خاص : ترجمة – سعد عبدالعزيز :
يوافق شهر حزيران/يونيو من كل عام الذكرى السنوية لـ”النكسة”، ونحن الآن في الذكرى الواحد والخمسين لها، وبهذه المناسبة نشر موقع (القناة السابعة) الإسرائيلية مقالاً للمستشرق والمؤرخ اليهودي، “مردخاي كيدار”، يرى فيه أن الدول العربية تتخبط منذ عشرات السنين ولم تحقق أي تقدم أو إنجاز بعدما جربت “القومية العربية والنظام الاشتراكي والإسلام السياسي”، بينما الحل في نظره هو العودة إلى نظام الإمارات المحلية التي يحكمها “النظام القبلي”.
إسرائيل تحقق الإنجازات..
يقول “كيدار”: “مرت 51 سنة منذ حرب الأيام الستة، وخلال تلك المدة حققت إسرائيل تقدمًا في جميع المجالات: الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية، وخاصة في وضعها الجيوسياسي: فهناك دولتان عربيتان مجاورتان لإسرائيل – وهما مصر والأردن – أبرمتا معها اتفاقية سلام، كما أن هناك عدد من الدول العربية تقيم علاقات معها من وراء الكواليس. إضافة إلى أن إسرائيل عضو فخري في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، (OECD)، ويبلغ الدخل القومي للفرد فيها قرابة 40 ألف دولار سنويًا”.
حروب وتحديات..
يتساءل “كيدار”: “هل توصلت إسرائيل إلى حل جميع مشاكلها ؟”.. والجواب “لا” على الإطلاق، حيث اضطرت إسرائيل للقتال من أجل بقائها، حتى بعد حرب عام 1967، ففي عامي 1969 – 1970؛ كانت هناك “حرب الإستنزاف”، وفي عام 1973 اندلعت “حرب يوم الغفران”، وفي عام 1982 كانت “حرب لبنان الأولى”، ثم في عام 2006 نشبت “حرب لبنان الثانية”، ناهيك عن الإرهاب المستمر بين تلك الحروب، وفي الآونة الأخيرة هناك مشكلة كبيرة أخرى تواجه إسرائيل؛ ألا وهي “إيران”، لكن تلك المشكلة يمكن مواجهتها.
عجز الثقافة العربية !
في المقابل فإن العالم العربي لم يستفق بعد من آثار هزيمته في “حرب الأيام الستة”، ويرجع السبب الأساس في ذلك إلى الثقافة العربية التي تعجز عن مواجهة الفشل وما يصحبه من عار. فالاعتراف بالهزيمة يستوجب البحث عن أسبابها وعن الشخص المسؤول عنها، كما يستوجب أيضًا العمل للحيلولة دون تكرار الهزيمة.
لكن مجرد بحث أسباب الهزيمة ينطوي على إشكالية، لأن الشحص المسؤول عنها هو الحاكم بطبيعة الحال، وفي العالم العربي عام 1967، كان لا يُسمح للمواطنين بانتقاد الحاكم – “جمال عبدالناصر” في مصر، والملك “حسين” في الأردن، و”صلاح جديد” و”حافظ الأسد” في سوريا.
دور الحرب الإعلامية..
لقد إستهلت إسرائيل الحرب بتوجيه ضربة جوية دمرت أسلحة الطيران في كل من “مصر والأردن وسوريا”، كما وجهت ضربات للقوات الجوية “اللبنانية” و”العراقية”. ولم يتمكن الرئيس المصري، “عبدالناصر”، والملك الأردني، “حسين”، من تحمل ذلك العار فقررا، في محادثة هاتفية بينهما، إذاعة نبأ ضمن النشرات الإخبارية في بلديهما يزعم بأن سلاح الجو الأميركي هو الذي هاجم القواعد الجوية ودمر طائرات البلدين.
لكن جهاز المخابرات الإسرائيلي التقط تلك المحادثة، وبعد أن أذاعت المحطات الإذاعة المصرية والأردنية نبأ: “الهجوم الأميركي”، قامت الإذاعة الإسرائيلية ببث تلك المحادثة.
يزعم “كيدار” أن قيام إسرائيل ببث تلك المحادثة أظهر مدى كذب الديكتاتورَين المصري والأردني، وأثر ذلك كثيرًا على “عبدالناصر”؛ لدرجة أنه شعر بضرورة الاستقالة، فنزلت الجماهير إلى الشوارع في مظاهرات من صُنع النظام، أما هو “فقد رضخ لمطالب الجماهير” وتراجع عن استقالته.
ومات “عبدالناصر” بحسرته بعد ثلاث سنوات، على ما يبدو بسبب العار الذي لحق به من هزيمة “حرب الأيام الستة” وبسبب الحرج الذي وقع فيه بعد أن بثت إسرائيل محادثته الهاتفية مع الملك “حسين”.
“الأسد” يطيح بالرئيس..
في “سوريا” أيضًا، تسببت الحرب في حرج شديد للرئيس، “صلاح جديد”، ولوزير الدفاع، “حافظ الأسد”، الذي كان يشغل أيضًا منصب “قائد سلاح الطيران”، حيث كان الزعيمان يتحملان مسؤولية الهزيمة لأنهما عندما سيطرا على سوريا عام 1966، أي قبل عام من الحرب، قاما بإقالة ما يقرب من نصف ضباط الجيش بتهمة عدم الولاء للنظام.
كما أعدما العديد من الضباط في ذلك الوقت، مما جعل أداء الجيش السوري في تلك الحرب سيئًا للغاية. وكانت الهزيمة إحدى مبررات “الأسد” للإطاحة بـ”جديد” من الرئاسة في تشرين ثان/نوفمبر عام 1970.
سقوط القنيطرة..
بالنسبة لـ”سوريا”، تسببت إسرائيل في إحراج “الأسد” بشدة بسبب الطريقة التي إستولت بها على “مدينة القنيطرة”، الواقعة في مرتفعات “الجولان”، بتاريخ 10 حزيران/يونيو 67، حيث أذاعت إسرائيل نشرة إخبارية مزيفة على تردد الإذاعة الرسمية السورية، وأعلن المذيع – الذي كان جنديًا إسرائيليًا من أصل سوري – عن سقوط “القنيطرة” قبل بدء الهجوم عليها. وعندما سمع الجنود السوريون الذين كانوا يدافعون عن المدينة نبأ سقوطها في نشرة الأخبار فروا من المدينة دون قتال، لأن كل جندي منهم ظن أنه آخر من تبقى فيها.
إن الحرج الذي وقع فيه “الأسد” جراء احتلال “مرتفعات الجولان” بشكل عام؛ والطريقة التي سقطت بها “القنيطرة” بشكل خاص، جعله يعيش أزمة نفسية شديدة كانت تنتابه سنويًا في الـ 10 من حزيران/يونيو. ولم يتمكن “الأسد”، خلال ما يقرب من 30 عامًا في الحكم، من إعادة “مرتفعات الجولان” إلى سوريا أو إستعادة الكرامة لنفسه، إلى أن توفي في 10 حزيران/يونيو عام 2000.
تراجع القومية العربية..
أدت هزيمة “حرب الأيام الستة” إلى تراجع فكرة “القومية العربية”؛ التي كان أول من دعا إليها هو “عبدالناصر”، كوسيلة للإستيلاء على الدول العربية الأخرى من أجل تحقيق “الوحدة العربية”.
ولم تنجح تلك الفكرة سوى في إقناع “سوريا” بالإنضمام إلى “مصر” تحت مُسمى “الجمهورية العربية المتحدة”، واستمر ذلك لمدة ثلاثة أعوام من 1958 وحتى 1961.
فيما أدرك جميع الحكام العرب الآخرين أن شعار “الوحدة القومية العربية” لم يكن سوى ذريعة لـ”عبدالناصر” للسيطرة على بلادهم، وبالتالي رفضوا الإنضمام له.
هزيمة 67 عقاب من الله..
أدى تراجع فكرة “القومية العربية” إلى صعود الفكر المستقل، الذي يرى وجوب بقاء كل دولة عربية منفصلة ومستقلة، ولكن من ناحية أخرى، فقد دفع هذا التراجع الكثيرين للبحث عن سبب الفشل؛ فكانت وجهتهم بالتحديد نحو الرسالة الدينية.
وزعم الأئمة والخطباء، في تلك الفترة، بأن الفكرتين اللتين تبناهما العرب – سواء “القومية العربية” في مصر أو “البعث الاشتراكي” في سوريا – تتعارضان في جوهرهما مع “الدين”، لأنهما تجعلان القومية والمجتمع غاية الوجود، بما يعني تهميش الله. ومن هنا رأى خطباء المساجد أن الهزيمة في تلك الحرب كانت عقابًا من الله لتلك الدول لأنها أعرضت عنه.
صعود الإسلام السياسي..
كانت تلك الرؤية الدينية لـ”حرب الأيام الستة” هي سمة دعاة جماعة “الإخوان المسلمين”، الذين بذلوا أقصى ما في وسعهم للسيطرة على “مصر” و”سوريا”.
وبسبب زيادة شعبية “الإخوان المسلمين” في “مصر”، قام “عبدالناصر”، ثم خلفه “أنور السادات”، بإعدام قيادات الإخوان بشكل روتيني.
لكن “الإخوان”، في “سوريا”، نظموا أنفسهم بهدوء وقاموا بتمرد علني عام 1976. فشن “الأسد” ضدهم حرب إبادة وأحبط تمردهم بمجزرة في “مدينة حماة”، في شباط/فبراير 1982.
ويُعد أيضًا صعود الإسلام السياسي، كبديل للإيديولوجيات العلمانية والحداثية على مدى الخمسين عامًا الماضية، من تداعيات هزيمة “حرب الأيام الستة” وإفلاس الإيديولوجيات العلمانية.
لذلك يمكن اعتبار “الإرهاب الإسلامي”، الذي يعاني منه العالم كله اليوم، بمثابة رد فعل متأخر ونتيجة غير مباشرة لـ”حرب الأيام الستة”.
حرب المُسميات..
لقد وصفت “إسرائيل” تلك الحرب بأنها: “حرب الأيام الستة”؛ للتأكيد على أنها نجحت خلال ستة أيام فقط في هزيمة ثلاث دول عربية. بينما إعتاد الخطاب الإعلامي العربي على تسمية تلك الحرب بــ”حرب حزيران/يونيو 1967″؛ للإيحاء بأنها دامت شهرًا كاملاً، بل إن البعض يطلق عليها، “حرب 1967″، وكأنها استمرت عامًا كاملاً.
وفي الإعلام السوري لا يصفون تلك الحرب بأنها “حرب”، بل يسمونها “العدوان”، لأن الحرب تدور أحداثها بين دولتين، أما العدوان فهو عمل أحادي الجانب تشنه إحدى الدول، فيما لا تستخدم الآخرى قواتها على الإطلاق. وتسمية تلك الحرب بالـ”عدوان” تحمل رسالة ضمنية مفادها: “أننا كعرب لم نُهزم لأننا لم نقاتل على الإطلاق”.
الاحتلال الإسرائيلي حرر الفلسطينيين من قبضة المخابرات الأردنية !
حتى اندلاع “حرب الأيام الستة”، كانت “الأردن” تسيطر على “الضفة الغربية” وتُحبط أي محاولة من جانب السكان المحليين لتعزيز الشعور الوطني “الفلسطيني” المنفصل عن المملكة الأردنية.
وتحرير تلك المناطق من “الاحتلال الأردني” جعل أيضًا سكانها العرب يتحررون من قبضة “المخابرات الأردنية”، فيما أفسحت “إسرائيل” المجال أمامهم للحديث والكتابة والترويج لفكرة “القومية الفلسطينية” دون مشكلة، طالما أنهم لا يقومون بنشاط ضد “إسرائيل”.
لذلك؛ فمن المفارقة أن “حرب الأيام الستة” ساعدت السكان العرب في “الضفة الغربية” و”قطاع غزة” على إختراع فكرة “الشعب الفلسطيني”، وتضخيمها إلى الحد الذي هي عليه اليوم، لدرجة إقناع “فريق كرة القدم الأرجنتين” بعدم المجيء إلى “القدس” لخوض مباراة ودية مع الفريق الإسرائيلي.
سقوط “القومية الفلسطينية”..
بحسب “كيدار”؛ فإن فكرة “القومية الفلسطينية” تتلاشى، هي الأخرى، أمام أعيننا لأن المنظمة الرئيسة التي تروج لها – وهي “منظمة التحرير الفلسطينية” – قد وقعت على اتفاقية سلام مع إسرائيل، في أيلول/سبتمبر 1993، بل إنها تتعاون مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية للتضييق على فصائل المقاومة.
كما أن “حركة حماس” قضت هي الأخرى على فكرة “القومية الفلسطينية” بتمردها في “قطاع غزة”، في حزيران/يونيو 2007، وبذلك يتضح أن تلك الفكرة لم تكن أقوى من فكرة “القومية العربية”، التي سقطت في “حرب الأيام الستة”.
النظام القبلي.. هو الحل !
يشير “كيدار” إلى أن العرب يعيشون الأوهام ويتخبطون بين الإيديولوجيات الحداثية المستوردة من أوروبا، والتي إنهارت في “ستة أيام”، على الرغم من أن الشيء الوحيد القادر على إدارة الدولة العربية هو “النظام القبلي”، فهو النظام الوحيد الذي أفرزته ثقافة الشرق الأوسط، تلك الثقافة الصحراوية والقبلية.
وتعتبر “الإمارات الخليجية” هي الدول العربية الوحيدة الناجحة، والسبب الوحيد لذلك هو أن كل دولة منها تقوم على قبيلة واحدة ذات نفوذ.
لقد حان الوقت لأن يستفيق العالم العربي من أوهامه؛ وأن يقوم – بمساعدة الغرب وروسيا – بهدم الدول الفاشلة والمُصطنعة التي أقامها المستعمرون في المنطقة، يُقيم على أنقاضها – المادية والإيديولوجية – إمارات ناجحة ومزدهرة تحت سيطرة القبائل المحلية، على غرار “الإمارات الخليجية”.