اعتبرت مجموعة الأزمات الدولية أن أخطر ما يواجهه العراق في المرحلة الراهنة هو شعور السنة المتزايد بالحرمان بسبب سياسة الحكومة المركزية تجاههم، محذرة من أن الفشل في احتوائهم سيؤدي الى نشوب نزاع سني – شيعي وبدعم إقليمي، فيما رأت أن استمرار الخلاف بين بغداد وأربيل ربما يؤدي الى صراع قومي بين العرب والكرد، أو بمستوى أقل نزاع مسلح “بغداد ضد أربيل” او ”الحكومة ضد عناصر سنية”. وأكدت أن التوتر الاقليمي يفاقم الانقسام الداخلي، مبينة أن تركيا ستبقى تلعب دورا كبيرا في العراق إذا بقيت الأزمة الداخلية قائمة.
بالمقابل دعت الحكومة الى التهدئة، والمصالحة الاجتماعية، والاستجابة الى المطالب الطارئة للمتظاهرين من ضمنها إلغاء 4 إرهاب، وإشراكهم بتشريع قانون جديد لمكافحة الارهاب ينسجم مع المرحلة الحالية، كما طالبت في الوقت نفسه المتظاهرين بتنظيم أفضل وتحديد المطالب الواقعية لتنفيذها بدون تأجيل, وفي الأثناء كشفت مجموعة الأزمات الدولية عن تحركها لافتتاح مكتب لها ببغداد لمحاولة منع نشوء نزاع داخلي، وتقديم تقارير هادفة عن الأوضاع القائمة.
وفي مقابلة خاصة مع “العالم” أمس الأثنين، قالت ماريا فانتابي، عضو مجموعة الازمات الدولية، والباحثة المختصة في الشأن العراقي التي تزور بغداد هذه الايام لغرض إعداد تقرير عن الأزمات العراقية، إن “الأزمة الرئيسة التي تواجه العراق تكمن في شعور السنة المتزايد بالحرمان بسبب الحكومة المركزية، وانخفاض معدل الثقة وسط بعض المجاميع السنية في العملية السياسية”، محذرة من أن “الفشل في احتوائهم داخل العملية السياسية قد يعبد الطريق لمواجهة مسلحة والبحث عن دعم إقليمي”.
وأضافت أن “التحدي الآخر يكمن في تحديد وتعريف صلاحيات الحكومة المركزية في بغداد واقليم كردستان, بشأن إدارة الثروات, ونشر القوات الأمنية وسيادة المناطق المتنازع عليها”، منوهة الى أن ”الفشل في حلحلة هذه الأزمات قد يؤدي الى دوران الأزمة المستمر كحلقة مفرغة بين بغداد وأربيل”.
وتعتبر مجموعة الأزمات الدولية “انترناشنال كرايسس غروب -International Crisis Group” التي تأسست العام 1995 المصدر العالمي الأول، المستقل والحيادي للتحليلات والمشورة التي تقدمها للحكومات، والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والبنك الدولي. ويقع مقرها في بروكسل، العاصمة البلجيكية.
وتتمثل مهمتها في منع حدوث النزاعات الدموية من خلال إجراء تحليلات ميدانية ومن خلال إسداء المشورة على أعلى المستويات.
ولفتت فانتابي الى أن “حلقة الأزمات السياسية أدت الى تفاقم التوتر (القومي والطائفي) وسط مكونات المجتمع، ومثال ذلك التوتر القائم بين بغداد وكردستان، فهو قد يصب الزيت على نار الشكوك القائمة بين الجماهير العربية والكردية، الأمر كذلك في الأزمة الأخيرة بين بغداد والمحافظات السنية، والذي أنتج مخاوف من احتمالية حدوث نزاع سني – شيعي”، معتقدة أن “التوتر السياسي المتصاعد في الوضع الراهن، قد يتطور إلى نزاع مسلح بين الأطراف, بغداد ضد أربيل, أو الحكومة ضد بعض العناصر من المجتمع السني”.
ورأت, أن “عدم الاستقرار الاقليمي المجاور للعراق يفاقم الانقسام الداخلي، وكمثال, تركيا ستستمر في لعب دور كبير إذا بقيت أوضاع العراق على حالها، كما أن الأزمات الداخلية القائمة بين الحكومة والجماهير السنية تدور رحاها على خلفية النزاع الجاري في سورية. فالمعسكر الأول يدعم النظام السوري، والمعسكر الثاني يدعم المعارضة السورية المسلحة”.
وفيما إذا كانت المجموعة الدولية تتوقع انفراجا للأزمات التي يعاني منها العراق، ذكرت المختصة في الشأن العراقي في مجموعة الأزمات الدولية، أن “الحل لا زال قائما في تحديد وتعريف القضايا المعلقة في الدستور وبالاطار القانوني، وتحديدا, نظام البلد السياسي, هل سيتم قيادته من قبل حكومة أغلبية أم وفق نظام التحالفات. وشكل الدولة العراقية, هل ستكون قائمة وفق معادلة المركزية أم اللامركزية. ربما تحدث انتخابات 2014 البرلمانية نقطة تحول لتعريف بعض من تلك القضايا، مضيفة “الثمن الذي يجب دفعه لهذه الأزمات الثابتة يتمثل من خلال القيام بالتهدئة, والتطبيع, والمصالحة على المستوى الاجتماعي، والتي تبدو صعبة التحقيق”.
وأفادت أن “الحكومة والأطراف المساهمة في المظاهرات، قادرون على تجنب سيناريو تحويل التوتر السياسي الى نزاع، لذا على المجاميع المساهمة في المظاهرات القيام بتنظيم أفضل لتشكيل نظير فعال قادر على تحديد مجموعة من المطالب الواقعية, ليقوموا بالتفاوض في سبيل إقرارها، وبالتالي يكونون مشاركين في التطبيق والتنفيذ بدون تأجيل”، ماضية بالقول “على الحكومة العمل على إعادة استحواذ ثقة تلك المجاميع من خلال القيام بمجهود أكبر بالترحيب بأهم مطاليبهم الطارئة، وهو إلغاء المادة 4 إرهاب تحديدا، والسماح للطرف المفاوض والذي يمثل المتظاهرين بالمشاركة في صياغة قانون جديد لمكافحة الإرهاب ليناسب المرحلة الواقعية التي استقر عليها البلد, إضافة لذلك فتح التفاوض حول المطالب الأخرى وتحقيقها”.
وتابعت فانتابي “لغرض إطفاء التوتر بين المجتمعات العراقية, على القوى السياسية أن تنأى بنفسها من أي سياسية متأسسة وفق القومية والطائفة في المؤسسات الحكومية (مجلس الوزراء, البرلمان, والمؤسسات القضائية) وتجنب إشعال الأزمات السياسية التي من شأنها لو حصلت، ان تنعش التوتر”، مستطردة “على الحكومة والقوات الأمنية، الشرطة والجيش، احتواء جميع مكونات البلد لكسب ثقة المواطنين المتمثل بايمانهم بأن تلك الجهات تعمل لصالح البلد وليس لصالح فئة معينة”.
ودعت “القوى السياسية العمل باتجاه تأسيس مجموعات وتحالفات سياسية عابرة للقومية والطائفية في الانتخابات النيابية القادمة في 2014 لتشكيل حكومة تكسب شعور المواطن بالثقة في مجال تمثيلها للمصلحة الوطنية، وهذا يمثل جزءا مهما من الحل لهذه الازمة”، كاشفة عن ان مجموعة الأزمات الدولية “منذ شهر شباط 2013, ولتحسن الوضع الأمني في العراق, تعمل على فتح مكتب خاص يمثلها في بغداد لتلافي صعوبات التواصل مع المسؤوليين الحكوميين والأطراف الأخرى، والمساهمة في التقارير الهادفة لمنع وتجنب النزاع.” وبينت فانتابي “مجموعة الأزمات الدولية لديها تاريخ طويل وايجابي في العراق، وهي تنوي مواصلة اللقاءات مع الحكومة وبقية الأطراف لتستمع لوجهات نظرهم حول الأزمات المستمرة, ونحن حريصون على إطلاعهم حول تقاريرنا الصادرة عن العراق والمنطقة, كما ونرحب بأي نقد بناء من قبل جميع الأطراف”، لافتة الى أنه “خلال العام الماضي انصب تركيز مجموعة الأزمات الدولية في دراسة التوتر بين بغداد وأربيل, وقضية سحب الثقة في تموز 2012”.
وأكدت عضو مجموعة الازمات الدولية، أنه “من خلال التواجد المستمر على الأرض, وإصدار تقاريرنا باللغتين الأنكليزية والعربية, اكتسبت مجموعة الأزمات الدولية الشهرة والاحترام داخل العراق, وهذا ما منحنا قابلية أكبر للقاء الشخصيات النافذة الذين يعرضون علينا آراءهم بشكل فاعل، ففي آيار2012, تمت دعوتنا للقاء السيد رئيس الوزراء نوري المالكي, وفي حزيران 2012 مجموعة الأزمات الدولية حضرت افتتاح أول مركز للدراسات الاستراتيجية في العراق”.