خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
تتكون منظمة (أوبك بلس) من عدد: 24 دولة مصدرة لـ”النفط”، وتمتلك حوالي: 80% من احتياطيات “النفط” العالمي. ولأنها تُلبي احتياجات العالم الأولية من النفط؛ فإن أي تغيير في إنتاج هذا التحالف يؤثر بشكلٍ مباشر على أسعار النفط العالمية.
وفي الاجتماع الأخير لـ (أوبك بلس) صُدر قرار تخفيض الإنتاج بنحو: 02 مليون برميل نفط، وبالتالي سوف يشهد العالم سريعًا زيادة مباشرة في أسعار النفط وارتفاع معدلات التضخم بالتبعية.
ويبدو أن “السعودية” تُريد دعم “روسيا”؛ باعتبارها أكبر مُنتج للنفط والغاز الطبيعي في العالم وعضو في منظمة (أوبك بلس)؛ في مواجهاتها مع “الولايات المتحدة الأميركية”. هذا القرار يضع الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، أمام خيار صعب؛ بحسب تقرير “فاطمة خادم الشيرازي”، المنشور على موقع (المركز الدولي لدراسات السلام) الإيراني.
والسؤال: هل تستفيد “واشنطن” من أداتها المحدودة، ووقف مبيعات السلاح أو التصديق على لائحة تقييد نفوذ (أوبك بلس) للتأثير على سياسات السعودية ؟
إنتاج النفط..
زار “بايدن”؛ “السعودية”، في تموز/يوليو الماضي، تلك الدولة التي تحولت إلى دولة “محظورة”؛ على خلفية اغتيال؛ “جمال خاشقجي”، الصحافي السعودي صاحب عمود بصحيفة (واشنطن بوست).
والزيادة الطفيفة بنحو: 100 ألف برميل في اليوم؛ خلال آب/أغسطس، كانت مجرد مسعى لاستبدال “السعودية”. وكانت “الولايات المتحدة” قد طلبت؛ وكذلك الدول الأوروبية، إلى كلًا من “الرياض” و”أبوظبي” للاستفادة من نفوذهما في (أوبك) وخفض إنتاج النفط، للحيلولة دون استمرار أزمة الطاقة العالمية للحيلولة دون ارتفاع أسعار النفط، لكن المنظمة تجاهلت هذا المطلب.
وبينما تحظى جهود المحافظة على المعروض العالمي من الطاقة بالأهمية، فقد وقع التأثير السلبي الأكبر لذلك القرار على الدول منخفظة ومتوسطة الدخل، والتي تواجه حاليًا خطر الإنهيار نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة.
وسوف يتسبب قرار خفض الإنتاج بنحو: 02 مليون برميل نفط تأثيرات كثيرة متفاوتة في ظل الاستهلاك العالمي اليومي؛ المقدر بنحو: 100 مليون برميل.
ومن أكثر الدول التي تقدمت بطلبات أفضت إلى خفض الإنتاج: “روسيا، والسعودية، والعراق، والإمارات والكويت”.
لكن لماذا قررت (أوبك بلس) خفض الإنتاج ؟.. يقول وزير الطاقة السعودي: “يحتاج الاقتصاد العالمي المتقلص إلى وقود أقل للسفر والصناعة. وأن (أوبك بلس) تسعى إلى القيام بالتصرف المسبق في مواجهة حالة عدم اليقين “.
ووصف دور المنظمة؛ بقوله: “ستبقي (أوبك بلس) كقوة أساسية لاستقرار الاقتصاد العالمي”.
سياسة خفض الإنتاج..
خفض المعروض من “النفط” سوف يؤدي إلى زيادة التوتر بين “السعودية” و”الولايات المتحدة”، لأن “بايدن” بذل كل جهوده للسيطرة على أسعار “الغاز” قبيل إطلاق مارثون انتخابات التجديد النصفي الأميركية، من خلال تحفيز دول الشرق الأوسط على زيادة الإنتاج.
وقد طلب عدد من الديمقراطيين في “الكونغرس” الأميركي بوقف مبيعات السلاح والدعم الأميركي العسكري لـ”السعودية” والممتد منذ عقود. إذ ترتبط “السعودية” و”الولايات المتحدة” بشراكة إلتزامية تنص على إلتزام “الولايات المتحدة” بالمحافظة على “السعودية” في مواجهة أعداءها الخارجيين، مقابل أن تلتزم “السعودية” بضخ إمداد نفط كافية إلى سوق الطاقة العالمي.
ويعتقد “الكونغرس” والإدارة الأميركية أن خفض الإنتاج سوف يرفع أسعار “النفط”، ويدعم بالوقت نفسه العائدات الروسية من النفط والغاز للاستمرار في الحرب ضد “أوكرانيا”؛ رغم العقوبات الدولية، وأن الاقتصاد العالمي الأميركي يواجه تهديدات خطيرة بطرح المخزون الإستراتيجي.
وقد تقدم الديمقراطيون على الفور بلائحة سحب القوات الأميركية وبطاريات الصواريخ من “السعودية” و”الإمارات”؛ بحيث تكون كلاهمًا هدفًا للقصف الصاروخي “الحوثي”.
ويدعي المُشّرع الديمقراطي أن جهود “الإمارات” و”السعودية” للمحافظة على ارتفاع أسعار النفط؛ إنما يعني بوضوح وقوف البلدين إلى جانب “روسيا” في حربها على “أوكرانيا”. ولذلك طلبوا إلى “بايدن” التخلي عن دعم دول الخليج على خلفية خيانة “الرياض” و”أبوظبي”.
وسوف تُجبر سياسة خفض الإنتاج؛ “واشنطن”، على إعادة النظر في سياساتها الخارجية. وتتهم “الولايات المتحدة”؛ حكومة السعودية، بالتماهي مع “روسيا”، وتسعى بالتوازي مع هذه الاتهامات إلى حث “فنزويلا” على استئناف إنتاج “النفط”.
الخاتمة..
تُسيطر “السعودية” على حوالي ثُلث احتياطي “نفط أوبك”، ولم تعبأ باعتبارها حليف مع “الولايات المتحدة”؛ مطلب “جو بايدن”، بزيادة الإنتاج، ولذلك تطرح الإدارة الأميركية مجموعة من الخيارات؛ إلا أنها مصحوبة بالتحديات.
وتسعى الإدارة الأميركية إلى حصر صادرات النفط لتوفير الاحتياطي الداخلي والمحافظة على سعر الاستهلاك، لكن كبرى الشركات النفطية غير مستعدة لذلك بذريعة أن الحظر يقوض المستوى الموجود وقدرات التكرير المحلية، ويزيد من الضغوط التصاعدية على أسعار الوقود، ويُقصي حلفاء “الولايات المتحدة”، لاسيما في فترة الحرب.
كذلك تسعى “واشنطن” إلى خفض العقوبات على “فنزويلا”؛ التي تستطيع تعويض المعروض الروسي بإنتاج ملايين البراميل من النفط.
ويعتقد المحللون أن “السعودية” لن تتضرر فقط من المنظور السياسي وإنما من المنظور الاقتصادي كذلك، لأنها سوف تفقد أكثر من أي دولة أخرى حصتها من سوق الطاقة.
لكن المحافظة على ارتفاع أسعار النفط ودعم “روسيا”؛ هو قرار منطقي من الناحية الجيوسياسية بالنسبة لـ”الرياض” و”أبوظبي”. فقد تتمكن كلاهما من تستفيد من التلاعب بالقوى الأجنبية الكبرى، بشكل أكبر من الاعتماد على قوة واحدة كبرى.
وهذه حقيقة يجب على “أميركا” و”أوروبا” وكل الأطراف مواجهتها والتعامل معها.