قال مراقبون للشأن العراقي ان سعي رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي شخصيا لاعتقال الضابط الذي قتل الاعلامي محمد بديوي عند حاجز تفتيش المجمع الرئاسي في منطقة الجادرية وسط بغداد
إلى إنقاذ ماء الوجه وتفادي مزيد من الانتقادات التي تطاله منذ وقت طويل وازدادت حدة في الآونة الأخيرة بسبب إخفاقه في حرب الانبار وفشله الأمني الذريع. كما يواجه المالكي اتهامات بممارسة سياسة ممنهجة لاجتثاث خصومه السياسيين ومنعهم بقانون وضعه على المقاس من خوض الانتخابات التشريعية المقبلة.
وبعد محاصرة للمقر ومفاوضات جرت بين قيادة عمليات بغداد والضباط المسؤولين عن الفوج الرئاسي، قاموا بتسليمه الى القوات العراقية. وكانت وزارة الداخلية العراقية أعلنت في وقت سابق ان مدير تحرير اذاعة “العراق الحر” الخاصة، قتل السبت على يد ضابط في جهاز حماية الرئيس العراقي جلال طالباني عند حاجز المجمع الرئاسي في منقطة الجادرية وسط بغداد.
واوضح مصدر في وزارة الداخلية رافضا كشف هويته ان “الإعلامي محمد البديوي قتل على يد ضابط برتبة نقيب في قوة حماية المجمع الرئاسي في الجادرية بعد مشادة كلامية بينهما”.
وعلى الاثر، طوقت قوة عراقية خاصة مقر الفوج الرئاسي في الجادرية وطالبت بتسليم الجاني.
وندد علي الموسوي المستشار الاعلامي لرئيس الوزراء نوري المالكي بالحادث، وقال ان “دولة الرئيس (المالكي) وجه القوات الى اعتقال مرتكب الجريمة على الفور، وتقديمه للعدالة لينال جزاءه”. واضاف “لا تساهل مع عملية القبض على الجاني وتقديمه الى القضاء”. وتداولت وسائل الإعلام صورة للإعلامي وهو ممدد ارضا والدماء تسيل من راسه.
من جانبه، استنكر نقيب الصحافيين مؤيد اللامي الحادث وطالب بتسليم “المجرم القاتل”. وطالب الصحف العراقية الصادرة في بغداد بالاحتجاب عن الصدور غدا الاحد، استنكارا للجريمة.
بدوره، عبر الشيخ غضنفر البطيخ الشمري عن استهجان قبيلته التي ينتمي اليها الاعلامي القتيل لما حصل، وقال ان “هذا اعتداء سافر وغير مقبول ونحن كعشائر شمر نستهجن هذا العمل الاجرامي”.
واضاف “طالبنا وزير الداخلية بتسليم الجاني فورا درءا للفتنة”.
وشدد الشمري على ان “القانون فوق الجميع ولا بد ان ينفذ على الجميع مهما كانت درجته ووظيفته”.
وتابع “حسب معلوماتنا فإن الضحية تعرض الى إهانة متعمدة وقتل بدم بارد، وعدم تسليمه لا يمكن ان نقبل به عشائريا ولا مدنيا”، مطالبا “القادة الاكراد بتسليم الجاني الى القضاء العراقي ليأخذ مجراه”.
ويقع مكتب اذاعة “العراق الحر” التي تموّلها الحكومة الاميركية داخل المجمع الرئاسي في الجادرية.
وأكد صحافي يعمل لحساب الاذاعة ان الضابط الذي اطلق النار على البديوي ينتمي الى قوات البشمركة المسؤولة عن حماية الرئيس جلال طالباني.
واثارت القضية غضبا عارما في الاوساط الشعبية والسياسية وادان عدد كبير من النواب “الجريمة”.
ويعمل بديوي وهو حاصل على دكتوراه في الإعلام استاذا في كلية الإعلام في الجامعة المستنصرية في بغداد.
ويشغل منذ 2006 منصب مدير تحرير الاذاعة التي تبث من بغداد منذ العام 2003.
فخري كريم: تسليم قاتل بديوي يجنب ان ينهي حماية باقي المجرمين
ومن جهته دان فخري كريم رئيس مؤسسة المدى، اليوم السبت، مقتل الصحفي الدكتور محمد بديوي، على يد ضابط في الحرس الرئاسي، قائلاً ان تسليمه الى الجهات المختصة، يفترض ان يفتح الباب على اجراءات اخرى، لمحاسبة قتلة آخرين، يحظون بأشكال من الحماية، وفي ملفات مؤسفة، مثل حادث قتل المدرب محمد عباس، على يد قوات سوات اثناء مباراة كرة قدم في مدينة كربلاء.
وقال كريم في مقال افتتاحي ستنشره جريدة “المدى” غدا الاحد، “ليس دم الاعلامي ازكى من دم العراقيين والعراقيات التي تُسفح كل يوم، بل كل لحظة، ودون ترتيبٍ او تفريقٍ على الهوية، لكنه علامة تختزل معنى موت العراقي في هذا الزمن، حيث القاتل يتخّفى، ويتلون.. وفي كل مرة، يجري تسجيل الجريمة ضد “مجهول” أو تُمرر بحكم تقادم الزمن، ليطويها النسيان”.
وأضاف “لقد ألقت قوات حرس الرئاسة القبض على الجاني، وهي بذلك قدمت مثلاً في الخضوع للقانون، والامتناع عن حماية الجريمة وتبريرها، مما يجعلها سابقة، يفترض ان تشجع على فضح الجهات التي تحمي قتلة الشهيد المدرب محمد عباس، والشهيد هادي المهدي، والشهيد كامل شياع، وعشرات الشهداء الاخرين، ومنع اسدال الستار على جرائم قتلهم، وتسجيلها على ذمة مجهول معروف الهوية والانتماء”.
لكنه حذر من “تحويل دم الشهيد الى قميص آخر، يجري التلويح به في الدعاية الانتخابية، وحذار من السماح لمن يتصيد في المياه العكرة، فيشعل بها فتيل فتنة، لتظل ازمة مفتوحة تشعل نيراناً وحرائق…”.
وفيما يلي نص المقال:
في واقعة قتل الدكتور محمد بديوي
سقط شهيد آخر، أعزلاً، مجرداً من اي سلاح جارح، سوى فكرة يظل يُقلبُها في ذهنه، ويعيد صياغتها قبل ان تتحول الى سلاحٍ يرتعب منه الحاكم الجائر، والمُتلبس بالجرم العام الذي يذهب ضحيته كل يوم مئات الضحايا، ويتحول الشعب الاعزل الى هدفٍ مُسلٍّ، لا يأبه به وبمحنته أشباه الرجال، أشباه الحكام، أياً تكن هوياتهم الفرعية. فالقتل على الهوية، واستباحة الكرامات، وامتهان الحقوق، اذ تصبح “عادة يومية”، ومشهداً يتطاير في كل انحاء البلاد، تفقد اهميتها، ولا تشكل مدعاة لملاحقة المجرم الحقيقي “المستهتر” بحرمة الروح الانسانية، ومعنى الفقدان، ما دام ممكناً تحويل النزيف غير المنقطع الى تميمة تحفظ له كرسي الحكم وما يدره من امتيازٍ وجاهٍ ومالٍ سحت حرام.
الشهيد الدكتور محمد بديوي، سقط امس مضرجاً بدمه الزكي في بغداد، برصاصة قاتل يحمل بدلة قوات حكومية، وعلى كتفه إشارة الحرس الرئاسي، لأول مرة، بغياب الرئيس جلال الطالباني الذي لم يكن ليتردد لحظة واحدة، ودون ان يستمع الى تبريرٍ أو تفسيرٍ، في وضع القاتل في دائرة الادانة وتسليمه الى الجهات القضائية، للتحقيق والمحاكمة وانزال العقاب الرادع به.
الصحفي والاعلامي اصبح هدفاً غير مكلفٍ، فلا هو قادرٌ على حماية نفسه، وليس له ما يتكئ عليه للذود عن حياته، وخلق البيئة التي تؤّمن له ممارسة مهمته في الكشف عن الحقيقة، ومتابعة المظالم التي تقضّ مضاجع الناس، وتجرح حساسيتهم الانسانية.
الاعلامي يضع هويته على صدره، دون ان يدري انها ستكون اينما اتجه، وفي اي حقلٍ ملغوم تحرّك، علامة استشهاده، والهدف الذي يُغري القاتل بالتصويب نحوه بدقة المحترف، وحقده على حامل الهوية. فالقاتل يعرف ان الهدف مكشوف الظهر، بلا حول ولا سلاح. مقتحمٌ بقوة اقدامه على جلاء المستور، واستكمال البحث عن الحقيقة المغيّبة، اياً كان من يسعى للتمويه عليها.
القاتل، لا يحمل هويته على صدره، بل يُشهر سلاحه، ويُكشّر عن انيابه وهو ينظر الى الضحية بدمٍ باردٍ مسموم. وقد تعددت هوية القاتل الذي يبحث عن الاعلامي، لانه مطلوبٌ، يُغري “العلّاسة” الذين يمهدون طريق القاعدة وداعش والميليشيات الاجرامية، للوصول اليه. لكنه هدفٌ لا يحتاج الى “علاسة”، حين تستهدفه حماية مسؤولٍ، او قوات سوات وهي تطارد متظاهرين مسالمين، يحتجون على نقص خدمات او التعدي على الدستور والحريات وانتهاك الحرمات والكرامات واغتصاب السلطة.
ليس بالسلاح وحده يُقتل الاعلامي، بل بالتعدي المجاني عليه، كلما أراد أن يغطي حدثاً او يلقي الضوء على مسارٍ يبدو غامضاً، أو حتى حين يقوم بمجرد متابعة نشاطه اليومي الذي لا يستهدف جهة بعينها او مسؤولاً. وأقسى ما يواجهه الاعلامي، قد يراه البعض منهم، أشد وقعا من الموت نفسه، وذلك عبر محاولة سلب كرامته وامتهانها، والسعي لشراء ذمته وتطويعه لما يتعارض مع قيمه وشرفه المهني، ويُخّيره بين ذاك وبين التحول الى موضوع للشهادة، حياً أو ميتاً.
ليس دم الاعلامي ازكى من دم العراقيين والعراقيات التي تُسفح كل يوم، بل كل لحظة، ودون ترتيبٍ او تفريقٍ على الهوية، لكنه علامة تختزل معنى موت العراقي في هذا الزمن، حيث القاتل يتخّفى، ويتلون، بزيٍ ارهابي مكشوف او متستر، أو بلباسٍ وهوية حكومية مسروقة، أو متواطئة. وفي كل مرة، يجري تسجيل الجريمة ضد “مجهول” أو تُمرر بحكم تقادم الزمن، ليطويها النسيان، خصوصاً اذا كانت الجريمة معروفة بالصورة، كما حصل للشهيد محمد عباس، المدرب الرياضي المشهور الذي ترك نعيم الدانمارك، ليُقتل ضرباً وتجريحاً من افراد سوات، وبينهم قريب اكبر مسؤولٍ في الدولة، وليستشهد في “نعيم عبعوب”! والجريمة المروّعة تآكلت بحكم تقادم الزمن!
لقد نسي الناس فواجعهم، بعد ان رأى كثرة منهم، جسد الشهيد محمد بديوي، مضرجاً مسجىً في نثار دمه الطاهر، وربما شعر البعض منهم، بقوة السلطة وهي تتخذ اقصى الجاهزية لاقتحام مجمع الرئاسة بحثاً عن القاتل الهارب، لا لتحمي حرمة القتيل وتأخذ بدمه الطاهر، بل لتدُك آخر ما تبقى من هيبة الدولة الفاشلة في غياب رئيسٍ كان بامكانه ان يمنع الجريمة، ويأخذ بحق البلد التي انتهكت حرماتها، دون مساءلة او ملاحقة او اجراء.
لقد ألقت قوات حرس الرئاسة القبض على الجاني، وهي بذلك قدمت مثلاً في الخضوع للقانون، والامتناع عن حماية الجريمة وتبريرها، مما يجعلها سابقة، يفترض ان تشجع على فضح الجهات التي تحمي قتلة الشهيد المدرب محمد عباس، والشهيد هادي المهدي، والشهيد كامل شياع، وعشرات الشهداء الاخرين، ومنع اسدال الستار على جرائم قتلهم، وتسجيلها على ذمة مجهول معروف الهوية والانتماء.
والقاتل لابد ان ينال ما تفرضه العدالة، والامتثال لها يجب ان يتحول في الوعي العام الى ثقافة، لكن حذار من تحويل دم الشهيد الى قميص آخر، يجري التلويح به في الدعاية الانتخابية، وحذار من السماح لمن يتصيد في المياه العكرة، فيشعل بها فتيل فتنة، لتظل ازمة مفتوحة تشعل نيراناً وحرائق…
القتل المجاني العبثي، صار ثقافة تسود، مع سيادة عسكرة المجتمع، بعد ان جرى اعتمادها، كبديلٍ عن ثقافة الاصلاح، والمصالحة المجتمعية، والتوافق الوطني، والاحتكام الى الدستور والقيم الديمقراطية والمواطنة الحرة..
ولا سبيل لردع القاتل، وازاحة ثقافة القتل والجريمة، الا عبر نهوض جماهيري ديمقراطي، يعيد للناس الامل والثقة بالمستقبل..