدر الصورة: RT

كان هذا هو السياق الذي جرت فيه الانتخابات البرلمانية اللبنانية؛ في آيار/مايو 2022. صحيح أن خبراء الشأن اللبناني لم يتوقعوا أن تُحدث هذه الانتخابات تغييرًا سياسيًا كبيرًا في البلاد؛ لأن معطيات الساحة السياسية والقوى الرابضة فيها لم تتغير، إلا أنه لم يكن هناك مفر لملايين اللبنانيين من أن يضعوا آمالهم على هذه الانتخابات في أن تُحدث أي قدر من التغيير، ولو حتى على مستوى الاستقرار الحكومي، الذي سيفتح المجال أمام تلقي المساعدات الاقتصادية الدولية، وإنعاش الأسواق الداخلية.

خسارة “حزب الله”.. تحولات سياسية ولكن..

كان هذا هو العنوان الرئيس لأغلب الأخبار والتحليلات التي غطّت الانتخابات البرلمانية اللبنانية، التي عُقدت؛ في 15 آيار/مايو 2022، وذلك بسبب خسارة (حزب الله) وحلفاءه للأغلبية البرلمانية، ففي حين حصل الحزب وحلفاؤه في انتخابات 2018؛ على: 71 مقعدًا، ضمن لهم الأغلبية، حصل في هذه الانتخابات على: 61 مقعدًا فقط، بخسارة: 10 مقاعد، يقع بعضهم في قلب مناطق النفوذ الجغرافي له.

صحيح أن الحزب لم يخسر الأغلبية لصالح تحالف معارضيه؛ (الذي جنى: 52 مقعدًا فقط)، ومازال يمتلك الأكثرية، وصحيح أنه حافظ على عدد مقاعده، هو و(حركة أمل)، 28 مقعدًا، لكن حليفه المسيحي، (التيار الوطني الحر) بقيادة رئيس البلاد؛ “ميشال عون”، خسر أمام حزب (القوات اللبنانية) المسيحية اليميني؛ المدعوم من “السعودية”، بقيادة “سمير جعجع”، إذ حصد الأخير: 20 مقعدًا في هذه الانتخابات، بزيادة قدرها خمسة مقاعد عن الانتخابات الماضية، بينما حصل حزب “عون” على: 18 مقعدًا فقط، ليُصبح “جعجع”؛ زعيم الكتلة المسيحية في البرلمان.

وفي ضوء انسحاب (حركة المستقبل)؛ بزعامة “سعد الحريري” – بشكل رسمي – من السباق الانتخابي قبل شهور، فيبدو أن حزب (القوات اللبنانية)؛ بقيادة “جعجع”، هو منْ ورث عباءة ودور الخصم الرئيس لـ (حزب الله)؛ ونفوذ “إيران” على “لبنان”.

رغم أن ميليشيا (القوات اللبنانية) كانت متورطة على نطاق واسع في الحرب الأهلية، إلا أن “جعجع” ورفاقه أعادوا؛ منذ ذلك الحين، تشكيل أنفسهم كقادة سياسيين خاضعين للمساءلة، وخالين من التورط في الفضائح التي لطخت قادة لبنانيين آخرين، ومن ثمّ فقد نفذ “جعجع” حملة حزبه في الانتخابات على الإصرار على تفكيك (حزب الله) ونزع سلاحه.

وقد شهدت هذه الانتخابات إقبالاً منخفضًا، مقارنةً بانتخابات 2018؛ إذ بلغت نسبة المشاركة: 41%، بعد أن وصلت إلى: 49% عام 2018، وهو أمر يُعيده المحللون إلى ثلاثة أسباب:

  • انسحاب “سعد الحريري” وكتلته السُنية من الانتخابات؛ مما أثر على نسبة المشاركة في مناطق المسلمين السُنة.
  • ارتبط الإمتناع عن التصويت – جزئيًا – عند بعض الفئات، بالإحباط من الطبقة السياسية والشعور بأن الوضع الاقتصادي لن يتغير.
  • يشير بعض الخبراء إلى أن (حزب الله) فشل هذه الانتخابات في حشد ناخبيه بالقدر الكافي.

الجديد في هذه الانتخابات، هو نجاح المستقلين، المنتمين إلى “تيار التغيير” المنبثق عن القوى المشاركة في مظاهرات تشرين أول/أكتوبر 2019، في حصد: 15 مقعدًا، وذلك رغم تعقيدات النظام الانتخابي اللبناني، الذي يُكبِّل أيدي المرشحين المستقلين لصالح الأحزاب والقوائم الانتخابية، وهو رقم قياسي في تاريخ الانتخابات اللبنانية، بجانب رقم قياسي آخر، وهو دخول ثماني نساء إلى البرلمان، وبناءً على ما سبق، يبدو أننا أمام “برلمان لبناني” جديد أكثر انقسامًا بشكل حاد؛ مما قد يُعقِّد مهمة تشكيل الحكومة، وعملها فيما بعد. ولكن هل هذا يعني أن (حزب الله) قد خسر حقًا ؟

لا فكاك من نفوذ “حزب الله”..

لا شك أن تراجع عدد مقاعد (حزب الله) في البرلمان؛ هي انعكاس واضح لتراجع زخم وشعبية الحزب على الأرض، وعدم نجاحه في حشد مؤيديه، ومدى هشاشة وضعف التحالفات الانتخابية التي أجراها قبل موعد الاستحقاق.

مصدر الصورة: RT

هنا نجد أن موقف الحزب في قضية تشكيل الحكومة الجديدة؛ بات أقل ضعفًا مما كان عليه في السابق، ولكن ليس ضعفًا في المطلق، فكتلته البرلمانية ما زالت تملك الأكثرية، ناهيك عن أن الخريطة البرلمانية الكاملة لن تتضح إلا بعد تشكيل الائتلافات وبدء التشريع، وغالبًا ما تستغرق عملية تشكيل الحكومة شهورًا، وقد يحصل خلالها الكثير من التنقلات وعمليات تغير الولاء التي قد تصب في صالح (حزب الله).

ومن المؤكد أن عملية تشكيل الحكومة ستكون عسيرة للغاية هذه المرة، فقد تُطالب المعارضة المسيحية، بقيادة حزب (القوات)، بإقصاء (حزب الله) من الحكومة شرطًا لمشاركتهم فيها أو التصويت على الثقة، ومع ذلك يمكن لـ (حزب الله) وحلفائه مقاطعة التصويت على الثقة لأية حكومة يعتبرونها غير ممثلة، مما يشل العملية برمتها.

كما ستؤدي الانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها في موعد أقصاه؛ 31 تشرين أول/أكتوبر 2022، إلى مزيد من التوتر، إذ ينتخب البرلمان الرئيس الماروني بأغلبية ثُلثي الأصوات، وتؤدي هذه الانتخابات عادةً إلى أزمة طويلة الأمد.

وقد جرى تمديد فترات بعض الرؤساء، في ظل شرعية مشكوك فيها؛ وغادر آخرون المكتب في الوقت المحدد، لكنهم تركوا المنصب شاغرًا، وكان من المُرجح أن يُهييء الرئيس الحالي؛ “ميشال عون”، حليف (حزب الله)، وريثه السياسي وصهره؛ “جبران باسيل” لخلافته، الذي كان من المفترض أن يرث تركة “عون” في التحالف مع (حزب الله)، لكن من غير الواضح كيف يمكن لـ”باسيل” تأمين الدعم البرلماني المطلوب. وربما تُعد هذه النقطة من أكبر خسائر الحزب الحقيقية، لكنها خسارة غير مؤكدة إلى الآن.

ولكن رغم كل ما سبق؛ يرى عدد من المحللين أن هذه الخسائر لن تؤثر على نفوذ الحزب ومكانته على الساحة اللبنانية، فالحديث حول أن تقليص حضور (حزب الله) البرلماني وتحالفاته يُقلل من قوته هو نوع من: “التفكير بالتمني”، وفق تعبير المحلل السياسي، “ديفيد هال”.

في الواقع نفوذ (حزب الله) في الانتخابات والبرلمان؛ هو مجرد نتيجة ثانوية مفيدة لهيكل سلطته الموازية خارج الدولة، القائمة على الأسلحة، والمقاتلين، والخدمات، وحركة الأموال، فالانتصارات الانتخابية تمنح (حزب الله) الشرعية والوصول من الداخل إلى سياسة التأثير، وعرقلة المعارضة، وتوجيه موارد الدولة إلى ناخبيه الشيعة، وربما تتأثر هذه الأدوات، ولكن خسارة (حزب الله) وحلفائه للأغلبية البرلمانية لن يؤثر على قوة الحزب العسكرية والاقتصادية، المتضخمة بالفعل.

“السعودية” تعود إلى الواجهة على يد “جعجع”..

في ظل أهمية العامل الخارجي في السياسة اللبنانية، فمن غير الواضح موقف القوى الإقليمية والغربية من نتائج الانتخابات حتى الآن، صحيح أن تراجع مكانة “سعد الحريري”؛ في الساحة السياسية اللبنانية، قبل انسحابه منها، قبل أشهر، قد خصم من نفوذ السعودي المناويء لـ (حزب الله)؛ في “لبنان”، لكن الاستنتاج الأولي القائم على تحليل نتائج الانتخابات، يُشير إلى نجاح الرهان السعودي على حزب (القوات اللبنانية)؛ وزعيمه “سمير جعجع”، في تولي راية المعارضة أمام (حزب الله).

يُشير هذا الوضع إلى تبدل في الموقف السعودي، فبعدما كانت “الرياض” الداعم الخارجي الأول لتيار السُنة، باتت منفتحة على كل التيارات المناهضة لـ (حزب الله)، وهنا نُشير إلى تحليل الخبير في مركز (كارنيغي) للشرق الأوسط؛ “مايكل يونغ”، الذي يرى أن الموقف السعودي قد شهد تحولًا كبيرًا منذ عودة السفراء الخليجيين إلى “بيروت”؛ في نيسان/إبريل 2022؛ إذ دعا السفير السعودي في “بيروت” شخصيات سياسية لبنانية سُنيّة بارزة إلى مأدبة إفطار رمضانية، ثم مائدة أخرى على شرف مفتي الجمهورية؛ “عبداللطيف دريان”.

وتُشير تحركات “الرياض” بوضوح إلى أن “الحريري” لم يُصبح حصرًا مركز تلقي الدعم السعودي لسُنّة “لبنان”، وأنها صارت في تواصل مباشر مع كل ممثلي السُنّة، بجانب باقي التيارات السياسية الأخرى، المسيحية والدُرزية، المناهضة لـ (حزب الله).

لذلك تُشير نتائج الانتخابات إلى نجاح نسبي لـ”السعودية” في محاولتها الحالية إلى استعادة مكانتها في “لبنان”، ومن الممكن أن يشهد المستقبل القريب زيادة في تدفق المساعدات الخليجية إلى البلاد، التي يمكن أن تُساعد في استقرار قيمة العُملة اللبنانية وتخفيف أزمة نقص الطاقة.

مصدر الصورة: رويترز

ولكن على المدى البعيد، وفي ضوء إدراك “السعودية” لقيمة المساعدات المالية – حاليًا – في إنقاذ البلاد من مضاعفات الأزمة الاقتصادية، فمن الممكن أن تستخدم هذا “الكارت” ضمن أوراق اللعب في مرحلة تشكيل الحكومة، عن طريق فرض اشتراطات تتعلق بتمثيل (حزب الله) في الحكومة، وارتباط تدفق المساعدات بتنفيذ هذه الاشتراطات، دون أن تُعلن ذلك على الملأ، وإنما من خلال ممثليها على طاولات المفاوضات السياسية.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب