وكالات – كتابات :
عانت الساحة السياسية الإسرائيلية من الجمود السياسي خلال عامين تخللتهما أربع جولات انتخابية لـ (الكنيست)، قبل أن يُطيح الائتلاف الحكومي الحالي بزعامة؛ “بينت-لابيد)، برئيس الوزراء السابق؛ “بنيامين نتانياهو”، الذي استمر في الحكم طوال: 12 عامًا متواصلة دون انقطاع.
بيد أن الأزمات الداخلية باتت تُطارد الائتلاف الحالي منذ خسارة الائتلاف؛ “الهش في الأساس”، الأغلبية في (الكنيست)، في نيسان/إبريل الماضي، وتزايد التباينات داخل الائتلاف، وتماسُك كتلة المعارضة بزعامة (الليكود)، وإصرارها على تفكيك الائتلاف الحاكم؛ الأمر الذي يُتوقع أن يتسبب في المزيد من التعثر والإرباك للحكومة مع عدم استبعاد اتجاهها نحو: “الانهيار البطيء”؛ بحسب “أحمد عبدالقادر يحيى”، في تحليله الذي نشر على موقع مركز (إنترريغونال) للتحليلات الإستراتيجية.
موضحًا: إذ يأتي كل هذا مع تماسك المعارضة بزعامة؛ “نتانياهو”، وتحركات نشطة من قبلها لتفكيك الائتلاف الحاكم؛ الأمر الذي دفع وزير الخارجية الإسرائيلي ورئيس الوزراء المناوب؛ “يائير لابيد”، يوم 11 حزيران/يونيو 2022، إلى التعهد بالقتال من أجل المحافظة على الحكومة الإسرائيلية، وتوعد من يُعرضها للخطر: “بدفع الثمن”.
انتكاسات مستمرة..
تعددت في الفترة الأخيرة مؤشرات فشل الحكومة الإسرائيلية، لا سيما على صعيد تماسُك الائتلاف الحكومي وأدائه في (الكنيست)، وهو ما يُمكن تناوله على النحو الآتي:
01 – تفاقُم الانقسامات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي: تُعاني الساحة السياسية الإسرائيلية من انقسامات واستقطابات حادة في السنوات الأخيرة، وهو ما أدى إلى إجراء أربع جولات انتخابية؛ قبل أن ينجح الائتلاف الحكومي الحالي؛ (ائتلاف التغيير)، في تشكيل الحكومة؛ في حزيران/يونيو 2021، قبل عام من الآن.
لكن يبدو أن الائتلاف الحالي؛ المكون من أحزاب يمينية ويسارية وحزب عربي، لم يستطع أن يُخفف من الانقسامات المتصاعدة في الداخل الإسرائيلي؛ حيث يُشير أحدث استطلاعات الرأي في “إسرائيل”؛ الصادر عن “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية”، إلى أن غالبية الإسرائيليين يعتقدون أن التوترات الداخلية قد تفاقمت في ظل الحكومة الحالية.
وترتبط الانقسامات الداخلية في “إسرائيل” – بقدرٍ كبير – بتزايُد قوة ونفوذ الجماعات اليهودية المتطرفة أو ما تًعرف: بـ”الصهيونية الدينية”، وهو ما تُظهره الكثير من استطلاعات الرأي في “إسرائيل”، بالإضافة إلى ضعف – وربما تماهي – الحكومة الإسرائيلية إزاء تصرفات تلك الجماعات، على نحو ما ظهر مؤخرًا في الاستفزازات المتكررة في “القدس”، والاقتحامات المتكررة لـ”المسجد الأقصى”.
02 – تصاعُد التحذيرات من “زوال دولة إسرائيل”: في ظل الانقسامات السياسية المتصاعدة بدرجة لافتة على الساحة الإسرائيلية، برزت في الفترة الأخيرة الكثير من التحذيرات بشأن: “مستقبل إسرائيل”، فقد عبَّر رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ “نفتالي بينيت”، عن: “تشاؤمه إزاء مستقبل إسرائيل”.
وفي منشورٍ له بمناسبة الاحتفالات بعيد “البواكير”، قال “بينيت” إن: “إسرائيل تقف أمام اختبار حقيقي، وتشهد حالة غير مسبوقة تقترب من الإنهيار، وتواجه مفترق طرق تاريخيًا. علينا أن نذكر كيف تفككت دولتنا في التاريخ القديم قبل ألفي عام مرتين، بسبب الصراعات الداخلية الأولى؛ عندما كان عمرها: 80 عامًا، والثانية عندما كان عمرها: 77 عامًا. ونحن الآن نعيش في حقبتنا الثالثة ونقترب من العقد الثامن، ونقف جميعًا أمام اختبار حقيقي، فهل سنتمكن من الحفاظ على دولتنا ؟”.
يأتي هذا بعدما حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق؛ “إيهود باراك”، في مقالة نشرها يوم 08 آيار/مايو الماضي، بصحيفة (يديعوت أحرونوت)؛ تحت عنوان: “حول وجود إسرائيل”، من خطر زوال “إسرائيل”.
واعتبر “باراك”؛ أن ما يُهدد “إسرائيل” ليس الفلسطينيين ولا “إيران” ولا (حزب الله)، بل الانقسامات والانشقاقات الداخلية، والكراهية المتصاعدة بين اليهود، لافتًا إلى أن: “الأمم التي لم تعرف كيف ترص صفوفها اختفت من خارطة التاريخ”.
جدير بالذكر أن صحيفة (يسرائيل هيوم)؛ قد نشرت مؤخرًا نتائج استطلاع رأي يؤكد تلك المخاوف؛ حيث أوضح الاستطلاع أن: 69% من الإسرائيليين يخشون على مصير دولتهم.
03 – تزايُد الانشقاقات داخل الائتلاف الحكومي: يرى الكثير من المراقبين أن الحكومات الإسرائيلية – في المعتاد – لا تنهار بسبب المعارضة الخارجية، بل بسبب الانقسامات الداخلية. وتُحفز طريقة تشكيل الائتلاف الحكومي الحالي والتوجهات المتباينة للأطراف؛ التي يتكون منها وطبيعة التحديات التي يواجهها، بروز التباينات والانقسامات المختلفة داخل الائتلاف، وهو ما برز في نيسان/إبريل الماضي؛ بعد إعلان النائبة عن حزب (يمينا)؛ “إيديت سيلمان”، الانسحاب من الائتلاف الحاكم.
وفي نيسان/إبريل أيضًا، أعلنت “القائمة العربية الموحدة للحركة الإسلامية”؛ (راعم)، عن تجميد عضويتها في الائتلاف الحكومي و(الكنيست) بسبب: “العنف بين الشرطة الإسرائيلية والفلسطينيين في القدس”، قبل أن تعود القائمة مرة أخرى إلى الائتلاف الحكومي.
واستمرارًا لمسلسل الانسحابات من الائتلاف الحكومي، أعلنت النائبة العربية عن حزب (ميرتس) اليساري؛ “غيداء زعبي”، انسحابها من الائتلاف؛ في آيار/مايو الماضي، قبل أن تعدل عن قرارها في وقت لاحق بعد مفاوضات مع وزير الخارجية؛ “يائير لابيد”.
وقد أدت هذه التطورات إلى فُقدان الائتلاف الأغلبية في (الكنيست): بـ 60 مقعدًا، ومواجهة الحكومة الإسرائيلية وضعًا أكثر تعقيدًا في (الكنيست)، لا سيما مع تهديد بعض النواب الآخرين بالانسحاب من الائتلاف والشروع في إجراء مفاوضات للحصول على مكاسب مقابل البقاء في الائتلاف. وهو ما تجلى مؤخرًا مع النائب عن حزب (يمينا)؛ نير أورباخ”، الذي كشفت بعض المصادر أن “بينيت” طلب منه التريث في إعلان انشقاقه من الائتلاف لعدة أسابيع.
وقد دفعت هذه الانشقاقات؛ رئيس الحكومة المناوب “يائير لابيد”، إلى تحذير أعضاء الائتلاف الحاكم من إنهيار الحكومة، معتبرًا أن: “أي شخص يُعرِّض هذه الحكومة للخطر من الداخل؛ يجب أن يعلم أنه سيدفع الثمن. لدي صفقة أفضل لكم: قاتلوا من أجل هذه الحكومة معًا”، كما تعهد “لابيد” بأنه: “سيُقاتل” من أجل استمرار الحكومة الحالية.
04 – فشل متواصل للائتلاف الحاكم في (الكنيست): على الرغم من نجاح الائتلاف الحاكم، في تشرين ثان/نوفمبر 2021، في تمرير أول ميزانية عامة في “إسرائيل”، بعد نحو 03 سنوات من الفشل في تمريرها، فإن تزايُد الانقسامات داخل الائتلاف وفقدانه الأغلبية في (الكنيست) والتحديات التي تُفرضها المعارضة الإسرائيلية بزعامة؛ “بنيامين نتانياهو”، كلها تحديات من المتوقع أن تنعكس سلبًا على قدرة الائتلاف على تمرير القوانين داخل (الكنيست)، لا سيما مع تعهد أحزاب المعارضة بعدم دعم أي تشريع ترعاه الحكومة، وهو ما تجلى مؤخرًا في فشل الحكومة في تمرير ما يُعرف: بـ”القانون الجنائي الإسرائيلي في المستوطنات الإسرائيلية وعلى المستوطنين”، وهو القانون الخاص بتمديد أنظمة الطواريء في “الضفة الغربية”؛ وذلك بعد معارضة: 58 نائبًا مقابل موافقة: 52 فقط.
وقد كان لافتًا تصويت نائبين من الائتلاف الحاكم ضد القانون؛ هما النائب “مازن غنايم”، من القائمة العربية الموحدة؛ (راعم)، والنائبة “غيداء زعبي”، من حزب (ميرتس)، كما تغيب عن التصويت باقي نواب (القائمة الموحدة): “منصور عباس” و”إيمان ياسين” و”وليد طه”.
واستمرارًا للأزمة الداخلية التي يعيشها الائتلاف الحاكم، صادق (الكنيست) الإسرائيلي في قراءة أولية؛ يوم 09 حزيران/يونيو الجاري، على مشاريع قوانين قدمتها المعارضة لرفع الحد الأدنى للأجور؛ حيث فشل الائتلاف في منع تمرير التشريع الذي تقدمت به (القائمة المشتركة) غير المنضوية في الحكومة، وتلقى دعمًا مع بعض نواب الائتلاف الذين لم يلتزموا بموقف الحكومة، وعلى رأسهم نواب (القائمة الموحدة)؛ عدا رئيسها: “منصور عباس”، الذي تغيب عن التصويت، كما صوتت النائبة؛ “غيداء زعبي”، لصالح مشاريع القوانين.
05 – تنامي التنافس بين “لابيد” و”بينيت”: بالتوازي مع الانقسامات المتصاعدة داخل الائتلاف الحكومي والفشل المتكرر في (الكنيست)، تحدثت بعض التقارير الإسرائيلية عن خلافات متزايدة بين رئيس الوزراء؛ “نفتالي بينيت”، ورئيس الوزراء المناوب وزير الخارجية؛ “يائير لابيد”، حول كيفية تطبيق الاتفاقات الائتلافية، لا سيما ما يتعلق بالشخصية التي يُفترض أن تتولى رئاسة الحكومة الانتقالية إذا سقطت الحكومة الحالية.
وبحسب صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبرية، فإن هذه التفاهمات تنص على أنه: “إذا تسبب اليمين في إسقاط الحكومة، فإن وزير الخارجية؛ يائير لابيد، سيتولى منصب رئيس الوزراء المؤقت ضمن حكومة انتقالية لحين إجراء انتخابات جديدة”.
لكن لو تسببت الأحزاب اليسارية في سقوط الحكومة، يبقى رئيس الوزراء الحالي؛ “نفتالي بينيت”، رئيسًا للحكومة، ومن ثم فإن الصراع في الوقت الحالي يدور أساسًا حول سعي الطرفين إلى إثبات الطرف المسؤول عن سقوط الحكومة، لا سيما مع اعتبار بعض المقربين من “لابيد” أن انسحاب النائبة؛ “إيديت سليمان”، كانت الخطوة الرئيسة التي أدت إلى الأزمة الحالية.
وفي السياق نفسه؛ اعتبر موقع (والا) العبري، أن ضغوط “بينيت”؛ على النائب عن حزب (يمينا)؛ “نير أورباخ”، بشأن تأجيل انشقاقه عن الائتلاف بضعه أسابيع، إنما تهدف في الأساس إلى إعطاء فرصة أكبر أمام انشقاق أحد أعضاء (الكنيست) من الأحزاب اليسارية أو من حزب (يش عتيد)؛ الذي يقوده “لابيد”، ومن ثم لا تُصبح الأحزاب اليمينية هي المسؤولة عن إسقاط الحكومة، وحينها يُمكن لـ”بينيت”، أن يبقى رئيسًا لحكومة انتقالية.
06 – إصرار المعارضة على تفكيك الائتلاف الحكومي: تسعى المعارضة اليمينية بقيادة؛ “بنيامين نتانياهو”، إلى تفكيك الائتلاف الحكومي الحالي منذ اللحظة الأولى لتشكيله، بيد أن توحد أقطاب الائتلاف على هدف: “الإطاحة؛ بنتانياهو، بعد 12 سنة في السلطة” أدى إلى صمود الائتلاف على الرغم من تباين أهداف ورؤى الكتل المُشكلة له.
لكن يبدو أن هذا المعارضة اليمينية نجحت خلال الفترة الأخيرة؛ في إحداث الكثير من النجاحات في إطار سعيها إلى تفكيك الائتلاف، وقد بدا ذلك على نحو جلي في انشقاق النائبة عن حزب (يمينا)؛ “إيديت سليمان”، في نيسان/إبريل الماضي، وخسارة الحكومة للأغلبية في (الكنيست) بواقع: 60 نائبًا.
كما تُمارس المعارضة ضغوطًا كبيرة على نواب كتلة (يمينا)؛ “نير أورباخ” و”أفير قرا” لثنيهما عن الاستمرار في الائتلاف، وسط توقعات بأن يُعلن “أورباخ” انشقاقه عن الائتلاف قريبًا.
من ناحية أخرى؛ أكدت الكثير من التقارير وجود مفاوضات جادة بين أحد أقطاب الائتلاف الحكومي وزير القضاء؛ “جدعون ساعر”، وبين حزب (الليكود) من أجل تشكيل حكومة إسرائيلية بديلة داخل (الكنيست) الحالي.
وعلى الرغم من نفي حزبي (الليكود) و(أمل جديد) لهذه التسريبات، فإن معظم المؤشرات تُرجح حدوثها، بالنظر إلى تعدد الجهات التي أكدت حدوث تلك المفاوضات، والطموح السياسي المعهود؛ لـ”جدعون ساعر”، وسعي “نتانياهو” إلى تفكيك الائتلاف الحالي بشتى الطرق.
وفي السياق نفسه؛ وفي تطور لافت، أشار “منصور عباس”؛ رئيس القائمة العربية الموحدة؛ (راعم)، يوم 11 حزيران/يونيو الجاري، إلى أنه مستعد لدعم حكومة إسرائيلية يقودها؛ “بنيامين نتانياهو”، بل إن “عباس” لم يستبعد الجلوس مع النائبين المتطرفين؛ “بن غفير” و”سموتريتش”، من أجل تشكيل حكومة. وهو ما يؤكد نجاح المعارضة الإسرائيلية في إحداث الكثير من التباين داخل الائتلاف الحاكم؛ حيث إنه لطالما أعلن “عباس”؛ في السابق، إلتزامه بالائتلاف الحكومي الحالي، وعدم العمل على تفككه، بالرغم من كل الضغوط التي واجهها بسبب الاستفزازات الإسرائيلية في “القدس”.
يتوازى كل هذا مع تفوق واضح للمعارضة في استطلاعات الرأي؛ حيث تُشير أحدث استطلاعات الرأي الصادرة عن القناة (13) الإسرائيلية، إلى أنه إذا أُجريت انتخابات جديدة، فإن أحزاب اليمين سوف تحصل على: 60 مقعدًا مقابل: 53 لصالح الائتلاف الحكومي الحالي، في ظل توقعات بعدم تجاوز (راعم) نسبة الحسم، وحصول القائمة العربية المشتركة على: 07 مقاعد.
مسألة وقت..
وختامًا؛ تواجه الحكومة الإسرائيلية تحديات جمة تُنذر بتفككها، خاصةً مع تعمق الانقسامات داخل الائتلاف الحكومي “الهش بالأساس”، والتهديدات المتكررة بالانسحاب منها، وتبادل الاتهامات بالتخوين والمسؤولية عن إفشال الائتلاف، يتوازى كل هذا من تماسُك واضح لكتلة المعارضة بزعامة (الليكود)، وتحركات نشطة لـ”بنيامين نتانياهو”، لاستقطاب نواب الائتلاف الحالي، ومن ثم العمل على تشكيل حكومة جديدة من داخل (الكنيست) بعد طرح الثقة بالحكومة الحالية.
أو العمل على الوصول إلى مرحلة “الجمود التشريعي”؛ وتعطيل تمرير القوانين في (الكنيست)، لا سيما قانون الميزانية، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى حل (الكنيست) والذهاب إلى انتخابات جديدة.
وعلى كلٍ، فإن الساحة السياسية الإسرائيلية يبدو أنها تتهيأ لمرحلة ما بعد حكومة “بينيت-لابيد”؛ حيث يُتوقع أن تتسارع وتيرة المفاوضات السرية بين النواب والأحزاب الرئيسة خلال الفترة المقبلة؛ الأمر الذي قد يُعجل بانشقاق المزيد من نواب الائتلاف الحكومي الحالي.
ليس هذا فحسب، بل إن الخلافات “المكتومة”؛ بين قطبي الحكومي؛ “بينيت-لابيد”، قد تطفو على السطح خلال المرحلة المقبلة؛ حيث يسعى الجميع إلى تأمين أكبر مكاسب سياسية وانتخابية ممكنة تحوطًا للسقوط المحتمل للحكومة.