خاص : ترجمة – د. محمد بناية:
زيارة الرئيس الصيني؛ “شي جين بينغ”، الأخيرة؛ لـ”الولايات المتحدة”، والتي استغرقت مدة ثلاثة أيام، ولقاءه نظيره الأميركي؛ “جو بايدن”، مدة 04 ساعات بمدينة “سان فرانسيسكو”؛ في أجواء حرب “غزة”، حيث “الولايات المتحدة” طرف رئيس، لم تؤثر على أخبار الحرب بغض النظر عن دلالات هذه الزيارة. بحسب “صابر گلعنبري”؛ في التقرير المنشور على موقع مؤسسة (الدراسات التحريرية) الإيرانية.
وتلك هي الزيارة الأولى للرئيس الصيني إلى “الولايات المتحدة”؛ منذ عام 2017م، واللقاء الثاني مع نظيره الأميركي بعد الأول على هامش اجتماعات “مجموعة العشرين”؛ في “إندونيسيا”.
السيطرة على التوترات..
وتعكس هذه الزيارة التي تلت سنوات من التوترات؛ إرادة البلدين للسّيطرة على هذه التوترات وإعادة العلاقات الثنائية إلى مسّار ثبات في ظل أجواء دولية بالغة الصعوبة ومعقدة. والمحرك الرئيس لذلك التوجه هو مصالح والتزامات هاتان القوتان الاقتصاديتان العالميتان.
والأهم من دعوة “بايدن” ودلالاتها، هو استجابة “جين بينغ” التي تأتي بعد سنوات من التوتر المنصب على الاستفزازات الجيوسياسية الأميركية في الفناء الأمني الصيني بـ”تايوان” و”المحيط الهاديء”، وتشكيل جبهة إقليمية مضادة لـ”الصين”، في منطقة جنوب شرق آسيا.
والمؤكد أن هذا السلوك الأميركي يفوق قلق “واشنطن” إزاء التهديد الصيني لمستقبل السّيطرة العالمية الأميركية، واحتمال بروز أوضاع جديدة يصعب معها احتواء التنين الصيني.
تماهي السياسة الخارجية الصينية..
من ثم؛ فإن زيارة “جين بينغ”؛ لـ”الولايات المتحدة”، والتغاضي عن العقبات سابقة الذكر فضلًا عن الاتهام بالديكتاتورية حتى خلال الزيارة الأخيرة، إنما ينم عن غلبة العقلانية البراغماتية في سياسات “الصين” الخارجية، التي هي نتاج المنطلق الاقتصادي للسوق الحر والالتزامات الدولية باعتبارها المحرك الرئيس لتلكم السياسيات.
والحقيقة بقدر ما في سياسة “جين بينغ” الداخلية من استبداد مطلق يتغذى على إيديولوجية “ماو تسي تونغ”؛ تتضح في السياسة الخارجية ملامح العداء لتلك الإيديولوجية بشكلٍ كامل؛ حيث لا يميل “جين بينغ” باتجاه الإمبريالية أو الاشتراكية، وإنما لأي جهة أو مكان تقتضيه المصلحة، حتى لو كان النظام الرأسمالي والإمبريالي بقيادة “الولايات المتحدة الأميركية”.
هذه السياسة هي امتداد تصورات “دنغ شياو بينغ” التوسّعية، باعتباره مؤسس السياسة الخارجية الصينية في مرحلة ما بعد “ماو”؛ والتي قادت “بكين” في السبعينيات للتطبيع مع “الولايات المتحدة الأميركية”. إلا أن هذا القدر من البراغماتية في السياسات الصينية الخارجية؛ بقيادة “شي جين بينغ”، رُغم احتدام التعارض الجيوسياسي مع “الولايات المتحدة”، لا سيما في المحيط الصيني غير مسّبوق.
البراغماتية الاقتصادية المتبادلة..
من ثم فقد اقترنت زيارة “جين بينغ” الأخيرة؛ إلى “الولايات المتحدة”، بتغييّر نسّبي في نبرة وسائل الإعلام الصينية مصحوبة بالحديث عن تاريخ العلاقات القوية مع “الولايات المتحدة”، وكذلك تعكس مغازلاته خلال لقاء المستثمرين وأصحاب الشركات الأميركية الكبرى، قرار “بكين” بالمخالفة للتصورات بعدم تفاقم التناقضات، وأنها تنظر إلى تطوير العلاقات الاقتصادية مع “الولايات المتحدة” وشركاتها الكبرى كضرورة استراتيجية للخروج من حالة الركود الاقتصادي ووقف هروب الاستثمارات الأجنبية.
كذلك كان من أهداف الرئيس الصيني خلال الزيارة، وهو ما برز بوضوح في مراسم العشاء مع بعض مديري الشركات الأميركية الكبرى؛ مثل (آبل، وفايزر)، وكذلك خلال لقاء “إيلون ماسك”؛ جذب الثقة، والقضاء على المخاوف، والتعهد باتخاذ تدبير تبعث على الطمأنينة، وتسّهيل قوانين الاستثمار الأجنبي، بل بلغ الأمر أن أعرب عن استعداد للشراكة والأخوة مع “الولايات المتحدة الأميركية”.
ورُغم أهمية تلك التصريحات، فإن “الصين” و”أميركا” من أشد المتنافسين، ولذلك لا يمكن أن تتخلى هذه المنافسة عن مكانتها للأخوة والشراكة، لكن بالوقت نفسه، لا تسمح المصالح العام المشتركة بتحول هذه المنافسات؛ (وبعضها مصحوب بالتوترات)، إلى عداء، وهذا الأمر هو ما قاد الطرفين إلى عقد اتفاقيات هامة خلال الزيارة الأخيرة من بينها إحياء العلاقات الاقتصادية.
حقيقة الموقف الصيني..
وعليه فالتصور باصطفاف “الصين” في خندق واحد مع “إيران وروسيا”؛ في مقابل “الولايات المتحدة”، هو نابع عن عدم فهم عميق للسياسات الخارجية الصينية طالما تقوم على الاقتصاد، وتبعية السوق الحر، وتوطيد العلاقات مع “الولايات المتحدة”، في المقابل فإن تطوير العلاقات الاقتصادية مع الأطراف التي تأخذ موقف العداء من “الولايات المتحدة” وتتعرض للعقوبات الاقتصادية يتعارض مع المصالح الصينية العامة مع “واشنطن”.
وخلاصة القول لا يمكن لـ”الجمهورية الإيرانية” أن تعّول على “الصين” في المواجهة مع “الولايات المتحدة”. كذلك يختلف جنس التوترات “الصينية-الولايات المتحدة” عن “الإيرانية-الأميركية”، فالأول نابع عن المنافسة، والثاني عن عداء وهو المحرك لسياسات البلدين المعارضة لـ”الولايات المتحدة الأميركية”.