وكالات – كتابات :
على مدار السنوات الماضية، صّعدت “إيران”؛ بهدوء، تطوير وبيع تكنولوجيا الطائرات بدون طيار داخل الشرق الأوسط، والآن خارجه، في إشارة واضحة إلى سعيها لأن تُصبح لاعبًا بارزًا في السوق الدولية.
صادرات الطائرات بدون طيار الإيرانية تزدهر..
أحرزت “إيران” تقدمًا ثابتًا في تصميم وإنتاج الطائرات بدون طيار العسكرية في السنوات الأخيرة، وصّعدت من نقلها إلى الجماعات المسلحة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، في الوقت الذي تسعى فيه إلى تحويل ديناميكيات ساحات القتال من “سوريا” إلى “العراق ولبنان واليمن” وحتى “غزة”. وقد امتدت هذه الجهود الآن إلى ما هو أبعد من الشرق الأوسط.
ويقول تقرير لصحيفة (nytimes) الأميركية إن “إيران” تسعى الآن إلى بناء نفوذها العالمي وبيع طائرات بدون طيار ذات قدرة تسليح متطورة بشكل متزايد تجاريًا إلى دول أخرى، بما في ذلك تلك التي خضعت لعقوبات مختلفة في السنوات الأخيرة، مثل “فنزويلا والسودان”، وفقًا لوسائل الإعلام الإيرانية وصور الأقمار الصناعية والدفاع، وخبراء داخل وخارج “إيران”.
وقد وفر ذلك مصدرًا مهمًا للأموال والنفوذ السياسي لـ”إيران”، التي هي نفسها معزولة وتُكافح في ظل القيود المالية و”العقوبات الأميركية”.
الآن، قد تكون “روسيا” عميلاً محتملاً لـ”إيران”، حيث أدعت “واشنطن”؛ هذا الشهر، إن لديها معلومات استخبارية بأن “موسكو” تُخطط لشراء مئات الطائرات بدون طيار من “إيران” لتعزيز ترسانتها للحرب في “أوكرانيا”. وحث المسؤولون الأميركيون؛ “إيران”، على عدم بيع طائرات مُسّيرة لـ”روسيا”؛ وحذروا من عواقب ذلك على كلا البلدين.
وقالت “وزارة الخارجية” الإيرانية في بيان؛ إن تعاونها العسكري مع “روسيا” سبق الحرب، دون تقديم تفاصيل. وقال وزير خارجيتها؛ “حسين أمير عبداللهيان”، في مقابلة مع صحيفة (لا ريبوبليكا) الإيطالية؛ في تموز/يوليو، إن البلاد ليس لديها خطط للقيام بذلك، أي توفير معدات عسكرية لأي من طرفي الصراع.
لكن في الأسبوع الماضي، أعلن قائد القوات البرية للجيش الإيراني؛ “كيومارس حيدري”، في كلمة له، أن البلاد: “مستعدة لتصدير الأسلحة والمعدات العسكرية إلى الدول الصديقة”، مضيفًا أن الطائرات بدون طيار الإيرانية: “تعمل بالفعل في أماكن بعيدة وخارج حدودنا”، وفقًا لوسائل الإعلام الإيرانية.
ولم يذكر الجنرال “حيدري”؛ “روسيا”، في خطابه، لكن تعليقاته جاءت في نفس اليوم الذي زار فيه الرئيس؛ “فلاديمير بوتين”، “طهران”، والتقى بالمرشد الأعلى؛ آية الله “علي خامنئي”، الذي أعرب عن دعمه للحرب في “أوكرانيا”.
“إيران” أصبحت لاعبًا دوليًا بارزًا في سوق الطائرات المُسّيرة..
في السياق؛ يقول “سيث فرانتزمان”، المحلل الدفاعي وخبير الطائرات بدون طيار المقيم؛ إن “إيران” أصبحت على نحو متزايد لاعبًا عالميًا فيما يتعلق بصادرات الطائرات بدون طيار.
وأضاف لـ (نيويورك تايمز): “حقيقة أن أحدث الطائرات بدون طيار الإيرانية، مثل: (Mohajer-6)، باتت تظهر الآن في أماكن جديدة مثل القرن الإفريقي، وهي طائرة متقدمة يُزعم أنها تمتلك مدى يبلغ حوالي: 125 ميلاً والقدرة على حمل الذخائر الموجهة بدقة.
يصف “فرانتزمان” ذلك بالقول: “إنها حرب مذهلة بسعر رخيص”، مضيفًا أن تكلفة الطائرات الإيرانية بدون طيار أقل من نظيراتها الأخرى الموجودة في السوق؛ ولكنها كانت تنمو في تطور مستمر، وقد أثبتت قيمتها في ساحات القتال في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
كيف إنطلقت الثورة الإيرانية لصناعة الطائرات بدون طيار ؟
بدأت “طهران” تطوير الطائرات بدون طيار؛ في الثمانينيات، خلال الحرب “العراقية-الإيرانية”. على الرغم من العقوبات المشددة المفروضة على “إيران” بسبب برامجها النووية والصاروخية في السنوات الأخيرة، فقد تمكنت من إنتاج مجموعة واسعة من الطائرات بدون طيار العسكرية المستخدمة في كل من المراقبة والهجوم، وفقًا لخبراء.
ويتخصص الإيرانيون في صُنع نسخ مُقلَّدة، جيدة أو أقل من جيدة، عن أنظمة الأسلحة المتطورة المُنتَجة في دول أخرى، على أساس الهندسة العكسية لهذه الأسلحة. وبعض المنتجات النهائية لا تُلبي المعايير الغربية، لكن “إيران” تعتقد أنَّ النتائج كافية، كما تقول صحيفة (هاآرتس) الإسرائيلية.
وتُسهم القيود التشغيلية والإستراتيجية بدور أيضًا في تطوير “إيران” لهذه الطائرات؛ إذ قضت “طهران” سنوات عديدة في الاستثمار في تطوير القذائف والصواريخ في مختلف المجالات. لكن المشكلة هي أنَّ الصاروخ (الباليستي) ثقيل ومُربك وغير مرن. صحيح أنه رادعٌ مهم، لكنه صاخب بعض الشيء، ولا يسمح بإنكار الهجوم مثلما يمكن مع الطائرات بدون طيار.
لكن مع وجود طائرات مُسيَّرة، “تُصبح الأحلام أسهل”، حسبما يقول مصدر عسكري في “إسرائيل”. ويتأثر استخدام الإيرانيين للطائرات بدون طيار بما فعله الأميركيون، والإسرائيليون تحديدًا، معهم في وقت سابق، في ما يُسمى بالحرب بين الحربين.
ومن زاوية التشغيل، الطائرات المُسيَّرة سهلة التشغيل نسبيًا، وتتطلب أطقم إطلاق صغيرة وسهلة التنقل بين القطاعات والمؤسسات. إضافة إلى أنه من السهل تدريب الجنود على تشغيلها، ويمكن إطلاقها بطرق مختلفة ومن مجموعة متنوعة من المنصات.
وأصبح هذا البرنامج مصدر قلق كبير لـ”إسرائيل” و”الولايات المتحدة”؛ في السنوات الأخيرة. استهدفت “إسرائيل” مواقع إنتاج وتخزين الطائرات المُسّيرة في “حرب الظل” المتصاعدة مع “طهران”.
هكذا وسَّعت “طهران” نطاق زبائنها..
تقول (نيويورك تايمز)، إن الطائرات بدون طيار الإيرانية لا تزال إلى حدٍ كبير على هامش السوق العالمية، ويتم شراؤها في المُقام الأول من قِبل الدول منخفضة الدخل أو المتضررة من العقوبات غير القادرة على شرائها في مكان آخر، وفقًا لمزاعم “فرانتزمان”. وتواجه “إيران” أيضًا منافسة شديدة من قوى مثل: “تركيا”، التي اشترت دول مثل: “أذربيجان وباكستان وإثيوبيا”، طائرتها المُسّيرة؛ (بيرقدار تي. بي-2)، واحتضنتها “أوكرانيا” في حربها مع “روسيا”.
قال محللون إن حظرًا فرضته “الأمم المتحدة” يهدف إلى منع “إيران” من بيع وشراء الأسلحة؛ إنتهى في عام 2020، على الرغم من احتجاجات “الولايات المتحدة”، التي طالبت بتمديده، مما أزال عقبة قانونية كبيرة لـ”إيران” لتصدير طائراتها بدون طيار وإثبات وضعها على النحو التالي، لاعب عالمي في تكنولوجيا الطائرات بدون طيار.
ظهرت علامة مبكرة على أن “إيران” تستفيد من رفع الحظر وزيادة صادرات الطائرات بدون طيار؛ في آب/أغسطس من العام الماضي. ففي “إثيوبيا”، مع احتدام الحرب مع متمردي “تيغراي”، قام رئيس الوزراء؛ “آبي أحمد”، بجولة في قاعدة جوية عسكرية على خط المواجهة، محاطة بمسؤولين عسكريين ومخابرات. في الخلفية، المرئي فقط في الصور، رصد المحققون عبر الإنترنت جسمًا غامضًا يجلس على مدرج المطار، كانت طائرة إيرانية بدون طيار من طراز (مهاجر-6) مسلحة بصواريخ “جو-أرض”.
وفي شباط/فبراير، قال وزير الدفاع الإسرائيلي؛ “بيني غانتس”، إن (إيران مهاجر-6)، نفس طراز الطائرة بدون طيار الذي شوهد في “إثيوبيا”، يتم بيعها الآن لـ”فنزويلا”. ولفت الانتباه إلى لقطات من تشرين ثان/نوفمبر 2020، تُظهر رئيس البلاد؛ “نيكولاس مادورو”، وهو يقف بجانب نموذج للطائرة بدون طيار خلال خطاب ألقاه في حظيرة طائرات.
وفقًا لـ”وزارة الدفاع” الفنزويلية والمسؤولين الأميركيين، بدأت “فنزويلا” في شراء مجموعات لصُنع طائرة إيرانية بدون طيار، (مهاجر-2)، منذ فترة طويلة حتى عام 2007، وهو العام الذي فُرض فيه حظر الأسلحة الذي تفرضه “الأمم المتحدة” على “إيران”. كان من المُقرر تجميعها من قبل شركة الأسلحة الفنزويلية المملوكة للدولة؛ (CAVIM)، والتي تم وضعها تحت “العقوبات الأميركية”؛ في عام 2013، بسبب تداولها بما يخالف “قانون حظر انتشار الأسلحة النووية”؛ في “إيران وكوريا الشمالية وسوريا”.
كما زودت “إيران”؛ “السودان”، بطائرات بدون طيار أيضًا، وفقًا لمحللين عسكريين وصور الأقمار الصناعية والتحليل الفوتوغرافي لحطام الطائرات بدون طيار، على الرغم من أن “الخرطوم” تخضع أيضًا لحظر أسلحة تفرضه “الأمم المتحدة”. في عام 2008، عندما استفسرت “قوات حفظ السلام”؛ التابعة لـ”الأمم المتحدة”، عن الطائرات المقاتلة بدون طيار التي رأوها تُستخدم في “السودان”، قيل لهم إنها نسخة من طائرة (أبابيل-3) الإيرانية.
وتمتلك “إيران” حوافز سياسية ومالية لبيع طائرات بدون طيار لهذه البلدان، فضلاً عن تزويدها لمجموعات تعمل بالوكالة كجزء من سياستها الإقليمية في الشرق الأوسط. تسمح المبيعات لـ”طهران” ببناء روابط دولية في تحدٍ للجهود الغربية لعزلها، وتوفر مصدرًا إضافيًا للإيرادات إلى جانب “النفط” المُباع في انتهاك للعقوبات؛ بحسب إدعاءات التقرير الأميركي.
في آيار/مايو، سافر الجنرال “محمد باقري”، القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية، إلى “طاغيكستان”؛ لافتتاح مصنع لطائرات (أبابيل-)2 بدون طيار. وهذا يُعد أول مصنع للطائرات بدون طيار بنته “إيران” في الخارج، وقد غطت وسائل الإعلام الإيرانية الحدث على نطاقٍ واسع، مُشيدًا به باعتباره علامة بارزة في برنامج تطوير الأسلحة المحلي وإشارة إلى أن “إيران” أصبحت الآن لاعبًا حقيقيًا في سوق الطائرات بدون طيار.
وقالت وكالة أنباء (تسنيم)؛ التابعة لـ (الحرس الثوري)، إن “إيران”: “تُعمق نفوذها الإستراتيجي في الشرق” من خلال تصدير الطائرات المُسّيرة. وكتبت الصحيفة الرسمية للحكومة الإيرانية، أن: “التجربة الناجحة لأسلحة إيران في الشرق الأوسط وفي إفريقيا أدت إلى أن تُصبح إيران مصدرًا رئيسًا للأسلحة في المنطقة وعلى الصعيد الدولي”.
تم نشر طائرات بدون طيار إيرانية في العديد من الهجمات ضد “إسرائيل”، وضد “السعودية والإمارات العربية المتحدة”؛ وفي “اليمن”. وفي تشرين أول/أكتوبر من العام الماضي، هوجمت قاعدة أميركية في “سوريا”، وفقًا لمسؤولي المخابرات، بواسطة طائرات إيرانية الصُنع.
ويقول “فرزين نديمي”، المُحلل العسكري في “معهد واشنطن” المتخصص في صناعة الدفاع الإيرانية: “لقد أوجد الإيرانيون هذه القدرة القابلة على الاستمرارية والتطور للطائرات بدون طيار، لذا فليس من المستغرب أن تهتم دول أخرى بالحصول على مثل هذه التقنيات”. وقال: “يجب أن تؤخذ الطائرات الإيرانية بدون طيار على محمل الجد كسلاح حقيقي”.