خاص : ترجمة – محمد بناية :
القرب والبعد عن إيران وإن كان معيار التقييم من منظور المثالية، لكن قلما تُستخدم هذه الرؤية في دنيا السياسية المعقدة القائمة على المصالح. مع هذا فقد أصبح القرب والبعد عن إيران كما يقول الخبير والمحلل السياسي البارز “صادق ملكي”، معيار الحسن والسوء في المعادلات الدولية والإقليمية, خلال أحدث مقالاته التحليلية التي نشرها مؤخراً موقع صحيفة “الدبلوماسية” الإيرانية.
وحالياً ينأى الجزء الأهم من الشيعة وبخاصة في العراق، بنفسه عن إيران تدريجياً ليحظى بالقبول لدى النظام العالمي والدول الإقليمية، ويقدم الرؤية الوطنية واستقلال العراق مقابل الانفصال عن إيران.
الإيران فوبيا..
لقد انتقلت السلطة في العراق بعد سقوط “صدام حسين” إلى الشيعة، ومن ثم تغييرات المعادلات الإقليمية لصالح إيران بعد التعاون الاستراتيجي بين طهران وبغداد. وبدأ الحديث في اسطنبول حول قوة الفكر والحكم الصفوي، وفي الأردن عن تشكيل هلال شيعي، وإضفاء الصبغة الشيعية على “الإيران فوبيا”. في السياق ذاته دخلت مراكز القوة بالشرق الأوسط في تحالفات سرية ومعلنة تقدم إيران باعتبارها تبلور شيعي وتدعو إلى الوحدة في مواجهتها.
وعقدت الكثير من الاجتماعات في اسطنبول وعمان، انعكست باكورة آثارها في التحدي الحقيقي بين أهل السنة والشيعة في العراق. وكان من نتائج ذلك تقارب “سني – كردي” على حساب العلاقات “الشيعية – الكردية”. وبدأت عملية التصنيف المذهبي في العراق بواسطة “الهاشمي” نائب الرئيس العراقي وتقارب أنقرة مع المملكة العربية السعودية. الأمر الذي أدى في النهاية إلى ظهور تنظيم “داعش” بسبب انعدام خبرة الشيعية بمسألة الحكم بالإضافة إلى المؤامرات الخارجية والأهم المناخ الاجتماعي الملائم.
استراتيجية تشويه إيران اثمرت في سوريا والعراق واليمن..
يستطرد “ملكي” في تتبعه لـ”الطبقات السرية والعلنية من الصراع ضد إيران”, قائلاً: “عموماً وبعد خسارة إيران الشيعية للورقة الفلسطينية الرابحة، تحول تشويه السمعة الإيرانية في الدول الإسلامية ولدى الرأي العام الإسلامي بشكل عام، إلى استراتيجية وهدف مشترك بين تركيا والدول العربية المناهضة لإيران. وقد تحقق لهذه الدول الجزء الأهم من أهدافها، بعد المواجهات الميادنية التي شهدتها السنوات الأخيرة بين الشيعة والسنة في سوريا والعراق واليمن، ومن ثم نجحت في توجيه صدمة قوية لأهداف الثورة في إيران. وبالنظر إلى التطورات الإقليمية الراهنة، فقد دخلت هذه الاستراتيجية مرحلة جديدة تفرض على طهران فهم أبعادها وتأثيراتها”.
ويبدو أن هناك مخطط يهدف إلى عزل طهران عن أتباع المذهب الشيعي، بعد النجاح النسبي في فصل العالم السني عن إيران. وكلما ازدادت الفجوة تمكن أصحاب هذا المخطط من تقديم هذه العزلة بأشكال خاصة مادية ومعنوية. بعبارة أخرى سوف يمثل البعد والقرب من إيران بالنسبة لأتباع المذهب الشيعي في الدول الأخرى (كالعراق وسوريا واليمن….) درجة الاستقلال العملي.
وحالياً تم تفعيل هذا المخطط بشكل قوي في “العراق”، ثم يحين الدور بعد ذلك على “لبنان وباكستان” وغيرها. في المقابل تنخرط طهران في صراعات سياسية وخلافات داخلية وهامشية والاتفاق النووي إلى غير ذلك من المشاكل، في حين أن التطورات العملية التي تحدث حالياً قد تضر بالنفوذ الإيراني الجيوسياسي.
لقد بدأت التطورات وتقديم أدوار جديدة لـ”الحكيم والصدر والعبادي والمالكي” وآخرين بالعراق، وستكون تبعاتها السياسية وأبعادها وتأثيراتها ضرورة استراتيجية بالنسبة لإيران لا يمكن غفران تجاهلها.
لقد كانت الحرب والأزمة في سوريا والعراق, بغض النظر عن انجازاتها, بمثابة ضربة للعالم الإسلامي من المنظور العام. لقد تسببت هذه الأزمة في صدمة جزء مهم من أبناء المذهب السني, كما يقول المحلل السياسي “صادق ملكي”, من إيران وأدت إلى تشويه صورتها لدى الرأي الإسلامي العام.
وبعد تصنيف الشيعة بين الإيرانية والعربية والتركية وغيرها، وتقسيمهم إلى شيعة جيدة وأخرى سيئة، ونسبة السيئة إلى إيران، وقد تواجه الأجيال الشيعية المقبلة أيضاً نفس مصير الأجيال السنية المصدومة من إيران. وإذا حدث ذلك فربما يضر بموروث الخمسمائة عام الإيراني وسوف يترك تأثيرات عميقة على الأمن القومي الإيراني.
الجديد بالذكر أن اللوبي العراقي في إيران قوي جداً، وبخلاف الفرص والتهديدات، يسعى هذا اللوبي في هذه المرحلة إلى تأويل انفصال “الحكيم” عن المجلس الأعلى وتأسيس “تيار الحكمة الوطنية” باعتبارها شأناً انتخابياً. وبالنظر إلى زيارة “العبادي والصدر” إلى المملكة العربية السعودية، وتقارب “إياد علاوي” مع “الصدر”، والانفصال المحتمل للعبادي عن “المالكي” إلى غير ذلك من الأحداث على الساحة العراقية، يكون تفسير هذه التطورات في إطار التطورات الانتخابية عبثياً.