خاص : ترجمة – سعد عبدالعزيز :
من غير المتوقع أن ينتهي قريبًا الخلاف الإيديولوجي وإنعدام الثقة بين رئيس تركيا، “رجب طيب إردوغان”، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، “بنيامين نتانياهو”، لكن تحسن العلاقات بين الدولتين من شأنه أن يؤدي إلى تخفيف حدة التوتر بينهما، بحسب الدكتور “نمرود غورين”، مدير “المركز الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية”.
غياب مؤشر تحسن العلاقات..
يقول “غورين”، في مقال له نشرته صحيفة (معاريف) العبرية، إن جولة التصعيد الأخيرة في “قطاع غزة”، سلطت الضوء من جديد على أزمة العلاقات “الإسرائيلية-التركية”، حيث أظهرت التغريدات المتبادلة على منصة التواصل الاجتماعي، (تويتر) – بين المتحدث باسم، “إردوغان”، والمتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية – ليس فقط وجود خلافات سياسية حادة، بل أيضًا سلبية وتصادم شديد في الخطاب بين الطرفين.
ولقد مضت ستة أشهر منذ تم إستدعاء الدبلوماسيين من “إسرائيل” و”تركيا” إلى بلديهما، جراء احتجاج “إردوغان” على تصرفات “إسرائيل” في “غزة”، وما من مؤشر، حتى الآن، على تحسن تلك العلاقات.
“إردوغان” متقلب المزاج..
يضيف “غورين” أنه، على خلفية الوضع الراهن بين “أنقرة” و”تل أبيب”، عقد مؤخرًا “المركز الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية” الجلسة السنوية للحوار السياسي “الإسرائيلي-التركي”.
وتبين من المناقشات، مع المحاورين الأتراك، أنه حتى عندما أشتدت حدة التوتر بين “إسرائيل” و”تركيا”، قبل بضعة أشهر، أمتنع البلدان عن تخفيض مستوى العلاقات، الأمر الذي سيجعل من السهل حل الأزمة عندما تتوفر الإرادة السياسية. وسيكون من الممكن اعتبار عودة السفيرين خطوة عملية مهمة، وليس كمؤشر على بدء مرحلة جديدة في العلاقات.
ولقد أوضح الأتراك من جانبهم، أن الرئيس “إردوغان” أخذ مؤخرًا يكف عن مهاجمة “إسرائيل” بشدة. ولأن ذلك ليس من شيمة “إردوغان”، فإنه قد يتغير سريعًا، ولكن هذا ما كان يتبعه أيضًا في الماضي عندما كانت العلاقات الثنائية مستقرة، وكانت هناك رغبة تركية في إستعادة الثقة مع “إسرائيل” أو حتى مع “الولايات المتحدة”.
أنقرة تريد لعب دور مؤثر في الشأن الفلسطيني..
ولكن، حتى لو عاد سفيرا البلدين لاستئناف مهام عملهما، فمن غير المتوقع أن تُحسن “تركيا” علاقاتها كثيرًا مع “إسرائيل”، بسبب استمرار معارضة “إردوغان” لسياسة “تل أبيب” تجاه الفلسطينيين، وهي السياسة التي تتعرض أيضًا لانتقاد شديد من جانب قطاعات عريضة من الشعب التركي، وليس فقط من الموالين للرئيس “إردوغان”.
وفي واقع الأمر؛ فإن رغبة “تركيا” في لعب دور أكثر تأثيرًا في الشأن الفلسطيني، هو ما يدفعها بقوة لإعادة ممثليها الدبلوماسيين إلى “إسرائيل”.
إن “أنقرة” – في ظل غياب سفيرها في “تل أبيب”، وعدم وجود قنصلها في “القدس” – تجد نفسها عاجزة، إلى حد كبير، عن مباشرة الحراك الداخلي الفلسطيني وعن مشاركة الجهود الدولية الرامية لإحراز تسوية في “قطاع غزة”.
تركيا تريد دعمًا من “اللوبي اليهودي”..
يشير الكاتب والمحلل الإسرائيلي، إلى أن النقاش مع المحاورين الأتراك تطرق أيضًا إلى الموقف الأميركي، ولا سيما الدور الذي تلعبه “الجالية اليهودية” في “الولايات المتحدة”. فلقد أبدى الأتراك قلقهم من العلاقة المتنامية بين “المنظمات اليهودية” و”جماعات الضغط السعودية” و”الإماراتية” في “واشنطن”، إذ يرى الأتراك أن تلك العلاقة تدفع الإدارة الأميركية إلى تبني مواقف أكثر سلبية تجاه “تركيا”.
فيما كان يود الأتراك الحصول على دعم “اللوبي اليهودي”، خاصة عبر إقناع إدارة “ترامب” بالسماح للجيش التركي بالمزيد من حرية التحرك في “العراق”، على افتراض أن ذلك سيخلق قوة إقليمية في مواجهة “إيران”. الأمر الذي سيخدم أيضًا؛ من وجهة نظر الأتراك، المصالح الإسرائيلية.
طهران وأنقرة ليستا حليفتين !
وفيما يتعلق بـ”إيران”، يؤكد الأتراك أن “أنقرة” و”طهران”، بعكس ما يعتقد الإسرائيليون، ليستا حليفتين. ورغم ما يربطهما من علاقات حُسن جوار وتبادل تجاري وتعاون مشترك في بعض القضايا الإقليمية مثل القضية السورية، إلا أنهما في نفس الوقت متنافستين إلى حد كبير.
وتريد “تركيا” – مثلها مثل “إسرائيل” – تقليص الوجود الإيراني في “سوريا”، وإن كان السبب الأساس في ذلك هو الخوف من التمدد الايراني وتعاظم النفوذ الاقتصادي لـ”طهران”.
يشير “غورين” إلى أن عدم تفهم الإسرائيليين للموقف التركي يقابله أيضًا عدم تفهم تركي لموقف “إسرائيل”. فعلى سبيل المثال، هناك اعتقاد تركي بأن لـ”إسرائيل” أطماعًا توسعية في منطقة الشرق الأوسط.
آلية لإدارة الأزمات..
لكن، بحسب “غورين”، يمكن لـ”إسرائيل” و”تركيا” إيجاد لغة مشتركة للتعامل مع الأزمة السورية. ولن يمكن إجراء حوار إستراتيجي مشترك حول “سوريا” إلا من خلال عودة سفيري البلدين. كما يُفضل، وضع آلية لإدارة الأزمات بين “تل أبيب” و”أنقرة”، للحيلولة دون إنهيار العلاقات الثنائية مرة أخرى في حال اندلعت جولة أخرى من العنف والتصعيد في “قطاع غزة” أو في حال نشب توتر جديد في “القدس”.
ختامًا؛ يؤكد “غورين” على أن الخلافات الإيديولوجية وإنعدام الثقة بين “إردوغان” و”نتانياهو” لن ينتهيا قريبًا، لكن مجرد وجود علاقات أفضل بين الدولتين سيؤدي إلى تخفيض حدة التوتر بين “أنقرة” و”تل أبيب”، فإذا حدثت إنفراجة في جهود التسوية في “غزة” أو تم استئناف مفاوضات السلام بين “إسرائيل” و”السلطة الفلسطينية”، ستصبح الفرصة مُتاحة أمام “إسرائيل” و”تركيا”، ليس فقط للتحاور الإيجابي والبناء، بل لتحسين العلاقات الثنائية ودفعها قُدمًا.