خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
كنا قد وصلنا في الجزء السابق من تحليل موقف السياسة الخارجية المصرية؛ الذي يستعرضه “داود أحمد زاده”، الخبير الإيراني في الشأن المصري، عبر مقال تحليلي نشره موقع المركز (الدولي لدراسات السلام) الإيراني، إلى نجاح تحالف العلمانيين مع الجيش؛ باعتباره عنصر مؤثر في المعادلات السياسية المصرية، في الإطاحة بـ”مرسي”، من السلطة والتمهيد لانقلاب الجنرال؛ “عبدالفتاح السيسي”، في 2013م.
التحالفات الإقليمية الجديدة..
في غضون هذا اكتسب تحالف “مصر” الجديد مع الأطراف الإقليمية؛ في مرحلة ما بعد “الإخوان المسلمين”، أهمية بالغة.
ورغم اقتراض “مصر”؛ تحت حكم “السيسي”، من “السعودية” بعد الانقلاب، والاستفادة من المسّاعدات المالية والعسكرية كأدوات هامة للسّيطرة على “مصر” في توجيه بوصلة سياساتها الإقليمية بما يتماشى مع سياسات العرب الأصوليين، إلا أن “مصر”؛ ورغم السياسات المُعّلنة بشأن المشاركة في التحالف السعودي في عمليات (طوفان الصحراء) ضد “الحوثيين”، رفضت إرسال قوات إلى “اليمن”، وكذلك الأمر في الأزمة السورية؛ حيث فضلت مسّار الحوار والتعامل مع الحكومة السورية، بعكس “السعودية” التي كانت تسعى للإطاحة؛ بـ”بشّار الأسد”، عبر تقديم الدعم المالي والعسكري الشامل للعناصر التكفيرية المناوئة للنظام السوري.
كذلك تشترك “مصر”؛ مع “إيران”، فيما يخص موضوع نزع السلاح النووي مثل مشروع الشرق الأوسط الخالي من أسلحة الإبادة الجماعية وإلزام “إسرائيل” بقبول قرار حظر إنتاج ونشر السلاح النووي. كذلك قد تمهد عضوية البلدين في “منظمة عدم الانحياز” أسّس التعاون المستقبلي.
الرؤية الأمنية..
وبالنسبة للموضوعات الأمنية والترتيبات الإقليمية مستقبلًا؛ وبخاصة في حوزة الخليج، يمكن القول: “بعد الإطاحة؛ بصدام حسين، عام 2003م، أثار ارتقاء مكانة الشيعة كحليف مقرب من الجمهورية الإيرانية، قلق الدول العربية؛ ومنها مصر، خوفًا من تداعيات خروج العراق من النفوذ التقليدي للحكام السُنة، والتقارب بشكلٍ أكبر مع إيران، ولذا تحالفت مع السعودية في دعم التيارات السّلفية المتشددة وهو ما تسبب في موجة الاضطرابات الداخلية بالعراق”.
في حين أن الرؤية الأمنية الإيرانية؛ بالنظر إلى التراكمات السابقة والتطورات الإقليمية القائمة على الأمن الداخلي في منطقة الخليج، حالت دون إمكانية تدخل القوى فوق الإقليمية. لذلك كان التحالف العسكري السعودي للحرب على “اليمن” أحد أخطر وأهم التحالفات التي تشّكلت في السنوات الأخيرة بدعوة وقيادة “الرياض”.
التحالف العربي في الحرب اليمنية..
وقد تشكل هذا التحالف في إطار تحالف عربي شامل نسبيًا من دول ذات أغلبية سُنية: كـ”البحرين، والسودان، وقطر، والمغرب، والكويت، والأردن، ومصر والإمارات” وكل دول الخليج عدا “عُمان”، وبدأت بتاريخ 26 آذار/مارس 2015م، العمليات المعروفة باسم (عاصفة الحزم) ضد “اليمن” و(أنصار الله)، وهي خطوة نبعت عن دوافع مختلفة.
ورغم إعلان “مصر” الانضمام للتحالف السعودي، لكن المشاركة العسكرية اقتصرت على إرسال الأدوات والمعدات العسكرية كالطائرات والدبابات وغيرها. مع هذا فقد انحسّرت مشاركة “القاهرة” في التحالف السعودي نتيجة المشكلات المصرية الداخلية وموقف الشعب المصري السّلبي تجاه هذه العمليات.
تحالفات أخرى..
بخلاف التحالف الخليجي السابق، تشكلت بعض التحالفات الأخرى برعاية “السعودية”؛ خلال السنوات الأخيرة، مثل التحالف الإسلامي العسكري المناهض للإرهاب، وهو عبارة عن تحالف دولي يضم دول العالم الإسلامي، بغرض مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره.
وربما يكون تحالف “الرياض” المقترح؛ الذي يندرج تحت إطار مقترح “جامعة الدول العربية”؛ بشأن تشكيل قوة عربية موحدة، مطابقًا لبيان “القاهرة” في “الجامعة العربية”.
على كل حال، ورغم المشاركة في التحالفات الإقليمية الجديدة، لا تمتلك “مصر” كما أسلفنا القدرة على قيادة التحالفات، وتعمل كنعصر تابع لـ”السعودية” في المنطقة.
والملاحظة الختامية؛ أنه في حال بناء الثقة وحلحلة الأزمات الإقليمية، وبخاصة بين “السعودية” و”إيران”؛ (الملفات الأمنية، واليمن، والعراق، وسوريا)، وكذلك نجاح المفاوضات النووية بشكلٍ عام، فقد تنعقد الآمال على تحسّن علاقات “القاهرة-طهران”، والجدير بالذكر أن سياسة التقارب مع “مصر” ليست بالضرورة مطلب “الجمهورية الإيرانية”، وإنما كانت موجودة كذلك في عهد “الشاه”.
والواقع أن التقارب “الإيراني-المصري”؛ في إطار تلبية المصالح الجيوسياسية بالشرق الأوسط، كان أحد المباديء الأساسية في السياسات الإقليمية الإيرانية.
ولو نقسّم الشرق الأوسط إلى قسّمين: شرقي وغربي، فستكون “مصر” و”إيران” أضلاعه الأساسية؛ حيث تمتلك “إيران” قدرة السّيطرة على الجزء الشرقي من الشرق الأوسط بداية من “العراق” والخليج وحتى “أفغانستان” وحوزة “قزوين”، وهي مناطق إنتاج وتصدير الطاقة والتجارة.
من هذا المنطلق تُمتل “إيران”؛ بالنسبة للجانب المصري، نقطة اتصال بالمصالح الاقتصادية والطاقة والقضايا “السياسية-الأمنية” شرقي الشرق الأوسط.