خاص : كتبت – نشوى الحفني:
فيما يبدو أنها خطوة جديدة نحو انكشاف الكذب الإسرائيلي أمام الرأي العام العالمي، فيما يخص مجازرها في حق الشعب الفلسطيني، خاصة ما يخص مستشفى “الشفاء”، حيث انقسم محللون حول الأدلة التي قدمتها “إسرائيل” لإثبات أن حركة (حماس) استخدمت مستشفى “الشفاء” كمركز قيادة، إلا أن الجزء الأكبر منهم اعتبر الصور والمعلومات التي نشرتها الدولة العبرية ليست كافية لإثبات النظرية الإسرائيلية.
وتقول صحيفة (وول ستريت جورنال) الأميركية في تقريرٍ؛ إن العديد من المحللين يتفقون على أن أحدث الأدلة التي نشرتها “إسرائيل” تُشير بشكلٍ متزايد إلى وجود (حماس) في المستشفى، لكن معظمهم يقولون إنهم لم يروا بعد شيئًا يُشّكل: “دليلاً دامغًا” يُظهر أنه كان مركز قيادة لـ (حماس)، كما زعمت الدولة العبرية.
وقال “جون سبنسر”؛ وهو ضابط متقاعد بالجيش الأميركي ورئيس دراسات حرب المدن في الأكاديمية العسكرية الأميركية، إن مقاطع الفيديو تُظهر: “مستوىً كبيرًا من المقرات التي بنتّها (حماس) داخل مجمع مستشفى الشفاء وتحته، وهو ما يدعم مزاعم المخابرات الإسرائيلية والأميركية”.
ورُغم ذلك يُشّكك آخرون في المزاعم، إذ قال “بول بيلار”، وهو زميل كبير غير مقيم في جامعة “هارفارد”: “لم يظهروا أي شيء يُشير إلى أن (حماس) كانت تستخدم تلك المباني في أي وقت قريب، أو استخدامها لأغراض عسكرية، ناهيك عن استخدامها كمركز للقيادة والسّيطرة”.
تسّابق الزمن لتقديم الأدلة..
ويقول التقرير الأميركي؛ إن “إسرائيل” تُسّابق الزمن لتقديم أدلة حول المستشفيات في “غزة” للحفاظ على الدعم والرأي العام العالمي، وفي كل مرة تُنشر مواد جديدة، يرفضها البعض باعتبارها غير كافية، والبعض الآخر يأخذها كدليل، خاصة في “إسرائيل”، حسّبما قال “ميراف زونسزين”، أحد كبار المحللين في مجموعة الأزمات الدولية.
وأكد “زونسزين”: “إن إسرائيل تُريد الشرعية من الغرب في الوقت الحقيقي”، باعتبارهم الجمهور الأكثر أهمية لـ”تل أبيب”.
وبالإضافة لمقاطع فيديو نشرتها “إسرائيل”؛ قالت إنها لنفق وأسلحة عثرت عليها في المستشفى، نشرت أيضًا لقطات كاميرا أمنية لما زعمت إنهم رهائن تم احتجازهم في المستشفى، بينما أكدت (حماس) إن هؤلاء الرهائن كانوا بحاجة للعلاج.
وقال “مايكل هورويتز”؛ رئيس الاستخبارات في شركة (لو بيك إنترناشيونال)، وهي شركة استشارية للأمن وإدارة المخاطر؛ مقرها في الشرق الأوسط، إن: “النفق يُشّبه النفق الآخر الذي بنتّه (حماس)”.
وأضاف “هورويتز”؛ في إشارة إلى الجيش الإسرائيلي: “الأدلة الأولية التي نشرها الجيش الإسرائيلي كانت محدودة للغاية، لكن الأدلة الأخيرة المقدمة، بما في ذلك النفق داخل مجمع الشفاء، وكاميرات المراقبة، أكثر أهمية”.
وتابع: “أعتقد أن هذه الأدلة بدأت تُثبّت أن (حماس) استخدمت الشفاء كقاعدة، رغم أنه يجب أن يكون هناك المزيد من الأدلة لإثبات أن هذا كان في الواقع مركز قيادة”.
لن يلغي وضع المستشفى..
من جانبه؛ يؤكد الأستاذ في القانون الدولي للنزاعات المسلحة بجامعة روتغرز؛ “عادل حق”، أن: “الأدلة التي تُقدمها إسرائيل لا تُبرر بالضرورة تعليق وضع مستشفى الشفاء المحّمي بموجب القانون الدولي”.
وقال “عادل حق” إن: “وجود رهائن يحصلون على الرعاية الطبية أو الأنفاق أو حتى شاحنات المحملة بالأسلحة لن يلغي وضع المستشفى المحّمي”، مشيرًا إلى أن ما يلغي حماية المستشفى هو احتجاز الرهائن هناك أو استخدام المسّلحين المباني لحماية أنفسهم.
ويعتقد آخرون أن هناك مخاطر تواجه “إسرائيل” بشكلٍ أبعد من القانون الدولي، بحسّب “وسي ميكيلبيرغ”، محلل شؤون الشرق الأوسط في (تشاتام هاوس)، وهو مركز أبحاث مقره في “لندن”.
وفي تفسّيره للخطر الذي يدعيه؛ يقول “ميكيلبيرغ”: “إذا قامت المخابرات الإسرائيلية بتقيّيم غير صحيح، فإن هذا سيكون أكثر من محرج ويقوض حجتهم بشأن العملية”.
يُحدد شكل الحرب..
وفي تقرير آخر؛ تقول (نيويورك تايمز)، إن: “ما ستجده أو ما لن تجده إسرائيل في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، يمكن أن يُحدد شكل الحرب (الإسرائيلية-الفلسطينية) في قطاع غزة”.
وفي ظل ما يحظى به “مستشفى الشفاء” من اهتمام، وأيًا كانت تطوراته فالمحتمل أن يساعد في تشكيل المزاج والجدل الدولي حول ما ترتكبه “إسرائيل” في القطاع. لكن الأسئلة عن هذه الحرب والتي تسّتحق الاهتمام الحقيقي، هي ما الذي يضمن أو لا يضمن أمن الإسرائيليين ؟.. وما الذي يُبرر أو لا يُبرر الكارثة الإنسانية التي تُفرضها “إسرائيل” على “غزة” ؟.. وبالتالي يُصبح الموجود أو المفقود في المستشفى غير مهم، حسّب المحلل الاستخباراتي الأميركي؛ “بول بيلار”.
ويقول “بيلار”؛ في تحليل بـ (ناشونال إنتريست) الأميركية، إن الحكومة الإسرائيلية عّولت في حملتها الدعائية على “مستشفى الشفاء”، وخصصت جهدًا كبيرًا له ليس لمحاربة (حماس)، وإنما للعثور على شيء يمكن أن تقدمه لوسائل الإعلام الدولية وللعالم، دليلاً على استخدام الحركة الفلسطينية للمستشفى مركز قيادة أو مستودع أسلحة مهمًا.
ويقول مراسلو (نيويورك تايمز)؛ الذين كانوا ضمن مجموعة من ممثلي وسائل الإعلام العالمية الذين سّمحت لهم “إسرائيل”، في تصرف نادر بزيارة المستشفى بعد أن سيطرت عليه القوات الإسرائيلية، إنهم رأوا حفرة في أرض المستشفى ولم تسّمح لهم القوات الإسرائيلية بالحديث مع العاملين فيه، ولا رؤية أي شيء آخر في الموقع.
فشلت في تحقيق هدفها..
ورُغم كل المحاولات الإسرائيلية لإقناع وسائل الإعلام العالمية؛ بأن اقتحامها للمستشفى وإخلاءه من المرضى كان مبررًا بسبب استخدام (حماس) له في أنشطتها العسكرية، فإنها فشلت في تحقيق هدفها، بعد أن كشفت وسائل الإعلام استخدام “إسرائيل” لأدلة مزيفة لتدعم روايتها عن المستشفى.
ذكريات الحرب على “العراق”..
ولا تزال “إسرائيل” تُفتش المستشفى بحثًا عن شيء يمكن أن يكون دليلاً أكثر إقناعًا على استخدام (حماس) له. وهذا التفتيش يُعيد إلى الأذهان ذكريات الحرب الأميركية ضد “العراق” منذ 20 عامًا.
فبعد أن غزت القوات الأميركية؛ “العراق”، بدعوى امتلاكه أسلحة دمار شامل، أمضى الأميركيون وقتًا طويلاً في البحث عنها. وبمرور الوقت أصبح البحث أقل أهمية لتأمين القوات الأميركية أو أي شخص آخر في العالم، وأكثر أهمية لتبرير إحدى أهم الحجج التي استخدمتها إدارة الرئيس الأميركي وقتها؛ “جورج بوش”، لشّن الحرب.
وأصبح البحث عن أسلحة الدمار الشامل انحرافًا عن أهداف الحرب. ورغم أن الإدارة الأميركية استخدمت موضوع أسلحة الدمار الشامل لحشد التأييد لحربها، فإنه لم يكن الدافع الأساس للحرب.
وكما قال “بول وولفويتز”؛ نائب وزير الدفاع الأميركي في ذلك الوقت، وأحد أقوى مؤيدي الحرب، فإن موضوع أسلحة الدمار الشامل ولأسباب بيروقراطية، كان مجرد: “الموضوع الذي يمكن أن يتفق عليه الجميع للترويج للحرب”.
وكانت الدوافع الرئيسة تكمن في مكان آخر تمامًا، خاصة لطموحات المحافظين الجُدد في “واشنطن” لاستخدام القوة المسّلحة لتغييّر نظام الحكم في “العراق”، لنشر الديمقراطية واقتصادات السوق الحرة في الشرق الأوسط.
وسواء عُثر على أسلحة دمار شامل أو لا، فلن يختلف الأمر لأسباب الحرب التي كانت باهظة التكلفة. فقد قتلت الحرب التي شّنتها الإدارة الأميركية؛ باختيارها الحر تمامًا، أكثر من: 4400 أميركي وجرحت: 32 ألفًا، وكبدت دافعي الضرائب الأميركيين أكثر من: تريليوني دولار، وعمقت الانقسامات الطائفية في الشرق الأوسط، وسّمحت بنمو الجماعات الإرهابية في المنطقة، وتركت “العراق” في اضطراب مزمن، ودمرت مصداقية “الولايات المتحدة” عندما حاولت محاسّبة أي دولة تغزو أخرى، كما هو الحال في ما تدعيه عن العملية الروسية العسكرية في “أوكرانيا”. كل هذه الأضرار وقعت سواء كانت هناك أسلحة دمار شامل أو لم تكن.
لن يُبرر الخسائر الفلسطينية..
ويعود المحلل الاستراتيجي الأميركي؛ “بيلار”، الذي أمضى أكثر من 28 عامًا في أجهزة الاستخبارات الأميركية، حتى أصبح مسؤولاً عن ملف الشرق الأدنى وجنوب آسيا في “مجلس الاستخبارات الوطني” الأميركي، إلى “مستشفى الشفاء”؛ في “قطاع غزة”، فيقول: “عثور إسرائيل أو لا، على شيء ذي بال في المستشفى لن يخدم هدفها الرئيس، وهو حماية الإسرائيليين من مزيد من العنف في المستقبل، ولن يكون له أي معنى لتبرير الخسائر المروعة التي لحقت بالفلسطينيين نتيجة القصف والاجتياح الإسرائيلي للمستشفى”.
وعلاوة على ذلك؛ فتحقيق الأمن للإسرائيليين لا يتوقف على تحقيق الهدف المعلن للحرب؛ وهو: “القضاء على (حماس)”، لأن العنف “الإسرائيلي-الفلسطيني” لم يبدأ في 07 تشرين أول/أكتوبر الماضي، كما أن (حماس) ليست الشرير الوحيد الذي تنتهي مشكلة العنف بمجرد القضاء عليه.
فـ (حماس)؛ هي حركة قومية وواحدة من المنظمات التي تُعبر عن الكثير من الفلسطينيين، بسبب حرمانهم من طموحاتهم الوطنية، وبالتالي لا يمكن القضاء عليها.
زيادة المخاطر..
وزيادة على الغضب الفلسطيني بسبب الخسائر المروعة التي تُلحقها الآلة العسكرية الإسرائيلية بسكان “غزة”، ستؤدي الحرب إلى زيادة وليس تقليل المخاطر التي تُهدد الإسرائيليين في المستقبل. وإذا لم يكن في المستقبل (حماس) بشكلها الحالي لتُمارس العنف ضد الإسرائيليين، فستكون هناك (حماس 2)، أو أي مجموعة أخرى جديدة بالكامل أو أفراد وخلايا من الفلسطينيين يستخدمون السلاح ضد الإسرائيليين. ومرة أخرى فإن ما يمكن أن تعثر عليه “إسرائيل” في “مستشفى الشفاء”، لن يُغير من هذه الحقيقة شيئًا.
وفي المقابل؛ فإن التدمير الشامل من “إسرائيل”؛ ضد الفلسطينيين في “قطاع غزة”، مقصود في ذاته، وليس خسائر جانبية للحرب ضد (حماس). فالرئيس الإسرائيلي؛ “إسحق هيرتسوغ”، قال: “لا يوجد في غزة أبرياء، وكل الشعب الفلسطيني مسؤول عما فعلته (حماس)؛ يوم 07 تشرين أول/أكتوبر الماضي”.
فرصة لـ”إسرائيل” لإبعاد الفلسطينيين عن أرضهم..
وأخيرًا؛ تُمثل الحرب الحالية فرصة لــ”إسرئيل” لتسّريع إبعاد الفلسطينيين عن أرض “فلسطين”. وهناك وثيقة حكومية إسرائيلية توصي بطرد سكان “غزة” إلى “سيناء” المصرية.
وفي الوقت نفسه؛ فإن الجيش الإسرائيلي يُطلق يد المستوطنين للعنف ضد الفلسطينيين في “الضفة الغربية”، ما أدى إلى إخلاء العديد من القرى الفلسطينية من سكانها المحاصرين بعنف المستوطنين.
ولكن كل ذلك لن يُحقق الأمن لمواطني “إسرائيل”، الذي لن يتحقق إلا بتلبية طموحات الشعب الفلسطيني لتحقيق مصيره عبر تسّوية سّلمية للصراع “الفلسطيني-الإسرائيلي”. وللأسف الشديد فإن حكومة “إسرائيل” الحالية، التي تُركز كل اهتمامها على ما يمكن أن تكون (حماس) قد تركته في قبو أو خزانة داخل “مستشفى الشفاء”، لا تأخذ في الاعتبار تلك الحقيقة.