خاص : كتبت – هانم التمساح :
منذ الشرارة الأولى لتظاهرات “تشرين العراق”، خرجت كافة الشرائح المهنية والعمالية، والتي أصبحت جميعها تشكل طبقة واحدة فقيرة كلها تعاني من بطش واستبداد وجشع طبقة أخرى فاحشة الثراء من مال الشعب الحرام، وكانت النقابات العراقية جزءًا من هذا الحراك باعتبارها المكون الرئيس للشعب.. وقفات تضامنية ودعوات إلى الإضراب ومساندة لوجيستية للمتظاهرين، هكذا بدت جهود نقابات واتحادات “العراق”، فمنذ الأيام الأولى لاندلاع شرارة التظاهرات أصدرت النقابات بيانات الإستنكار لقمع المتظاهرين وأعلنت وقوفها الحاسم مع مطالب الثوار.
تزايد الإضرابات تزامنًا مع تزايد القمع..
توالت سلسلة دعوات النقابات والاتحادات إلى الإضراب مع زيادة القمع بحق المتظاهرين وعدم استجابة الحكومة لمطالب الإصلاح، فأعلنت “نقابة مزارعي العراق”، في بيان الدعوة إلى الإضراب العام؛ حتى تحقيق مطالب المتظاهرين. وأوضح البيان أن: “النقابة تعلن الإضراب المدني عن العمل في كل الاتحادات المحلية والفرعية والجمعيات، إلى حين تلبية مطالب المتظاهرين السلميين بتوفير فرص العمل والضمان الصحي والسكن والعيش بكرامة”.
“نقابة المهندسين” دعت منتسبيها، في بيان؛ إلى الاستمرار بالاعتصامات السلمية وتعليق العمل في المؤسسات غير الرسمية، كما طالبت منتسبيها والعاملين في الدوائر العامة، إلى تنظيم وقفات احتجاجية في دوائرهم لمدة نصف ساعة لضمان استمرار تقديم الخدمات للمواطنين. كما طالبت، القوات الأمنية، بوقف استهداف المتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع والذخائر الحية حفاظًا على أرواحهم.
وأكد البيان استمرار النقابة في دعم مطالب الشعب ومساندته في الاعتصامات بكل الوسائل الممكنة؛ إلى حين تحقيق المطالب المشروعة.
من جانبها أيضًا؛ أطلقت “نقابة المعلمين” دعوات للإضراب، إذ دعت، في 28 تشرين أول/أكتوبر الماضي، الهيئات التدريسية والتعليمية؛ إلى إضراب عام للتضامن مع المتظاهرين لمدة أسبوع ومددته لأسبوع آخر، قبل أن تنهي الإضراب وتعلن العودة إلى العمل، في 8 تشرين ثان/نوفمبر الحالي، حفاظًا على سير العملية التربوية، وبعدما أوصلت، من خلال إضرابها، رسالتها الاحتجاجية.
أما “الممرضون” أصحاب الدور الفعال في الميدان، فدعت نقابتهم باستمرار، في بياناتها؛ إلى الاستعداد الكامل لتقديم كل الخدمات العلاجية، موضحةً في بيان نشرته أخيرًا على موقعها الرسمي؛ دعمها للمتظاهرين، إذ أكدت: “مواصلة الدعم والتأييد لمطالب المتظاهرين الثائرين والاستعداد الكامل لتقديم كل الخدمات التمريضية والعلاجية، وأن تتحمل نقابتنا كل تلك الإجراءات وتتكفل بذلك في كل محافظات العراق، فضلاً عن فرق التمريض في المفارز التمريضية”.
“نقابة المحامين” بدورها؛ لم تكتف بالإضراب والإمتناع عن الترافع أمام المحاكم، بل شكلت لجانًا مهمتها الدفاع عن المتظاهرين السلميين الموقوفين والمعتقلين والمطالبة بحقوقهم.
النقابات تقترح خارطة طريق..
قدّمت نقابات واتحادات “العراق” المهنية خريطة طريق للسلطات الثلاث، منذ مرور شهر على بداية التظاهرات؛ إذ أوضحت في بيان نُشر في معظم المواقع الرسمية للنقابات واتحادات “العراق”، قائلة: “أننا ولكوننا مؤسسات مهنية منتخَبة من شرائحنا المهنية التي تمثل عماد الدولة ومحركها، وحيث أننا جزء لا يتجزأ من الحراك الشعبي؛ نضع خريطة طريق ندعو فيها السلطات إلى العمل من خلالها”.
البيان الذي وقِع من قِبل 20 نقابة واتحاد؛ طالب بالإسراع بتعديل قانون الانتخابات بما يؤمن التمثيل المتوازن والانتخاب الفردي وتغيير “مفوضية الانتخابات”. كما طالب البيان بضرورة إجراء انتخابات مبكرة وبإشراف دولي.
ولأن العملية السياسية لن تنتج إلا نفسها، طالب البيان بتكليف “مجلس النواب” الجديد المنتخب بإدخال تعديلات على الدستور لتجديد وتصحيح العملية السياسية برمتها. وطالب البيان بضرورة وقف الإجراءات التعسفية المتخذة ضد المتظاهرين السلميين، والكشف عن الجناة الذين تسببوا بسفك دماء المتظاهرين والقوات الأمنية، وحصر السلاح بيد الدولة.
أثر مشاركه النقابات على الحراك..
تأثيرات مشاركة النقابات على المظاهرات والحركات الاحتجاجية المستقبلية في “العراق” تكمن في أنها أعطت الضوء الأخضر لمختلف طبقات وفئات المجتمع للمشاركة في المظاهرات والاحتجاجات الحالية والمستقبلية، كما أعطت هذه الاحتجاجات قوة وجعلتها أكثر تنظيمًا لنيل مطالبها المتمثلة بتغيير العملية السياسية وإنهاء النفوذ الإيراني في “العراق”، وفتحت هذه المشاركة الباب أمام الطلبة وفئات المجتمع الأخرى لدخول ساحات الإعتصام والمساهمة في الحركة الاحتجاجية.
وتبعت هذه الخطوة؛ مشاركة واسعة للنقابات في إعتصامات جنوب “العراق”، الأمر الذي جعل المتظاهرين أكثر قوة وتماسكًا أمام القمع الذي تمارسه الحكومة العراقية وميليشيات (الحشد الشعبي) ضد المتظاهرين، وزادت من حدة هذا العنف، منذ 25 تشرين أول/أكتوبر الماضي، حيث استخدمت القوات الأمنية والميليشيات العنف المفرط ضد المتظاهرين السلميين في “بغداد” ومحافظات الجنوب.
تصعيد سقف المطالب وإلاصرار عليها مع زيادة القمع..
ومع تعنت السلطات وتجاهلها مطالب المتظاهرين والتمادي في قمعهم وتخوينهم، تعقدت خيوط الأزمة أكثر وأكثر حتى أن بعض المتظاهرين، ممن كانوا لديهم مجرد مطالب إصلاحية بسيطة؛ كالحق فى العمل والخدمات، ارتفع سقف مطالبهم أيضًا ووحد الجميع مطالبهم على إسقاط النظام السياسي برمته وإزاحة كافة الوجوه السياسية والحزبية من المشهد.. وبعد أن كانت مواجع المتظاهرين ومظلوميتهم متمثلة فى نهب المال العام وإهدار حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، أصبح هناك دم وثارات دماء أريقت وجرحى دمر مستقبلهم لن يقبلو بأنصاف حلول، وأصبح استمرار الحكومة وتجاهل مطالب المتظاهرين ضرب من الجنون سيؤدي لانتحار سياسي حتمي للحكومة.