وكالات – كتابات :
لعبت الإدارة الأميركية دورًا مهمًا في تعزيز القدرات الدفاعية لـ”أوكرانيا”؛ لصد الهجمات العسكرية الروسية، وتعزيز قدراتها على الدفاع عن وحدة أراضيها وسيادتها؛ حيث عملت على تزويد “كييف” بمجموعة مختلفة من الأسلحة الأميركية والصواريخ المتطورة، فضلاً عن المعلومات الاستخباراتية التي مكَّنتها من استهداف بعض جنرالات الجيش الروسي، وموافقة “الكونغرس” على حزمة مساعدات عسكرية واقتصادية وإنسانية لـ”أوكرانيا” بقيمة: 40 مليار دولار، لكنها ترفض تزويد “كييف” بأنظمة قاذفات صواريخ بعيدة المدى قادرة على ضرب أهداف داخل الأراضي الروسية؛ على حد ما استهل مركز (إنترريغونال) للتحليلات الإستراتيجية، ورقة تحليل موقف الرفض الأميركي “المُعلن” لتزويد “أوكرانيا” ببعض الصواريخ بعيدة المدى.
أهداف أميركية..
قائلاً: أرسلت الإدارة الأميركية صواريخ مختلفة إلى “أوكرانيا”، على غرار صواريخ (ستينغر) و(غافلين)، ومدافع الـ (هاوتزر)، وستُرسل في الدفعة الأخيرة، التي تصل قيمتها إلى: 700 مليون دولار أميركي، صواريخ (غافلين) المضادة للدبابات، ورادارات المراقبة الجوية والمركبات التكتيكية، وطائرات مروحية، وقطع غيار تسمح لـ”كييف” بإجراء صيانة على معداتها العسكرية، فضلاً عن “نظام الصواريخ الموجهة المتعدد الإطلاق”، الذي من المُرجح أن يكون من طراز (هيمارس) العالي الحركة.
وقد هدفت الإدارة الأميركية من هذا الدعم؛ تحقيق جملة من الأهداف الرئيسة من أبرزها:
01 – تعزيز القدرات الدفاعية الأوكرانية: أشار العديد من مسؤولي الإدارة الأميركية إلى أن الإمدادات العسكرية الأميركية؛ لـ”أوكرانيا”، تهدف إلى معاونة “كييف” على التصدي للغزو الروسي، وضرب أهداف محددة، بما في ذلك مستودعات الإمدادات الروسية، وهو ما سيضع القوات الروسية في مأزق لوجستي، وسط الأخبار المتداولة حول أن القوات الروسية تواجه مشاكل لوجستية، وتتبع تكتيكات غير مرنة في ساحات القتال، بما قد يُساعدها على تغيير موازين القتال لصالح “كييف”.
وقد أوضحت الإدارة الأميركية أنها ستُدرب الجيش الأوكراني؛ خلال فترة قد تزيد عن 10 أيام، على كيفية استخدام الصواريخ المُرسلة، وسيتم البدء في هذا الأمر بسرعة حتى يمكن الاستفادة من أنظمة الصواريخ المُرسلة والمنتجة من جانب شركة “لوكهيد مارتن”.

02 – الحفاظ على سيادة واستقلال “أوكرانيا”: ذكر الرئيس الأميركي؛ في مقاله بصحيفة (نيويورك تايمز)؛ في 31 آيار/مايو الفائت، بعنوان: “ما الذي ستفعله وما الذي لن تفعله أميركا في أوكرانيا ؟”، أنه يرغب في رؤية “أوكرانيا”: “تنعم بالديمقراطية والاستقلال والسيادة والإزدهار”، وأن يكون لديها ما يُمكِّنها من الدفاع عن نفسها وردع أي عدوان، وأن تكون في وضع أفضل على طاولة المفاوضات، التي تعكس الحقائق على الأرض.
03 – إنهاك القوة العسكرية الروسية: في ظل تبني الإدارة الأميركية إستراتيجية: “منافسة القوى العظمى” مع خصمَيْها الإستراتيجيَّين: “روسيا” و”الصين”، اللتين تُشكِّلان تحديًا للقوة والنفوذ الأميركي دوليًا، فقد ذهبت تحليلات غربية إلى أن “الولايات المتحدة” ترغب من تعزيز القدرات الدفاعية الأوكرانية؛ لإطالة أمد الحرب الروسية في “أوكرانيا”؛ لتكون مستنقعًا للقوات الروسية وإنهاكها عسكريًا، كما فعلت في ثمانينيات القرن المنصرم بإنهاك القوات السوفياتية خلال فترة “الحرب الباردة”؛ في “أفغانستان”؛ وذلك بهدف تحييد القوة الروسية على الساحة الدولية؛ لتُركز “الولايات المتحدة” على مواجهة الصعود والتحدي الصيني لها.
04 – الرد على انتقادات الجمهوريين: يأتي قرار الإدارة الأميركية؛ مد “أوكرانيا” بالمزيد من الأسلحة، ردًا على الانتقادات الجمهورية للإدارة الأميركية حول تلكُّؤها في تقديم يد العون والمساعدات المطلوبة العاجلة إلى “كييف” لدعمها في مواجهة الضربات العسكرية الروسية المستمرة؛ فعلى سبيل المثال، غرَّد السيناتور الجمهوري؛ “روب بورتمان” قائلاً: “كان واضحًا خلال اجتماعاتي في أوروبا، بما في ذلك الاجتماع مع مسؤول اتصال أوكراني بارز في مركز القيادة الأوروبية للجيش الأميركي، ودول حليفة أخرى، أن أوكرانيا تحتاج إلى نظام الأسلحة هذا الآن للدفاع ضد الهجوم الروسي المستمر عليها”.
دلالات الرفض..
حاولت “أوكرانيا” الحصول على أنظمة قاذفات صواريخ بعيدة المدى قادرة – من منظورها – على تغيير موازين الحرب لصالحها، لكن الإدارة الأميركية رفضت مدها بهذا النوع من الصواريخ، بما يحمل مجموعة من الدلالات؛ يمكن إيجازها فيما يأتي:
01 – تجنُّب التصعيد ضد “موسكو”: فسر الرئيس؛ “جو بايدن”، عدم إرساله صواريخ بعيدة المدى إلى “أوكرانيا” تُساعدها على ضرب أهداف داخل الحدود الروسية؛ بأن “الولايات المتحدة” لا ترغب في الاصطدام المباشر بـ”روسيا”؛ لذلك أكتفت بالصواريخ القادرة على ضرب أهداف تصل إلى: 80 كيلومترًا، ولم تُرسل صواريخ أميركية قادرة على ضرب أهداف على مدى يزيد عن أكثر من: 298 كيلومترًا؛ حيث رفضت “واشنطن” مد “كييف” بنظام الصواريخ التكتيكية؛ (أتاكمز-ATACMS)؛ نظرًا إلى أن هذا النظام قادر على تمكين “كييف” من ضرب أهداف داخل الأراضي الروسية، بما في ذلك المراكز الحضرية والقواعد العسكرية الروسية والمطارات داخل بعض المدن الروسية.
وعلى الرغم من إعلان الإدارة الأميركية أن هدفها من عدم إمداد “كييف” بصواريخ بعيدة المدى؛ تجنب الانخراط في صراع مباشر ضد “روسيا”؛ قال “سيرغي ريابكوف”؛ نائب وزير الخارجية الروسي، نقلاً عن وكالة الأنباء الروسية؛ (ريا نوفوستي)، إن: “خطط الولايات المتحدة للدعم العسكري لكييف في الصراع؛ تعدٍّ غير مسبوق وخطير”، مشيرًا إلى أن: “أي توريد للأسلحة إلى أوكرانيا، بغض النظر عن الحجج الأميركية، يُزيد مخاطر الاصطدام المباشر بين موسكو وواشنطن”.
02 – تشجيع التوصل إلى اتفاق دبلوماسي: قد يكون الهدف من عدم إرسال “الولايات المتحدة” صواريخ بعيدة المدى إلى “أوكرانيا”؛ هو تشجيع “روسيا” على الدخول في مفاوضات سلام مع “أوكرانيا”؛ وذلك بعدما قد تكون الأخيرة قد ضغطت عليها وعلى مواردها العسكرية من خلال الأسلحة المختلفة؛ التي تحصل عليها من “واشنطن” وحلفائها؛ حيث قال الرئيس “بايدن”، خلال مقالته السالفة الذكر، إن: “الدبلوماسية هي السبيل الأمثل لحل هذا الصراع”، مشيرًا إلى أن الدعم العسكري المُقّدم لـ”أوكرانيا” يهدف إلى مساندتها على الصمود في القتال، ومنحها موقفًا أقوى على طاولة المفاوضات مع “موسكو”؛ بحسب ما أدعى التقرير.

03 – الحفاظ على مصالح الحلفاء الأوروبيين: لا تزال لدول “الاتحاد الأوروبي” مصالح كبيرة مع “روسيا”؛ لذلك لن ترغب “الولايات المتحدة” في تهديد تلك المصالح؛ حيث إن ممارسة ضغط قوي على “موسكو” قد يدفعها إلى الإضرار بمصالح الحلفاء، التي يأتي على رأسها مد الحلفاء الأوروبيين بـ”الغاز الروسي”.
وفي ضوء ذلك؛ رفض “بايدن” إرسال أنواع معينة من الصواريخ، موضحًا أنه سيستمر في التعاون مع الحلفاء لتطبيق العقوبات الاقتصادية على “روسيا”، كما سيستمر في تقديم أنواع مختلفة من الأسلحة إلى “أوكرانيا” تُمكِّنها من الصمود، فضلاً عن المساعدات المالية، والتعاون مع الحلفاء لمواجهة أزمة الغذاء العالمية التي تزيد بسبب الغزو الروسي لـ”أوكرانيا”، بجانب تسريع الانتقال إلى الطاقة النظيفة؛ لتقليل اعتماد الحلفاء على “موسكو”، وتعزيز قدرات الجناح الشرقي لحلف الـ (ناتو)، والترحيب بانضمام “السويد وفنلندا” إلى الـ (ناتو) لدعم أمن الحلف.
04 – تأكيد النوايا الأميركية: أوضح “بايدن”؛ أن “الولايات المتحدة”، لا تسعى إلى الإطاحة بالرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، كما أنها لن تسعى إلى إذكاء الحرب بين “موسكو” وحلف الـ (ناتو)، وكذلك لن تُرسل قوات أميركية للقتال في “أوكرانيا”، ولن تُهاجم القوات الروسية؛ لذلك أمتنعت الإدارة الأميركية عن دعم “أوكرانيا” بقدرات عسكرية قادرة على استهداف الأراضي الروسية، لكنها دعمتها بما يؤكد الإلتزام الأميركي بمساندة حلفائها وأصدقائها حول العالم؛ بحسب التحليل المنحاز.
إنهاك “موسكو”..
وختامًا؛ لتقرير الحالة الذي يدعم الرؤية الغربية وينضم لقطيع الآلة الدعائية الأميركية، قائلاً: يمكن القول إن الدعم الأميركي لـ”أوكرانيا” يأتي في إطار رغبة “الولايات المتحدة” في دفع “روسيا” إلى طاولة المفاوضات، من خلال مساعدة “أوكرانيا” على الصمود لفترة أطول في الصراع؛ لإنهاك الجانب الروسي الذي يُعاني في الأساس من مشكلات لوجستية، كما أن “واشنطن” لا ترغب في إشعال فتيل الحرب بين “موسكو” ودول حلف الـ (ناتو)؛ لأنها بذلك ستضر بمصلحة حلفائها داخل القارة الأوروبية؛ لذلك رفضت أن تُرسل إلى “كييف” صواريخ بعيدة المدى تُمكِّنها من استهداف الأراضي الروسية.