خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في عملية غير مسبوقة، كشف الرئيس الأميركي السابق؛ “دونالد ترامب”، أن ضباط من “مكتب التحقيقات الاتحادي”؛ (إف. بي. آي)، داهموا منزله بمنتجع “مار إيه لاغو” في “فلوريدا”، يوم الإثنين، في الوقت الذي أقر فيه نجله بأن ذلك أتى في إطار تحقيق حول نقل الرئيس الأميركي السابق سجلات رئاسية من “البيت الأبيض” إلى ذلك المنتجع.
تأتي تلك العملية في إطار أحد التحقيقات التي يواجهها “ترامب”؛ بسبب فترة تواجده في منصب الرئيس، وهو التحقيق الخاص بالسجلات، كما تُمثل هذه المداهمة تصعيدًا كبيرًا في ذلك التحقيق.
وتُحقق السلطات الفيدرالية فيما إذا كان مساعدو الرئيس الأميركي السابق؛ “دونالد ترامب”، نقلوا بشكل غير صحيح: 15 صندوقًا من المستندات السرية والهدايا من “البيت الأبيض” إلى منتجع ترامب؛ “مار أيه لاغو”، في “فلوريدا”.
من الجريمة إلى عدم الإدانة..
وتُعتبر عدة قوانين فدرالية أن التفريط بسرية المعلومات أمر يصل إلى مستوى جريمة، سواء أكان ذلك عبر نقلها والاحتفاظ بها في مكان غير مُصرح به، أو إساءة استخدام معلومات الدفاع الوطني، بما في ذلك الخرائط والصور والوثائق، أو إرسالها إلى شخص غير مخول.
كما أن هناك قوانين أخرى كذلك يمكن اللجوء إليها في مثل هذه القضايا، لا تتعلق صراحة بالمعلومات السرية. مثلًا قانون معين يجعل من حيازة أي شخص سجلات حكومية أو تشويهها أو طمسها أو تدميرها عمدًا جناية.
ويُعاقب هذا القانون بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، وينص على أن أي شخص يُدان به يُحرم من تولي منصب الرئاسة في المستقبل، على الرغم من أن مؤهلات من يمكنه الترشح للرئاسة يُحددها الدستور.
إلا أنه بالاستناد إلى سوابق، فإن مجرد إساءة التعامل مع المعلومات السرية ليس كافيًا دائمًا للاتهام بجناية، أو توجيه أي تهم من الأساس.
تحويل المداهمة لصالحه..
واستغلالاً لما حدث، حول “ترامب” الضجة حول قيام “مكتب التحقيقات الفيدرالى” بتفتيش منزله في “فلوريدا”؛ لصالحه مستشهدًا بالتحقيق في رسائل نصية ورسائل عبر البريد الإلكتروني تطلب تبرعات سياسية من أنصاره، بحسب وكالة (رويترز).
ويواصل “ترامب” التلميح علنًا إلى ترشحه للرئاسة مجددًا؛ عام 2024، لكنه لم يقل بوضوح ما إذا كان سيفعل ذلك.
وحاول “ترامب” أن يصّور تفتيش منزله في “مارالاغو” باعتباره خطوة ذات دوافع سياسية من قبل إدارة الرئيس؛ “جو بايدن”، في وقتٍ يلعب فيه الرئيس السابق دورًا رئيسًا في الانتخابات التمهيدية للحزب (الجمهوري) قبل انتخابات التجديد النصفي المُقررة؛ في تشرين ثان/نوفمبر المقبل، والتي ستُحدد لمن ستكون السيطرة في “الكونغرس”.
وقال “ترامب” في رسالة عبر البريد الإلكتروني لجمع التبرعات؛ الثلاثاء: “إنهم يُحاولون إيقاف الحزب (الجمهوري) وإيقافي مرة أخرى… يجب فضح ووقف هذه الممارسات من الخروج على القانون والاضطهاد السياسي وحملات التشهير”.
حملة “أنقذوا أميركا”..
وكان “ترامب” قد أطلق لجنة العمل السياسي: (أنقذوا أميركا)، بعد أيام من خسارته انتخابات 2020 أمام “بايدن”، وتملك اللجنة أكثر من: 100 مليون دولار في أرصدتها بالبنوك.
وتعهد حلفاؤه الجمهوريون في “الكونغرس” ببدء تحقيق في عملية التفتيش نفسها إذا استعادوا السيطرة على “مجلس النواب” أو “مجلس الشيوخ”؛ في تشرين ثان/نوفمبر المقبل.
ورفضت “وزارة العدل” و”مكتب التحقيقات الفيدرالي”؛ التعليق على المداهمة أو حتى تأكيدها بعد أن كشف “ترامب” عنها في بيان يوم الإثنين.
“البيت الأبيض” ينفي علم “بايدن” بالأمر !
ونفى “البيت الأبيض” علم “بايدن” بالأمر، وقال إنه لم يتلق إخطارًا مسبقًا بمداهمة منزل “ترامب”، مشددًا على أن “وزارة العدل” تُجري تحقيقاتها بهذا الشأن بشكلٍ مستقل.
وعملية التفتيش ليست سوى خطوة في التحقيق ولا تعني أن الرئيس السابق سيواجه اتهامات جنائية تلقائيًا أو أنه سيُدان بأي مخالفة.
وقال مصدر مطلع؛ في نيسان/إبريل الماضي، إن “وزارة العدل” بدأت تحقيقًا ما زال في مرحلة مبكرة في نقل “ترامب” سجلات رئاسية إلى منزله في “فلوريدا”.
ويقضي “ترامب”، الذي اتخذ من ناديه في “بالم بيتش” منزلاً منذ مغادرته “البيت الأبيض”؛ في كانون ثان/يناير 2021، الصيف في العموم في نادي الغولف الخاص به في “بيدمينستر”؛ بولاية “نيوغيرسي”، لأن “مارالاغو” تُغلق أبوابها عادة؛ في آيار/مايو بسبب فصل الصيف.
ويأتي التحقيق بعد أن أخطرت إدارة المحفوظات والسجلات الوطنية الأميركية؛ “الكونغرس”، في شباط/فبراير؛ بأنها استعادت حوالي: 15 صندوقًا من وثائق “البيت الأبيض” من منزل “ترامب”؛ في “فلوريدا”، بعضها يحتوي على مواد سرية.
وأعلنت لجنة الرقابة في “مجلس النواب” الأميركي؛ في ذلك الوقت، أنها ستوسع نطاق التحقيق في تصرفات “ترامب” وطلبت من “إدارة المحفوظات” تسليم معلومات إضافية.
وأكد “ترامب”؛ في وقت سابق، أنه وافق على إعادة بعض السجلات إلى “إدارة المحفوظات”، واصفًا إياها بأنها: “عملية عادية وروتينية”.
ننتظر الرأي القانوني..
بسؤال مستشار “ترامب”؛ الذي تواجد معه أثناء توليه المنصب، البرفيسور “غابريال صوما”، ربط بين ما يحدث للرئيس السابق وبين اقتراب انتخابات التجديد النصفي، مضيفًا: “لا نعرف ما هي الوثائق التي حصل عليها عناصر الـ (FBI)؛ أثناء تلك المداهمة، ولم توجه اتهامات ضد الرئيس ترامب؛ حتى الآن، ولذلك لا يوجد مبرر للجوء الآن إلى القضاء في الوقت الحاضر من قبل ترامب، علينا أن ننتظر نتيجة النظر في هذه الوثائق من قبل المحققين لمعرفة ما إذا هناك تجاوزات للقانون”.
وخلال اتصال هاتفي لموقع (24) الإماراتي، أشار “صوما”، وهو أستاذ القانون الدولي، إلى أن “وزارة العدل” الأميركية كانت تُجري مفاوضات مع “ترامب” بخصوص صناديق من الوثائق التي تعتبرها الوزارة بأنها تحتوي على: “معلومات سرية”، وبناءً على طلب الوزارة سلم “ترامب”: 15 صندوقًا في شهر كانون ثان/يناير الماضي، لافتًا إلى أن هذا يعني أن “وزارة العدل” كان بإمكانها أن تتفاوض مع الرئيس “ترامب” لتسلم مزيد من الوثائق التي تُريدها.
تسليح سياسي لـ”وزارة العدل”..
وأوضح “صوما” أن ليلة الإثنين الماضي؛ اتهم نواب ومسؤولون جمهوريون؛ إدارة الرئيس الأميركي الحالي؛ “جو بايدن”، بتسليح “وزارة العدل” سياسيًا بعد أن كشف “ترامب” أن “مكتب التحقيقات الفيدرالي” قد فتش منزله في “فلوريدا”، لافتًا إلى أن زعيم الأقلية في “مجلس النواب” الجمهوري؛ “كيفين مكارثي”، من “كاليفورنيا”؛ قال إن “وزارة العدل” وصلت إلى حالة لا تُطاق من: “التسليح السياسي” وتعهد أن يُشرف الجمهوريون على “وزارة العدل” إذا عادوا إلى “مجلس النواب”؛ في انتخابات التجديد النصفي، في تشرين ثان/نوفمبر من هذا العام.
ملاحقة الخصوم السياسيين..
كما أشار إلى تغريدة السيناتور الأميركي؛ “ريك سكوت”، من “فلوريدا”؛ والذي قال إن تلك العملية جزء من تاريخ إدارة “بايدن” التي تُلاحق الخصوم السياسيين دون تقديم أي تفاصيل داعمة لذلك، مطالبًا بإجابات حول تصرفات “مكتب التحقيقات الفيدرالي”، وأصر على أن المكتب يجب أن يشرح ماذا كانوا يفعلوا مساء يوم الإثنين ولماذا ؟.
وتابع “صوما”: “تحدث السيناتور ليندسي غراهام؛ من ساوث كارولينا، وقال إننا على بُعد: 100 يوم من انتخابات التجديد النصفي ومن المُرجح أن يُرشح ترامب نفسه في انتخابات 2024″، وذلك في إشارة إلى علاقة الأحداث بالانتخابات.
زيادة الضغط القانوني على “ترامب”..
وأثارت تلك المداهمة تساؤلاً حول إمكانية منع “دونالد ترامب”؛ من الترشح للانتخابات الرئاسية لسنة 2024، طرحته المراسلة الدبلوماسية لصحيفة (التايمز) البريطانية؛ “كاثرين فيليب”.
وقالت إن العملية تُمثل تصعيدًا كبيرًا للتحقيقات المختلفة الجارية بشأن أيامه الأخيرة في “البيت الأبيض”، مما يُزيد من فرص اندلاع معركة سياسية إذا أحيل على المحكمة، وهو ما يمكن أن يُدمر أي فرصة لخوضه السباق الرئاسي للمرة الثالثة في عام 2024.
وزادت المداهمة الضغط القانوني على “ترامب” على الجبهات الأخرى التي يتم التحقيق معه فيها، بما في ذلك دوره في أحداث 06 كانون ثان/يناير في (كابيتول هيل).
غضب يُفيد “ترامب”..
وبعدما كان الكثيرون في الحزب (الجمهوري) مترددين بشدة بشأن احتمال ترشحه مجددًا، أثارت أنباء المداهمة شعورًا بالغضب، وهو ما قد يُفيد “ترامب”.
وفي أي حال؛ تُشكل المداهمة خطوة غير مسبوقة تقريبًا من “مكتب التحقيقات الفيدرالي” للتدقيق في تصرفات رئيس سابق، مما يتطلب منهم إقناع القاضي بوجود سبب للإعتقاد بأنه قد يكون هناك دليل على وجود جريمة ومن المُرجح أن تتطلب مثل هذه الخطوة موافقة من أعلى المستويات في “وزارة العدل”، وربما (المدعي العام)؛ “غارلاند”، الذي: “يواجه عملية توازن صعبة للتحقيق مع ترامب”.
ولفتت الكاتبة إلى أن التقارير الواردة بشأن أسباب المداهمة على منزل “ترامب”؛ أثارت تركيزًا حادًا على قانون جنائي يقضي: بـ”عدم أهلية المدعى عليه المدان بالاحتجاز غير القانوني أو إتلاف المواد السرية من تولي المنصب”، و”في حالة الإدانة، يمكن تغريم المدعى عليه أو الحكم عليه بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، وإذا كان يشغل منصبًا فيدراليًا، فإنه (يفقده) ويُحرم من تولي أي منصب في الولايات المتحدة”.
وتخلص: “إذا اتهم ترامب وأدين بإخفاء أو إتلاف السجلات الحكومية بموجب هذا القانون، فيبدو أنه سيتم منعه من الترشح” في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
خبطة كبيرة في السياسة الأميركية..
ومن جهته؛ يرى “مارك إلياس”، المستشار العام السابق لـ”كلينتون”، إن فكرة خوض “ترامب” معركة قانونية بشأن حقه في الترشح لمنصب حتى أثناء حملته الانتخابية ستكون: “خبطة كبيرة في السياسة الأميركية”.
ومع ذلك، يرى آخرون إن تداعيات العملية جعلت من المستحيل تقريبًا رؤية “ترامب” ينهض مرة أخرى، مما يفتح الباب أمام المرشحين الآخرين للتقدم.
ويُذكر أن “ترامب” لم يكن قد أعلن رسميًا عن خوض الانتخابات بعد، ووعد الحزب بأنه سينتظر حتى بعد منتصف المدة.