مصادر : اختيار بديل للمالكي أصعب من بقائه لولاية ثالثة

مصادر : اختيار بديل للمالكي أصعب من بقائه لولاية ثالثة

بدأت بوادر المفاوضات بين الكتل السياسية العراقية لتشكيل الحكومة المقبلة بعد أيام من إعلان نتائج الانتخابات الأسبوع الماضي، والتي أظهرت تقدم “ائتلاف دولة القانون” بزعامة رئيس الحكومة نوري المالكي بحصوله نحو ثلث مقاعد البرلمان الذي يتكون من 328 نائبا، لكن خصومه يمتلكون نحو ثلثي المقاعد.
فهناك فريقان سياسيان في العراق يخوضان اليوم صراعاً فيما بينهما اليوم، الأول يريد منع المالكي من الحكم لأربع سنوات بعدما حكم البلاد ثمان سنوات خوفاً من عودة الدكتاتورية، والثاني يعمل على بقاء المالكي في منصبه، ولكن الواقع يشير إلى إن تغيير المالكي أصعب من بقائه.
 رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني أعلن قبل أيام بأنه لن يشارك في حكومة يرأسها المالكي مجدداً، ويمتلك بارزاني وباقي الأحزاب الكردية 62 مقعداً في البرلمان يبدو إنها ستكون موّحدة في التفاوض مع السنة والشيعة لتشكيل الحكومة.
 وأيضاً فإن التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر والذي حصل على 34 مقعداً أعلن رسمياً عدم قبوله ببقاء المالكي في الحكم، كما إن ائتلاف “المواطن” (31 مقعد) بزعامة عمار الحكيم يرفض بقاء المالكي.
  كما إن ائتلاف “الوطنية” (23 مقعد) بزعامة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي الذي يعتبر عدو للمالكي أعلن أيضاً رفضه منح المالكي ولاية ثالثة، وائتلاف “متحدون” (السني) الذي يملك (23 مقعد) بزعامة رئيس البرلمان أسامة النجيفي مع ائتلاف “العربية” الذي حصد عشرة مقاعد بزعامة نائب رئيس الوزراء صالح المطلك يرفضون أيضاً بقاء المالكي.
 المفارقة إن الحكيم والصدر وكلاهما ينتمي إلى عائلتين دينيتين شيعيتين، ويلبسان الزى الديني مع العمائم السوداء، أصبحا اليوم أكثر قبولاً بين الأوساط السياسية السنية والكردية من نوري المالكي الذي ينتمي إلى حزب شيعي منظّم لا يقوم على الزعامة العائلية ولا يلتزم أعضاءه بارتداء اللباس الديني.
 أما ائتلاف المالكي فقد حصل على 95 مقعداً وقد تزداد إلى 110 مقعد بعد انضمام أحزاب شيعية وسنية صغيرة إلى تحالفه أبرزها كتلة “الفضيلة”، و”تيار الإصلاح الوطني” بزعامة إبراهيم الجعفري ولكل منهما ستة مقاعد.
 الفريق المعارض للمالكي يمتلك 183 مقعد من الممكن إن تزداد قليلاً أو تنخفض، ولكنها تمثل أكثر من الغالبية التي يتطلبها تشكيل الحكومة واختيار منصب رئيس الوزراء، أما ائتلاف المالكي فلا يستطيع تشكيل الحكومة لوحده.
ولكن الفريق المعارض للمالكي يواجه مشاكل كبيرة في التحالف داخل كتلة واحدة لإبعاد المالكي عن الحكم، أبرزها إن معارضي المالكي خليط من أحزاب شيعية وسنية وكردية وعلمانية، وتجربة الحكم في العراق بعد 2003 أثبتت إن التحالفات الطائفية والقومية هي الأقوى، أما التحالفات بين قوى مختلفة طائفياً وقومياً فمصيرها التفكك.
 ويقول مراقبون إن غياب الثقة بين مكونات فريق معارضي المالكي تمنع إيجاد تحالف قوي يقف بوجه الأخير لوجود مخاوف من نجاحه في إقناع بعض خصومه بالانضمام إليه مقابل منحهم وزارات ومناصب مهمة في الحكومة الجديدة.
ومثلاً فإن الأحزاب السنية منقسمة إلى رأيين الأول والذي يمثله “متحدون” و”الوطنية” يصرُّ على ضرورة عدم المشاركة في حكومة يرأسها المالكي ويرفض السياسات الإيرانية في البلاد، ولهذا يعملون على استبداله بأي ثمن، ويهددون بتشكيل إقليم سني كورقة ضغط لتلبية مطالبهم.
 أما الفريق الثاني والذي يضم ائتلاف “العربية” وكتلة أخرى صغيرة تدعى “الحل”، فيرى إن العمل مع رئيس الوزراء نوري المالكي في الحكومة ما زال ممكناً من خلال فرض شروط على المالكي تلبي احتياجات المحافظات السنية، ويعتبرون إن وجود السنة في الحكومة يحقق مصالح السكان السنة حتى وان كانت برئاسة المالكي، وهو أفضل من بقائهم خارج الحكومة.
 أما الأحزاب الشيعية المعارضة للمالكي وهي كل من التيار الصدري، وائتلاف “المواطن” بزعامة عمار الحكيم فهي الأخرى مواقفها متفاوتة من المالكي، ومثلاً مقتدى الصدر ونوابه يتهمون بشكل علني المالكي بأنه دكتاتور ويرفضون استمراره في الحكم أما عمار الحكيم فيرفض تهميش ائتلاف المالكي في تشكيل الحكومة المقبلة.
 ويقول النائب عن ائتلاف “المواطن” حبيب الطرفي لـ “نقاش” إن كتلته تؤكد على ضرورة إنشاء كتلة “التحالف الوطني” الذي يضم جميع القوى الشيعية، بعدها يقوم هذا التحالف بتسمية رئيس الوزراء لأن هذا التحالف سيكون الكتلة الأكبر في البرلمان المقبل”.
 ولكن إعادة إحياء “التحالف الوطني” يعزز فرصة المالكي بالحصول على ولاية ثالثة، لأن آلية اتخاذ القرارات داخل التحالف ستكون وفق حجم القوى الثلاثة التي يتكون منها، وائتلاف المالكي سيمتلك ثلثي أعضاء التحالف وسيتم اختيار رئيس الوزراء المقبل بالتصويت وسيكون هو المالكي بلا شك.
 والأمر ذاته مع الأكراد، فالحزبين الكرديين الكبيرين “الاتحاد الوطني الكردستاني” بزعامة رئيس الجمهورية جلال طالباني و”الحزب الديمقراطي الكردستاني” بزعامة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني لا يملكان الموقف ذاته من المالكي.
 مقابل ذلك كله يقوم المالكي حالياً باستغلال الاختلاف في المواقف بين معارضيه والتفاوض مع الكتل السنية والشيعية والكردية التي أبدت ليونة معه وهم كل من “الاتحاد الوطني الكردستاني” الكردية و”المواطن” الشيعية و”العربية” و”الحل” السنية لإقناعهم بالوقوف إلى جانبه مقابل منحهم مناصب كبيرة في الحكومة المقبلة.
 أما الأحزاب المصرّة على تغيير المالكي مثل “الحزب الديمقراطي الكردستاني” والتيار الصدري، و”متحدون”، و”الوطنية” فهي الأخرى تحاول إقناع “الاتحاد الوطني الكردستاني” و”المواطن” و”العربية” و”الحل” بالبقاء الى صفهم وعدم الاستسلام للمالكي.
 وأيضا هناك مشكلة سياسية كبيرة تواجه الفريق المعارض للمالكي في تشكيل الحكومة المقبلة، وهي صعوبة تهميش “ائتلاف دولة القانون” عن تشكيل الحكومة وعدم منحه مناصب وفي الوقت ذاته يرفض “دولة القانون” أي منصب آخر ويصرّ على بقاء المالكي في رئاسة الحكومة.
وفي حال استبعاد ائتلاف المالكي عن تشكيل الحكومة وعدم منحه أي منصب كما جرى في تشكيل حكومة بغداد المحلية، فإن العملية السياسية ستواجه مشكلات كبيرة لأن كتلة المالكي تستطيع عرقلة عمل البرلمان وتمنع إقرار القوانين لأنها تمتلك المقاعد الأكبر في البرلمان.
 
المشكلة الأخرى التي ستواجه العراق في حال إبعاد “دولة القانون” عن المشاركة في الحكومة المقبلة تتمثل بآلاف المؤيدين للمالكي في مفاصل الدولة من كبار الموظفين وقادة الجيش والشرطة الذي عينّهم المالكي في مناصبهم لقاء الحصول على ولائهم.
 ويقول سياسي شيعي يشارك في المفاوضات الجارية لتشكيل الحكومة لـ “نقاش” إن “هناك خوف بأن يتم تعطيل عمل رئيس الوزراء المقبل فيما لو استبعد المالكي عن رئاسة الحكومة، لان أتباع الأخير سيقومون بعرقلة عمل الحكومة ويعصون أوامرها”.
 السيناريوهات المطروحة منذ شهور لاستبدال المالكي باعتبارها حلول وسطية تقوم على ترشح أحد قادة حزب “الدعوة” المقربين منه كبديل على إن تتعهد الكتل بعدم محاسبة رئيس الوزراء ومحاكمته عن الخروقات التي جرت في السنوات الثمانية من حكمه، لكن المرشّح الجديد يحتاج إلى توافقات محلية وإقليمية ودولية صعبة.
 السياسية الخارجية للعراق وطبيعة العلاقات مع إيران وأميركا وروسيا والدول العربية، كانت بيد المالكي حصراً، وهو يحمل أسراراً كبيرة، وتخشى الدول الإقليمية وخصوصاً إيران من أن يأتي رئيس وزراء جديد لا يدين لها بالولاء، وبالتالي فإن مصلحتها مع بقاء المالكي، ولكنها لن تقف بوجه الأحزاب السياسية المعارضة للمالكي في حال استطاعت جمع الغالبية السياسية وتشكيل الحكومة.
 في نهاية الأمر فإن المرشحين لمنصب رئيس الوزراء المقبل، يجب أن يكونوا مفاوضين جيدين وليس بالضرورة أن يكونوا فائزين بعدد كبير من المقاعد، فالمرشح الذي سينجح بإقناع الأحزاب الشيعية بقدرته على تسلُّم المنصب، ويعطي الأكراد ضمانات بمنحهم مستحقاتهم المالية، ويكون قادر على طمأنة السّنة بشان شعورهم بالتهميش، ويمتلك علاقات جيدة مع طهران وواشنطن هو الذي سيفوز بالمنصب.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة