23 ديسمبر، 2024 1:54 م

“مدينة الثوار الفاضلة” .. يطهون ويغسلون ويصدرون صحف ويبدعون وسط نيران القمع !

“مدينة الثوار الفاضلة” .. يطهون ويغسلون ويصدرون صحف ويبدعون وسط نيران القمع !

خاص : كتبت – هانم التمساح :

وجّه العراقيون الأنظار إلى قضيتهم منذ البداية؛ بثورتهم على الظلم وهدفهم النبيل في وطن حر مستقل عادل لا يظلم فيه أحد ولا يُضام، أحلامهم النبيلة انعكست بصورة أو بأخرى على سلوكهم داخل الاعتصامات وما ظهر فيها من نوادر، وتكافل وتضحية من كل أطياف الشعب المظلوم، كلًا يعمل بقدر استطاعته من أجل خدمة الحراك.. منهم من يطهو؛ ومنهم من يغسل ملابس المتظاهرين؛ ومنهم من يحمل الماء والدواء؛ ومنهم من يحمل الجرحى والموتى.. ملحمة حياة فاضلة كلًا يعطي بلا ثمن وبدون مقابل إبتغاء وجه الوطن، تحسبهم في توادهم وتكاتفهم رجل واحد..

“أم الشهيد” تطهو للمتظاهرين..

فبعد أن غدا “المطعم التركي”، المهجور، أشهر من نار على علم؛ إثر تحوله من مبنى مهجور يطل على المنطقة الرئاسية “الخضراء” في “بغداد”، إلى حصن ونقطة تجمع المحتجين في “العراق” منذ بداية الحراك، كما أضحى نقطة تمرُكز لمجمل متظاهري “ساحة التحرير” وسط العاصمة، وهو ما أمن طعام المحتجين، ظهرت سيدة أخرى في زاوية من الحراك، وضعت أمامها حلل الطبخ ووراءها صورة لابنها الشهيد، مقتل ابنها لم يكسر عزيمتها لإكمال الطريق، ربما ما تقوم به يخفف وجعها.

نساء يغسلن ملابس المحتجين..

هنالك.. وفي زاوية أخرى من زوايا الاعتصام؛ خيّمت في الساحة سيدتان قررتا التطوع لغسل ثياب المتظاهرين في “ساحة التحرير”، حيث أعتمدت، “نوفة”، على غسالتها الوحيدة، فيما فضلت، “أم سلوان”، شراء واحدة جديدة.

وكانت “نوفة” تتسلم حقائب ثياب كبيرة، من ابنها المرابط معهم، لتغسلها في منزلها؛ ثم فكرت أن تكون بجوارهم لتتمكن من غسل كمية أكبر وبشكل مستمر لأكثر من 17 ساعة يوميًا، وهو ما يُمكنها من غسل كمية أكبر وباستمرار.

أما “أم سلوان”؛ فقد تطوعت بدفع أقساط الغسالة الجديدة، وخيمت مع نديمتها، “نوفة”، في المكان نفسه للغرض نفسه، لأنها: “تتشرف بغسل ملابس المتظاهرين الأبطال”، بحسب ما كتبته على لافتة رفعتها وراءها.

إصدار صحيفة بطابعة محلية لمواجهة قطع الإنترنت..

لم يقف المحتجون عاجزون مكتوفي الأيدي أمام تصرف الحكومة القمعي بقطع شبكة “الإنترنت”، بل وأمام صحف وقنوات الحكومة وكل تلك الأبواق الإعلامية الممولة من “إيران”، التابعة لها، والتي لا تمل من تشوه صورة الحراك وتلقي عليه تهمًا كاذبة بالعمالة والتحرش بالمتظاهرات وما إلى ذلك من الأكاذيب، راح المتظاهرون يبحثون عن صنع وسيلتهم الإعلامية الخاصة بهم؛ وذلك بإصدار صحيفة يكتبونها بأيديهم تُعبر أصدق التعبير عنهم، يجمعون مادتها ويطبعونها ويوزعونها بأيديهم، وتكريمًا لدور “التوك توك” في إسعاف المتظاهرين؛ أطلقوا عليها اسم صحيفة (التوك توك).

“إذا قتلتمونا كلنا من ستحكمون ؟”.. هو عنوان آخر عدد من صحيفة (التوك توك)، التي يصدرها ويطبعها ويوزعها نشطاء من الحراك، على آلاف المتظاهرين في “ساحة التحرير”، بـ”بغداد”.

تعرض الصفحة الأولى صورًا لمتظاهرون يلوحون بالأعلام، وتحمل الصحيفة اسم مركبة بثلاث عجلات، أصبحت رمزًا للاحتجاجات إثر استخدامها في نقل الجرحى من المتظاهرين إلى المستشفى الميداني، وبدأ صدورها منذ أقل من شهر.

ظهرت (التوك توك) بديلاً عن وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية الموجهة ضدهم؛ ولبلورة مطالب الاحتجاجات بعد قطع خدمة “الإنترنت” لأسابيع، ويقف وراء المشروع نشطاء لهم خبرة في مجال النشر الإلكتروني. يكتبون المقالات ويحررون الصحيفة ويطبعونها في ورش طباعة محلية ويوزعون نحو ألفي نسخة على خيام المتظاهرين عدة مرات في الأسبوع.

ويقول رئيس تحرير الصحيفة: “تُعد إحدى السُبل القليلة التي تُمكن المتظاهرين في الشارع من الحصول على تقارير حقيقية يُعتد بها؛ عن الاضطرابات الجارية في البلاد”.

وتتضمن الصحيفة مقالات يكتبها نشطاء محليون وترجمات لتقارير وسائل إعلام دولية عن “العراق”.

بالمقابل؛ قال متظاهر؛ يقرأ نسخة من الصحيفة: “إنها عظيمة، تحوي بعضًا من أدق الأخبار التي نراها. لا نعرف بالتحديد أين تُكتب وتُطبع، وهذا أفضل على الأرجح حتى لا يتعرض محرروها للاعتقال”.

شعر وإنشاد..

بصوت جهوري، وقدرة عالية على إبتكار الألحان، ولغة عربية حيّة تميل للحزن، خرج المنشد الشاب، “حيدر حسن التميمي”، للمرة الأولى كمنشد للثورة الشبابية، في 2 تشرين أول/أكتوبر 2019، وهو ينشد نشيدًا ثوريًا من متظاهر يطالب بحقوقه مع رفاقه.

وقال “التميمي”: “إننا كمجتمع عربي نميل للشعر والأدب وشعر المعلقات، كما أن شعراء المعلقات هم خير مثال لنا عمن استخدم الشعر والنشيد كوسيلة للحماس، وبث الروح في صفوف الناس، فعلت مثلهم، استخدمت الأناشيد لزيادة الحماس لدى المتظاهرين السلميين المطالبين بحقوقهم المشروع، ولطرح أفكارنا سلميًا”.

وأضاف “التميمي”: “كنت منشدًا للقوات الأمنية في حربها ضد (داعش)، ثم خرجت منشدًا مع كل من نادى بحقوق مشروعة بطريقة سلمية”.

كما لفت إلى أن من يكتب القصائد أخوه الأكبر الشاعر، “أحمد حسن التميمي”، وهو شاعر عراقي معروف، كاتب قصيدة: “لن أخضع والوطن هوية”، وقصيدة: “يا عالم ناديتك فاسمع”، وقصيدة: “نريد وطن”.

وعن ألقابه؛ قال إنه حصل على كثير منها، أهمها: “متنبي العصر”، و”شاعر الثورة”، و”منشد الثورة”، و”هي ألقاب أضافت من مسؤولياتي الكبيرة”. كما شدد على السلمية في التظاهر للوصول إلى الحقوق المشروعة.

رسم وغرافيتي..

لم تتوقف النشاطات عند حد معين؛ فقد أمتلأت جدران الساحات برسومات وصور من قلب الحراك، تحدثت عنه، ونقلت مطالبه، حتى إنها كتبت أوجاعه، ثم غدت تلك الجدران متاحف يقصدها المحتجون لإلتقاط الصور، ولمتابعة كل ما هو جديد نُقش عليها.

يُذكر أن حراكًا شعبيًا في “العراق” كان قد إنطلق منذ أسابيع، في البداية احتجاجًا على غياب الخدمات الأساسية وتفشي البطالة وعجز السلطات السياسية عن إيجاد حلول للأزمات المعيشية، ليتحول لاحقًا إلى المطالبة بتغيير الحكومة، ووقف التدخلات الإيرانية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة