خاص : ترجمة – محمد بناية :
طبقاً للتقارير الإعلامية، بدأت تركيا بتاريخ 8 آب/أغسطس الجاري في بناء جدار عازل بطول 144 كيلومتراً وارتفاع 3 أمتار على الشريط الحدودي بين آغري وايغدير, للحيلولة دون دخول أعضاء “حزب العمال الكردستاني” بخلاف مهربي السلع.
ولم يحظى الخبر باهتمام المحللين؛ لكن فهم أهمية بعض التطورات وقت حدوثها قد يكون أحد عوامل وضع السياسات. فمذ بدأت تركيا مشروعات بناء السدود في الجنوب والجنوب الشرقي المعروف باسم “كاب”، وشاع الحديث حول مسألة النفط مقابل الماء، لم يعد هذا المشروع مجرد خطر على الحياة البيئية فقط، وإنما أحد عوامل تنظيم المعادلات السياسية والأمنية ناهيك عن حجم تبعات المشروع على دول المنطقة. ومسألة إقامة جدار عازل على الحدود الإيرانية التركية يحمل تبعات سرية وعلنية جديرة بالتأمل.
يجب تحطيم الجدران.. الذهنية والجغرافية..
يقول الخبير والمحلل السياسي الإيراني “صادق ملكي”, في أحدث مقالاته المنشورة مؤخراً على موقع صحيفة “الدبلوماسية” الإيرانية، يجب أن تسقط الجدران. فلو لم نسقط الجدران الذهنية بتغيير رؤيتنا فسوف نكون مضطرين لإقامة الجدران الجغرافية. ورغم انعدام الجدران في عالم اليوم والغد لكن عقول الزعماء والدول تصارع الجدران متجاهلين انتهاء تاريخ بناء الجدران، وهذه الغفلة لم تتسبب فقط في بناء الجدر بين أتباعهم وإنما أيضاً داخل أسرهم. لكن حقيقة المشهد السياسي في النظام الدولي والعلاقات العالمية والإقليمية وردود الفعل الداخلية سوف تجبر مثل هؤلاء على تغيير رؤيتهم لكن الشعوب هي من ستدفع تكلفة هذا التغيير.
والآن وبينما تحطم الدنيا هذه الجدر، يشرع الأتراك في بناء جدار. ومعروف أن “تركيا آتاتورك” تصارع العقلية الناجمة عن تجربة “الإمبراطورية العثمانية”. وهذه الدولة تعيش في عزلة بسبب الجدر الذهنية حتى حطمت هذه العزلة بظهور “اوزل”.
وحالياً تفر “تركيا أردوغان”, التي تعاني دائماً من نظرية المؤامرة والانقسام، من جنون الجدر الذهنية إلى بناء الجدر على الحدود. وحقيقة الأمر أن هذه الجدر لن تعجز فقط عن ردع المتطرفين، وإنما لن تحل مشكلة تهريب السلع. لأن المتطرفين والمهربين يجدون طريقهم كما الماء في أصعب الظروف.
والعقلانية تستوجب ايجاد حلول معقولة للقضاء على مشكلة “حزب العمال الكردستاني” وعمليات التهريب. لأن ظهور مثل هذه المشكلات له أسباب معلنة وخفية ومعادلات سياسية وأمنية واجتماعية واقتصادية معقدة، لم ولن تُحل ببناء الجدر العازلة. وفيما يخص الجدار التركي على الحدود الإيرانية، فإنه لا يمكننا التعامل مع تصريحات المسؤولين الأتراك بجدية. ويجب على الأقل التفكير في الجوانب الأخرى لأهداف مثل هذه التصريحات.
فقد شرعت تركيا قبل 2010, في تطهير حدودها من الألغام والأسلاك الشائكة وتطوير علاقاتها مع سوريا إلى المستوى الاستراتيجي, حينها شكك البعض في هذه الخطوة, وقد ساهمت عمليات تطهير الحدود في تسهيل الدعم التركي لـ”داعش” بالتزامن مع الأزمة السورية, فضلاً عن إرسال القوات والدعم اللوجيستي إلى الداخل السوري. لكن وباحتدام الأزمة السورية وتدفق أمواج اللاجئين والمهاجرين على الأراضي التركية تحول الأمر إلى تهديد للجانب التركي.
عقلية بناء الجدران سهلت الدعم لتنظيم “داعش”..
يؤكد المحلل الإيراني على “إن عقلية بناء الجدر لا يمكن أن تمد جسور التعامل بين البشر وبالتالي الدول. وإذ نستثني وهم المؤامرة فيمكن التطرق إلى عدد من الشكوك حول إنشاء هذا الجدار الفاصل. مثلاً هل يعتمد التحليل التركي إمكانية توتر الأوضاع الأيرانية بعد العراق وسوريا، وبالتالي تحول هذا الجدر دون تدفق أمواج اللاجئين والمهاجرين مستقبلاً ؟.. هل تعمل هذه الجدر على فرض السيطرة على المواقع المأزومة ؟.. هل هذه الجدر في ذاتها تهدف إلى الحد من عمليات الخروج والدخول أثناء الأزمات وبالتالي يكون الهدف زيادة عامل الأمان ؟”.
من السذاجة تصديق أن الهدف من بناء الجدار التركي هو الحيلولة دون تردد المتطرفين والمهربين. وحتى لو تقبلنا هذا الكلام، فإن هذا الجدار يؤشر إلى ضعف الأمن الإيراني وعجزه عن تأمين الحدود. إن إنشاء جدار على الحدود الإيرانية يهدف من منظور تركي أعمق إلى فصل “تركيا المتطورة” عن “إيران النامية” وتهميشها, وهذا العمل يحمل إهانة للحرمة الإيرانية الوطنية.
لقد كانت تركيا بالأمس جزءً من إيران التاريخية والثقافية. وهذا الجدار لا ينسجم والصداقة التاريخية القديمة بين الشعبين التركي والإيراني. إن جدار “تركيا أردوغان” هو نتاج النظرة القومية – المذهبية, والتماهي مع تنظيم “داعش”. لكن نحن في إيران لا ينبغي أن نسجل هذا العمل باسم الشعب التركي. فالجدران لن تقضي على أزمات المتطرفين والمهربين، الجدران لا يمكنها تحقيق الأمن. ولكن لابد من تغيير العقول لتوفير الأمن والاستقرار. لابد من القضاء ليس فقط على الجدر العقلية وإنما أيضاً الفيزيائية والتعامل مع بعضنا البعض من منظور المصالح المتبادلة.
الطريف أنه, ورغم إعلان “روحاني” قبيل أشهر, عن انتهاء عصر بناء الجدران، فإن موقف وزارة الخارجية المرحب بالخطوة التركية يضعنا أمام شكوك حول الواجب عمله إزاء هذه الجدر !.