19 أبريل، 2024 10:52 م
Search
Close this search box.

“مذابح الأرمن” تضع تركيا في مواجهة مع فرنسا وإيطاليا .. فهل تعتذر ؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

مع اقتراب ذكرى إبادة الأرمن عام 1915، تواجه “تركيا” ضغوطًا شديدة من عدد من الدول الأوروبية و”الولايات المتحدة”، والتي تصنف في العديد من الدول على أنها “جريمة إبادة جماعية للأرمن على يد الدولة العثمانية”، نددت “تركيا” بشدة بإعلان الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، يوم 24 نيسان/أبريل، يومًا لإحياء ذكرى “إبادة الأرمن”.

وانتقدت أيضًا قرار البرلمان الإيطالي بالإعتراف بأحداث شرق الأناضول على أنها “إبادة جماعية للأرمن”، في الوقت الذي بدأ فيه مشرعون أميركيون إعداد مشروع قانون لإعتراف أميركي مماثل.

“وزارة الخارجية التركية”، قالت في بيان، إن: “قرار فرنسا؛ موقف غير ودي ولا مفر من تأثيره السلبي على علاقاتها مع تركيا… ندينه بشدة”، مشيرًة إلى أن قرارات “المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان” و”المحكمة الدستورية الفرنسية”؛ قد أكدت أن أحداث 1915 كانت “موضوع نقاش مشروع”.

وأضاف البيان: “وفقًا للقانون العالمي، فإن فرض الطروح الأرمنية على المبادرات السياسية يعارض حرية التعبير. لقد ألحق قرار ماكرون أذى شديدًا بالجالية التركية، البالغ عددها أكثر من 700 ألف نسمة في فرنسا”، لافتًا إلى أن “تركيا” اقترحت تشكيل لجنة مشتركة مع “أرمينيا” للتحقيق في أحداث 1915، وفتح أرشيفي البلدين للتحقق من المزاعم المتعلقة بالإبادة الجماعية.

وأوضح البيان أن “فرنسا”، خلال احتلالها لجزء من منطقة “الأناضول”، إبان حرب الاستقلال التركية، شجعت المتمردين الأرمن على إرتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق السكان المدنيين، وأن هذا التشجيع الفرنسي هو حقيقة تاريخية، مضيفًا أن الأتراك والمسلمين في جميع أنحاء “فرنسا” والعالم، لن ينسوا هذا الإحتقار الموجه بحق أكثر من 500 ألف مواطن عثماني من الأتراك والمسلمين تم قتلهم من قِبل المتمردين الأرمن.

وقال وزير الخارجية التركي، “مولود غاويش أوغلو”، في مؤتمر صحافي مشترك عقده مع نظيره الهولندي، “ستيف بلوك”، عقب “مؤتمر فيتنبورغ السابع بين تركيا وهولندا” في العاصمة، “أمستردام”، بأن “المحكمة الدستورية الفرنسية” أصدرت، في السابق، قرارين يقضيان بعدم إتخاذ السياسيين قرارات من هذا القبيل، كما توجد قرارات لـ”المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان” بهذا الخصوص. وتابع: “ينبغي على فرنسا أن تنظر إلى تاريخها. لم يمر 25 عامًا على الإبادة الجماعية في رواندا. ما فعلته فرنسا في الجزائر وأماكن أخرى في إفريقيا لم ينسَ بعد. من غير المقبول أن تتخذ دولة فعلت كل هذا بإفريقيا قرارًا بشأن دولة أخرى”.

إدانة لمقترح البرلمان الإيطالي..

في نفس الوقت؛ أدانت “الخارجية التركية”، بشدة، المقترح الذي أقره البرلمان الإيطالي، والذي يطالب باعتبار أحداث العام 1915، “إبادة جماعية”، قائلة إن القرار الإيطالي نموذج جديد على استخدام المزاعم الأرمنية كوسيلة من أجل حسابات ومصالح سياسية داخلية، وليس من الغريب أن يتم إعداد هذا المقترح من قِبل حزب “رابطة الشمال”، الذي يتزعمه نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية، “ماتيو سالفيني”، الذي تم تكليفه بمهمة إفساد العلاقات “التركية-الإيطالية”.

مشددًا، البيان، على أن هذا القرار ستكون له إنعكاسات عدة على العلاقات مع “إيطاليا”، الشريك الإستراتيجي الذي له روابط تاريخية مع “تركيا”، فضلًا عن التعاون التجاري الكبير.

وتطالب “أرمينيا”، واللوبيات الأرمنية في أنحاء العالم بشكل عام، “تركيا”، بالإعتراف بما جرى خلال عملية التهجير على أنه “إبادة عرقية”، وبالتالي دفع تعويضات.

مأساة للطرفين وليست “إبادة”..

وتؤكد “تركيا” عدم إمكانية إطلاق صفة، “الإبادة العرقية”، على أحداث 1915. بل تصفها بـ”المأساة” لكلا الطرفين، وتدعو إلى تناول الملف بعيدًا عن الصراعات السياسية، وحل القضية عبر منظور “الذاكرة العادلة” الذي يعني التخلي عن النظرة أحادية الجانب إلى التاريخ، وتفهم كل طرف ما عاشه الطرف الآخر، والاحترام المتبادل لذاكرة الماضي لدى كل طرف.

مشروع أميركي للإعتراف بإبادة الأرمن..

إلى ذلك؛ قدّم أعضاء في “الكونغرس” الأميركي مشروعي قرارين منفصلين للمطالبة بالإعتراف بأحداث عام 1915 على أنها “إبادة جماعية للأرمن”.

مشروع القرار قدمه إلى “مجلس النواب”؛ رئيس لجنة الاستخبارات بالمجلس، النائب الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا، “آدم شيف”، في حين قدم مشروعًا مماثلاً إلى “مجلس الشيوخ”؛ النائب الديمقراطي عن ولاية نيوغيرسي، “بوب ميندينز”، والجمهوري، “تيد كروز”، النائب عن ولاية “تكساس”.

وقال “شيف”، في مشروع قراره: إن “مجلس النواب يرى أن الإعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن وإحياء ذكراها سياسة أميركية”.

تلاسنات “فرنسية-تركية” وتهديد بالقتل..

ووصل الأمر إلى المشادات والتلاسنات المهينة، حيث أنه لدى افتتاح اجتماع “الجمعية البرلمانية لحلف الأطلسي” في “أنطاليا”، الجمعة الماضي، شنّ رئيس البرلمان التركي، “مصطفى شنتوب”، هجومًا جديدًا على، “فرنسا”، زاعمًا أنها “تتلاعب بالتاريخ” ومحملاً إياها مسؤولية مجازر خلال الحقبة الاستعمارية.

وعندها أخذت “كريمي” الكلام، وأكدت أنها “صُدمت” جراء الهجمات التركية، رافضةً رواية التاريخ “التي يكتبها الفائزون”، بحسب مشاهد من الاجتماع بُثت مباشرة.

وأمام هذه المداخلة؛ رد وزير الخارجية التركي مهاجمًا بعنف، “فرنسا” و”ماكرون”، واتهم “باريس” بالضلوع في أعمال إبادة جماعية، وهو ما دفع النائبة “كريمي” والوفد الفرنسي المشارك في الاجتماع، إلى مغادرة القاعة احتجاجًا على هجومه.

ولاحقًا، كتبت “كريمي”، في تغريدة: “عندما يسمح الوقح، مولود تشاوش أوغلو، لنفسه بإعطائكم دروسًا بالغطرسة والأخلاق، بغطرسة وبقلة أخلاق !”. وألحقت بالتغريدة وسم (#24_نيسان/أبريل) و(#الإبادة_الأرمنية).

وبعد أن ذكرت أن وزير الخارجية التركي فرض حظرًا عليها على موقع التواصل الاجتماعي، قالت: “يا له من درس جميل في الديمقراطية والدبلوماسية !”.

وبسبب هذه المشاداة الكلامية، تعرضت النائبة، “كريمي”، إلى تهديدات بالقتل من قِبل أتراك موالين للرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”.

إستدعاء السفير الإيطالي..

كما ذكرت الصحف الإيطالية أن “ماسيمو غاياني”، سفير إيطاليا لدى “أنقرة”، تم إستدعائه إلى مقر وزارة الخارجية التركية، على خلفية تصويت البرلمان في بلاده على الإعتراف بأحداث عام 1915 على أنها “مذبحة ضد الأرمن”.

تصعيد تركي إعلامي..

وفي سياق التصعيد التركي؛ نشرت وكالة (الأناضول)، التي تعكس سياسات الحكومة التركية، تقريرًا بعنوان: “فرنسا الاستعمارية.. نهب وإبادة واستعباد وحقائق محظورة”، صبت فيه جام غضبها على “باريس”.

ويقول التقرير إنه: “وعلى مدار قرابة 3 قرون، خضعت 35% من مناطق القارة السمراء للسيطرة الفرنسية الاستعمارية”، مشيرًا إلى أن “فرنسا” استخدمت دولًا إفريقية، كمراكز لتجارة العبيد، إضافة إلى استغلال ونهب موارد الدول.

ويضيف التقرير أنه: “وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية إندلعت احتجاجات شعبية في المستعمرات الفرنسية، رفضًا للاستعمار وطلبًا للاستقلال”، لافتًا إلى أن باريس “ردت على تطلعات الشعوب إلى الحرية باستخدام القوة العسكرية، فقتلت أكثر من مليوني مواطن إفريقي”.

هروب وتنصل من المطالبات بتقديم الإعتذار..

الخبراء يرون أن هذه النبرة التركية الغاضبة، هي بمثابة “هروب إلى الأمام، والتنصل من مطالبات دولية بتقديم الإعتذار عن تلك الحقبة العثمانية الدامية”.

ويضيف الخبراء أن: “هذا التلقين الرسمي التركي لوسائل الإعلام الموالية لها ودفعها إلى نشر خطاب شعبوي، يفتقر إلى الوثائق والقرائن التاريخية، هو دليل على إفلاس سياسي لدى النخبة التركية الحاكمة التي لم تقر بنتائج انتخابات جرت على المستوى المحلي، فكيف لها أن تعترف بمجازر بشعة إرتكبت بحق الإنسانية”.

واللافت أن هذا الرفض التركي لاتهامات الغرب بإرتكاب مجازر ضد الأرمن، لا يقتصر على الحزب الحاكم، بل يمتد كذلك إلى أحزاب تركية أخرى، فقد نقل عن زعيم حزب “الحركة القومية”، “دولت بهجلي”، قوله إن إعلان الرئيس الفرنسي عبر مرسوم رئاسي، يوم 24 نيسان/أبريل، “يوم ذكرى إبادة الأرمن يعد لطخة عار”.

إعترافات دولية متتالية بالإبادة..

ويؤكد الأرمن أن 1,5 مليون شخص من أسلافهم قتلوا بشكل منهجي قبيل إنهيار “السلطنة العثمانية”، فيما أقرّ عدد من المؤرّخين في أكثر من عشرين دولة، بينها “فرنسا وإيطاليا وروسيا”، بوقوع الإبادة.

وخلال السنوات الأخيرة، توالت الإعترافات الدولية بمجازر الأرمن، مؤكدة على أن تلك المذابح على يد العثمانيين جريمة ضد إنسانية.

وأعترف نحو 48 ولاية أميركية، وأكثر من 30 دولة ومنظمة دولية بالإبادة الأرمينية، إضافة إلى قيام الكنيسة الكاثوليكية، “الفاتيكان”، بفتح الأرشيف المتعلق بإبادة الأرمن في “تركيا”.

كما أعترف “البرلمان الألماني”، بالإبادة الأرمينية، وهو ما اعتبره خبراء أنه أكبر إثبات ودليل، خاصة أن “برلين” كانت حليفًا رئيسًا لـ”أنقرة” أثناء الحرب العالمية الأولى، علاوة على أن “ألمانيا” تمتلك جميع أسرار الدولة العثمانية.

ويرى مؤرخون وباحثون أن مذابح الأرمن تعتبر من جرائم الإبادة الجماعية الأولى في التاريخ الحديث، إذ نفذت بطريقة ممنهجة ومنظمة بهدف القضاء على الأرمن، في حين ترى “أنقرة” أن هذا الملف يتم تناوله وفق المصالح السياسية، وتدعو المؤرخين إلى النظر بإنصاف إلى تلك الحقبة العاصفة.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب