خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
منطقة “غرب آسيا” و”شمال إفريقيا” ميدان صراع بين الأطراف المختلفة، والمنافسة على تحقيق الأفضلية أو التأثير على بناء النظم الإقليمية.
ويمكن فهم المنافسة بين: “إيران والسعودية وتركيا”؛ بالنظر إلى الإمكانيات الداخلية والإقليمية والدولية للأطراف الثلاثة، لكن ما أثار الاهتمام في السنوات الأخيرة، هو دخول “الإمارات”؛ على صعيد المنافسة بين القوى السياسية الإقليمية. بحسب “محمد ناصحي”؛ الباحث وعضو وحدة دراسات مستقبل غرب آسيا، في مقاله التحليلي الذي نشره موقع (مركز الشرق الأوسط) للبحوث العلمية والدراسات الإستراتيجية الإيراني.
مشكلات “الإمارات” الجيوسياسية..
وتُعاني “الإمارات” الكثير من المشكلات الجيوسياسية، وقد تضررت جراء المنافسة مع القوى الأساسية بالمنطقة، مثل الأجزاء الصحراوية الكبيرة، والكثافة السكانية الضئيلة؛ حيث يُشكل الأجانب نسبة: 88% من الكثافة السكانية؛ في “الإمارات”، وهو ما يعكس أزمة الهوية الوطنية الإماراتية.
كذلك تتبنى “الإمارات”؛ نظام الحكم الفيدرالي، وهذا النموذج قد هيأ منذ تأسيس الدولة أجواء المنافسة الداخلية بين حكام “الإمارات”. علاوة على ما سبق، لـ”الإمارات” خلافات حدودية مع: “السعودية، وإيران، وقطر، وعُمان”، ولذلك تشعر بالتهديد من جيرانها.
“الإمارات” ما بعد “زايد”..
والسؤال: رغم هذه المشكلات الداخلية والإقليمية، ما هي متغيرات السياسة الخارجية التي دفعت “الإمارات” إلى تبني رؤية هجومية وعداونية في المنطقة ؟..
هناك الكثير من العوامل؛ كالمتغيرات فوق الإقليمية؛ (بريطانيا وأميركا)، والمتغيرات الإقليمية: (تغيير هيكل النظام الأمني الإقليمي بعد الصحوة الإسلامية أو الربيع العربي، وتهديدات محور المقاومة والتحالف الإخواني، وكذلك الكيان الصهيوني)، وأخيرًا المتغيرات الداخلية: (تطورات البلاط في أبوظبي، وكنت قد أكدت في مقال سابق على متغير تطورات البلاط في أبوظبي؛ بعد وفاة الشيخ زايد عام 2004م).
يُذكر أن “الاتحاد الفيدرالي” تشكل من حكام “الإمارات” السبعة، في أعقاب بناء الكونفيدرالية الإماراتية، وتُقسم المناصب الحكومية بحسب وزن كل من هؤلاء الحكام. وعليه يُعين أمير “أبوظبي”؛ كرئيس للدولة، وأمير “دبي”؛ كرئيس للوزراء الحكومة الفيدرالية.
لذلك كان الشيخ “زايد”؛ حتى وفاته، الشخصية الرئيسة في “الإمارات”. وقد كان حريصًا في الفترة: (1971 – 2004م)، على تحسين العلاقات مع أغلب دول الجوار القوية، وتثبيت مكانة “الإمارات” باعتبارها دولة حديثة النشأة، حتى إنه تنازل لـ”الرياض” عن جزء من صحراء “خور العديد”؛ بموجب اتفاقية العام 1974م؛ خوفًا من تهديدات الجار السعودي.
لكن وفاة الشيخ “زايد”؛ كانت بداية التطورات في الفضاء السياسي الإماراتي الداخلي؛ ثم حوزة السياسات الخارجية.
ووفق التقاليد العربية؛ خلف الشيخ “زايد”، في السلطة؛ ابنه الأكبر من زوجته الأولى؛ “حصة بنت محمد آل نهيان”، وهو الشيخ “خليفة بين زايد”، والذي عيّن أخيه الشقيق؛ الشيخ “خالد بن زايد”؛ ولي عهد “أبوظبي”، وهو ما أثار استياء؛ “فاطمة بنت مبارك الكتبي”، الزوجة الثالثة للشيخ “زايد”، حيث أجبرت الشيخ “خليفة”، بعد طرد الشيخ “خالد”؛ من بلاط “أبوظبي”، في العام 2005م، على تعيين ابنها الأكبر؛ “محمد بن زايد”، في منصب ولي عهد “أبوظبي”، والذي قام بدوره ودعم والداته وخبراته الشخصية، على تسكين إخوته الأشقاء في المناصب الرئيسة بالدولة.
ونتيجة لتلكم التطورات؛ فقد احتكر أبناء “فاطمة”، وضع السياسات الداخلية والخارجية لـ”الإمارات”، وحتى وفاة الشيخ “خليفة”؛ عام 2014م، سيطر الشيخ “محمد بن زايد”، على السلطة في “الإمارات”.
ويغلب الطموح على سياسات السلطة الجديدة؛ (أبناء فاطمة)، بعكس أسلافهم. ولذلك تراجعت، في العام 2005م؛ سلطة الإمارات الست لصالح إمارة “أبوظبي”، بالمخالفة لمباديء الكونفيدرالية. الأمر الذي أثار انتقاد باقي الأمراء مرارًا.
وبالتوازي مع توغل (أبناء فاطمة) على السلطة، إزدادت الطموحات الإقليمية الإماراتية. وتحولت “الإمارات”؛ منذ العام 2011م، إلى المداخلات في المنطقة، مثل الحرب السورية الأهلية، وانقلاب الجيش بقيادة؛ “السيسي”؛ في “مصر”، والحرب الأهلية الليبية بين؛ الجنرال “حفتر”، ضد حكومة “فايز السراج” الإخوانية، والحرب على “اليمن”، وانقلاب الجيش بقيادة الجنرال “أوزتورك”؛ في “تركيا”، وحصار “قطر”، وانقلاب “البرهان” و”حميدتي”؛ في “السودان”، وسقوط حكومة “بوتفليقة” الإخوانية؛ في “الجزائر”، وسقوط حكومة “عادل عبدالمهدي”؛ الموالية لتيار المقاومة في “العراق”، وتطبيع “الكيان الصهيوني” مع عدد من الدول العربية.
وهجمات 17 كانون ثان/يناير 2022م، هو جزء من تداعيات المداخلات الإماراتية في المنطقة. وعليه يتعين على النخبة السياسية الإيرانية الاهتمام بتغيرات السياسية الداخلية والخارجية الإماراتية، ودفع المخاطر التي تهدد المصالح والأمن القومي الإيراني.